21 سبتمبر.. ثورة من أجل مشاركة الجميع

 

قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي:
رغم أن اتفاق السِّلم والشراكة قدَّم درساً مهماً عن ثورة شعبية واعترفت به القوى الخارجية بما في ذلك الدول العشر نفسها إلا أن البعض كان غير إيْجَابي في التعاطي مع الاتفاق
دبلوماسيون:ثورة 21 سبتمبر حملت قواسم المعاناة المشتركة لكل اليمنيين وعمَّدت هذا التوجه بالتوقيع على اتفاق السلم والشراكة
اللجنة الثورية كانت ضرورة وطنية لإنقاذ مؤسسات الدولة وقد شُكِّلت من شخصيات مثلت كافة الأطياف اليمنية
المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ الوطني عكسا الشراكة التي كرستها الثورة منذ أيامها الأولى
إداريون:
الثورة سلكت مبدأ الشراكة منذ أول يوم للحفاظ على مؤسسات الدولة ولم تمارس الإقصاء الإداري والوظيفي

شكلت ثورة 21 سبتمبر 2014م حاملا جيدا وجديرا بالقواسم المشتركة لـ30 مليون نسمة هم سكان اليمن الذين يتقاسمون الفقر والبطالة وضياع الفرص لصالح قلة من الفاسدين المتحكمين بالثروة ولا يمثلون 1 % من سكان البلاد الذين يغتلون على تلك القواسم المشتركة من الهموم والمعاناة التي قامت لأجلها ثورة 21 سبتمبر 2014م منطلقة من أساس الشراكة في الحكم والثروة والمسؤولية… فكيف تحققت تلك الشراكة من أول يوم…؟ وكيف تشكلت اللجنة الثورية ومنهم أعضاؤها…؟ ومن هدم اتفاق السلم والشراكة…؟ وكيف حافظت الثورة بعد ذلك على الشراكة في المجلس السياسي وحكومة الإنقاذ وكيف تجاوزت التحديات…؟
في هذه المادة نعيد قراءة مسار الشراكة في أهداف وأدبيات ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر وغيرها من الأسئلة التي سنجيب عليها في هذه المادة…… إلى التفاصيل:

إعداد وقراءة/ محمد إبراهيم

لم تكن اليمن فقيرة كما قيل، بل غنية ببشرها ومواردها وخارطتها وبحرها وبرها وجوها، لكن الشعب اليمني كان يعيش الأزمات المتفاقمة رغم أنه يقطن جغرافيا مكتنزة بثروات النفط والغاز والموارد الطبيعية الأخرى، لكن المعضلة أن هذه الثروات والفرص الاستثمارية وفرص العمل والوظيفة العليا، كانت تتركز في أيادي قلة قليلة من الناس، تتمثل هذه القلة في أجنحة الشخصيات التي تقود أجنحة (السياسة، والقبيلة، والعسكر، والدين) وهي قوى يمثلها نافذون معدودون، ما يميزهم عن أبناء الشعب اليمني هو أن أساسات بقاء الحكم مكفولة باستمرار تقاسمهم للمصالح الثروات والقرارات الاقتصادية خارج مصالح عامة سكان اليمن الذين يتجاوز تعدادهم 30 مليون نسمة، يتقاسمون المعاناة وغلاء الأسعار وتتابع الجرع، واتساع البطالة، وغيرها من الهموم المشتركة ظلت تلك القواسم المشتركة أكثر من ثلاثة عقود مخيمة على اليمنيين الذين كانت تغتلي بدواخلهم ثورات، لكنها لم تلق القيادة التي تحمل المشروع القائم على الشراكة، خصوصا بعد تجربة ربيع 2011م التي استحالت إلى أزمة تمت تسويتها بين أطراف الحكم وشركائه في المعارضة، فأعادوا تقاسم الثروة وفق مبادرات لا تلبي إلى مصالح الخارج أو الدول العشر الراعية، التي تسعى كيف تظل سلطتها مهيمنة على القرار اليمني، وشركاتها على منابع النفط والغاز فيما القوى السالفة الذكر تتقاسم فتات تلك الشركات العملاقة، أما عامة الشعب فكانوا يعانون شظف العيش ودوامات الصراعات ورحى الموت، وتجرع الزيف على أنه حقائق والحقائق على أنها زيف، وغيرها من القواسم المشتركة بين عامة الشعب اليمني، الذي ينتظر من الخارج ممثلا بسفراء الدول العشر وعلى رأسها واشنطن، أن يترجم الشعارات وينقذ اليمن ويحفظ أمنه واستقلاله ووحدته، لكن ذلك لم يأت رغم أن الشعب بات على حافة الانهيار والإفلاس، وعند هذه النقطة كانت قيادة أنصار ممثلة بسماحة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، تتابع باهتمام، وتحذر من مغبة التفريط بالقرار اليمني لصالح الخارج الذي بات هو المتحكم بمؤسسات الدولة الأمنية والمدنية والعسكرية.. فكانت ثورة 21 من سبتمبر المباركة هي المخرج الحقيقي، الذي سيحمل الهم الجمعي والمطلب الشعبي المتمثل في الحرية والاستقلال من كل أشكال الوصاية الأجنبية والتبعية الاقتصادية..
ومنذ لحظتها الأولى لم تكن ثورة 21 سبتمبر 2014م صادرة عن فئة بعينها أو حزب أو حركة بل كانت ثورة الجميع ضد من سام الجميع سوء الوصاية السياسية والتبعية الاقتصادية للخارج، وجاءت وفق تحرك شعبي قوبل بالكثير من المعوقات والتحديات منذ الوهلة الأولى من قبل الخارج الذي وقف موقفاً سلبياً منددا بهذا التحرك الشعبي، وواقفا إلى جانب أدواته بكل الوسائل، بالرغم من أن الذي توجه يوم الحادي والعشرين هو اتفاق السِّلم والشركة، وهو اتفاق منصف لأدوات ذلك العدوان حتى لأولئك العملاء والمرتزقة، بمعنى أن الثورة الشعبية حرصت على أن تتسع أهدافها ومطالبها ومسارها السياسي لكل أبناء هذا البلد حتى المتآمرين على بلدهم وعلى أنفسهم بغبائهم اتسع لهم اتفاق السِّلم والشراكة لكنهم هم لم يتسعوا لهذا الشعب.. وفقا لخطابات ومحاضرات سماحة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي الذي قال في جانب من خطابه في الذكرى الثالثة للثورة: “رغم أن اتفاق السِّلم والشراكة قدَّم درساً مهماً عن ثورة شعبية مدت اليد لكل المكونات في هذا البلد حتى مع كُلّ أولئك الذين وقفوا ضدها واختلفوا معها وسعوا بكل ما يستطيعون للقضاء عليها، ومع كُلّ هذا المستوى العظيم من الإيْجَابية العالية جداً، من التفاهم والحرص الكبير على استقرار هذا البلد كان البعض غير إيْجَابي، تعاطوا آنذاك مع اتفاق السِّلم والشراكة وقعت كُلّ المكونات في الداخل، اعترفت به القوى الخارجية بما في ذلك الدول العشر نفسها، النظام السعودي آنذاك اعترف بهذا الاتفاق ورحب بهذا الاتفاق مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي، ودول كثيرة.. أَصْبَح هذا الاتفاق معترفاً به لدى الجميع في الخارج وفي الداخل، ومع ذلك تنكر له الآخرون وعملوا بكل جهد على إفشال هذا الاتفاق والتآمر على هذا الشعب تآمراً كبيراً في مسعى منهم لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه في السابق، إعادة الوصاية والسيطرة الأجنبية”.
انحراف الحوار عن الشراكة
تمثلت أولى المؤشرات الإجرائية للانقلاب السياسي على الشراكة الوطنية المفترضة والمؤطرة لمجريات مراحل الحوار الوطني الشامل، في التجاوزات المتعمدة التي سلكتها الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار، خرجت منذ يناير 2014 عن مهامها المحددة بـ”وثيقة الضمانات”، والقرار الجمهوري رقم (30) لسنة 2014م الخاص بإنشائها، وتحوّلت من رقابية إلى تنفيذية، “إذ أقرت تشكيل ثلاث لجان منها لجنة لإعداد مشروع الاصطفاف الوطني، وميثاق شرف القوى الوطنية بالمخالفة للمهام المحددة لها في البند (3) من وثيقة ضمانات تنفيذ مخرجات الحوار الصادرة عن مؤتمر الحوار الوطني الشامل، والمادة السادسة من القرار الجمهوري رقم 30 لسنة 2014م” ،وإقحام الهيئة في مشروع الاصطفاف وميثاق الشرف يهدف إلى إبعادها عن مهامها الأساسية، وإشغالها بالخلافات والتباينات السياسية القائمة بين الأحزاب والتنظيمات السياسية، ولم تكتف الهيئة بتلك التجاوزات رغم كل الاعتراضات، بل دشنت اجتماعاتها وسط مقاطعة ممثلي جماعة أنصار الله التي أعلنت رفضها المشاركة إلا بعد أن يتم تصحيح المخالفات والتجاوزات التي تمت منذ انتهاء مؤتمر الحوار الوطني، والتشديد على ضرورة تصحيحها بما في ذلك قرار لجنة تحديد الأقاليم المختل، ولكن الأزمة ظلت قائمة والرئيس هادي حينها وحكومة باسندوية تمضي من طرف واحد على الاحتفاء بالمخرجات غير المتفق عليها وفق أساسات الحوار الوطني الشامل، وما ترافق عنها حروب مفتوحة تقف وراءها الحكومة صعدة وعمران وغيرها خلال الأشهر العصيبة التي سبقت قيام ثورة 21 سبتمبر التي ارتكز مطالبها وأساساتها على إحلال السلم والشراكة في المسؤولية إزاء قضايا الشعب، مشددة على ضرورة إيقاف السياسات الحكومية ومنها الجرعة القاتلة التي أعلنها هادي في وقت سابق من أغسطس 2014م، ومع انطلاق ثورة 21 سبتمبر 2014م حدد قائد الثورة عبد الملك بدر الدين الحوثي أربعة شروط لإنهاء الأزمة في اليمن ومنها سرعة تصحيح وضع الهيئة الوطنية للرقابة على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وسرعة تعديل مسودة الدستور وسرعة تنفيذ اتفاق السلم والشراكة وإجراء معالجة أمنية شاملة كشرط أساسي لحل الأزمة.. وفي 22 من سبتمبر وبعد استقالة حكومة باسندوة تم الحوار بين المكونات السياسية والذي أفضى إلى التوقيع على اتفاق السلم والشراكة وتشكيل حكومة خالد بحاح لإدارة الدولة، على أن تستمر القوى السياسية في الحوار حول القضايا المختلف بشأنها ومنها شكل الدولة ودستورها ونظام الحكم.
ومن نقاط التجاوزات والمخالفات في أعمال الهيئة إقدامها على استلام مسودة الدستور قبل جاهزيتها، وتجاوزها مرجعيات العملية السياسية حيث نصت على الستة الأقاليم في مخالفة صارخة لوثيقة السلم والشراكة وتحديداً بندها العاشر الذي نص على: “تعمل الهيئة الوطنية عبر الإشراف على لجنة صياغة الدستورّ- ضمن قضايا أخرى- على معالجة قضية شكل الدولة بطريقة تلتزم بمخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل” هذا بالإضافة إلى بعض الاختلالات الأخرى .
وأثناء ذلك أدركت القوى الخارجية المعادية للثورة وأدواتها في الداخل أن مشاريعها وخططها ستفشل في حالة وصول أبناء اليمن إلى اتفاق وطني جامع شامل، فبادرت تلك القوى إلى افتعال الأزمات ومحاولة تعطيل الحوار الذي أوشك على الاستكمال برعاية ممثل الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر ، وبادرت حكومة بحاح إلى تقديم استقالتها وقدم هادي استقالته كمؤامرة لإرباك المشهد السياسي لإيجاد واقع فوضوي في الساحة اليمنية ينهي اتفاق السِّلم والشراكة الذي أتت به ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر الموقع من كل الأطراف السياسية.
المؤامرة على اتفاق السلم والشراكة
كانت قناة العدوان الأول (العربية الحدث) تواكب الأخبار العاجلة من صنعاء وبصورة من البشاشة والأجواء الفرائحية، وذلك في ليلة الـ22 من يناير قدَّمَ الفار هادي استقالته من منصبه كرئيس للجمهورية، وما هي إلا ساعاتٌ وقدّم خالد بحاح استقالتَه أَيْـضاً كرئيس للحكومة دون أن يعلمَ أعضاء حكومته بذلك؛ لتتضحَ الرؤية في ذلك الحين أن أمريكا والسعودية أوعزتا إليهما بذلك بعد أن أفشلت اللجانُ الشعبية المؤامرة التي كانت تهدفُ إلى تمرير مسودة الدستور التي صاغها هادي ومَن معه على غير ما تم الاتفاق عليه، فكانت الاستقالاتُ بهدف خلق فراغ سياسي يعيقُ مسار ثورة 21 سبتمبر ويحمّلها العبءَ، وفي محاولة للضغط على قوى الثورة للرضوخ للمخططات الأمريكية بشأن الدستور ومسألة الأقاليم التي كانت مطروحةً في ذلك الوقت وسعي أمريكا لإقرارها دون دراسة بهدف خلقِ صيغةٍ تسهِّلُ تقسيمَ البلاد.
وعقبَ تقديم الفارِّ هادي ورئيس حكومته استقالتهما بخمسة أيام خرَجَ السيدُ عبدُالملك الحوثي بخطابٍ متلفزٍ ألقاه في 27 يناير وعلّق على أن خطوة اللجان الشعبية كانت في سياق العَودة للاتفاق المبرم والالتزام، وقال في خطابه: “كان يُفترَضُ أن تلقى هذه الخطوة، بمطالبها وما رمت إليه وسعت لتحقيقه، أن تلقى بالحدّ الأدنى تفهماً، تفهماً من الجميع، وتفاعُلاً إيجابياً، ولكن كانت الخطوة الغريبة، غريبة في مقابل ما حصل، في مقابل ما طُولب به، في مقابل ما سعينا إليه، كانت الخطوة الشاذة غير السليمة هي الخطوة التي تمثلت باستقالة الرئيس وكذلك تقديم الحكومة لاستقالتها”.
وقال السيد عبدالملك الحوثي معلقاً على تلك الاستقالات تلك: “نحن ندرك ولربما الجميع يدرك، أو الأكثر يدرك، أنها كانت خطوة تهدف إلى مناورة، يعني كانت خطوة غير جادة، الهدف منها مناورة من أجل الابتزاز، من أجل العمل على فرض تلك الالتفافات التي يسعون لفرضها في الواقع، ولكن.. رُب ضارة نافعة”، وعند هذه العبارة أكد المحللون أن القوى المرتبطة بالسعودية أدركت تماما أنها فشلت في ابتزاز الثورة، ولذلك ولأسباب براغماتية خالصة ذهبت المكونات السياسية للمفاوضات السياسية في فندق موفمبيك برعاية المبعوث الأممي إلى الـيَـمَـن في حينه إسماعيل ولد الشيخ، وكانت لدى تلك المكونات قناعة بتجاوز مرحلة هادي والسير في طريق الوصول إلى فترة انتقالية بمشاركة المكونات السياسية كلها.
الخروج من حالة الجمود
منذ استقالة هادي وحكومته جرت المفاوضات برعاية أممية بُغية التوصُّل لاتفاق سياسي للمرحلة المقبلة إلا أن بعضَ المكونات المرتبطة بالسعودية على رأسها الإصلاح ظلت تماطلُ، ففي حين كان ممثلو الإصلاح في تلك المفاوضات يتوصلون إلى اتفاق مع القوى الأخرى كان الحزب بتعليمات سعودية يعود بعد ذلك بساعات ويصدر بيانات تؤكدُ تمسكه بشرعية هادي رغم أنه كان يصر على استقالته وبذلك يتم نسفُ الاتفاقات، وأعطيت للقوى السياسية مُهلةً معلنةً للتوصُّــل إلى اتفاق يُخْرِجُ البلاد من حالة الفراغ السياسي، إلا أن المهلة انتهت ولم تتوصل المكونات السياسية لأي اتفاق فكان الإعلانُ الدستوري.
وفي 6 فبراير ومن داخل القصر الجمهوري وبحضور سياسي وقبَلي وعسكري كبير تم الكشف عن “الإعلان الدستوري” والذي أوضح في مقدمته أنه جاء بعد أن بذلت “المكونات السياسية المؤمنة بثورة الـ11 من فبراير والـ21 من سبتمبر، جهوداً مضنية لاحتواء الموقف، وإقناع المكونات السياسية بمبدأ السلم والشراكة للخروج بالوطن من الفراغ الذي خلّفته الاستقالة المفاجئة وغير المبرَّرة لرئيس الجمهورية والحكومة.
وأقر الإعلان الدستوري 15 مادة والذي نص على تشكيل مجلس وطني، وتشكيل مجلس رئاسي، واختصاص اللجنة الثورية باتخاذ كافة الإجراءات والتدابير الضرورية لحماية سيادة الوطن وضمان أمنه واستقراره وحماية حقوق وحريات المواطنين، ويمكن العودة إلى نص الإعلان الدستوري للتعرف على كافة مواده تلك.
وفي 9 فبراير وعقب أيام من الإعلان الدستوري غادر السفير الأمريكي العاصمة صنعاء بعد أن فقد القدرة على التحرُّك خارج السياق الدبلوماسي المتعارف عليه بعد أن اعتاد على التحرُّك بحرية وامتلاك سلطات تطعن في سيادة البلاد في فترة حكم الفار هادي؛ ليجد أن وجودَه لم يعد مفيداً، حيث غادر العاصمة صنعاء، وهناك في واشنطن بدأت المؤامرة التي دفعت بمزيد من المماطلات في الوصول إلى حل سياسي بينما كانت واشنطن والرياض تعدان العُـــدَّة للعدوان.
وبالتزامُن مع ذكرى مجزَرة جمعة الكرامة التي توافق 18 مارس جرى اغتيالُ الشهيد عبدالكريم الخيواني أمامَ منزله في صنعاء، في حادثة اغتيال مثلت فاجعة بحجم ما يمثله الخيواني من رمزية للحرّيات وحقوق الإنسان وما يمثله من رمزية للنضال والثورة خطوةً مدروسةً من قبل القوى التي تقفُ وراء اغتياله باعتباره صوتاً مسموعاً عالمياً سيُفسِدُ الكثيرَ من مخططات العدوان التي كانت تُطبخ في واشنطن.
اغتيالُ الخيواني شغل الرأي العام المحلي والعربي والدولي، حيث أشارت بعضُ التقارير التي تناولت اغتياله إلى “أن اغتيال شخصية وطنية بحجم الشهيد الخيواني، جاء لاستكمال خيوط المؤامرة التي تُدبر للـيَـمَـن والـيَـمَـنيين؛ بهدف وضع العصي في دولاب الثورة الـيَـمَـنية، لحرفها عن مسارها أَوْ إيقافها، للحيلولة دون الوصول إلى أهدافها في التحرر من الهيمنة والتبعية للسعودية، وإسدال الستار على المسرحية الطويلة كُتبت فصولها في السعودية في زمن الملك محمد بن سعود، والتي فرضت على الـيَـمَـن دورَ التابع الضعيف، والمسكون بانعدام الأمن والفوضى، والمحتاج دوماً للخارج بهدف دفع شبح الجوع عنه”.
المؤامرة تخرج إلى العلن
في 26 مارس تم استقدامُ الفارّ هادي بملابس عُمانية إلى الرياض في خطوة تجميلية للمخطَّط الذي جرى الإعلانُ عنه بالغارات بعد ساعات من وصوله إليها، حيث استيقظ الـيَـمَـنيون ليلتها على وقع الغارات وإعلان السفير السعودي لدى واشنطن تبني بلاده وتحالفها للعدوان الذي انطلق ضد الـيَـمَـنيين في طول البلاد وعرضها، وكانت خطوة السفير السعودي بإعلانه عن العدوان من واشنطن بالتزامن مع بيان مؤيد من قبَل البيت الأبيض الذي أعلن مساندته اللوجيستية للعدوان.. كلها كانت كافيةً ليعرف الـيَـمَـنيون أنهم يواجهون عدواناً سعودياً أمريكياً بامتياز.
وقال بيان البيت الأبيض إنه يعلن: “عن موافقة رئيسِ الولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما، على تقديم دعم لوجستي واستخباراتي لعملية “عاصفة الحزم” العسكرية في الـيَـمَـن”. وفي ذلك الحين كانت الطائرات السعودية قد أنجزت أول مهمة بارتكاب أول جريمة حين استهدفت منزلاً بالعاصمة صنعاء ليسقط أول الشهداء والجرحى من المدنيين.
وفي 16 من أبريل قدّم المبعوث الأممي استقالتَه من مهمته كمبعوث يمثل أمين عام الأمم المتحدة بالـيَـمَـن، وقال في مقابلة صحفية لاحقة “إنّ الوصول إلى اتفاق سياسي كان وشيكاً قبيل بدء العدوان السعودي على الـيَـمَـن، مما ساهم في تصلّب مواقف الأطراف المتنازعة.. ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن بن عمر قوله إنّ العملية العسكرية في الـيَـمَـن عقّدت المسار السياسي في البلاد”. وعاد بعد ذلك ليؤكد ما قاله في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن، وبذلك أكد أن العدوان السعودي سعى لإفشال أي اتفاق سياسي، وأكد صحة أن الرياض كانت توعزُ لاتباعها بالمماطلة في المفاوضات.
الشراكة الشعبية
تعد ثورة 21 من سبتمبر، أول ثورة شعبية حقيقية في تاريخ اليمن لم تستند أو تلجأ إلى طرف خارجي، شاركت فيها كافة فئات الشعب اليمني بمختلف أطيافه السياسية، وهو ما أكده عدد من المراقبون والدبلوماسيون لافتين إلى أن الثورة لم تكن فقط نتائج عن شراكة نخبوية سياسية بل ثورة ناتجة عن شراكة شعبية واسعة، لتأخذ شكلاً جماهيرياً واسعاً من حيث الكم، فكانت استفتاء شعبياً ديمقراطياً على مشروعية التغيير، ومتنوعاً من حيث الكيف حيث استوعبت اليمنيين بمختلف انتماءاتهم السياسية والجغرافية من كافة الخارطة اليمنية شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.
وأكد سعادة السفير الدكتور أحمد العماد رئيس فريق التواصل الوطني الخارجي، رئيس مجلس الأمناء بالمؤسسة العلمية لرعاية المبدعين، أن الشراكة في ثورة 21 سبتمبر لم تكن شعارا فحسب بل فكرا وسلوكا وقواسما مشتركة لدى كل من خرجوا يطالبون بمطالب مشروعة وهموم جمعية يطالبون بوطن يحتضن الجميع، موضحا أن ثورة الـ 21 من سبتمبر حملت قواسم المعاناة المشتركة لكل اليمنيين، وعمّدت هذا التوجه بالتوقيع على اتفاق السلم والشراكة، مؤكدا أن اللجنة الثورية التي شملت شخصيات تمثل كافة الأطياف اليمنية السياسية والاجتماعية، كانت ركيزة ضرورية للحفاظ على مؤسسات الدولة في الوقت الصعب الذي حاول السلطات تركها للفراغ من أجل خلق فوضى تقضي على الثورة وعلى اتفاق السلم والشراكة.
ولفت الدكتور العماد إلى أن الأهم في الأمر هو أن القيادة الثورية ممثلة بالسيد عبد الملك الحوثي أكدت منذ البداية على أهمية الشراكة في تحمل مسؤولية تخليص الشعب اليمني من الوصاية الأجنبية والتبعية الاقتصادية وإيقاف الأيادي الخارجية من نهب الثروات ومحاولات تحويل هذا الشعب الحضاري من منتج وفاعل إقليمي ودولي إلى مستهلك لكل ما تنتجه دول تحالف العدوان..
وقال: إن الشراكة تحققت بأسمى معانيها في اللجنة الثورية وفي المجلس السياسي وفي حكومة الإنقاذ حيث ضمت مكون أنصار الله الذي كان في مقدمة صفوف الثورة حاملا للمطالب الشعبي وكان الأكثر اقداما وشجاعة وتضحية في مواجهة العدوان، وكذلك الشرفاء وهم كثر في المؤتمر الشعبي العام والأحزاب الوطنية المناهضة للعدوان والمقاومة بكل صدق وتضحية.. مؤكدا أن هذه الشراكة لم يكن دربها سالكا فقد اعترضتها التحديات الجسام التي كان أهمها فتنة 2 ديسمبر التي حاول صالح فيها القضاء على الشراكة والعودة إلى الحكم على حساب إقصاء طرف سياسي بل أطراف هي الأساس في مجابهة أعتى عدوان شهده تاريخ المنطقة العربية والشرق أوسطية والعالم.
لم تمارس الإقصاء
تجلت المضامين الديموقراطية لثورة 21سبتمبر وقبولها حتى بالخصوم، في ممارسة أنصار الله في مختلف المسائل والقضايا في الوظيفة العامة في أمان حُرية التنقل، وحرية الفكر واحترام الرأي، ومزاولة الأنشطة الثقافية بشكل سلمي، وحرية الانتماء والتعددية السياسية، حيث برزت هذه المضامين في الاتفاقات التي وقعها أنصار الله مع كل القبائل والأطراف حتى قبل انبلاج ضحى ثورة الـ 21 من سبتمبر المباركة.
وبعد قيام ثورة 21 سبتمبر تجلت الشراكة والديمقراطية في ممارسات اللجنة الثورية التي أصبحت تمثل كل أطياف الشعب، فلم تقص أحداً في المؤسسات حسب إداريين وشاغلي الوظائف العامة في مؤسسات الدولة وكياناتها، حيث أكد وكيل وزارة المغتربين لقطاع الجاليات أن مبدأ التعايش والسلام وعدم الاقتصاد تجلس في الحفاظ على مؤسسات الدولة بكوادرها وموظفيها ولم يتم أقصاء احد إلا من ترك العمل وذهب خطأ مع الطرف الذي يستهدف الشراكة والبلاد برمتها.
وقال المعمري: بعد سبع سنوات من العدوان والحصار نرى أن أساسيات الشراكة قائمة بين المكونات الرئيسية خاصة المؤتمر وأنصار الله يتجسد ذلك في المجلس السياسي الأعلى الذي يضم المؤتمر وأنصار الله كما أن الشراكة قائمة في أغلب مؤسسات الدولة والجميع يعمل من خلال موقعة لما فيه مصلحة الوطن والمواطن ومواجهة العدوان والحصار السافر بشتى الوسائل.. مضيفا: كما يوجد في مؤسسات الدولة الكثير من أطياف أخرى سواء كانوا مستقلين أو منتظمين تحت أحزاب وطنية يعملون في اتجاه واحد بما يكفل أنهاء العدوان والحصار المفروض على الشعب اليمني ونعتبر جميع الفئات السياسية المقاومة للعدوان من خلال مواقعها وخدمة المجتمع والمواطن هي فئات وطنية حرة لا تقبل الوصاية والعمالة.
أخيراً
وبالعودة إلى الإعلان الدستوري والالتفاف الشعبي المفاجئ تجدر الإشارة إلى أن ذلك الفكر والسلوك الذي ينم عن مصداقية قيادة ثورة 21 سبتمبر كان سببا منطقيا في الالتفاف الشعبي لكافة أبناء الشعب حول الإعلان الدستوري الصادر عن اللجنة الثورية لتنظيم قواعد الحكم في اليمن خلال المرحلة الانتقالية بعد تعذر التوافق بين الأطراف السياسية للتوصل إلى حلول للخروج بالوطن من ذلك الوضع الراهن وتجنيبه الفراغ الدستوري والانزلاق نحو الفوضى، أعلنت يومها الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني عن تأييدها. معبرة عن مباركتها وتأييدها للإعلان الدستوري والذي ينظم المرحلة الانتقالية على أسس الشراكة الوطنية وبناء الدولة المنشودة، معتبرة أن هذا الإعلان يهدف للوصول باليمن إلى بر الأمان، وجاء استجابة للضرورة الوطنية وبعد أن فشلت القوى السياسية في الاتفاق على حلول تجنب البلاد الفراغ الدستوري والفوضى والتمزق.

قد يعجبك ايضا