قائدها وطني ولم تفرضها جهة خارجية وموَّلتها قوافل الشعب

21 سبتمبر.. إرادة شعبية التفت حولها جميع الأطياف والمكونات

ثورة شعبية يمنية خالصة عبّرت عن أطياف اليمن

“ما أجمل تلك المواكب التي اتجهت نحو عواصم المحافظات، ثم نحو صنعاء! وما أجمل ذلك التجمهر الواسع لأبناء هذا الشعب، وذلك التحرك الجماهيري البارز والحاشد والهادر في الساحات، وتلك الأصوات التي امتلأت بها الساحات، وسمع بها كل العالم”.
هكذا عبّر السيد عبد الملك الحوثي – قائد ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر – عن مشهد الثورة وجمالها، وفي السطور القادمة نستعرض أهم ما يميزها عن غيرها من الثورات:
الثورة / أحمد السعيدي

إرادة شعبية
عبرت ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر، عن الإرادة الشعبية الكبيرة تجاه الحالة العبثية التي أوجدتها القوى النافذة المرتهنة للخارج، وخرجت جموع الشعب في ثورة لإسقاط رموز الفساد وعصابة اللصوص وصُنّاع الأزمات، ولتعيد اليمن إلى حضن الإرادة الشعبية والقرار المحلي بعيدا عن حسابات ومصالح الخارج, فمنذ العام 2012م بدأت تتشكل عوامل ومسارات الثورة انطلاقا من المسيرات الرافضة للمبادرة الخليجية وحكومة الوصاية وعلى مدى سنتين تصاعد الرفض الشعبي المعبر عن إرادته ضد تلك الحكومة وسياستها كونها جاءت على أنقاض نظام فاسد لتكرس فسادا وإقصاء وتهميشاً واستحواذاً أكثر مما سبق وتغرق البلاد في فساد خطير كان يهدد اليمن بالانزلاق إلى الهاوية، وكان الشارع العام يعلن حالة السخط الشعبي ضد هذه الحكومة وارتهانها للخارج.
مع بداية دخول الأطراف السياسية في حوار وطني كان ميدان الغضب الشعبي يتمدد كنتيجة طبيعية لمناهضة لعبة الكواليس التي دبرها القائمون على طاولة الحوار والأجندات الخارجية التي كانت تمررها قوى وعصابات النفوذ ولم تسلم منها حتى نتائج الحوار ومقرراته من تحوير وتلاعب القوى الرجعية والتقليدية واستمرت في المماطلة مقابل تمرير مشاريعها ومخططاتها التدميرية والتفكيكية، بما يخدم مصالح القوى الخارجية على حساب الوطن والشعب، فحاولت تطويع الشعب لمخططاتها، تارة عبر عمليات إجرامية كالتفجيرات والتفخيخ والاغتيالات ومهاجمة النقاط الأمنية والعسكرية وتفجير المصلين في المساجد وتسليم المعسكرات وسلاح الجيش للجماعات التكفيرية ومليشيات الإصلاح وهادي، وتارة بافتعال أزمات اقتصادية انتهت بقرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية وإقرار جرعة فوق قدرة المواطن.

حشود غفيرة
وضد الجرعة وحكومة الفساد والأزمات – ومن أجل تنفيذ مخرجات الحوار – هبت جماهير الثوار في مسيرات مليونية في عموم المحافظات تحت سقف المطالب الشعبية العادلة، ونتيجة استمرار المماطلة وتجاهل إرادة وخيارات الشعب، تم رفع سقف النشاط الثوري بعد 3 مراحل تصعيدية انتهت بسقوط رموز الفساد والإطاحة بالحكومة وفرار عصابة اللصوص التي كان يتزعمها علي محسن وأولاد الأحمر والقيادات السياسية المحسوبة عليهم، فكانت البداية من مسيرة الإنذار الكبرى التي خرجت في العاصمة صنعاء وحضرها عشرات الآلاف من المواطنين في الثالث من شهر أغسطس 2014 م، معلنين رفضهم لقرار الحكومة التعسفي ومؤكدين استعدادهم لخوض معركة مصيرية مع الحكومة حتى تستجيب لمطالبهم.
وقد عبّر قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي -رضوان الله عليه- عن هذه الإرادة الشعبية في كلمته التي ألقاها في الذكرى الأولى لثورة 21 سبتمبر 2015م عندما قال” إن الثورة لم تأتي من فراغ، بل هي تَحرّك مشروع استحقاقي مسؤول واعِ فرضتها تلك الأوضاع الكارثية التي عانى منها الشَّـعْـب الـيَـمَـني، وهي نتاج للإحساس بالظلم ونتاج للشعور بالمسؤولية وهي وعي شعبي بالطريقة الصحيحة للسعي نحو التغيير “، وأشار إلى أن “سيادةُ البلد واستقلاله كانت على مهب الريح بفعل الأطماع الخارجية”.

ماركة محلية الصنع
ثورة الإرادة الشعبية تلك التي قامت في 21 سبتمبر، لم تسمح بفرض الوصاية عليها أو إدارتها أو دعمها من أي دولة قريبة أو بعيدة بل كانت، كما قال عنها القائد السيد عبد الملك الحوثي في خطاب الذكرى السادسة للثورة “جموع الشعب تحركوا بمسؤولية، وبوعي، وبجد، وباعتمادٍ على الله “سبحانه وتعالى”، في ثورةٍ شعبيةٍ مميزة؛ لأنها ثورة أصيلة، لم تكن امتداداً لأي توجه خارجي، ولا بدفع من أي جهة خارجية، إنما كانت نابعةً من وعيٍ وإحساسٍ بالمسؤولية، ومن واقع معاناة حقيقية يعاني منها الشعب آنذاك، فهو تحركٌ واعٍ، وتحركٌ مسؤول، وهو تحركٌ نابعٌ من معاناةٍ حقيقية وتحرك فاعل وحكيم ومميز بخطواته الحكيمة والصائبة والمميزة والفاعلة والقوية، وهو يعبر فعلاً عن هوية هذا الشعب التي أبرز عناوينها الإيمان والحكمة”، هكذا أكد السيد القائد أن ثورة التحرر من الفساد والوصاية نابعة من إرادة شعبية لم تفرضها أجندات سياسية معينة أو دولة صديقة للتخلص من زعيم معين أو مسؤول لا يدين بالولاء لقوى إقليمية معينة بل إن الثورة تخلصت من العملاء الذين يتبعون هذه القوى الاستعمارية التي لا ترى في الشعوب العربية سوى أرض احتلال وقادة عملاء.

التفاف الشعب حولها
بما أن ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر جاءت لاجتثاث الفساد الذي نهب البلاد والعباد ولإعادة القرار اليمني المسلوب بالوصاية السعودية على مدى الخمسة القرون الماضية، فقد كانت الثورة أولوية لأبناء الشعب بجميع فئاتهم والذين باركوها من كل حدب وصوب والتف حولها جميع قبائل ومحافظات اليمن لنصرتها باعتبارها – أي الثورة وأهدافها ومطالبها – كفيلة بأن تلبي مطالب جميع فئات الشعب وهذا ما عبر عنه قائد الثورة في خطابه في الذكرى الأولى، عندما طمأن قوى الداخل بأن هذه الثورة لا تعبر عن فئة معينة في البلاد وإنما هي ثورة شعبية تحركت فيها جميع أطياف شعبنا العزيز بكل أطيافه، بكل مكوناته، بكل فئاته، بمطالب مشروعة وعادلة جاءت من واقع معاناة وأوجاع الشعب كل الشعب ومطالب الشعب فيما يعنيه جميعا.
وأكد ذلك في خطابه بالذكرى الثالثة للثورة، “إن التحَـرّكٌ الثوري عبّر عن كُلّ اليمنيين وتبنى مطالب اليمنيين جميعاً، وتحَـرّك لمصلحة اليمنيين جميعاً”.

موَّلتها قوافل الشعب
ثورة 21 سبتمبر لم تكن كبعض الثورات التي قامت بتمويل من دولة خارجية أو جهات سياسية في الداخل لتحقيق أجندات ذاتية أو حزبية أو إقليمية، فقد مولها الشعب بنفسه وتقاطرت القوافل الغذائية ورفدت ساحات الاعتصام وخصوصا على مداخل العاصمة، ففي يوم الخميس الموافق 18 سبتمبر – اليوم الفاصل في مسار الثورة – استقبلت العاصمة صنعاء والساحات المحيطة بها حشودا جماهيرية كبيرة مثلت مختلف المحافظات، وقدِمت إلى ساحات الاعتصام مئات السيارات من صعدة الصمود ومحافظات: البيضاء والجوف وحجة وذمار وريمة والمحويت ومديرية بني حشيش محملة بقوافل الرجال والمال والمواد الغذائية وشهدت ساحة الصباحة توافدا قبليا وشعبيا من مختلف مناطق محافظة صنعاء منذ ليل الأربعاء، وقدمت حشود المتظاهرين دعماً غذائيا ذاتيا للثورة منذ البداية، كما دعم البعض بالمال والرجال وهذا ما أكده قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي، عندما أشاد بهذه القوافل والعطاء، قائلاُ “تحرك جماهير هذا الشعب وكان في طليعتهم الأهالي من أمانة العاصمة ومحيطها ومن بقية محافظات الجمهورية، تحرك الأحرار والشرفاء إلى المخيمات، وتحركت قوافل العطاء والكرم، فكان تصعيدا ثوريا لم تموله أي دولة أجنبية، تحرك يمني أصيل بما تعنيه الكلمة، القبائل اليمنية موَّلت بكل سخاء، بذلك الكرم الذي عُرف به أهل اليمن، بالقوافل تلو القوافل، التي كانت تصل تباعاً ويومياً إلى المخيمات.

قائدها وطني
والأهم من ذلك كله أن قائد ثورة 21 سبتمبر السيد عبد الملك الحوثي، واحد من أبناء هذا الوطن يشعر بما يشعر به المواطنون ويتألم مما يعانيه الشعب من وطأه الفقر والفساد الذي جثم على صدورهم عقودا من الزمن، لكنه قائد صائب الفكر قاد الثورة من منطلق المظلومية الجائرة والقضية العادلة والهوية الإيمانية والبأس الشديد والإرث الحضاري والرصيد التاريخي لشعب لا يرضى بالذل والهوان، وفي الوقت نفسه ليس رجلاً عاديا، كما يعتقد من لم يعش الحرية ويعرفها تمام المعرفة؛ ولأنه القائد الحريص على كل أبناء شعبه يقرع اليوم باب النصح مجددا للخائنين – ممن اصطفوا مع العدوان ضد بلدهم – ليقول لهم:
ماذا تنتظرون بعد هذا الإذلال الحقير والتعامل المنحط والاستهداف الممنهج لكم.. شمالا وجنوبا؟!
ألم يحن الوقت لترفعوا عن عيونكم غشاوة الغباء، وتمزقوا عن عقولكم نسيج الأوهام؟!

قد يعجبك ايضا