الزامل وما يمثله في الحياة الاجتماعية

عبدالصمد الخولاني

تتمايز الشعوب وتختلف في فنونها وعاداتها وتقاليدها وأعرافها وتراثها ، فلكل شعب مميزاته الخاصة به التي تمثل خصائصه وما يمتلك من أخلاقيات وأنشطة فنية وتراثية توارثتها أجياله كابرا عن كابر، وشعبنا اليمني أحد هذه الشعوب له خصائص وفنون وتراث وعادات يختص بها عن غيره تمثل ضميره ووجدانه وعواطف جماهيره.
ولهذه الفنون والأعراف دور هام وعظيم في تشكيل نفسياته وأنشطته الحياتية، وبما أن التراث يمثل مجموعة الفنون المختلفة التي توارثها شعبنا العربي عن آبائه وأجداده، فقد مثلت خلجات نفوس أبنائه وأثرت فيهم سلبا وإيجابا كما أثرت في نزعاته الحياتية الشاملة.
ولا شك أن لأحد هذه الفنون التراثية الشعبية تأثيرا أكبر وأعظم لأنه مختص بأهم المناسبات وأكثرها حيوية وتأثيرا على حياته ونوازعه وعلاقاته وعواطفه هذا الفن هو فن (الزامل) الفن الذي لعب ولا يزال يلعب دورا فعالا ومؤثرا في حياة الشعب العربي في اليمن والجزيرة العربية وبالذات على أكبر الشرائح وأوسعها وهي الشريحة الأشمل جماهيريا والأكثر فاعليه وحيوية.
شريحة القبائل بدوا وحضراً الذين يمثلون الغالبية العظمى من أبناء شعبنا وأمتنا في اليمن شماله وجنوبه وفي مناطق أخرى من الجزيرة العربية.
وهذا الفن لعب دوراً أكثر حيوية وتأثيراً في حياتها كالنواحي المعنوية والنفسية وفي وجدانها وعواطفها لأنه صوت القبيلة ومنبر إعلامها من خلاله تعلن أفراحها وأتراحها وتصدر الإنذار إلى أعدائها وتعلن حالة الطوارئ فيها وتحصل التعبئة للحرب نفسيا ومعنويا لأفرادها، وتخوف به أعداءها وخصومها وتواجه تهديدهم ووعيدهم، وأكبر دليل على ذلك ما يحدث الآن بسبب العدوان الغاشم على وطننا الحبيب من قبل آل سعود وأمريكا وإسرائيل وما يلعبه الزامل في هذا المجال وكيف أصبح عاملاً من عوامل النصر والتعبئة العامة وأكثر من قام بهذا الفن الأصيل الشهيد المجاهد لطف القحوم وكذلك المجاهد عيسى الليث.
وهو وسيلة لشحذ الهمم وتقوية العزائم وتمجيد الشجاعة وذم الجبن والخضوع وقد تم تقسيم القبائل المتزملة إلى مجموعات لهجوية كل مجموعة تضم عدداً من القبائل أو المناطق المتجانسة أو المتقاربة في أساليبها الزواملية من حيث جودة الزامل وتشابه التعابير اللهجوية وتجانس أو تشابه البحور والألحان الشعرية الزواملية التي تنشد أو يتغنى فيها بالزوامل وتقسيم هذه المجموعات إلى أربع مجموعات زواملية هي:
المجموعة الأولى: وتشمل قبائل مراد وبيحان والمصعبين وقيفة والحدا وقبائل حريب وخولان الطيال ورداع ومشارف عنس والعواضي وكومان ولها ألحان منها الخاص بأبنائها ومنها ما يشاركون المجموعات الأخرى فيها.
المجموعة الثانية: وتشمل مناطق البيضاء والعوالق ومرخة ودثينة والعواذل ومنطقة الواحدي والمجاورين لهم وأغلبية زوامل هذه المجموعة على بحر الرجز والبحر السريع ولهم ولع كبير بالزامل واهتمامات كبيرة.
المجموعة الثالثة: وهي المحاذية للصحراء مثل قبائل غرب حضرموت من نهد وبعيد والكرب والصيعر وقبيلة بلحارث وعبيدة وجهم من خولان الطيال والجدعان من نهم وبني سيف من مراد وقبيلة آل ربيع من المناصير وقبائل دهم ووائلة وقبائل يام وبعض من قبائل قحطان السراة وبعض قبائل الدواسر ومن إليهم من المجاورين لهم.
وتتجانس هذه المجموعات وتتشابه لهجاتها الزواملية من حيث المفردات والتعابير وألحان أو بحور الزوامل ويميلون إلى البحور التي تتناسب والزوامل على الهجن والخيل مثل بحر الرمل والمديد والمتدارك والكامل والرجز وتشاركهم في بعض بحورهم المجموعة الأولى.
المجموعة الرابعة: هي المناطق المجاورة للعاصمة صنعاء مثل سنحان وبني مطر وبني بهلول وبني حشيش وهمدان وبني الحارث وبلاد الروس وآنس والحيمتين وأعالي بلاد نهم وأرحب وبعض جهات صعدة وحاشد ومن حولهما.
وهذه المجموعة أقل المجموعات عناية بالزامل وشاع فيها الزامل على عدة بحور وألحان يشاركون فيها المجموعات السابقة وفي نفس المناسبات لكن بصورة أقل.

أغراض الزامل
تتعدد أغراض الزامل بتعدد وسائل الحياة وأحداثها وتقلباتها فتجده حاضراً في السلم والحرب وفي طوارق الأحداث والفواجع المحمولة على الصدف وفي المناسبات والاستقبال والوداع والمفاخرة.
كما تجده منبرا حراً معبراً ومعززا للقيم النبيلة السامية في التعايش وفي نجدة الملهوف والانتصار للمظلوم وأداة لتدوين الحوادث الزمنية العابرة ومجريات الصراعات القبلية.
الفخر والتسامي: هذا الغرض أكثر شيوعا وتناولا إذ تتفاخر القبائل بتاريخها وحضورها وجاهها وبأبنائها ويكون الزامل منبراً للمساجلات والتفاخر بين زمالي القبائل التي تشتهر بالزوامل.
الزامل السياسي: بحكم طبيعية المجتمع اليمني القبلي صبغت ثقافة القبيلة معترك الحياة السياسية والصراعات السلطوية ليسجل المؤرخون عبر الأحداث المتعاقبة في التاريخ اليمني السياسي المعاصر كثيراً من الزوامل التي صارت جزءاً من التاريخ الشفهي والتدويني لمجريات ذلك الصراع كما كانت ولم تزل منبراً للتعبير القبلي الجمعي عن مواقف القبيلة من الحكم والنظام السياسي .

مناسبات الزامل :
نتناول تحت هذا العنوان بعض المناسبات:
الحرب: الزامل في الحرب عنصر أساسي ودرجة من درجاتها فهو البداية وهو النهاية، وهو الغذاء الذي تتغذى عليه الحرب ويكفينا في هذا الصدد أن نتناول الزامل الذي كان يهدر به الشهيد المجاهد لطف القحوم:
أشري يا هذه الدنيا جوازي
ما أظن به حر أشر جوازه
وهو من أهم الزوامل التي تدعو كل حر إلى الجهاد ضد العدوان الغاشم على بلادنا .
وكذلك خلال الحرب بين الملكية والجمهورية بعد ثورة 26 سبتمبر 1962هـ حيث تزمل ناصر أحمد الفقيه من الأعروش من أصحاب الشيخ ناجي الغادر وكان يمثل الجانب الملكي فقال:
حيد الطيال أعلن وجاوب كل شامخ في اليمن
ما بانجمهر قط لو نفنى من الدنيا خلاص
لو يرجع أمس اليوم والا الشمس تشرق من عدن
والأرض تشعل نار وامزان السماء تمطر رصاص
ويشمل الزامل كل مناحي الحياة الاجتماعية فهو الحاضر في كل المناسبات سواء في الأعراس أو في اللقاءات أو في الإخاء أو في الصلح أو في فرض السلام أو في البراء أو في العيب أو في القتل أو في الثأر أو في النجدة أو في النكف وغيرها من الأغراض.
وهناك مصطلحات وعبارات ترد في الزوامل ومعانيها في العرف القبلي لا يتسع المجال لذكرها هنا، وسوف نفرد لها حلقة خاصة بها إن شاء الله تعالى.

قد يعجبك ايضا