الطيور تأكل أوجاعها

 

ليلى إلهان

منذ ثلاثين عاماً
كانت هناك غرفة نوم صغيرة خلف الشمس
وباب الجنة المخلوع
كي يدخل الملحدون إليها بذنوبهم المثيرة…
‏بيوت كبيرة لا يدخلها الضوء
‏ربيع شاسع وجميل لا تزين كونه الزهور
ما رأيته كان أكبر ألماً
‏وأسوأ كارثة
*
‏منذ ثلاثين عاماً
‏كان الحب يقطر فراقاً
وأغنيات باكية
يزرع غيمة آخر سرداب الجفاف…
‏الحقول التي لا نستطيع حصدها
جيش من الجراد
والمدن تلمع تحت أقدام الجنود والطغيان
الشوارع محبرة كبيرة من الدماء
والرؤوس من أرغفة الخبز
الطيور تأكل أوجاعها
*
منذ ثلاثين عاماً
وأنا أتسكع داخل وطن مليء بالتراهات
ومتوسد كلاباً جائعة
ضوءاً فارغاً من الداخل
لا شيء يسكن ذاكرتي
لا شيء ينسدل من بين أصابعي
سوى قصيدة صدئة
وأحلام ملغمة بالحزن والمآسي
كلما أشعلت خارطة الطريق شوقاً إليه
‏تطول المسافة أكثر
*
منذ ثلاثين عاماً
طريق الفرح كان صاخباً بالحنين ‏والمواجع
كلما أشعلت نجمة في أعالي السماء
تسقط مجروحة تلتحف بالمطر
تنهمر دموعها وتسقي أرض السنديان
*
‏منذ ثلاثين عاماً
‏ونحن نسكن أصوات العصافير
‏نجر ورانا رصاصات القاتل المأجور
‏قمصانه الطويلة لخنق أعناقنا
‏نخبئ في جيوبنا وجه القمر الحزين
‏ساعة معطلة تكره التشرد في محطات الفراغ
*
‏منذ ثلاثين عاماً
‏وانا أحشر نفسي
‏مع امرأة مبتورة الشفتين
‏مبتورة الرغبة
‏لا تستطيع أن تحب
‏تغرس دبابيس ثيابها في يدي
‏ تلطخ وجعي بندم جائع
‏تقود قطيعاً من الذئاب لالتهام قلبي
*
‏منذ ثلاثين عاماً
‏جئت إلى وطن عرضه متران
‏نوافذه معطلة لا تتنفس الهواء
‏أبوابه ظلال من دود القطن
‏سماؤه عورة للعاشقين
‏ قمصانه ضيقة جداً
‏حيطانه مجبرة على البكاء
و‏ملائكته سيركضون خلف الجنائز الوحيدة
‏حفاة يتنفسون الغياب
*
‏منذ ثلاثين عاماً
المشهد دون ملاح
البيوت جيوب كبيرة تلتهم أعمارنا
ونحن الوحيدون المهددون بالفقد
لا نستظل خلف الغمام
ولا ننام على اسفلت أخطائنا
أيدينا مكسورة
لا نستطيع فتح أسرارنا للغريب.

قد يعجبك ايضا