العدوان والسكن

عباس السيد

 

 

المسكن حق دستوري مقدس ، وليس سلعة تخضع للعرض والطلب، فالسكن حاجة أساسية للأسرة ، والدول في مختلف أرجاء العالم ملتزمة بتوفير هذا الحق ، كل بحسب إمكاناتها ، أقلها ، تنظيم سوق العقار من خلال سن القوانين والتشريعات التي تكفل حقوق الملاك والمستأجرين . واليمن ملتزمة بهذا الحق بتوقيعها على وثيقة العهد الدولية للحقوق المدنية.
جذور أزمة السكن والإيجارات في بلادنا تمتد إلى عقود سابقة بسبب إهمال السلطات وفسادها ، لكن العدوان السعودي الأمريكي فاقم هذه المشكلة ، إذ دمر العدوان قرابة نصف مليون مسكن ، وتسبب في نزوح الملايين ، يضاف إلى ذلك حربه الاقتصادية التي أفقدت الكثيرين أعمالهم ومصادر دخلهم ، ووصلت حد قطع المرتبات عن أكثر من مليون موظف .
ومن المعلوم أن تحالف العدوان يستخدم هذه المعاناة كأسلوب وأداة حرب لتحقيق أهدافه ، لكن لا ينبغي أن يستغل بعضنا البعض هذه المعاناة لتحقيق مصالح شخصية ، كأن يستخدمها التاجر ضد المستهلك ، أو المالك مع المؤجر ، وهنا يأتي دور السلطة لضبط العلاقة بين الجميع لتحقيق مصالح الناس واستقرار المجتمع وإفشال مخططات العدوان .
ليس مطلوباً من الحكومة في هذه الظروف توفير مساكن مجانية للمواطنين، عليها فقط أن تتدخل لضبط العلاقة بين الطرفين بسن تشريعات واتخاذ إجراءات تتناسب مع الظروف الاستثنائية الطارئة التي يعيشها الوطن والمواطن، وهي ظروف تتجاوز ما نصت عليه المادة 211 من القانون المدني اليمني النافذ ، والتي تُعرف قانوناً بـ”نظرية الظروف الطارئة” وهي تخول القاضي تعديل العقود إلى الحد المعقول .
ومع أن المشرع لم يتوقع ظروفاً كالتي نمر بها الآن “انقطاع المرتبات”، إلا أن المادة يتم تطبيقها في المحاكم اعتسافاً .
إذ يُجبر المستأجر على الإخلاء ويتم إعفاؤه من نصف ما عليه من إيجارات متأخرة ، مع أن المادة المشار إليها ، لا تنص على إنهاء العقد ، بل إلى تعديله إلى الحد المعقول . وفي كثير من البلدان جرى تعديل العقود بحسب هذه النظرية القانونية بسبب “جائحة كورونا” وهي أصغر جوائحنا .
حُمَّى الإيجارات تتزايد ، ومعها تتزايد معاناة المستأجرين وتتزايد الانتهاكات بحقهم ، من الطرد والمضايقات وفرض زيادات بنسب مضاعفة، ويفقد البعض وقاره وإنسانيته وقبيلته ، ويذهب حد الاعتداء على المستأجر أمام عائلته ، والزميل محمد العزيزي الذي لا يزال يرقد في المستشفى ليس الحالة الأولى ولن يكون الأخيرة، وأنا شخصياً سبق لي المرور بتجربة مشابهة .
تعرض الزميل العزيزي للاعتداء مع أنه ملتزم بدفع الإيجارات ، لكن المؤجر يسعى لاستبداله بآخر .
بعد أسبوع من الحادث ، لا يزال الجناة وعددهم خمسة طلقاء ، ولا يزال لدينا الأمل في الأجهزة الأمنية في أنها لن تألو جهداً في ملاحقة الجناة ، ليس لإنصاف الزميل العزيزي فحسب ، بل للحفاظ على سمعتها وتعزيز ثقة المواطن فيها ، كجزء من معركة الصمود وتعزيز الجبهة الداخلية ، فالمعركة مع العدوان ليست عسكرية فقط ، وأحياناً يكون أضرار الشائعات أكبر من أضرار المدفعية .

قد يعجبك ايضا