القمح الجيِّد والحقول المنسيِّة.. زراعة الحبوب في اليمن وعوامل النهضة في خطابات السيد القائد

 

الثورة /رشيد الحداد

في خطابه الرمضاني الـ22، تحدث السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي عن أهمية الإنتاج الزراعي في الظرف الحالي وفي كل الظروف، وتطرق إلى زراعة القمح والحبوب، كون القمح من السلع الاستراتيجية التي ترتبط بأمن الوطن واستقلال القرار الوطني، ودعا إلى تشجيع المزارعين وتقديم كل الخدمات لرفع مستويات الإنتاج المحلي من الغذاء.
اليمن بلد زراعي وحتى وقت قريب لم تكن اليمن تستورد أي كميات من القمح والحبوب، كان المجتمع زراعياً يعتمد في حياته على الحقل والمزرعة والبقرة والمواشي.
ولو عدنا قليلاً إلى خمسينيات وستينيات القرن الماضي، لم تكن اليمن تستورد أي كمية من القمح من الدول الأخرى، وكان مستوى الاكتفاء الذاتي من الحبوب بنسبة 100 % ، تعرضت زراعة القمح لتدمير ممنهج شاركت فيه عوامل عدة ، وعلى عكس الفواكه والخضار التي كان تواجدها متبايناً بين منطقة وأخرى، وكان حينها النمط الاستهلاكي للغذاء نمطاً محلياً، بل إن ثقافة المستهلك ترفض إحلال منتجات أجنبية على المنتج المحلي الذي تفضله.
ووفقاً للمصادر التاريخية، فقد منحت أمريكا اليمن شحنة قمح مكونة من 14 ألف طن عام 1959، تلتها شحنات أخرى من القمح والدقيق كهبات وأخرى بأسعار رخيصة، ونتيجة للسياسة الأمريكية الهادفة إلى السيطرة على أسواق الدول النامية وتغيير الأنماط الزراعية والاستهلاك فيها، تصاعدت معدلات استهلاك القمح والدقيق الأمريكي ومن بعده الكندي، وهذه الأنواع من القمح كانت تُباع بأسعار مخفضة ومنافسة لأسعار الحبوب المحلية وعلى رأسها القمح اليمني الذي عُرف باسم “البر المحلي”، وكان استخدامه محدوداً في أعداد أنواع معينة من الخبز.
تدريجياً نجح المخطط الأجنبي بتغيير نمط الاستهلاك لاستهلاك القمح المستورد وتفضيله على المنتجات الوطنية من الحبوب، كالذرة الحمراء والبيضاء والغرب والدُّخن عالي القيمة الغذائية والذرة الشامية التي كان لها أولوية قصوى لدى المستهلك حتى سبعينيات القرن الماضي.
هذا التغيير في النمط الاستهلاكي للمواطن اليمني تزامن مع تغيير في الاهتمام بزراعة الحبوب التي كانت تحتل الصدارة في اهتمامات المواطن اليمني، ولذلك بلغت المساحات المزروعة بالحبوب منتصف السبعينيات 80 % ، وبعد اغتيال الرئيس الحمدي الذي اهتم بالتنمية الريفية وحوّل الريف اليمني إلى ورشة عمل مفتوحة ساهمت إلى حد ما بتوقف الهجرة الداخلية من الريف للمدينة.
تدخلت الدولة في عهد نظام علي عبدالله صالح في ثمانينيات القرن الماضي كداعم، ليس لإنتاج القمح، كونه سلعة استراتيجية في غاية الأهمية للأمن الغذائي وتوسيع نشاط إنتاجه في محافظات: الجوف وإب ومارب وذمار وحضرموت، ودعم المزارعين في تحقيق أعلى معدلات إنتاج وطنية ، ومساعدتهم في تسويقه المحصول السنوي ، كما كان يجب أن يكون ، بل تم دعم القمح الأمريكي المستورد بمليارات الريالات سنوياً ، وتقديمة للمواطن والمزارع معاً في الريف والحضر بسعر مدعوم ، أي بأقل بنسبة 40 % كحد أدنى من سعر استيراده من الأسواق الأمريكية ، وتم تحويل مؤسسة الحبوب التي أنشئت لتطوير الحبوب وتسويق الإنتاج المحلي من الحبوب إلى مسوّق للقمح الأمريكي إلى جانب المؤسسة الاقتصادية اليمنية .
هذا الدعم الذي كانت حكومات النظام السابق تقدمه خلال العقود الماضية، كان يحتل المرتبة الأولى قبل دعم المشتقات النفطية والصحة والتعليم والكهرباء، وارتفع مع إعادة تحقيق الوحدة اليمنية أضعاف ما كان عليه قبل الوحدة، ليبلغ دعم الدقيق والقمح المستورد عام 1995 م ، أكثر من 10 مليارات ريال وارتفع عام 96، أكثر من 34 مليار ريال ، وتسبب بعزوف المزارعين عن زراعة القمح المحلي وأدى إلى اتساع نطاق زراعة القات ، والتراجع في زراعة القمح والحبوب.
وكان من آثاره أيضاً اتجاه معظم المزارعين إلى الاتكالية على القمح والدقيق الأمريكي المدعوم في الأسواق المحلية ، ذلك الدعم المالي الكبير الذي تسبب بتراجع الإنتاج الزراعي من مختلف محاصيل الحبوب المحلية ، يندرج في إطار السياسات التدميرية التي نفذتها دول الاستكبار العالمي بواسطة الأدوات المحلية ، سياسة اتبعتها أمريكا ليس في اليمن فحسب بل وفي بلدان عديدة.
وصلت المؤامرة إلى إدخال اليمن في اتفاقيات جائرة تضمنت شروطا أمريكية على اليمن بعدم زراعة الحبوب ، فقد أقرت حكومة عبدالكريم الإرياني عام 1999، الدعم على القمح الأحمر بعد إلغاء الدعم عن القمح الأحمر عام 1997م ، تنفيذاً لتوصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، فكان من المتوقع أن يؤدي إلغاء الدعم إلى عودة الإنتاج المحلي إلى سابق عهده أو تحرك الحكومة نحو تشجيع الاستثمار في زراعة وإنتاج القمح وتحفيز المزارعين لزراعة أصناف الحبوب الأخرى .
تستورد اليمن أكثر من 3 ملايين طن من القمح والدقيق وتغطي نسبة 95 % من الاحتياج المحلي من القمح من الخارج ولا تتجاوز تغطية القمح اليمني 5 % ، وتستورد أكثر من 700 الف طن من الذرة ومختلف أنواع الحبوب التي كانت تنتج محلياً بكميات تجارية، والمشكلة الأساسية تعود إلى ما اتبعه النظام السابق من سلوك تجاه الزراعة.
القرار السياسي من النظام كان يدرك طبيعة ما يقوم به من سياسة تدميرية تنفيذا لتوجيهات أمريكية، إذ قام بتهميش القطاع الزراعي وجعله شكلا مؤسسيا فقط ، وقدمت أموالاً كثيرة لا لدعم نهضة زراعية بل لتسويق القمح الأجنبي بما يقضي على القمح المحلي وعلى زراعته.
يقول خبراء أنه لو الأموال التي قدمتها الحكومات اليمنية منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي كدعم للقمح الأمريكي المستورد لو خصصت لدعم زراعة القمح المحلي لكانت اليمن في صدارة الدول التي تمتلك الأمن الغذائي اليمني.
عملية تدمير زراعة وإنتاج القمح اليمني مخطط أمريكي طويل المدى ، ونفذ بأدوات محلية وجدت لخدمة أجندات أجنبية وليس لتحقيق الصالح العام ، وإلا فالأمر واضح مثل الشمس في كبد السماء ، فنفس النظام الذي منع استيراد الفواكه والخضروات في ثمانينيات القرن الماضي ، وساهم في رفع معدلات الإنتاج من الفواكه اليمنية والتي تحقق اكتفاء ذاتياً ويتم إنتاجها بكميات تجارية سنوية ، كان بإمكانه العمل على رفع الإنتاج المحلي القمح والحبوب وتحويل الأموال الضخمة التي سخرها لتعزيز نفاد القمح الأمريكي لصالح دعم زراعة وإنتاج القمح اليمني ، ولذلك لم تكن هناك سياسة دعم إنتاج الحبوب وتحقيق الاكتفاء الذاتي من هذه المادة المتعلقة بالحياة .

قد يعجبك ايضا