15 يوما في ربوع السعيدة..الجبال في اليمن حدائق خضراء

من المحويت..زراعة الجبال في اليمن هوية احترفها اليمنيون وحصدوها فاكهة وحَبًّا وأبًّا

المبادرات المجتمعية اسيرة المجتمع وركائز بقائه وبالزراعة نحقق الاستقلال
محافظ المحويت:المحافظة على استعداد تام للاستجابة لدعوة القائد العلم وأبناؤها في مقدمة الصفوف الجهادية
رئيس الزراعية العليا: علينا إنتاج غذائنا كي نستمتع باستقلالية قرارنا
المدير التنفيذي/ بنيان:ذات الإرادة في جبهات العزة والكرامة مطلوبة في الجبهة الزراعية

نظمت مؤسسة بنيان التنموية بالشراكة مع اللجنة الزراعية والسمكية العليا والسلطات المحلية في محافظات: المحويت وحجة والحديدة وريمة، زيارة توعوية وتفقدية إلى 16 مديرية تم اختيارها مديريات نموذجية ضمن 50 مديرية على مستوى الجمهورية.
إيضاح الخطوط العريضة في موجهات القيادة الثورية المباركة والسياسية العليا نحو إحداث ثورة زراعية تنموية على نطاق واسع من المشاركة المجتمعية مثلت أولويات أهداف الزيارة التي تتخذ من ايحاءات الدروس الرمضانية للسيد العلم عبدالملك الحوثي -رضوان الله- عليه مسارا ومنهجا يهتدى به في تبديد ظلمات ما أوغرته العقود الماضية من المفاهيم المغلوطة والعقائد الفاسدة في المجتمع الريفي سواء عبر الإهمال والفساد الداخلي أو بسياسات التدمير الممنهج عبر المنظمات العاملة تحت ما يسمى بالعمل الإنساني.. “الثورة” شاركت في الفريق الإعلامي للزيارة، ومن عمق الحدث تسرد الحكاية الكاملة للرحلة خطوة بخطوة، فإلى التفاصيل:
الثورة / يحيى الربيعي

انطلق الوفد في الساعة الثامنة صباح يوم 18 مايو 2021م في اتجاه غرب العاصمة صنعاء قاصدا مديرية الرجم محافظة المحويت.
أولى مشاهد الحياة الريفية تجلت بالظهور من قاع المنقب ذلك القاع الذي أصابته العين، فلا هو بالمعمور ولا هو بالمزروع، فقد تحول من قاع زراعي إلى مجرد قطع من الأراضي المحجوزة بالطوب.
نترك الحديث عن المد العمراني وما يحدثه من سطو واحتلال جائر للأراضي الزراعية ونعرج إلى التأمل على جنبات الطريق التي تزخر بأكوام من السلال والسطول المعبأة بفاكهتي الفرسك والبرقوق البلدي ذات المذاق الذي لا يمل.
شدني المنظر كما فعل برفقاء الرحلة فما كدت أنطق حتى صاح الجميع “هاتوا نطعم”، وقف الباص أمام أحد تلك الأكوام، فكانت المفاجأة أن سعر السطل بألف ريال؛ قيمة كيلو في صنعاء.
نضع خطاً تحت العبارة وعلامتي الاستفهام والتعجب ونشتري سطلا بألف ريال ونمضي مع لحظات الاستمتاع بمذاق الفاكهة اليمنية الأصيل والرائع، حيث امتنع الكثير منا عن غسلها بالماء مكتفيا بالمسح والأكل مباشرة لأنها خالية من السموم والأسمدة الكيماوية فعلا، وتعيش على الطبيعة النقية.
يطل علينا من على مشارف حجر سعيد مشهد جميل غزير في الخضرة باعث على الابتهاج والسرور محمل بالهواء العليل كثيف الأكسجين، لنرى بأم أعيننا كيف أن المزارع هناك يولي جل اهتمامه بأشجار الفرسك والبرقوق رغم أنها لا تثمر سوى مرة واحدة وبكميات قليلة في العام إلا أنها تلقى عناية خاصة وزراعتها في تزايد مضطرد.
وعند مفرق شبام ثلا، فضل الوفد الاتجاه يمينا صوب منطقة حبابة التابعة إداريا لمحافظة عمران، تلك المنطقة التي تمتاز بطبيعة جغرافية جمعت بين السهول والهضاب فالجبلية، وكلها أراض زراعية على مد البصر.
ما يلفت الانتباه في هذه المنطقة أن أهلها محافظون على قيمة الإنسان اليمني، ذلك الإنسان المرتبط بأرضه ارتباطا وثيقا.. الإنسان الذي يعشق أرضه كالغانية، فهو دائم الاعتناء بها حرثا وذبلا وتسوية للسواقي ودائم الغرس والحصاد. هناك تلاحظ الأرض كلها محروثة وتزدان باللون البني الذي يدخل السرور إلى النفوس ويبعث على العزة والافتخار بأن سكان هذه المنطقة يأكلون مما يزرعون.
كل سهول وهضاب ومدرجات حبابة تستعد لموسم الذري، وتنتظر غيث الرحمن كي ترمى في جوفها بذور الحبوب من الشعير وأنواع الذرة الرفيعة وغيرها من المحاصيل النقدية من الخضروات والبقوليات.
هكذا هي جنبات الطريق تزخر بالمناظر الخلابة الممتزجة بمشاهد لقلاع مهجورة بنيت من قبل الأجداد في أعالي التباب وقمم الجبال تحكي تاريخا يقترن بقصص وحكايات من نضالات وكفاح الإنسان اليمني عبر عصور غابرة من الزمن.
وصلنا مدخل الطويلة ومررنا بسوقها الذي يقع في وسط مدينتها التاريخية في اتجاه مديرية الرجم.
هناك حيث تغير المشهد، وانقلب 180 % إلى كفة إهمال متعمد للارتباط بالأرض عدا شذرات من المدرجات المحروثة بصورة مبعثرة على مساحات شاسعة من الأراضي والمدرجات المهملة.
يستمر المشهد هكذا حتى منطقة بيت قطينة حيث يعود المشهد إلى روعته، ولكن في حلة جديدة، لاسيما وأن حوالي 80 % من الأراضي قد زرعت بشجرة القات.. مررنا بصمت وهدوء تام من وسط سوق كبير فيه يباع القات بكميات تجارية ترحل إلى المدن.

شتلات
وفي منطقة خبة بداية مديرية الرجم توقفنا فجأة لينزل الجميع من على السيارات حيث كان في استقبال الوفد جمع غفير من المواطنين ورجالات السلطة على رأسهم المحافظ الشيخ قطينة، والأمين العام الدكتور الزيكم والوكيل الأول للمحافظة أبو محمد الهطفي.
وما هي إلا خطوات على الأقدام صعودا إلى أعلى تبة فإذا بنا أمام مشروع صغير لأحد مواطني المنطقة، المشروع عبارة عن مشتل مصغر تم إعداده من مكونات بسيطة جدا، لا تلاحظ وأنت تراه من بعيد إلا خياما شبيهة بخيام نازحين، هكذا خيل إلينا في بداية المشهد.
المفاجأة في داخل تلك الخيام كانت مذهلة، إذ بنا أمام مشتل رائع في المحتوى الذي تناوله صاحب المشروع المواطن صالح حميد الزقور بشرح مقتضب: 10000 شتلة من أشجار الفواكه والزينة تمثل إجمالي إنتاجية المشتل وبالجهد الفردي المتميز يغطي المشتل احتياجات المحافظة من شتلات البن والفواكه.. المشروع نال إعجاب الجميع، وكتب عن رئيس اللجنة الزراعية والسمكية العليا إبراهيم المداني ومعه المدير التنفيذي لمؤسسة بنيان التنموية في سجل الزيارات أنه من المشاريع التنموية الناجحة المستحقة للتقدير والتشجيع المعنوي، مؤكدين إمكانية أن يتم استيعاب مخرجات هذا المشروع القيم في إطار مشاريع الثورة الزراعية.
وعلى هامش الانبهار بمحتوى المشتل شدتنا مناظر خلابة في أراضي من حوله وهي تكتسي حلة خضراء بهية تتخللها بقاع امتازت بلون مائل إلى اللون البني هو لون الأرض المحروثة استعدادا لاستقبال بذور الذرة الرفيعة وأنواع من الخضروات.. بدت المناظر جميلة رغم أن أغلبها لشجرة القات؛ مصدر رزق الكثير من سكان المنطقة والمهاجرين من مختلف مديريات المحافظة إلى خبة للعمل في العناية بأرضه أو كمبزغين أو شرائها بكميات تجارية وبيعها في أسواق الأمانة وصنعاء.
انتهى الوفد من استطلاع معالم المنطقة واطلع الجميع على مبادرة مواطني المنطقة في بناء وتجهيز ديوان عام للاحتفالات ومناسبات الزفاف والعزاء والاجتماعات العامة ليكون وقفا لاستغلاله من قبل أبناء المنطقة. في مناسباتهم بإقامته وتنظيفه.. المبادرة لاقت تقديرا عاليا واشاد بها رئيس الزراعية العليا والمدير التنفيذي/بنيان والمحافظ والأمين العام ووكلاء ووجهاء المحافظة وأعضاء السلطة المحلية بمديرية الرجم.
انتقل الجميع من فورهم تجاه عزلة بيت سليمان التي تبعد عن خبة مسافة 10 دقائق وتقع على بعد حوالي 2.5 كيلومتر طريق جبلية وعرة وشاهقة لا تصعدها إلا سيارات الدبل.

مبادرات
عند مدخل العزلة من الطريق العام جنبت السيارات السنجل وتعلق أغلب أعضاء الوفد على سيارات الدبل التابعة لأبناء المنطقة.ِ. ساعة من السفر الشاق والمخيف في بعض منحنياته الطريق وملفاته والكل في صمت وتسبيح حتى وصلنا إلى مكان منبسط في وسط الطريق يتجمع فيه مواطنو المنطقة ويعملون على تقطيع الأحجار بوسائل تقليدية وبسواعد الرجال.
هناك وقف الجميع لسماع مفاجأة الموسم على لسان العاقل عبدالله سليمان الذي أعلن مبادرة الأهالي في تقطيع الأحجار لغرض رص 2.5 كيلو متر من تلك الطريق وبكلفة تقديرية 63 مليون ريال على نفقة أهالي قرى بيت سليمان.. واصل الوفد الصعود مشيا على الأقدام كي يساهم أعضاؤه في المبادرة حتى وصل الجميع قمة الجبل.
هناك ارتسمت علامات ابتسامات عريضة على وجوه مواطني المنطقة ابتهاجا وسرورا بأول زيارة يقوم بها وفد حكومي رفيع المستوى يتلمس همومهم ويشاركهم “جايش” مبادرة رص الطريق وتدشين مبادرة تشجير الجبال.

كلمات
وأمام بركة بيت سليمان التي تم انشاؤها بمبادرة خالصة من مواطني المنطقة لحصاد مياه الأمطار، جلس الجميع إلى جوارها بخشوع لسماع كلمة قيمة عن أهمية الزراعة في حيازة استقلال القرار اليمني، أوضح خلالها رئيس الزراعية العليا ابراهيم المداني أهداف الثورة الزراعية التي دعا إليها سماحة القائد العلم السيد عبدالملك الحوثي رضوان الله عليه، وبين مدى ما تمثله الجبهة الزراعية من أهمية في مصفوفة الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة، مؤكدا أن الزراعة تمثل العمود الفقري للاقتصاد، وإذا أعطيناها الاهتمام اللائق سنبني اقتصادا قويا وعلى نحو صحيح، وسنحقق الاكتفاء الذاتي في قوتنا الضروري، وعند ذلك نضمن أمننا ونعيش بكرامتنا.. إذا وفرنا لقمة عيشا، فلن يتحكم بنا أعداؤنا فيما يدخل إلينا من غذاء.. لهذا، فإن علينا أن ننتج هذا الغذاء، كي نكتفي ذاتيا ونستمتع باستقلالية قرارنا.
وذكر بما مثلته الزراعة من سمة تاريخية أعطت مكانة مرموقة للإنسان اليمني القديم فيما حملته قوافله التجارية إلى مشارق الأرض ومغاربها.
تلا ذلك بيان عن أهمية المشاركة المجتمعية في التنمية ألقاه المدير التنفيذي/ بنيان المهندس محمد المداني أوضح فيه دور فرسان التنمية واللجان الزراعية والسلطة المحلية في نشر التوعية بأهمية عودة الإنسان إلى أمجاد آبائه وأجداده الذين لم يتركوا شبرا من الأرض غير مستغل بالزراعة من خلال استنهاض قدرات المجتمع وإمكاناته المتاحة نحو العمل التنموي، مشيدا بالدور الوطني والديني البارز الذي لعبه أبناء محافظة المحويت في جبهات العزة والكرامة، مناشدا ذات الإرادة والعزيمة الاتجاه بذات الوتيرة والروح الإيمانية نحو الجبهة الزراعية.
وهناك دشن المحافظ قطينة ومعه قيادات السلطة المحلية بالمحافظة مبادرة زراعة 2 مليون شتلة في جبال المحويت في إطار المبادرة الوطنية الكبرى لزراعة جبال اليمن بـ100 مليون شتلة، مؤكدا استعداد أبناء المحافظة تلبية دعوة سماحة العلم حفظه الله المشاركة المجتمعية في النهوض الزراعي والتنموي على مختلف المستويات، منوها إلى أن أبناء المحافظة في مقدمة الصفوف الجهادية.
وشرع المحافظ والأمين العام ووكلاء المحافظة ومعه مشائخ وأعيان ومدرسو ومواطنو بيت سليمان وبمشاركة رئيس الزراعية العليا والمدير التنفيذي/ بنيان والوفد المرافق لهما في غرس بذور السدر واللوز في الجبال المجاورة للبركة، وحوش المدرسة.

مشاهدات
عقب ذلك استعد الجميع لساعة الهبوط الاضطراري إلى سهل الرجم، وخلال مراحل الهبوط إلى السهل استمتع الجميع بمشاهد زراعية عمت هضاب ومدرجات وسهل الرجم التي امتازت بزراعة العديد من المحاصيل النقدية من الخضار كالكوسة والطماط والبامية والبطاط والبقوليات كالفاصوليا والفول والعدس والبلسن والدجر والحب العزيز، والحبوب كالذرة الرفيعة والذرة الشامية والدخن.. كما بدت في الصورة العديد من برك وحواجز وسدود حصاد المياه التاريخية منها والمنشأة حديثا، وهي نظيفة تستعد لحصاد موسم الأمطار لهذا العام من واقع اهتمام مبادرات مجتمعية وبإمكانات وجهود ذاتية من قبل الأهالي.
كل ذلك شكل لوحة إبداع طبيعية رسمت بحهود أبناء المنطقة أدخلت السرور والشعور إلى نفوس الجميع الذين عبروا عنها بكل معاني ودلالات الاعتزاز بما تزخر به الأرض من العطاء.
لم تتوقف اللوحة عند مشهد واحد من العرض بل لاحظنا النهوض العمراني والنشاط الحيوي بحركة دؤوبة في كل قطاعات الحياة الحيوية والاقتصادية والاجتماعية، فالإنسان هنا لم يعد في مظهره ذلك الريفي البسيط، بل صار ذكيا ولديه آمال طويلة الأمد ومشاريع متعددة الأغراض بتعدد مجالات الحياة ويستخدم في إدارتها أحدث التكنولوجيا.
ذات المناظر الخلابة إخضرارا والتربة المتميزة باللون البني هي ذاتها تكرر على طول الطريق الممتدة إلى مركز المحافظة المتميز بطابعه التاريخي الممتزج بلمسات الإبداع الحضاري المتجدد للفن المعماري اليمني.
وفي مركز المحافظة كان لنا لحظات استطلاع على محتوى الفرن الخيري التابع لمؤسسة بنيان التنموية والذي يقوم بتوزيع الكدم على الأسر الفقيرة والمساكين وذي الاحتياجات الخاصة في مدينة المحويت، وهو في طور توسيع خطوط التوزيع لتغطية مديرية الجبل في المستقبل القريب.
وفي احدى استراحات مركز المحافظة التي وصلنا إليها في الساعة 2 عصرا خلد الوفد إلى الراحة وأداء صلاتي الظهر والعصر جمعا وقصرا في مسجد مجاور للاستراحة فالغداء والقيلولة استعدادا من الجميع لمواصلة السفر تجاه مخلاف سارع الذي وصلنا جمعته قرابة الساعة 8 مساء الثلاثاء.
في الطريق من مركز المحافظة إلى جمعة سارع داهمنا الليل وأسدل ستاره، فلم نشاهد غير اليسير مما تصل إليه كشافات السيارة، والحقيقة تقال: لم تخب العين مرة في الكشف عن جمال طبيعة وعظمة إنسان لم يمهلها إلا في اليسير من المشاهدات التي بدت غير محروثة، لكنها لا تخلو من أن تكون مناطق خصبة للرعي وتربية المواشي.

سلاسل القيمة
على ضفاف الحاجز المائي بالوادي نصب أعضاء الوفد خيامهم، وتناولوا وجبة العشاء عقب أداء صلاتي المغرب والعشاء.. بعدها عقد رئيس الزراعية العليا والمدير التنفيذي/ بنيان ورشة عمل تلقى فيها أعضاء الوفد دروسا مفيدة عن كيفية الاستقصاء والبحث، ورسم الخطط وتنفيذ البرامج المجتمعية وكيفية تشجيع وتحفيز المجتمع نحو المشاريع المجتمعية، وكيفية المتابعة وإنشاء دراسات سلاسل القيمة.
اقفل بذلك محضر اليوم الأول من الزيارة في تمام الساعة 11مساء.. وخلد الجميع للنوم على خرير مياه الحاجز ونقيق الضفادع، ومخاوف من إمكانية طواف السباع والزواحف مكتفين بقراءة آية الكرسي والمعوذات حرزا ووقاية.
وإلى لقاء يتجدد مع رحلة في أعماق مخلاف سارع.

قد يعجبك ايضا