لعلهم يرشدون؟

محمد أحمد المؤيد

إن المتدبر لآيات القرآن الكريم سيجد أن هناك من الأمور المقصودة والمحددة التي قد تأتي إما عبر كلمة أو عبارة وتدل على أمر ما، والذي قد لا يفهم معنى هذا الأمر من خلال القراءة العابرة والغير ممعنة، وهنا يجدر الإشارة إلى أنه بالإمكان إزالة الغموض لأي كلمة أو عبارة من خلال فهم النص أو الجملة في الآية الكريمة، فإن فهمت وإلا لزم الرجوع إلى الآية التي قبلها أو التي بعدها، هذا مع عدم إغفال أسباب النزول لهذه الآية ومتى أنزلت، قبل الهجرة النبوية على صاحبها وآله أفضل الصلاة وأزكى التسليم أو بعدها، بمعنى أقرب مكية كانت أم مدنية، غير أن كتاب الله القرآن يبقى واضح وبين لمن تمعن في تلاوت آياته وتفكر بها، فقلب المؤمن لايغفل المعاني الواضحة وحتى الخفية منها، كون القرآن نور وهدية ينبعث في القلب، فإذا وجدنا أن الناس تحكي أن أي كلام ينبعث من قلب أحدهم إلى الأخر فإنه حتماً يصل إلى القلب مباشرة بل ويحدث أستجابة وتأثر وأضح منه، أي من كلام من القلب إلى القلب، فما بالنا بكلام الله عز وجل الذي هو نور من النور المبين سبحانه إلى القلوب النيرة لينيرها فتضيء ويهديها فترى مالا يراه الكافر والمشرك، قال تعالى :” اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء” صدق الله العظيم.
ولذا فإننا عندما نتمعن في قوله تعالى : “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ” صدق الله العظيم، فإننا نقف عند أخر الآية مع عبارة “لعلهم يرشدون”، والتي لو تأملها الناس لوجدوا أن كلمة يرشدون هي أهم كلمة في الآية الكريمة، والتي بموجبها أو بتحققها في ذات الإنسان المؤمن يتحقق ما قبلها، كيف ذلك؟، فكلمة الرشد تأتي بمعنى تمام العقل والهداية، فيقال رجل رشيد أي رجل عاقل ومهتدي، فهناك أناس عقال مثل المشركين والكفار وتجد في كلامهم الحكمة والمنطق، لكن ينقصهم الهداية، وهناك أناس مؤمني ومسلمون مهتدون ولكن ينقصهم العقل، كما نحن المسلمين اليوم وكيف نحن مهتدون إلى دين الله ولكننا غير عقلاء في ممارسة هذا الدين فيما بيننا، فقلما نجد الرشد بيننا وفي منطقنا وفي تعاملاتنا !!!!، ولذا نجد أن أكثر المشاكل عالمياً هي في عالم المسلمين، لماذا؟ لأنهم مهتدون وغير عقلاء في تصريف هداية الله لهم على أمور دنياهم، فالدين المعاملة، ولذا نجد قوله تعالى مخاطباً على لسان نبي الله لوط عليه السلام وهو يخاطب قومه بقوله سبحانه :”أليس منكم رجل رشيد” صدق الله العظيم، فقد يوجد بين ذلك القوم المغضوب عليهم “ونعوذ بالله من أي عمل كأعمالهم ونياتهم” رجل عاقل ولكن كلمة رشيد تدل على عدم وجود عقل وهداية في عامتهم، ولذا لم يوجد رجل رشيد فاستحقوا بذلك غضب الله فجعل الله القوم وقريتهم عاليها سافلها وأمطرت مطر السوء، وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً.
بل عندما نجد في الآية الكريمة ” لعلهم “، فلعل تأتي بمعنى ربما أو لربما، وهذا الأمر يمكن قياسه بمقاس يقاس في قانون النسبيات الذي إذا كان نسبته كذا فقد يكون كذا أو لا يوجد له نسبة على الإطلاق، أو بمعنى أقرب يدخل هذا الأمر أو اللفظ في حيز الاحتمالات وقانون الاحتمالات في الرياضيات، فلعل الله يرحمنا، تأتي بمعنى فيمكن أن ننال رحمة الله، وهذا دليل قطعي أن الرشد الذي يريده الله في عباده لن يتحقق بسهولة في ذات المؤمن الموحد، حتى ولو ظن في نفسه ذلك، لأن مسألة الرشد لها مواصفات دقيقة ومتشعبة في ذات المؤمن ونفسيته وعقله وتوجهاته، وليس من السهل على الواحد منا الوصول إلى هذه المنزلة العظيمة، فهي في بني البشر تبقى ضئيلة في ظل وجود مشوشات عليه على مدى عمره، والذي يكون مصدر ذلك التشويش الشيطان الرجيم والنفس الأمارة بالسوء، لذا فقلما نجد الرشد في عامة الناس، ولكن لو رجعنا أكثر في الآية الكريمة لوجدنا أن هناك أمرين يدلان الناس على أسباب حدوث ذلك الرشد الذي لازال لعله يحصل هناك رشد، وذلك بقوله سبحانه:” فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي”، أي أن هذه العبارة دلت على أن الرشد قد يحصل في أولئك الذين تجتمع فيهم خصلة الاستجابة لأوامر الله والابتعاد عن نواهيه المتمثلة في تشريع دين الله الإسلام ليس سواه، وكذا الإيمان به الإيمان المطلق الذي لا يختلجه شك أو ظنون كقوله تعالى :”ويظنون بالله الظنونا” بأنه هو الله الإله الحق العدل المبين سبحانه وتعالى عما يشركون، هنا وعند هذين الشرطين قد يتحقق الرشد فيستجيب الله الدعاء، والاستجابة للدعاء تتطلب الرشد واستشعار قرب الله من عبده الذي مد يده إليه وأطلق عنان لسانه للطلب والرجاء منه سبحانه لاسواه، عندها يتحقق قوله سبحانه :” فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ “، هذا وعلينا بالتضرع إلى الله العزيز الحكيم في هذا الشهر الكريم شهر رمضان المبارك، لعل الله يرفع عنا ما نحن فيه منبلاء وينصرنا على اعدائنا وهو المتقبل والمستجيب سبحانه.. هذا والله أعلم وهو أعلى وأجل وهو المستعان.
،،ولله عاقبة الأمور،،
~ شهر مبارك وكل عام وأنتم بخير.

قد يعجبك ايضا