استهدف الأسرة أهم ما يركز عليه العدو

الحرب الناعمة.. الوجه الآخر والخفي للعدوان

 

أحمد الرازحي
لا شك أن الحرب الناعمة كما عرفها الأمريكي جوزيف ناي وكيل وزارة الدفاع الأمريكية السابق حين قال: هي استخدام كل الوسائل المتاحة للتأثير في الآخرين باستثناء الاستخدام المباشر للقوة العسكرية.
نلحظ أن هذا التعريف قد أباح استخدام أي وسيلة في التأثير في الآخرين، سواءً كانت هذه الوسيلة مشروعة أو غير مشروعة، وهذا دأب الطغاة والمستعمرين؛ إذ منهجهم الغاية تبرر الوسيلة، وهنا فإن غايتهم بسط السيطرة والهيمنة على الدول والشعوب، وجعلهم عبيدا تحت إرادتهم وتدجينهم؛ ليكونوا طوع أمرهم، وبالتالي يحلو لهم أخذ خيرات الدول ومقدراتها من دون أدنى مقاومة أو حتى كلمة تعارض سياساتهم، فيبررون لأنفسهم العمل بأي وسيلة توصلهم لهذه الغاية، وإن كانت تلك الوسيلة قذرة.
يُعدّ مصطلح الحرب الناعمة نوعا من أنواع الحروب القاتلة والمدمرة، وتحت هذا العنوان تضيع أمم، وتنسف ثقافات ومعتقدات فكرية سامية، وإذا لم تتنبه لهذا النوع من الحروب، فلن تصمد ولن تقف يوماً ثابتة على قدميها، وبالتالي تتلاشى وتنهار !! فإن هذه الحرب تُعد أكثر خطراً من الحرب « العسكرية «، وللعلم أنهُ يندرج تحت هذا العنوان(الحرب الناعمة) مصطلحات لحروب أخرى تنتج عنها الآثار والأضرار نفسها، فهي تختلف في الأشكال أما المضمون فكُلها تؤدي دوراً واحدا، وهو ضرب الشعوب والمجتمعات؛ لتطويعها والسيطرة عليها، ولها أشكال ومسميات عدة منها: الغزو الثقافي، والفكري، والتسميم السياسي، وضرب الاقتصاد، والحرب النفسية، والشائعات وغيرها الكثير والكثير.
وهنا فقد ظهرت الحرب الناعمة مُصاحبة، وأتت بالتناغم مع الحرب العسكرية؛ فهي تهدف للاستيلاء على الناس فكريًّا وثقافيًّا ومعنويًّا بطريقة الجذب لا بقوة السلاح، وبأسلوب ناعم وليس خشنا، وبطريقة جذابة لا بطريقة مباشرة.
وبالطبع يرجع نجاح الحرب الناعمة، وتحقيق أهدافها المطلوبة، وتأثيرها على سلوك الآخرين كُلها تعود إلى براعة من يستخدم هذه الحرب وأسلوبه والطرق المختلفة التي يتخذها ومن خلالها يؤثر في سلوك الناس وتعاملهم، بل يستطيع أن يوصلهم إلى التخلي عن قيمهم ومبادئهم وثقافتهم، وحينها سيحصل على الأهداف المخطط لها مسبقاً بدون الاضطرار إلى استعمال أي وسيلة عسكرية.
ولتعريف الناس أكثر، وخلق وعي فردي وجمعي في مجتمعنا يجب أن يعرفوا أننا عندما نتحدث عن الحرب الناعمة بكل أشكالها المختلفة فإننا نتحدث عن مشروع أمريكي صهيوني معاصر، وقد اختير لهذه الحرب القذرة أن تكون هي الوجه الآخر والخفي للعدوان، بل ربما ستكون البديل القوي للمواجهة العسكرية والحرب المباشرة، وبلا أدنى شك أنهُ لم يأتِ اختيارها من فراغ بل ما أوصلهم لهذا هو الفشل العسكري والعجز عن تحقيق أهدافهم الاستعمارية عن طريق الحرب المباشرة، فالحرب الناعمة لها تأثيرها الكبير في أوساط مجتمعنا اليمني خاصة وعلى المجتمع العربي والإسلامي بشكل عام.
وبكل تأكيد أن الحرب الناعمة ورقة العدوان الأخيرة والخطيرة معاً، فهو يسعى لغزونا وهزيمتنا وإسقاطنا بهذه الورقة القذرة، ويريد أن نكُون معهُ بأيدينا، ومشاركين لهُ، وسيتحقق فقط إذا لم نستيقظ ونتنبه لخطر هذه الحرب الناعمة بكل أشكالها المختلفة التي نؤكد أنها أكثر خطراً من القنابل النووية؛ لما لها- من أجل التأثير في أوساط المجتمع- من وسائل كثيرة جداً ومختلفة؛ لهدم المجتمع والاستيلاء عليه، وتتمثل معظمها اليوم في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام بشكل عام، وقد وظف العدوان السعودي الأمريكي هذه الوسائل لنشر الفساد الأخلاقي وتعميم الرذيلة بشكل كبير جداً، وأيضاً الحذر منهم ومن وسائل إعلامهم التي تبث السموم والضلال والدمار الشامل في أوساط مجتمعنا اليمني العزيز، ولأهمية هذه الوسائل وتأثيرها فقد سخرها العدوان لتحقيق أهدافه، وأيضاً سخر كل شركاته ومؤسساته ووسائله الإعلامية السمعية منها والبصرية والمواقع المقروءة كُلها لخدمة أهدافهم الاستعمارية وبطرق منحطة؛ لضرب وهدم وتفكيك لحمة أبناء المجتمع اليمني الأصيل، وبهذه الوسائل والأساليب يكون الاستيلاء على مجتمعنا وكل المجتمعات، واحتلال الأوطان، ونهب ثرواتهم أمرا في منتهى السهولة، وهذا دأب طواغيت العدوان اليوم، وهو الهدف المطلوب لكل قوى الضلال والظلام والغزاة على مدى التاريخ.
يجب أن نُدرك اليوم جميعاً حجم الحرب العدوانية الشرسة التي يتعرض لها بلدنا اليمن، وتتمثل بهجمة حروب متنوعة وشرسة على جميع المستويات، فالحرب العسكرية بكل وسائلها وأسلحتها استخدمت، والحرب الناعمة بكل أشكالها المختلفة وتحت مسميات متعددة كُلها يُمارسها تحالف العدوان السعودي الأمريكي؛ لتركيع وإخضاع الشعب اليمني المسلم، ولهدمه من الداخل، وترويضه للقبول بالمستعمرين بكل سهولة، فالمسؤولية على الجميع كبيرة جداً، والدور مُهم لمواجهة هذه الحرب الشيطانية القذرة «الحرب الناعمة»، فالكل ضباطا وجيشا في هذه الحرب، ووضع الخطط والاستراتيجيات مُتاح لمواجهة هذه المعركة الفكرية والثقافية والسياسية، وعلى الكل التحرك والعمل والمواجهة؛ لننتصر، وتُهزم جموع العدوان العسكرية والناعمة وشياطينهم، ويولون الدُّبر قريباً بإذن الله وبيقظة مجتمعنا العظيم، وهنا لنستفيد أكثر نُلخص استراتيجيات مهمة لمواجهة هذه الحرب الناعمة.

الاستراتيجيات التي تُحصن مجتمعنا، وتُفشل الحرب الناعمة في الوقت الراهن:

1 – دور الأسرة وخطورة تغافل الرقابة على الأبناء:
أهم ما يركز عليه العدوان اليوم استهداف الأسرة وإفسادها بكل ما يتناسب مع رغبات أفرادها، فمثلاً يُستهدف رب الأسرة بـأخبار كاذبة وشائعات مُزيفة، وضرب الاقتصاد؛ لتُضرب الأُسر ومعيلوها؛ و ليُشغل الأب عن السعي وراء لقمة العيش والكفاح، وحينها يصعُب الرقابة عــلى الأبناء، ولكن هذا ليس مبررا كافيا، ويجب المراقبة دائماً، وأيضاً يُركز العدوان بكل وسائله الإعلامية على تسخيرها لضرب المرأة من خلال القنوات والمسلسلات والهواتف اللمس وشبكات التواصل، فتُفسد، ويسهل إفسادها، وإذا ما فسدت المرأة، أفسدت الأسرة كلها، فيجب على رب الأسرة رقابة الأبناء، ومتابعتهم أين يذهبون؟ ومن رفاقهم؟ وإدراك مدى خطورة الهواتف والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي على دينهم وثقافتهم ومستقبلهم وحياتهم كلها، واختيار البديل للمسلسلات، والاهتمام بتثقيف المرأة وزيادة وعيها.

2 – أهمية الجانب الثقافي ودور وزارة الأوقاف والإرشاد:
إن مواجهة شعبنا لهذه الحرب الناعمة التي تستهدفنا في جميع الجوانب الثقافية والفكرية ليست مواجهة سهلة، ولكن إذا تكاتفت الجهود، وتوحد الجميع، فسننتصر. ومن هنا فعمل وزارة الأوقاف أساسي، ويتمثل هذا الدور في توجيه ودعم خطباء المساجد والحلقات الدينية والنخب المثقفة، فلتُقدّم الخطط لهم، وليقوموا بدورهم العظيم في توعية الناس وتثقيفهم وتعريفهم بأنهم يواجَهون بحرب ناعمة خطيرة تستهدف القيم والمبادئ وطمس الهوية الإسلامية لهذا الشعب؛ لتطويعه للقبول بالمستعمر وبدون أي مواجهه وبكل إذعان.

3 – دور الأكاديميين والشباب:
لاشك أن للأكاديميين وطلاب العلم الشباب دورا مُهمًّا؛ فهــم يستطيعون إقناع غالبية المجتمع، وعليهم الاستفادة من قدراتهم العلمية وأســاليبهم وبكل ما لديهم من قدرات ممكنة؛ لكشف هذه الحرب وهذا المخطط الصهيوني، وأن يحثوا المجتمع على التمسك بالهوية الإيمانية والقيم اليمنية الأصيلة،، فنلاحظ تحرك العدو وجمع كل قواه لاستهداف الشباب، وقد طمع العدوان بمــوردنا البشري الذي هو مصدر قوتنا وبقائنا- بلا شك- قبل طمعه بالموارد الطبيعية، وثروات البلاد، وبالتالي إذا خســـرنا الشباب، وسلب العدوان شباب مجتمعنا اليمني، فسيخسر هذا الشعب لحمته وقيمه ومبادئه، ويتفكك حينها، ويتنازل عن هويته، ويخسر توفيق الله، ويفقد النجاح والإبداع والعمـــل، وسـيصبح حينها كل المجتمع في متناول الأعداء، ويتسلطون عليه، وتُسلب مــــوارده المالية وثروات هذا الشعب، فلابد من الاهتمام بهذه الفئة، ولابد منها أن تهتم بقـــدراتها العلمية، وأن تفعلها في مواجهة هذه الحرب الناعمة.

4 – دور وزارة الاتصالات ووزارة الإعلام:
هنا لابد للجانب الحكومي أن ينهض بالمسؤولية خصوصاً وزارة الاتصالات ووزارة الإعلام، ويكون لهُ الدور الذي يُسهم في بناء مجتمع حصين صعب اختراقه وغزوه، فيجــب على هذه الجهات أن تعرف الثغـــرات التي يتسلل العدوان من خلالها بحرب ناعمة قذرة، فمثلا وزارة الاتصالات واجبها اليوم أن تسعى لحجب المواقع الإباحية والقنوات المضللة التي تفسد مجتمعنا، وتنخــر، وتُخل بقيم المجتمع، وتتنافى مع الأخلاق والدين الحنيف، وتهدم العقول، وتطوع المجتمع؛ ليقـــبل بالتيه والضياع والجريمة.
ولا ننسى أن وزارة الإعلام أيضاً لها دور يُسهم في بناء المجتمع، ويحافظ عليه من الانهيار والسقوط في هذه الحرب، وهذا الدور يتمثل باستنهاض الكتّاب والمثقفين والإعلاميين ودعمهم وتحفيزهم ودفعهم للكتابة وكشف العدوان ومخططاته وأساليبه القذرة في إضلال وضياع المجتمع، وتسعى الوزارة لإيجاد البديل للمسلسلات والحلقات الهابطة ذات المحتوى السيئ وتحفيز الممثلين والمبدعين؛ لإنتاج محتوى هادف يرقى بالمجتمع، ويُسهم في تعزيز الثقافة والسمو بالنفــــس والاعتزاز بالهوية الإيمانية اليمانية والانتماء للوطن الكريم.

قد يعجبك ايضا