العدوان بين ليلتين

إبراهيم الوادعي

 

في عشية الـ 26 من مارس 2015م اشتعلت العاصمة اليمنية صنعاء ومناطق بفعل الغارات التي شنتها طائرات سعودية وإماراتية وأمريكية وغربية ، وطالت أهدافا عسكرية تتصل بالدرجة الأولى بمنظومة الدفاع الجوي الضعيفة والتي سبق تفكيكها خلال فترة الرئيسين عفاش وهادي وأهدافا مدنية كمطار صنعاء الدولي وحي بني حوات الذي شهد في تلك الليلة أولى مجازر العدوان التي ارتكبها التحالف الذي أعلن عن نفسه بعد قليل من الغارات الأولى على العاصمة اليمنية صنعاء .
وبينما كانت انفجارات الصواريخ وأصوات الطائرات الحربية المغيرة بشكل مفاجئ تخرق سكون ليل المناطق اليمنية وتزرع في نفوس ساكنيها الخوف والقلق ، كانت وسائل الإعلام الدولية تقطع بثها المعتاد لتنقل مؤتمرا صحفيا للسفير عادل الجبير يعلن بخيلاء من حوش البيت الأبيض- بعد لقاء الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما- عن تحالف دولي بدأ لتوه حربا شعواء وحصارا مطبقا على الأراضي اليمنية تحت مسمى عاصفة الحزم ، وليتلقف العالم كما الشعب اليمني الخبر بصدمة كبيرة ، والسؤال الكبير لدى الجميع يمنيا ودوليا: ما الذي استجد ؟.
كان اليمنيون والدوائر الدولية في العالم ، نامت على الأخبار السارة التي ساقها المبعوث الأممي الأسبق جمال بنعمر، الذي كان حينها في صنعاء يدير مفاوضات مثمرة بين الفرقاء اليمنيين أسفرت عن توصل القوى السياسية إلى اتفاق سياسي مفصل سيعلن عنه مساء الـ26 من مارس 2015م آنذاك.
لقد استبقت الغارات السعودية ومعها الولايات المتحدة الأمريكية ودول غربية إعلان الاتفاق بساعات ، وبددت آمال اليمنيين بانطلاق عهد جديد من البناء لدولتهم بعد سنوات من عدم الاستقرار وعقود من الوصاية للخارج أنتجت جميعها وفق إفادة بنعمر لمجلس الأمن في جلسة أعقبت العدوان والحصار بأيام ، وبحسب بنعمر- في مقال له بصحيفة أمريكية قبل أسابيع- فقد وقف بحسرة يرقب من نافذة الفندق الغارات السعودية وهي تدمر إحدى أقدم المدن البشرية وتجهز على الاتفاق الذي صاغه بين القوى السياسية اليمنية على مدى أسبوع قبل أن يسمح له التحالف الأمريكي السعودي بالمغادرة إلى نيويورك لإلقاء إفادته الأخيرة أمام مجلس الأمن .
أعلنت السعودية انتهاء عاصفة الحزم بعد شهر واحد من انطلاقها ، ولم تختلف عنها بالمقابل عاصفة الأمل التي أعلنت عنها ليصل عدد الغارات الجوية إلى أكثر من نصف مليون غارة وأكثر من مليون طلعة جوية طالت كل شيء في اليمن البشر والحجر ، ولم توفر مدرسة ولا مستشفى ولا مسجدا ولا طريقا، كما لم تقم حرمة لمأتم أو عرس، وتقدر جهات دولية عدد الضحايا من المدنيين بنحو 43 الف مدني – مركز عين الإنسانية – وتقول جهات دولية إن عدد الضحايا المدنيين فاقوا 250 ألف مدني – مقال جمال بنعمر في النيويورك تايمز.
عشية الـ26 من مارس 2021م أقفل اليمنيون السماء السعودية تماما أمام الحركة الجوية الدولية، كما فعلت الرياض قبل 6 سنوات في اليمن ، وأفاق الشعب في المملكة على صدمة وترقب يتابعون أخبار القصف اليمني الشامل للمملكة السعودية من أقصى الشرق حتى اقصى الجنوب، في رسالة سياسية يمنية بالدرجة الأولى ليس للسعوديين فقط ولكن للعالم الذي صمت عن كل جرائم أمريكا والسعودية وتحالفهما العدواني في اليمن .
لقد شكلت العملية العسكرية اليمنية عشية الذكرى السادسة للعدوان والحصار على اليمن في الأراضي السعودية صدمة لمراكز الدراسات العسكرية و السياسية، والتي لم تكن تتوقع أن يكون الوضع بهذه الصورة أقله بعد 6 سنوات فقط من الحرب الأمريكية السعودية على اليمن ، لقد أخذ العالم- كما السعوديون والأمريكيون- الخيارات الاستراتيجية التي أعلن عنها السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي- في بداية الحرب- لبلوغ النصر، بعدم الجدية الكاملة أو تحقيقها في زمن قصير ، كما تجاهلوا دعوته بعد أيام من انطلاق عاصفة الحزم لوقف القصف والاكتفاء بما قد حصل ، وقرأوا بشكل خاطئ آنذاك فحوى كلمته .
على مدى 6 سنوات قدّم السيد عبدالملك والجانب اليمني، حبل النجاة إلى السعوديين اكثر من مرة للنزول عن شجرة العدوان ، والرياض تجد صعوبة في النزول عنه بعد أن فاقت خسائرها في الحرب على اليمن آلاف المليارات من الدولارات وتنذر هزيمتها بتفكك المملكة بعد أن دخلت في وضع اقتصادي صعب .
الرياض تبحث اليوم عن الحيلة والخداع تحت مسمى مبادرة أو غيرها لتغطية انتصار يمني واضح للعالم وإنقاذ آخر معاقلها في مارب ، دون أن يتحقق لها ذلك حتى اللحظة بفضل وعي اليمنيين وثبات القيادة وصلابتها واستنادها إلى منظومة عسكرية فاجأت العالم بحجم قدراتها وتحقيق أهدافها في العمق السعودي بعد 6 سنوات من العدوان والحصار المطبق.
عشية الـ26 من مارس 2021م كانت المفارقة في الضفة الأخرى، حيث نعمت صنعاء والمناطق اليمنية بالهدوء ونام اليمنيون ليلتهم بهدوء بعد ست سنوات من الصبر والصمود والثبات ، ناموا وعلى وجوههم ابتسامة عريضة وفي وجوه أطفالهم طمأنينة.

قد يعجبك ايضا