ثورة الشهيد القائد.. ومعركة الهوية

 

¶ دوافع العدوان وأهدافه لطمس هوية المجتمع اليمني وإعادة هيكلته
¶ الصرخة أعادت اليمن إلى مساره الصحيح لاستعادة هويته
¶ الهوية الإيمانية هي أغلى ما يمتلكه اليمنيون والعامل الحاسم في كل المعارك الحسِّيَّة والمعنوية

 

حين صار العالم في كف عفريت التآمرات الأمريكية الصهيونية، واستهداف الإسلام بشكل عام وهو ما صرح به “بوش الأب” عقب أحداث 11 سبتمبر 2001م من أن العالم مقبل على صراع حضارات.. انطلق الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي يبث الوعي في أوساط المحيطين به، وانطلقت الصرخة، وانفلت المارد من عقاله في مواجهة عفريت التآمرات، وأصبح أمر العودة إلى ما كانت عليه دول الاستعمار من المستحيل.
لقد انطلقت ثورة “الحسين” بحفيده الحسين بن بدر الدين، تستعيد هوية اليمني الإيمانية لتطيح بكل تآمرات العالم الغربي وربيبته “الغدة السرطانية” التي زرعت في قلب الوطن العربي والإسلامي لشل حركته ومنعه من بناء نفسه إذا ما حاول.

الثورة  / صلاح الشامي

“الإيمان يمان والحكمة يمانية”
هكذا جاء تحديد وتوصيف الهوية اليمنية من السماء على لسان من “لا ينطق على الهوى” صلى الله عليه وآله وسلم، لذلك لم تكن هويتنا نتيجة صناعة القوى العظمى التي حكمت وتحكَّمت بالعالم عبر التاريخ، ولا هي تلك الهوية التي يكتسبها مجتمع ما نتيجة التحورات والتبدلات والتقلبات السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، ولا غيرها من التقلبات “الأيديولوجية” بصفة عامة والتي تحدث التحويرات الواضحة في مسارات ومصائر وهويات المجتمعات.
وهي “الهوية الإيمانية” الأساس الصلب الذي تبنى عليه الحكمة إذ لا تأتي الحكمة إلا برسوخ الإيمان، قال تعالى ” الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” فالإيمان أولاً وأخيراً، فلو تمعنا في الآية الكريمة لوجدنا أن المنطق للحكمة ” وهي التفكر في خلق السماوات والأرض والوصول إلى نتائج عبر تفعيل العقل، ومعرفة سنن الله الكونية وذلك سبيل العلوم وطريقه الوحيد، لو تمعنا في الآية لوجدنا أن هذا التفكر لم يتأتَّ للفرد إلا بالإيمان الذي دفعه لذكر الله في جميع أحواله، ثم كانت النتائج إيمانية أيضاً ” رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ “، فالتفكر في خلق السماوات والأرض المرتبط بخالقها أوصل إلى معرفة أسرار الكون، أسرار خلق السماوات والأرض، لذا جاء الإقرار بـ” رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً “، ولأن الإيمان بالله اكتسب -بعد التفكر المبني على الصلة الوطيدة بالذكر والمذكور – قوة أكبر من خلال معرفة نتائج التفكر، كان التسبيح -بمعنى التقديس والتنزيه للجناب الإلهي- وهو من أعظم الذكر، ختاما للتفكر الذي لن ينتهي من مرحلة إلا ويدخل مرحلة أخرى هي أوسع مكاناً وأعمق دلالة، ثم الاستعاذة من عذاب النار حيث توطد الإيمان بالغيبي “ما وراء العقل” حتى صار في حكم المشاهدة.
هذه إشارة إلى معنى “الحكمة يمانية” وقد قمت بالاستدلال بآية واحدة رغم كثرة الشواهد، لأنها كافية،.
عندما يقرِّر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أن “الإيمان يمان والحكمة يمانية” وهو أصدق قائل، ولم يكن هذا التقرير شخصياً، فهو “لا ينطق أبداً عن الهوى” أي لا يجامل ولا يحابي أحداً، وحتى لو كان قراره شخصياً، أي صدر منه، فما قاله حق لأنه أعظم شخصية عبر التاريخ وقد أعطاه الله سبحانه وتعالى من العلم والمعرفة والبصيرة ما لم يعط أحداً قبله ولن يعطي أحداً بعده كذلك.
هنا نصل إلى نتيجة أن الحكمة اليمانية التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا تظهر إلا حين يظهر الإيمان، ونقصد بالظهور هنا “الغلبة والسيطرة”، أي أن يكون الإيمان وأهله هما الغالبان وهما الظاهران ويحكمان به بـ”الإيمان” لا بغيره.
فإذا “ظَهَرَ” الإيمان ظهرت الحكمة، وهذا ما تخشاه قوى السيطرة العالمية.. وهو أكبر كنز تمتلكه “اليمن”، بل هو أثمن من موقعها الجغرافي بما يمثله من أهمية “جيوسياسية” وكذلك من ثروات اليمن، ولذا أشار السيد القائد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي إلى أن أهمية اليمن فوق ما يعي أبناء اليمن أنفسهم.
وللسبب ذاته دعا السيد القائد إلى بث معرفة اليمنيين بهويتهم الإيمانية وتأصيل هذه الهوية والتمسك بها، لأنه يدرك -من موقعه كقائد حكيم- خطر طمس الهوية اليمنية الإيمانية.
إن كل تكنولوجيا عرفت حتى الآن -مهما بلغت- لن تساوي شيئاً مقابل ما يتوصل إليه بواسطة الإيمان أو “تفكر الذاكرين”.
لقد أكنَّ الله سبحانه وتعالى أسرار الكون في قلوب المؤمنين حتى عن أنفسهم فلا يمكن إخراجها إلا بالذكر الدائم المتواصل غير الملول ولا المنقطع أو المتقطع، إن الذكر هو ما يبرز الوعي الكامل والكامن في الذات الإنسانية تجاه كل “المشهودات”، ومعرفة أسرارها ومبانيها وشواهدها، وهذا ما تخشاه قوى الشر العالمية، فهي تعلم أهمية اليمن وقيمة اليمن أكثر مما يعلمه أبناؤها، وهذا ما أكده السيد القائد في خطاب تلى بداية العدوان سنة 2015م.
لقد جاء العدوان على اليمن كنتيجة حتمية لفشل دول الاستكبار والاستعمار الغربي، في معركة الهوية، لأن اليمن انفلت من أيديهم، وبدأ يستعيد هويته اليمنية الأصيلة منطلقاً من ثورته التي بدأت بالرفض الصريح والقوي لرأس الاستكبار العالمي المتمثل “بأمريكا”، وتابعه الخبيث المتمثل في “إسرائيل”، ولأن الرفض أساس للبناء الجاد، كما هي الشهادة “لا إله إلاّ الله” بدأت بالنفي وانتهت بالإثبات، فقد جاءت الصرخة “الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام” كأقوى سلاح في وجه من يأبى لنا أن نعيش في سلام، ورفضاً لكل تدخلاته في شؤوننا.
طمس الهوية
إن أكبر سلاح يستعمله الغرب المتسلط هو سلاح الفكر.. ولو شئنا الإحاطة بكيفية استعمال الغرب الغازي لسلاح الفكر ونجاحه فيه، فما علينا إلا أن نستقرئ التاريخ الحديث.. حيث أن كل دولة دخلها الاستعمار الأوروبي تعيش الآن منسلخة من هويتها، منغمسة في التقليد الأعمى للحياة الأوروبية -ما بعد الحرب العالمية الأولى- لذا فإن أهم ما تركه الاستعمار في البلدان العربية والإسلامية هو التفسخ والانحلال.
لقد قام المستعمر بإيجاد التغييرات الديمغرافية في المجتمعات الإسلامية، للقضاء على سر قوة هذه المجتمعات.
لقد قرر “ريتشارد قلب الأسد” ملك فرنسا في القرن الـ 11، عقب اندحار حملته الصليبية، بأن العرب لم يعد غزوهم بالقوة العسكرية مجدياً، بل بالفكر، قائلاً:” من الآن لن تغزو العرب والمسلمين بالجيوش بل بالفكر”.
لقد انسحب الاستعمار من الوطن العربي مخلفاً حكومات عميلة وأخلاقاً رذيلة نشرها عبر عقود قضاها في حكم البلدان العربية، وهو في حرب صامتة “ناعمة” يقوم بتدمير الثقافة والهوية والطموح، حتى نجح في تغيير أنماط الحياة في كل مجتمع حكمه من المحيط إلى الخليج.
اليمن في جزئه الشمالي سلم من ويلات هذه الحرب التي تستهدف الهوية بشكل كبير جداً، ولكن ليس بشكل كامل، وذلك لسلامته من الغزو والاحتلال المباشر لأرضه، لكنه بقي عرضة للتغييرات في “الأيديولوجية الفكرية” بشكل بطيء وغير ملحوظ عبر عقودٍ سبقت جلاء المستعمر من الوطن العربي وعقود تلت ذلك.
ولأن اليمن هويته إيمانية، فقد سلطت عليه مخابرات “بريطانيا العظمى آنذاك” حرباً أخرى تمثلت في جانب الدين، فسلطت الفكر الوهابي لتدمير النبى التحتية الدينية والعقائدية للمجتمع اليمني، لسلخه من هويته المبنية على الأساس الصحيح للدين الذي دخل فيه اليمنيون أفواجا، وإبدالهم بدين ظاهره الرحمة وباطنه وحقيقته العذاب والحياد والزندقة والميل والانسلاخ من الهوية.
إلا أنهم رغم كل محاولاتهم هذه لم يستطيعوا إحداث الأثر المرجو لهم، فقد خرجت ثورة الشهيد القائد لتعصف بكل محاولاتهم وكل إنجازاتهم في هذا المجال.
لقد وصلت “صعدة” إلى أن صارت قبلة “السلفية” في اليمن، “السلفية” القائمة على التكفير والهادفة إلى التدمير، لكن الثورة خرجت منها، لأن الهوية لم تدمر فيها رغم استهدافها هي بالذات كونها معقل الزيدية في الجزيرة العربية.
يكفي هنا أن استشهد بما كشفه سيدي العلامة المجاهد / سهل إبراهيم بن عقيل –رحمه الله- من حقد دفين ظل يحمله “مقبل الوادعي” لليمن وللشعب اليمني وذلك بداية سبعينيات القرن الـ 20، إذ كان “الوادعي” آنذاك يسعى مدفوعاً من السعودية إلى تأسيس المدرسة السلفية الهادفة لتدمير الهوية اليمنية القائمة على الإيمان والحكمة.
لقد كانت ثورة الشهيد القائد بمثابة البركان الذي اجتث كل النبتات الخبيثة التي بدأت تنمو في جسد اليمن، لذا جاء العدوان المباشر الوحشي لمحاولة استعادة السيطرة والدخول في المرحلة الإجبارية لتغيير هوية الشعب اليمني.
سياسة الإخضاع
إن سياسة التجويع عبر الحصار الخانق، الذي تتبعه دول العدوان حالياً، لهو من أهم أساليبهم في الاخضاع، فأصحاب النفوس الضعيفة والإيمان الهش هم الأسرع في تقبل سيف الجلاد، ولكنهم يرون برغم ذلك ورغم حصولهم على العديد من العملاء أن المجتمع اليمني ليس سهل الانقياد كأي مجتمع آخر، ولن يتسنى لهم تحقيق ما يحلمون به حتى لو استمر هذه العدوان إلى يوم القيامة، لأننا بدأنا بثورة “الحسين بدر الدين” نستعيد هويتنا ونسعى لتأهيل أنفسنا لحمل الأمانة وإبلاغ الرسالة، كما يحبه الله ويرضاه،.. ولذا لن يعود المجتمع اليمني إلى ما كان عليه منذ عقود، والقادم يبشر بظهور الحق ودولة الحق ” و نُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ” الآية.. هذه هي إرادة الله سبحانه وتعالى، وهي من تخلق هذه الإدارة لدى الشعب اليمني في أهم معركة مصيرية يخوضها، وهي معركة الهوية، العامل الحاسم في كل المعارك المادية والمعنوية على الإطلاق.
صناعة المستقبل
لقد استغلت أمريكا ومن ورائها الماسونية كل شيء حتى التنبؤات الفلكية وحورتها وحولتها إلى الإنتاج السينمائي لتبثها للعالم، وفق صناعتها هي وأغراضها هي، حتى وصلتنا نبوءة شعب (المايا) التي كانت تتنبأ بنهاية العالم عام (2012م) باعتبارها كارثة كونية، ولكن ذلك لم يحدث إلا في السينما الأمريكية فقط.. أما في الواقع فإن عام 2012م كان عام صناعة المؤامرات الكبرى ضد البشرية، والتي انطلقت في قلب (الشرق الأوسط) الذي هو قلب العالم، والموطن الأقدم لكل البشرية بما فيهم مجموعة (الأخوية العالمية) التي تنحدر منهم هذه السلالة التي تحكم العالم حاليا وتسعى للسيطرة عليه سيطرة شاملة مستقبلا.
وأمام هذه القوى المنظمة والتي تمتلك المال والقوة والسيطرة، هل نسكت؟ إن القوة الحقيقية ليست في أيدي تلك القلة من الذين يطلقون على أنفسهم (الاخوانية العالمية) أو الماسونية، وإنما القوة الحقيقية بين أيدي الجماعة، أي الغالبية العظمى للبشرية.. والقوة المطلقة واللا محدودة موجودة في كل فرد.. إن سبب خضوعنا للسيطرة الخارجية هو أننا لا نملك السلطة لنقرر مصيرنا، فنحن نتخلى عن هذه السلطة كل مرة حين تعترضنا مشكلات ما، فنسارع لإلقاء اللوم على بعضنا أو نتساءل في بلاهة كيف سيحلها أولئك، فنترك لهم الفرصة ليتدخلوا هم ويملوا علينا وسائل نجاتنا وطريقة حياتنا، ثم يقتطعون ثمن ذلك من ثرواتنا ومستقبلنا وأقوات عيالنا، وبذلك نفاقم نحن من مشكلاتنا وانقساماتنا، ونضاعف من سلطاتهم وقوتهم وتدخلاتهم.
إنهم هم من يخلقون المشكلات والحروب ويغذونها، ويسارعون للتبرؤ منها وعرض خدماتهم لحلها، ولكن بعد أن تكون كل الفرق المتناحرة قد وصلت إلى مرحلة من الضعف بحيث لا تتمكن من قول (لا) لأمريكا وحلفائها، وحينئذ ما عليها إلا أن تتقبل ما يملى عليها بصمت وذل ومهانة.
لم تعد أمريكا حاليا وكذلك بريطانيا وحلفاؤها تكتفي بتلك المعاهدات السرية التي تجري بين الحكام العرب وبينها، لضمان مصالحها وأمن إسرائيل، تلك المعاهدات والاتفاقيات التي تجري دون معرفة الشعب الذي يشعر بعروبته ويعتز بها.. فالمرحلة الحالية للسيطرة تقتضي الإذلال للشعوب بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وعلى قمة هرم هذا الإذلال يقع الإذلال للحاكم المتعاون.. ذلك الحاكم الذي يرهبه الشعب ويخافه تقوم أمريكا بإذلاله والسخرية منه أمام شعبه اختصارا للمجهود الكبير في إذلال الشعب، فالإذلال الذي يقع على رأس الحاكم الطاغية يقع على رأس كل فرد في الشعب بكل تأكيد، وهذا ما مارسه (ترامب) على الملك (سلمان وابنه)، وهو ما وقع ويقع على حكام دول الخليج الأكثر تعاونا مع أمريكا وحلفها ضد (اليمن والعراق وسوريا ولبنان) حاليا، وضد بقية الوطن العربي في المستقبل.
إن أي حاكم عربي يوقع اتفاقية تعاون مع إسرائيل في أي مجال، إنما يعمل ذلك لأنه يُذَلُّ .. فلا يمكن لأي حاكم عربي حر أن يفعل ما يخالف توجهات شعبه مهما كان الثمن. إن الإذلال يتجلى بصورته الحقيقية في رحلات التطبيع، وهي (رحلات بلا عودة)، فلن يتحقق شيء من الوعود الزائفة الإسرائيلية، وكذلك لن يتحقق السلام الموعود، بل ستزيد القبضة الماسونية الصهيونية الإمبريالية على أعناق الحكومات والشعوب، وستنزف الدماء أكثر مما فعلت من قبل وعبر كل مراحل التاريخ الإنساني.
صناعة الجهل
لقد حرصت (حكومة العالم الخفية) على إبقاء الشعوب في جهل مطبق وخوف، وفي صراع مع أنفسهم، وعملت وسائل الإعلام على تغذية هذا الجهل وتمديده زمنيا ومكانيا، كما عملت على الدعاية لوسائل الردع العسكري الأمريكي لزيادة الخوف، وشغلت أبناء البلد الواحد بحروب عبثية تنفذ من خلالها إلى خلخلة معنى الدولة، وتفريق الشعب سعيا لتقسيمه وتفكيكه، وهي سياسة قديمة للإمبراطورية البريطانية (فرِّق تسد)، فلن يكونوا أسياداً للعالم ما لم يفرِّقوه ويقسِّموه إلى مكونات هزيلة ضعيفة متناحرة إلى الأزل.
إن القوة في أيدينا ولكننا غافلون عنها إنها الوعي والمعرفة لأنها نقيض الجهل، وطالما امتلكنا المعرفة والوعي فلن يكون هناك خوف وسوف نتصدى للإعصار الذي بدأ يكتسح العالم ابتداء من عاصفة الجزيرة العربية، لكن إن بقينا على حالنا فلن نعمل شيئاً ولن نستطيع التصدي لهذا الإعصار وكبح جنونه.
مسؤوليتنا
إننا عندما نتخلى عن عقولنا ومسؤولياتنا فإننا نتخلى عن حياتنا، بل ونتخلى عن العالم أجمع ليحكمه مصاصو الدماء الحقيقيون، قتله الأبرياء وقراصنة النفط والثروات.
إن قول “لا” هو السبيل الأمثل لكبح المارد الجبار الذي قرر التهام العالم في ظل صمت مجتمعي تجاه كل ما يدور في مناطق وبؤر الصراع الحالي.. وتكفينا حكمة “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”، لنكف عن صمتنا وعن خلافاتنا وتباين وجهات النظر والرؤى فيما بيننا، والتي خلقها إعلامهم المشوِّه للأحداث المُقنِّع للأباطيل بأقنعة الحقائق.
الأول فالتالي
لقد تأجل تقسيم الوطن العربي بما يسمى “خارطة الطريق” من العقد الأول للقرن الـ21 إلى الآن بسبب صمود “حزب الله” في حرب 2006م بوجه إسرائيل وانتصاره عليها.
ولذلك لن تتقدم خططهم المزمنة ما لم ينتهوا منها تدريجياً الواحدة تلو الأخرى.. وإن خير وسيلة لعرقلة بل وإفشال مخططاتهم هي الصمود، وعدم إتاحة الفرصة لهم بالفوز في أي بلد وقطر عربي، وكما أسلفت سابقاً إن كلمة “لا” هي عنوان الرفض الأبرز، فإن الصرخة “الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام “هي التجلي الأبرز والأوضح والأقوى لكلمة “لا”، فهى التي تزلزل هيبة أمريكا في وجدان الأفراد والجماعات والشعوب والحكومات، ثم هي من تدفع إلى المواجهة والاستبسال وعدم الخوف والاستكانة.
إن أي متحذلق يعتبر نفسه مثقفاً قد يستهجن عباراتي الأخيرة، ويدَّعي أن هذا المقال كان يسير بوتيرة قوية حتى تكلمت عن “الصرخة” وأثرها على الآخر المتغطرس المعتدي، لكنه رغم ذلك لا ينكر أن من تنادي الصرخة بالموت له واللعنة عليه هو من يقتل أطفالنا وشيوخنا ونساءنا ويحتل أرضنا ويغتصب ثرواتنا ويعبث بماضينا وحاضرنا ومستقبلنا ويريد تحويلنا إلى مجرد عبيد نخدم في أرضنا ونقدم إليه ثرواتنا ثم نمتدحه بآيات الشكر والتقدير والتبجيل ونحن نغرق في دماء إخواننا ونغوص في مستنقع العمالة المقنعة انجراراً وراء ما تمليه علينا وسائل الإعلام الغربي والعربي المتصهين التي لا فكاك لنا منها ما لم نتحرر في داخلنا من مصطلحاتها وأفكارها التي غرستها منذ أن كنا في أبجدية الوعي السياسي الأجوف، حين انفتحنا على هذا العالم لنجد أنفسنا في أحط ما تكون عليه صورة الإنسان العربي، غريباً في وطنه وفقيراً يقبع منزله فوق بحيرات النفط ومكتوف اليدين وهو من يستطيع بما لديه التحكم بالعالم، لأننا استمعنا إلى حكامنا الذين لأجل الكراسي سوَّقوا بضاعة الأجنبي في مجتمعاتنا من أفكار وتوجهات وقناعات، حتى أتت المرحلة النهائية ليتخلى أولئك عن هؤلاء الحكام بطغيان وسائل الإعلام الحديثة التي فاقمت من الضياع والضلال والجهل للأمة العربية، ثم درست آثار برامجها السامة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فقررت التخلي عن حكام الماضي بضربة واحدة، مثلها “الربيع العربي”، لتبرز من أوساطنا اتجاهات غريبة وشاذة ترحب بالأجنبي على حساب الوطني، وتستنكر “الصرخة في وجه المستكبرين” ولا تستنكر الهجمة الغربية الشرسة على الأمة الإسلامية والعربية، وهي واقع عملي لا قولياً فقط كالصرخة، بل واقع حربي سفك ويسفك الدماء ويحاصر الشعب، ورغم ذلك لا يزال هذا المتثاقف أو ذاك يجاهر بتخلف ورجعية الصرخة وتقدمية آلة الدمار، والقتل والحصار والعدوان بكل أشكاله وإشكاله.
على وتيرة واحدة
إن ما يحدث اليوم في العالم أجمع بقيادة أمريكا هو تحصيل عمل دؤوب لقرون مضت، وليست ردود أفعال كما يعتقد البعض.
لقد حكم الولايات المتحدة منذ قيامها “45” رئيساً قبل بايدن، أكثر من “37” منهم من سلالة الملك “الفرد” ملك “بريطانيا” “العظيم كما يقولون” و”شارلمان” الملك الشهير الذي حكم “فرنسا” في القرن الـ 19، وخلال هذه الفترة كلها عملت هذه السلالة على تنفيذ برنامجها تدريجيا حتى وصلنا اليوم إلى مرحلة أصبحت فيها السيطرة الشاملة المركزية على العالم ممكنة.
الخروج من عنق الزجاجة
إن الخروج من قمقم هذا المارد لن يتم إلا بالنظرة الواقعية العربية المجرَّدة، والتي تحتكم إلى أصولنا وهويتنا الدينية وإلى أعرق دستور عرفته البشرية وهو “القرآن الكريم”.. وكما أن “معرفة الداء نصف الدواء” فإن الوعي هو الركيزة الأولى للخروج من تبايناتنا التي صنعها عدونا وعمَّقها جهلنا وعنادنا وتفلتنا من قيمنا وحيادنا عن هويتنا لانبهارنا بشكليات الغربي وأسلوب حياته وفق ما وصل إلينا من إيجابياته، برغم أننا غفلنا عن سلبياته وهي الأغلب.
إننا حين نخرج من كل ذلك سنلبس حينئذٍ زيِّنا الحقيقي الذي يتمثل بالإيمان والحكمة والقوة والبأس الشديد، وحينئذٍ لن يقف في وجهنا ذلك المارد البائس الذي استنزف قوته في مواجهة جنود لا قبل له بهم.. وعلى المستوى العربي والإقليمي فإن الوعي هو من سيوحِّد هذه التكتلات الخرقاء في كيان واحد، أو سيجمع الشعوب على كلمة سواء، وبذلك سوف نسلُّ من العدو أهم أسلحته.

الشهيد القائد حطم جدار الصمت، وكسر حاجز الخوف، وعلمنا كيف نكون طلاب حقٍ فننتصر
قد يعجبك ايضا