محور المقاومة.. صنعاء كنموذج يُجسِّد واحدية الخندق والمعركة

السفير / محمد محمد السادة

يفخر كل الأحرار في اليمن بشرف الانتماء لمحور المقاومة، ذلك المحور الذي تضحيات قيادته لا تقل عن تضحيات كوادره، وما الرئيس صالح الصماد، والفريق قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المُهندس، والعالم فخري زاده، إلا نماذج حية لشهداء عُظماء قدموا أرواحهم انتصارا لقضايا أُمتهم،ومشروعها في الدفاع عن العزة والكرامة، ورفض التدخل والوصاية.
في الوقت الذي ينبطح فيه الأعراب ويُشهرون إفلاسهم القيمي والأخلاقي والقومي، ويختارون السقوط في مشاريع التطبيع والتقسيم،وتحويل بوصلة العداء لإيران ومحور المقاومة، تأتي الدعوة الصادقة التي أطلقها قائد الثورة اليمنية السَّيِّد عبدالملك الحوثي لكل الأحرار في المنطقة لمواجهة مؤامرة تجزئة معركة الأمة، وأن لا يُنظر للتباعد الجغرافي بين الدول العربية والإسلامية كعائق يحول دون واحدية المعركة التي تستهدف الجميع.
هذه الدعوة نابعة من رؤية قائد شجاع يعي تماماً طبيعة المعركة ومتطلباتها،رغم ما قد يراه البعض بأن ما يُعانيه اليمن من عدوان وحصار خانق يُعد عذراً مقبولاً لتجاهل ما يجري في المنطقة من عمالة، وبيع علني للقضية الفلسطينية،ولكن تبني قضايا الأمة جزء من مشروع ومعركة التحرر التي تخوضها صنعاء،ولذا لا غرابة في أن مواقفها هي الأكثر قوةً وحضوراً في إدانتها للتطبيع وأنظمته،والأكثر انحيازاً لقضايا الأمة العربية والإسلامية.
صنعاء جزء حيوي لا ينفك عن محور المقاومة وقضاياه،ويتجسد ذلك من خلال حضورها العسكري والسياسي ،حيث بات الجيش واللجان الشعبية قوة حاضرة إلى جانب محور المقاومة،و رقماً صعباً حاضراً في حسابات وخطط الولايات المتحدة والعدو الإسرائيلي، ووكلائهما في المنطقة، فرسائل صنعاء لتل أبيب والمجتمع الدولي تؤكد على التمسك بقضايا الأمة و دعمها، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية،وتؤكد الحضور في أي حرب قادمة قد يشنها الكيان الصهيوني على لبنان، حيث يؤكد السيد عبدالملك الحوثي على استعداد اليمن لإرسال آلاف المقاتلين لدعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية في مواجهة العدو الإسرائيلي، وفي إطار تجسيد مواقفها الثابتة تشترط صنعاء إطلاق سراح مُعتقلي المقاومة الفلسطينية لدى سجون نظام آل سعود مقابل إطلاقها لسراح الطيارين السعوديين ، رغم أن لديها أسرى من أبطال الجيش واللجان الشعبية في سجون العدوان، كما تؤكد صنعاء مواقفها الداعمة لسوريا والعراق في معركتهما ضد المحتل الأجنبي وأدواته الإرهابية،بالإضافة إلى ذلك فصنعاء وفي إطار محور المقاومة معنية بالرد حال قيام إسرائيل وحلفائها بشن حرب على إيران.
تُدرك صنعاء حجم الأعباء الكبيرة المترتبة على توجهاتها الوطنية والقومية التي تقاعس عنها الأعراب، بل ومستعدة لتحمل مسؤولية توجُهها المستقل،ولن يُثنيها قيام الولايات المتحدة بإلصاق تُهمة الإرهاب باليمن، وبأكبر المكونات على الساحة الوطنية ،وأكثرها حضوراً وشعبية وهو مُكوِّن “أنصار الله” ليُصبح كل من يُحاربون الإرهاب في المنطقة مُدرجين في لائحة الإرهاب الأمريكية،وهذا دليل قاطع على الإرهاب المُمارس تجاه كل من يرفضون الهيمنة الأمريكية،كما يؤكد صوابية الموقف والتوجه الذي تختطهُ صنعاء بمعيَّة محور المقاومة في معركة التحرر.
يتبنى داعش والقاعدة نفس النظرة والموقف الأمريكي تجاه مكوِّن أنصار الله الذي أنهى وجود تلك التنظيمات الإرهابية في اليمن،ويتعامل بندية مع الولايات المتحدة، رافضاً الإملاءات والمساومات والإبتزاز، والتي كان آخرها في ديسمبر الماضي 2020م،حيث كشفت صحيفة الواشنطن بوست في عددها الصادر بتاريخ 11 يناير 2021 أن إدارة ترامب أرسلت أثنين من كبار الدبلوماسيين الأمريكيين إلى المنطقة للاجتماع مع مُمثلين عن مكون أنصارالله،ولكن المكون رفض ذلك الإجتماع .
تنشط التنظيمات الإرهابية في مناطق الصراعات و الحروب التي تُشعلها الولايات المتحدة ووكلاؤها ،و تنحسر أنشطتها الإرهابية بهزيمة الولايات المتحدة ، فإنهيار داعش والقاعدة وطردهما من اليمن وسوريا والعراق ارتبط بهزيمة الولايات المتحدة ووكلائها في المنطقة ،حيث يُشير تقرير “مؤشر الإرهاب العالمي” الصادر في نوفمبر 2020م أن داعش والقاعدة نقلا “مركز ثقلهما” من منطقة الشرق الأوسط إلى القارة الأفريقية، وإلى جنوب القارة الآسيوية ،وهو ما يؤكد إسقاط محور المقاومة لورقة الجماعات الإرهابية ، واضطرار مشغليها لنقل أنشطتها الإرهابية إلى مناطق أخرى من العالم .
هذه المواقف التي تجعل من صنعاء نموذجاً مُشرفاً يُجسد واحدية المعركة،تُقابلها مواقف مُشابة لبقية أعضاء محور المقاومة ،فسيِّد الأحرار السَّيِّد حسن نصرالله يؤكد فشل محاولات التجزئة للمحور،و يُحذر من أن أي حرب على لبنان أو إيران ستُشكل حرباً على كل محور المقاومة،وستضع نهاية لإسرائيل،وللوجود الأمريكي في المنطقة ،كما تؤكد إيران على واحدية المعركة والخندق ،حيث يؤكد المرشد الأعلى الإيراني السيد علي خامنئي موقف إيران المُلتزم بالدفاع عن حلفائها في المنطقة،وبأنها لن تتصرف بطريقة قد تتسبب بإضعافهم،وهو موقف مُشرِّف لكل الأحرار في المنطقة.
رهان الشعوب الحرةعلى محور المقاومة
كان لما تشهدهُ المنطقة من تكريس للقُطرية ،وانحسار لإطارات العمل القومية ،دور في تجزئة معركة الأمة ،وإنجاح مشاريع التدخل والهيمنة الخارجية ،فعندما ذهبت دول المواجهة مُنفردة لما تسمى إتفاقيات سلام مع كيان العدو الاسرائيلي تم احتواؤها كلا على حِدَة،وتمكين العدو من الإنتقال السلس من مرحلة الاحتلال إلى مرحلة التطبيع ، لتبقى المرحلة الأخيرة في مشروعه وهي مرحلة الهيمنة على المنطقة ليكون القرار في تل أبيب بدلاً عن واشنطن، لذا لا تختلف اتفاقيات التطبيع التي يُبرمها الأعراب مع العدو الإسرائيلي عن تلك التي وقعتها دول المواجهة في كونها اتفاقيات “استسلام” لا “سلام”، لتُصبح دول المواجهة اليوم هي سوريا ،ولبنان ،واليمن ،والعراق ،وإيران ،فيما تتولى أنظمة التطبيع مُهمتها الجديدة للعمل كدول مواجهة ضد محور المقاومة.
المخاض الذي تشهده المنطقة يرسم صورة أكثر وضوحاً لدول المنطقة وتوجهاتها ،ويُقدم حالة من الفرز، والتجلي للحقائق،وهو أمر جيد كما يقول السَّيِّد عبدالملك الحوثي، لأن كل شعوب المنطقة أصبحت تُدرك حقيقة الارتباط المباشر والعلني بين أنظمة التطبيع والعدو الإسرائيلي ،واختيار تلك الأنظمة الانضمام للمشروع الصهيو-أمريكي الموجه ضد الأمة،وهذه الحقيقة لاشك ستخلق حالة متنامية من الوعي والالتفاف الشعبي العربي والإسلامي حول محور المقاومة الذي يتصدى لهذا المشروع العدائي الذي يستهدف المنطقة وشعوبها، ويُسابق الوقت لاستكمال تنفيذه مستغلاً حالة الانكشاف غير المسبوق التي تعيشها المنطقة سياساً وعسكرياً وثقافياً، الأمر الذي يفرض على محور المقاومة حالة الطوارئ القُصوى،وأعلى مستويات العمل والتنسيق، لمجاراة وتيرة العمل لدى العدو والتفوق عليها ،لاسيما وأن أعضاء المحور يمتلكون من القدرات و التجارب المُلهمة ما يؤهلهم لكسب المعركة .
الدعم اللامحدود الذي يُقدمه النظامان السعودي والإماراتي يُشكل ركيزة أساسية للمشروع الصيهو-أمريكي في المنطقة من خلال توظيف إمكاناتهما ترغيباً وترهيباً لدفع الدول العربية والإسلامية للتطبيع،بل وتم تحويل الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي إلى مجرد مظلة لشرعنة التطبيع وتمرير ذلك المشروع، لذا فمن المتوقع أن تتجه كل الدول العربية للتطبيع باستثناء دول محور المقاومة والجزائر ،ومع ذلك فالتطبيع لا يعدو عن كونه “حالة مؤقتة” لا تُعبّر عن إرادة وقناعات الشعوب العربية والإسلامية ،واستمراره مرهون باستمرار تلك الأسر والأنظمة المُطبعة لا أكثر.
ينظر أبناء الشعب اليمني العزيز،والملايين من أحرار الأمة العربية والإسلامية إلى محور المقاومة كآخر الآمال لاستعادة العزة والكرامة والحرية المسلوبة منذ وقتٍ طويل،فيما ينظر المشروع الصهيو-أمريكي وأدواته في المنطقة إلى محور المقاومة كعقبة أخيرة تواجه عملية استكمال إخضاع المنطقة وتدجين شعوبها ،وتمكين إسرائيل من قيادتها ،ولذا فتماسك ونجاح محور المقاومة سيُنعش الآمال والتطلعات لدى شعوب المنطقة،وسيُسهم في إحداث ثورات داخلية تؤسس لمرحلة جديدة في المنطقة سمتها الاستقلال ورفض التدخل.
ختاماً، فإن صنعاء اليوم في امتدادها لمحور المقاومة تُشاطره ما يشهدهُ من عملية تحوّل تتمثل في تجاوز مرحلة الصمود،والانتقال لمرحلة جديدة تتسم بالقُدرة المتنامية على الردع الاستراتيجي،وصولاً لمرحلة الحسم وكسب المعركة.فالعدو الإسرائيلي الذي قصف مفاعل تموز النووي العراقي عام 1981،ويُخطط لقصف مفاعلات إيران النووية لمنعها من حق امتلاك التكنولوجيا والسلاح النووي،بات يُدرك أن مفاعلاته النووية أيضاً عُرضة للقصف اليوم أكثر من أي وقت مضى، لذا فتل أبيب تُراهن في تثبيت وجودها وتفوقها على جر واشنطن، ومحور التطبيع إلى حرب جديدة لإسقاط وتفكيك محور المقاومة ،فيما يُراهن قادة وشعوب محور المقاومة على عدالة قضيتهم،والمُضي في تقديم التضحيات كطريق وحيد يؤدي إلى الصلاة في المسجد الأقصى، والطواف في البيت العتيق، واستعادة السلام للمنطقة بخروج آخر جندي أمريكي، وقيام دولة فلسطين.

قد يعجبك ايضا