حياة اليمنيين في الجزء الثاني من “مذكرات طبيب”

 

خليل المعلمي

يواصل الدكتور عبدالكريم نصار نشر ذكرياته في الجزء الثاني من كتابه “مذكرات طبيب”، وقد خصصه لفترة هامة من حياته وهي عودته إلى العاصمة البلغارية “صوفيا” للتخصص في مجال الجراحة العامة، ومن ثم عودته إلى أرض الوطن لمواصلة العمل في مسقط رأسه محافظة حجة، وشغل العديد من المناصب الإدارية إلى جانب عمله كجراح في المستشفى الجمهوري وهو المستشفى الوحيد الذي تم إنشاؤه في المحافظة خلال تلك الفترة.
يأتي الكتاب الصادر عن مؤسسة حجة الثقافية في 182 صفحة من القطع المتوسط لسرد “مذكرات طبيب” بأسلوب شيق ولغة سلسة، وتعتبر هذه المذكرات لأول طبيب في محافظة حجة، كما تؤرخ لحقبة تاريخية مهمة من حياة المجتمع المحلي، وتصف بدقة طريقة حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم وأنماط تفكيرهم، وتعتبر مرجعاً لا غنى عنه للباحثين والمؤرخين، والكتاب يتضمن عناوين فرعية سرد تحتها مادة الكتاب.

بساطة في السرد
وكعادته وبساطته في سرد الأحداث فقد احتوى الكتاب على فصلين الأول أثناء دراسته للتخصص في العاصمة البلغارية “صوفيا” وحصوله على درجة الماجستير في الجراحة العامة، وفيه تفاصيل سفره ووصوله إلى هناك، وقد استعرض الكثير من المواقف والأحداث، وتفاصيل الحياة التي عاشها والرعاية التي حصل عليها من قبل الأساتذة الذين تدرب على أيديهم، والمهارات التي اكتسبها من خلال المشاركة في إجراء الكثير من العمليات الكبرى.
أما الفصل الثاني فقد حمل عنوان العودة إلى الوطن وتعيينه مديراً لمكتب الصحة في محافظة حجة ومديراً للمستشفى الجمهوري بالمحافظة وتفاصيل الغوص في العمل الإداري والمهني، حتى العام 1989م.

التخصص في الجراحة
يسرد المؤلف الدكتور عبدالكريم نصار في الفصل الأول رحلته إلى العاصمة البلغارية “صوفيا” للتخصص في الجراحة العامة، خلال الفترة من 1975م- 1978م، وكانت هذه الفترة حافلة بالدراسة والتأهيل والتدريب في المستشفيات المتخصصة في الجراحة.
وقد استعرض المؤلف الحفاوة التي استقبل بها في المستشفى والتعامل الراقي الذي حظي به من قبل إدارة المستشفى والعاملين فيه، وأشار إلى التطور والتقدم الذي وصلت إليه بلغاريا في مجال الطب، والتوسع الملحوظ في المباني والعمران خلال بضع سنين، وتطرق إلى الكثير من المواقف والمشاهد المحرجة والطريفة.
وأوضح الطريقة التي يعيشها البلغاريون في الجد والاجتهاد، وانعدام الفوارق بين الرؤساء والعاملين في كافة المرافق العامة، موضحاً البساطة في التعامل، والجدية والحزم أثناء العمل والالتزام بالنظم والقوانين واللوائح.
وقد اختتم الفصل بالحديث عن استكماله لكافة المواد المقررة في التخصص حتى جاءت الاختبارات والوقوف أمام لجنة الاختبار، والحصول على درجة الماجستير في الجراحة العامة.

العودة إلى الوطن
بعد أن حصل الدكتور عبدالكريم نصار على الماجستير عاد أدراجه إلى وطنه ليقدم خدماته وإمكانياته لأبناء وطنه خاصة وأنه قد حصل على الماجستير والتخصص في الجراحة العامة، وهو يعرف أن الوطن بحاجة إلى هذا التخصص الدقيق، فالكثير من الأمراض بحاجة إلى التدخل الجراحي في مختلف المناطق.
يتطرق المؤلف إلى تفاصيل عودته إلى أرض الوطن وكان في استقباله أهله وأصدقاؤئه، وكان يأمل أن يحصل على وظيفة في أحد المستشفيات الكببرة في العاصمة صنعاء، ليمارس عمله في مجال الجراحة العامة، ولكنه رضخ للضغوطات من قبل المسؤولين في محافظة حجة وفي وزارة الصحة بأن يتولى مديراً لمكتب الصحة في محافظة حجة ومديراً للمستشفى الجمهوري في المدينة.
فعاد إلى حجة وبدأ العمل بالتعاون مع السلطة المحلية وقيادة المحافظة على وضع خطة للرفع من وعي المواطنين في المجال الصحي، واستضافة بعثات طبية دولية، والتخطيط لإنشاء المراكز الصحية وتوفير الكوادر الصحية والطبية في مختلف مناطق المحافظة.
واستعرض المؤلف تفاصيل مهمة من الحياة التي عاشها في فترة الثمانينيات بما فيها من سلبيات وإيجابيات وعوائق واجهته خلال عمله في تلك الفترة في القطاع الصحي، ومن ذلك الأوضاع الصحية والاجتماعية والاقتصادية في محافظة حجة، ويشير إلى أن هموم المواطنين كانت تتعلق بالحياة اليومية، ومشاكلهم تحوم حول إنهاء الثأرات والمشاكل القبلية بينهم فقط، متجاهلين حقوقهم على الدولة من تنمية وصحة وتعليم وغيرها وواجباتهم تجاهها، كما هو السائد في كافة بلدان العالم، وكان لذلك تأثير على الحياة الاجتماعية والصحية وانعدام المشاريع التنموية من مياه وكهرباء وصحة وتعليم.
ورصد المؤلف الكثير من المواقف الحرجة والحالات المرضية التي كانت تصادفه، مبيناً كيف تم التعامل معها والإجراءات التي اتخذها لعلاج مثل هذه الحالات، وكذا المواقف المختلفة التي تعبِّر عن عدم وعي المواطنين واستغلال المشعوذين لأميتهم وجهلهم، والادعاءات بعلاج الحالات إما بالتمائم أو بواسطة أدوات يدَّعون أنها تعالج أي مرض، وبهذا يكون المؤلف قد وضع يده على الجرح والمشكلة التي عانى منها المواطنون ليس في محافظة حجة ولكن في بقية المحافظات وهو الجهل والاستغلال غير الأخلاقي لحالات وعقول المواطنين وأخذ أموالهم بالباطل.

فترة الثمانينيات
ويضعنا المؤلف إزاء التطور التاريخي الحاصل خلال فترة الثمانينيات حيث تطرق الدكتور نصار إلى التطورات التنموية التي طرأت على المحافظة خلال فترة الثمانينيات والتي شهدت بناء عدد من المستشفيات والمراكز والوحدات الصحية في مختلف مديريات المحافظة، وكذلك تحديث المستشفى الجمهوري بإدخال المعدات والأجهزة الحديثة التي ساعدت في تقديم خدمات أفضل للمواطنين ليس فقط في محافظة حجة بل أيضاً للمواطنين في المحافظات المجاورة لها، كما استضافت المحافظة بعثتين طبيتين الأولى كورية استمرت فترة زمنية معينة قدمت خلالها الخدمات المختلفة في مجالات الجراحة والرعاية الصحية وغيرها، والأخرى بعثة طبية روسية ساهمت أيضاً في تقديم الخدمات المختلفة.
وشهدت تلك الفترة أيضاً إنشاء مدرسة للتمريض وتخريج دفعة من هذه المدرسة قدَّمت خدمات مختلفة وساهمت في تقديم الخدمات الطبية والرعاية الأولية للمواطنين، وقد ساعد في ذلك افتتاح الخط الاسفلتي بين العاصمة صنعاء ومدينة حجة، وكذلك مشاريع الاتصالات، فأدى ذلك إلى ربط محافظة حجة بالعاصمة صنعاء وسهَّل الانتقال ما بين المحافظتين، وكل هذه المشاريع التي تمت خلال تلك الفترة كسرت العزلة التي كانت تعيشها المحافظة خاصة مع وعورة المنطقة وتضاريسها الصعبة.

في انتظار الجزء الثالث
ويشير المؤلف في ختام كتابه إلى عدد من العوامل التي ساعدت في تحقيق هذه الإنجازات في فترة الثمانينيات، ومنها حالة الاستقرار السياسي والاقتصادي في اليمن، وكذا ارتفاع الوعي لدى أفراد المجتمع بأهمية الثقافة والرعاية الصحية، والتوجه العام للدولة في نشر الرعاية الصحية والطبية والبناء المؤسسي للهيئات والمؤسسات، والمشاركة المجتمعية في كل هذه الإنجازات، وأيضاً الوضع الإقليمي والدولي المستقر.
رفد المؤلف الكتاب بملحق للصور الفوتوغرافية أثناء دراسته في الخارج، وأثناء مشاركاته في المؤتمرات والدورات التدريبية المحلية وفي عدد من الدول الأجنبية، وقد وعد المؤلف أن يلتقي القرَّاء في الجزء الثالث من ذكرياته في القريب العاجل.

قد يعجبك ايضا