في مقام الشهادة والشهداء

منير إسماعيل الشامي
الشهداء وما أدراك ما الشهداء! ثم ما أدراك ما الشهداء!
هم نجوم الأرض ومصابيح السماء هم بناة المجد وينابيع العزة، وفيض الكرامة، وهم أكرم الناس جودا، واجزلهم عطاء، وأعظمهم تضحية وفداء بدمائهم الزكية صنعوا الحياة، وبأرواحهم الطاهرة أسسوا صروح المجد والشموخ، وبأكفهم الشديدة كسروا كبرياء الطغاة والمستكبرين وألبسوهم الخزي والعار وقطعوا كل يد متجبرة قبل أن تمتد لتبطش بتربة الوطن الغالي ترابه وشعبه فبتروها قبل أن تصل إلى مبتغاها، وببأس تلك الأيادي العظيمة صدوا الزحوف ووزعوا الحتوف وأبادوا الصفوف، ودمروا المجنزرات بالألوف، وبذات الأكف أيضا مسحوا عن وجه الإنسانية المستضعفة غبار الذل والهوان، وجففوا دموع الثكالى الحزان على ضحايا غارات العدوان، فُهم صناع الحياة العزيزة والكريمة، وصناع المجد والخلود وصناع حياة العزة والإباء وحياة الكرامة والحرية والاستقلال هم وكل أبطالنا المرابطين، أما المتخلفون عنهم والقاعدون دونهم فلن يكونوا سوى نكرة مجهولة لن يدخلوا التاريخ ولن يبلغوا المجد أبداَ، فلا مكان لهم في صفحات التاريخ المشرق، ولا مكان لهم في لوح الخلد المحفوظ ولن يكون لهم ذكر إلا في الصفحات السوداء من تاريخ البشر البشع الذي لا يشتم منه إلا ريح الخزي والعار والفضيحة.
والشهداء هم صفوة الناس عند ربهم وصدقوا ما عاهدوا الله عليه احبوا الله ورسوله وأحبَّهم الله فاصطفاهم إلى جواره ضيوفا مكرمين وبفضله منعمين وبرضاه فرحين مستبشرين، لهم من الله البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا يمسهم نصب ولا وصب وهم في روضات ربهم خالدون.
والشهادة هي أبلغ أبجديات السمو والرفعة وأوثق عرى علاقات العبد بربه لا يمنح وسامها إلا لخاصته منهم واحبهم إليه ولا ينالها إلا ذو حظ عظيم، والشهادة موسومة بالحياة الخالدة يراها الجهلاء موتا، ويراها الأتقياء حياة نعيم أبدى في مقام صدق عند مليك مقتدر كما وصفها لهم وعرَّفها إليهم يعشقها المخلصون من عباده عشقا يفوق الوله ويتجاوز الشبق ويكرهها عشاق الدنيا الغرور وعباد هوى النفس الوضيع المسعور من أهل النفاق والشرك والكفور.
وللشهادة منزلة رفيعة ترفع صاحبها إلى مصاف الأنبياء عند الله فهي ثمن عظيم لغايات عظمى، ومقاصد عليا تعكس ذروة التجليات لتماهي العبد في انقياده واستسلامه المطلق لله سبحانه وتعالى وتجسيد مطلق لزكاء نفسه الإنسانية المجبولة على حب الذات والشهوات وارتقائها إلى مستوى النفس الملكوتية التي تبلورت فيها القيم النبيلة والمبادئ السامية والأخلاق الإنسانية العليا وانسجمت مع واقع الاستخلاف الحقيقي الذي أراده الله للإنسان على الأرض، ولهذا السبب مثلت الشهادة وثقافة الاستشهاد أرقى مشروع حياة على الأرض.
والشهادة أيضاً هي معادلة عجيبة وقانون إلهي مدهش تتساوى قيمة المدخلات فيها مع قيمة المخرجات التي هي في نفس الوقت تزيد في حجمها وكمياتها وأعدادها وثمارها وفوائدها عن المدخلات بملايين ملايين المرات
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالشهادة جمعت بين النقيضين، فهي كره للإنسان، يكرهها وينفر منها ويأباها لا يريدها، وفيها خير كثير عظيم يشمل كل جوانب حياة الناس في الدنيا وعاقبتها الحياة الحقيقية التي تتوافق مع فطرة وتنسجم مع رغباته وأمانيه، حياة لا موت فيها ولا هرم ولا كدر ولا هم ولا حزن ولا شجن، ولا نقص في نعمة من نعمها ولا زوال لها ولا نصب فيها ولا تعب ولا ألم ولا مشقة، نعيمها وافٍ متنوع وكافٍ في فرح وسرور وسعادة وحبور، وفي ضيافة دائمة وحفاوة قائمة لا تنتهي.
تلك هي الشهادة وذاك هو الشهيد
وتلك هي النعمة وذاك هو الأكيد
واسألوا تحالف العدوان وجحافل الشيطان ما صنعت فيهم الشهادة وما صنع الشهيد خلال ستة أعوام من القتل والتنكيل واذاقتهم العذاب الشديد.

قد يعجبك ايضا