في وداع الشاعر محمد المنصور

محمد محمد اللوزي

دون موعد أو سابق اتصال، زرته آخر مرة لمنزله قبل شهرين ليجمعني به مقيل قات لم أكن أظن أنه الأخير إلا أنه صار اللقاء الأخير الذي جمعني به .
الشاعر الصديق محمد المنصور الذي تربطني به صداقة منذ نهاية التسعينات، كان منزله مفتوحا كل خميس للمقيل لأغلب شعراء التسعينات الذين كنت واحدا منهم .. وفي تلك الغرفة الصغيرة كنا نحتشد بالعشرات لا يجمعنا شيء سوى القصيدة .. استمرت صداقتي بمحمد و لقاءاتي به منذ التقيته – وكنا نلتقي – في منزله أيام الخميس وبقية الأيام في مقيل صحيفة الأمة التي كان مدير تحريرها ثم لاحقا رئيس التحرير، وكان محمد ثري المعرفة يعتز بأصدقائه ويحتفي بهم أينما ذهب.. ولدي مع محمد المنصور ذكريات كثيرة لا استطيع نسيانها .
قبل أن أصدر ديواني الأول (الشباك تهتز العنكبوت يبتهج) سلمته لمحمد المنصور ليقوم بتصحيحه لغويا و بعد أن أصدرت الديوان احتفى به محمد و كتب عنه مقالة جميلة في الملحق الثقافي لصحيفة الجمهورية .. وتكرر هذا مع إصدار ديواني الثاني والثالث الذي كان يصححها لغويا .. كان محمد المنصور ناقدا وشاعرا وكتب العديد من المقالات النقدية عن الإصدارات الشعرية.
أما عن بداياته الشعرية فكانت مع من سبق من مجايليه وأصدقائه ومنهم الشاعر عبدالرحمن الحجري إلا أن محمداً كان محسوباً على الجيل الشعري التسعيني وكان له دور في لقاءاتنا ببعض .
أصدر محمد المنصور ديواناً شعرياً تحت اسم “سيرة الأشياء” وأهدى فيه قصيدة لهاشم علي وأخرى لصديقه محمد العابد وكان من ضمن الديوان قصيدة الأصدقاء الذي كتبها ذات خميس بعد انصراف أصدقائه من المقيل في منزله.
الشاعر محمد المنصور الذي فارق الحياة إثر مرض في الرئتين منذ أكثر من عام، كان قد كتب في ديوان” سيرة الأشياء” قصائد عن الموت وعن رئتيه، اقتطع من قصيدة هذا المقطع:
لأن الوقت منشار
تجرحنا السنون
يرحل الموت عن العالم
حين لا يهتم به أحد
رئتاي مخبأ لروائح ذابلة
تنطفىء الشمعة لتفسح مكانا للظلام
الجرح طابع بريد لرسالة الألم
كل جرح يذكر صاحبه بأمنية ما
من أعزي فيك يا صديقي محمد ؟ هل أعزي فيك الأصدقاء أو الأيام التي جمعتنا بك أو أعزي نفسي في فراقك وأنا الذي انقطعت عنك فترة بسيطة كي أعود لأزورك وأعاتبك والتقي بك لقاء أخيراً، غير أني وجدتك مثل ما كنت قبل أكثر من عشرين عام.. رجلا صادقا مع نفسه ومع الآخرين .
سألني محمد في لقائي الأخير به عن الأصدقاء وكان تواقا لصداقاته التي فرضت عليها سنوات الحرب الست حصاراً وتباعداً .. وسألني ما حال علوي السقاف صديقنا الأسمر الناحل ؟
رحم الله الصديق الشاعر محمد المنصور
عزائي لابنه أحمد و لبناته وإخوانه وكل أسرته .

قد يعجبك ايضا