زواج الصغيرات.. ممنوع في المستقبل



,قانونيون: القانون لا يكفي مالم توجد عقوبات تعزير بحق المأذون
,فريق الحقوق والحريات: نجحنا بتحديد سن الزواج في دستور اليمن القادم

,دراسات: 90% من طلاب التعليم الأساسي يؤيدون تأخير الزواج إلى بعد الثانوية

,أعضاء من مؤتمر الحوار: مخرجات “الحوار” ستوقف معاناة في ربيع العمر

تحقيق/ نورالدين القعاري

فاطمة ذات الـ 24 عاماٍ تسكن في (وادي أحمد) شمال أمانة العاصمة صنعاء .. وجدت نفسها أمِاٍ في الخامسة عشرة من عمرها بعد سنة واحدة من زواج لم تكتمل فصوله.
تعول فاطمة طفلين بمصروف يومي قدره 500 ريال يدفعه لها والدها الذي يعيش وضعا معيشيا صعبا فيما زوجها الذي نهش طفولتها يسكن مع أخرى لا يعرف ماهم عليه أبناؤه ولا أمهم التي صارت تقوم بدور الأب والأم معا.

لا تتمنى فاطمة العودة إلى بيت زوجها ولا تريد الزواج من آخر فهي ترى في تجربة زواجها المبكر (ودافة عمر) بتعبيرها وأصبح همها الآن هو كيف تستطيع أن تعول طفليها وأن تكمل دراستهم الأولية على الأقل.
تقول: “كنت أتمنى من أبي أن يعلمني .. ماكنت أشتي زواجة .. والله إنهم غصبوني بالقوة وكنت أقول لهم أشتي أدرس عاد أنا صغيرة”.
لم يستوعب أباها تلك المطالب ولا زوجها الذي وجد نفسه مع طفلة لم تكمل فصول طفولتها بعد فلم يحتمل ذلك وتركها ليتزوج بأخرى تاركا إياها وحيدة مع طفليها تصارع البحث عن لقمة العيش.
تؤكد فاطمة أنها كانت تحلم بأن تكمل دراستها الثانوية وتخرج بشهادة تمكنها من القبول في أي عمل لكن الزواج المبكر أعاقها وأعاق مستقبلها – حد قولها.
نموذج
فاطمة ليست سوى نموذج واحد لمآس يصعب حصرها في صفحات وربما تكون هذه الفتاة من ذوات الحظ الأسعد ممن يتزوجن في هذا السن حيث وجدت أمامها والدها ينفق عليها بضع مئات من دخله فيما أخريات وجدن أنفسهن بلا مأوى ولا مْعيل.
تؤكد إحصائية رسمية أن 8 حالات وفاة يوميا في اليمن بسبب زواج الصغيرات والحمل المبكر في ظل غياب المتطلبات الصحية اللازمة خاصة إذا ما استرجعنا تقرير المركز الدولي للدراسات الذي صنف اليمن في المرتبة الـ 13 من بين 20 دولة صْنفت على أنها الأسوأ في زواج القاصرات حيث تصل نسبة الفتيات اللواتي يتزوجن دون سن الثامنة عشرة إلى 48,4 بالمائة لكن العادات والتقاليد المنتشرة في الأرياف لا تبوح بهذه القضايا.
“التعليم” المخرج
ترجع الدكتورة حسنية القادري أكاديمية متخصصة في النوع الاجتماعي بجامعة صنعاء في دراسة بحثية لها عن “الزواج المبكر في اليمن” ان سبب معاناة الفتيات بعد تزويجهن مبكراٍ يعود لأمية الزوج لأن الزوج الأمي لا يأخذ في عين الاعتبار مسألة التقارب العمري ويفضل أن تكون زوجته صغيرة في السن وحسب نتائج الدراسة البحثية فإن 658 طالباٍ وطالبة في مستوى التعليم الأساسي 12/16سنة 90% منهم أظهروا تأييدهم لتأخير الزواج إلى بعد إكمال الثانوية العامة أي ما بعد سن الثامنة عشرة ومع ذلك هناك اختلاف في رؤى الآباء في قضايا التعليم والزواج في ما يخص الأولاد والبنات بينما يتفقون على أنه من الضروري أن يكمل الولد دراسته الأساسية (الثانوية) الجامعية والحصول على العمل قبل الزواج ويفضلون تزويج الفتاه إذا تقدم لها خطيب كما أن 49% نسبة الفتيات اللاتي يقل عمرهن عن 18 سنة تسربن من التعليم الأساسي والثانوي من أجل الأوضاع الزوجية و(61-11%) فتاة من 422 فتاة يقل أعمارهن عن الثامنة عشرة سنة تركن الدارسة نتيجة الزواج.
ارتفاع الوفيات
الدكتور فهد الصبري مختص في مجال الصحة السكانية يشير إلى وجود وفيات من الأمهات ووفيات في الأطفال قائلاٍ: الزواج المبكر للزيجات يزيد من ارتفاع نسبة وفيات الأطفال دون سن الخامسة حيث تبلغ 94.8 لكل 1000 مولود حي وارتفاع نسبة وفيات الأمهات تصل 351 إلى حالة وفاة لكل 100 ألف مولود حي لأن معدل النمو السكاني يبلغ (3.5%) ومعدل الخصوبة الكلي (7.4 لكل امرأة) وهو من أعلى المعدلات على مستوى العالم.
مضيفاٍ: مشكلة الزواج المبكر هي سبب رئيس لارتفاع نسبة الأمية بين النساء في اليمن وسبب لمشكلة ارتفاع معدل وفيات الأمهات والأطفال مبيناٍ أن قياس مستوى مشكلة الزواج المبكر في اليمن بالأرقام تشكل الفئة العمرية من الفتيات 10-19 سنة ما نسبته 27% حيث قدر عددهن حينها بحوالي 3-2 ملايين فتاة واجمالي النساء بحوالي 8.5 مليون إمرأة و25% من النساء تزوجن في العمر ما بين (11-15) سنة 70% منهن من المناطق الريفية حيث لا تزال نسبة النساء الأميات هي من أعلى المعدلات في المنطقة حيث تقارب 40% في الحضر و78% في الريف وأن اجمالي نسبة الأمية بين النساء بلغت 67.5% من اجمالي عدد النساء واقتصاديا لم تبلغ نسبة النساء النشيطات اقتصادياٍ من اجمالي القوى البشرية النسوية سوى 22%.
انتظار القانون
السؤال الذي ينتظر إجابته عدد كبير من الناس ماذا قدم مؤتمر الحوار الوطني الشامل لقضية زواج القاصرات.
حيث وأن مخرجات المؤتمر تعد الشكل الجديد لشكل الدولة المدنية الحديثة¿ ويجيب عن هذا السؤال الشاب منير الوجيه عضو مؤتمر الحوار الوطني من فريق الحقوق والحريات الذي يقول: بالنسبة لزواج القاصرات خرجنا بقرارمستمد من نص يحدد سن الطفولة بـ18سنة فكان لزاما أن يحدد سن زواج القاصرات بـ18سنة.
ومضى يقول: هناك وجهات نظر طرحت أمام فريق الحقوق والحريات وجدل استمر أياماٍ في عمل مؤتمر الحوار تمثلت هذه الأطروحات بأن سن الزواج بـ18سنة مع إمكانية الزواج بعد الـ16 سنة وبشرط فحص طبي واذن قضائي ولكن خرجنا بقرار تم التوافق عليه بأن يكون الحد الأدنى للزواج بـ18سنة وتابع قائلاٍ: هذا القرار صوت عليه ولم يحصل على نسبة 90% فرفع إلى لجنة التوفيق بسبب اعتراض حوالي 23 عضواٍ من أصل 80 صوتاٍ.
بالتوافق
وأردف الوجيه قائلاٍ: إن 23 عضواٍ من فريق الحقوق والحريات اعترضوا على قرار تحديد سن الزواج وهم من التيارات الدينية المتمثلة في الإصلاح والحوثيين وبعض أعضاء المؤتمر الشعبي العام والرشاد ولم يتم التوافق على نص بديل في لجنة التوفيق فكان لزاماٍ أن يعود النص الأصلي إلى التصويت بنسبة 75% وأثناء التصويت على هذا القرار أعلن حزبا “الإصلاح” و”الرشاد” انسحابهما بسبب اعتراضهم على مادة أخرى.
وهذا ما أكدته رئيس فريق الحقوق والحريات بمؤتمر الحوار الوطني أروى عثمان التي قالت بأن الفريق انتهى من تحديد سن الزواج وأن أعضاء الفريق ومن مختلف المكونات توافق على تحديد سن الزواج للفتاة بـ 18 سنة.
ماذا بعد¿
القانوني والحقوقي صلاح مثنى لا يعتقد أن شيئاٍ سيتغير حتى بعد القانون وإنما السبيل الوحيد لمعالجة المشكلة هو الوعي المجتمعي كما أوضح لنا قائلاٍ: أنا لا أعتقد أن الأمور ستتغير حتى بعد إصدار قانون يحد من السن الأدنى للزواج ولكن إذا تكاتفت الجهود عبر الوعي المجتمع إلى جانب القانون مع وجود عقوبات تمنع المأذون من إتمام عقد الزواج للفتيات الصغيرات فالمأذون يعقد للبنت على أنها بالغة وبعد سنتين يتضح أنها كانت صغيرة لذلك يجب أن يفرض عليهم القانون عقوبات تعزيرية وليس عقوبات شرعية لأن الشريعة لا تحدد حد إدنى لسن الزواج. وفي حال صدور مثل هذا القانون لا بد من وجود آلية لمتابعة تنفيذه في أوساط النساء وخاصة في الطبقة الكادحة لأن أكثر الأسر الفقيرة هي من تزوج بناتها قبل سن البلوغ ويميلون إلى الزواج المبكر أيضاٍ لأن آثار الزواج المبكر عند الفقراء كبيرة عكس الأغنياء.
ختاماٍ
هل تجد الأصوات المنادية بوقف نزيف الزواج المبكر الذي يطال زهرات الربيع والحفاظ على مسيرتهن التعليمية والصحية آذاناٍ صاغية خاصة إذا ما علمنا أن حملة الستة عشرة يوما لمناهضة العنف حملت شعاراٍ من السلام في البيت للسلام في العالم لننهي العنف ضد المرأة .. ألا يستحق هذا العمل أن نعمل من أجله ونغير نظرة “فاطمة” للحياة¿

قد يعجبك ايضا