عدن.. سردية حزينة في زمن احتلال الأَعْرَاب (2015– 2020م).. تجريف الوعي

 

مُنذ اليوم الأول لاحتلال عدن من قِبَل المُحتلين الجدد المملكة السعودية ومشيخة الإمارات برعايةٍ أمريكية، وبوادر صراع على السلطة بات ظاهراً لكل ذي لب وفطنة، فالسعودية التزمت (شكلاً) بشعارها وإعلانها بأنَّها جاءت إلى اليمن كي تساند (السُلطة الشرعية) بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي المنتهية ولايته، والإمارات بحثت (شكلاً) في ركام بقايا الصراعات الجنوبية الموروثة من زمن اليمن الجنوبي، واختارت الفصيل الذي يعادي السلطة (الشرعية)، ووجدت ضالتها في بقايا المجموعة التي انهزمت في صيف 1994م، وهُم مجموعة من الانفصاليين الذين لديهم تاريخ (جنائي ملتبس) مع الدولة اليمنية الموحدة، ومُنذ البداية ظهر طرفا دولتي الاحتلال وكأنهم في تباين في مخططاتهم ومشاريعهم ورؤاهم تجاه واقع ومستقبل اليمن.
أ. د. عبد العزيز صالح بن حبتور
رئيس مجلس الوزراء

لم يعد المشهد بخاف على ذي بصيرةٍ ولُب من تقييم ومشاهدة ذلك الدعم الهائل الذي حُظي به الفصيل المدعوم من مشيخة الإمارات، حيث أنه شكَّل منهم وحدات عسكرية وأمنية مدججة بالسلاح والعتاد ومدعوم بمالٍ سخي ووافر، بينما تركَّز الجزء الكبير في دعم السعودية لاتباعها في عدد من المناطق الجنوبية والأكثر في الجزء الشمالي من اليمن (تعز، أطراف البيضاء، مأرب والجوف) وفي حدود الجهة الجنوبية من (أراضي) المملكة السعودية، وفِي هذا السياق نود الإشارة إلى أنهم حشدوا الشباب كمرتزقة من العديد من المحافظات اليمنية، ثُم نقلتهم في جماعات وأفراد من قُراهم ومُدنهم ومحافظاتهم إلى نقاط تجميع، لتحولهم بعد ذلك إلى مرتزقة مأجورين بمبالغ زهيدة، ومعظمهم لا تُعطى لهم تلك المبالغ الزهيدة إلاّ في جبهات المواجهات العسكرية، وشكلوا من هؤلاء الشباب دروعاً بشرية لحماية الجنود السعوديين، كانوا يقاتلون بهمةٍ عالية تحت العلم السعودي ضدَّ الجيش اليمني واللجان الشعبية، أليس في ذلك غرابة لا حدود لها، واستفزازٌ حاد للضمير الجمعي للأمة اليمنية التي تتمتع بتاريخ طويل من الإنجازات العظيمة وثبات في المقاومة الحالية واستشراف إيجابي للمستقبل.
هذه الوقائع حدثت، وتمَّ نقلها عبر عدسات الكاميرات المتلفزة في قنواتٍ عالمية، وشاهدها الملايين من المتابعين والمهتمين.
نعم هي أحداث ووقائع يصعب تصديقها وفهمها واستيعابها وتفسيرها!!!، لكنها في الواقع العملي قد حدثت.تابع الرأي العام مشاهد لشباب في عمر الزهور وهُم يُساقون طواعية وليس بالإكراه من عدن، وتعز، والحديدة، ولحج، والضالع وأبين، وغيرها من المحافظات عبر سماسرة إلى محافظة مارب، وبعدها إلى الحد الجنوبي من جغرافيا المملكة السعودية. وحينما تحدَّثت بعض وسائل الإعلام مع هؤلاء الشباب بعد عودة القليل منهم إلى مناطقهم من تلك الجبهات، يقولون أنَّهم ذهبوا لجني المال ليس إلاّ، وأنَّ البطالة والفقر والحاجة للعمل أيٍاً كان نوعه وهدفه هو ما دفعهم لتلك المغامرة الخطيرة، وهذه كانت هي سبب قبولهم بهذا العمل عبر هؤلاء (السماسرة) المحترفين، وتحت بصر قيادات عسكرية كبيرة ومتوسطة فيما أسموه (بالجيش الوطني) التابع (للشرعية)، ليتم نقلهم إلى السعودية للقتال تحت إمرة وقيادة ضُباط عسكريين سعوديين كمرتزقة ومستأجرين للأسف، والغريب في الأمر بأنهم عرفوا وشاهدوا عدداً من زملائهم يقتلون، ويموتون ليتم دفنهم في مقابر بالجملة، وبحُفر جماعية تحفرها (الجرارات والبوكلينات)، دون مراعات لخصوصية مُسمياتهم كبشر، ولا توضع لهم حتى مجرد أرقام تدل على أسمائهم، لكي تعرف أُسرهم ذات يوم أين تقع رفات أبنائهم وأحبابهم.
تعاملت القيادات العسكرية السعودية مع جثامين وجثث من قاتلوا معها بشيء من الاستخفاف حد الاحتقار، وهذا بطبيعة الحال يتنافى كلياً مع أخلاقيات نتائج القتال في الحروب، بل ويتنافى مع مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، والاعتراف بدور هؤلاء (المقاتلين) الذين ضحوا بأجسادهم وأرواحهم من أجل الدفاع عنهم وعن مُلكهم (وحدود) بلادهم. هذا هو الحد الأدنى الذي يجب أن يتوافر في الأخلاقيات الإنسانية والإسلامية لتلك القيادات العسكرية السعودية تجاه (مرتزقتهم وقياداتها).
أمَّا الجرحى من هؤلاء الشباب (المرتزقة) فقد أُرسل البعض منهم للعلاج في خارج اليمن، وتعاملوا معهم بكثير من الدونية واللامبالاة، وتحوَّل العديد منهم إلى متسولين لطلب مساعدة أهل الخير إمَّا لمواصلة علاجهم أو مجرد إعادتهم إلى اليمن، لأنهم تُركوا في مستشفياتهم جرحى ضحية للوساطات وللسماسرة، وقد تناقلت وسائل الإعلام صور ونماذج من معاناتهم في الهند، ومصر، والسودان والأردن، وتحولوا هؤلاء البسطاء إلى ضحايا تاهوا بين غياب المسؤولين عنهم، وجشع السماسرة والوسطاء.
تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ طرفي العمالة والارتزاق للغزاة يتسابقون فيما بينهم لتقديم أفضل الخدمات للمحتل، تجدهم يتنافسون في حشد الشباب كمرتزقة لطرفي الاحتلال السعودي–الإماراتي، وتجدهم كذلك يكيلون المديح لقادة دول العُدوان، وتجد سماسرتهم يتفننون في تقديم أرخص وأحط الخدمات لقادة وجنود دولتي العُدوان، ولا تثور ثائرة البعض من قيادات العُملاء والمرتزقة سوى حينما تتضرر مصالحهم ومواقعهم في لُعبة رقعة أحجار الشطرنج وفي تبادل الأدوار، السؤال الكبير الذي يتبادر إلى ذهن المواطن اليمني، ليقول:
أين الحد الأدنى من الوعي السياسي والدهاء في أدارة الأزمات لهؤلاء السياسيون المحترفون، وتقييمهم للوضع العام وللدور المشبوه الذي يمارسه (أشقاؤنا) السعوديون والإماراتيون في كلٍ من عدن والمحافظات التي يسيطرون عليها؟!!.
أين الحد الأدنى من الأخلاق والوطنية مع التعامل مع المحتلين؟!!.
ألم يُدرك هؤلاء السياسيون المرتزقة بأنَّ بقاءهم وعيشهم الرغيد في منتجعات أبوظبي والرياض وإسطنبول، ثمنه هو مواصلة تدمير وتقسيم اليمن العظيم؟!!.
ألم يُدركوا بعد بأنَّ الانفلات الأمني ونقص الخدمات في عدن وبقية المحافظات المُحتلة هو احد أهداف العُدوان؟!!.
ألم يفهموا بعد بأنَّ بقاءهم في فندق الريتز كارلتون بالرياض بأنه مواصلةً لاحتلال الأرض، وتدمير الكرامة، وربط اليمن بالمشروع الأمريكي-الصهيوني التطبيعي في المنطقة؟!!.
هكذا يتساءل الآلاف والملايين من المواطنين اليمنيين في طول البلاد وعرضها، وخاصةً بعد أن مضى على العُدوان والحصار الظالم خمس سنوات وسبعة أشهر ويزيد، والبعض من هؤلاء (المسؤولين) يُردد ببلادة وغباء تلك المفردات الساذجة بأنَّ حِلف العُدوان جاء من أجل الاعمار، ومن اجل إعادة الدولة الشرعية إلى اليمن!!!.
لكن المواطن اليمني الحُر يُكرر السؤال للمرة الألف؛ هل تلك المواقف السياسية لبعض القادة الحزبيين مبنية على حُسن الظن والنية والسذاجة في تقويم وتحليل المشهد؟!!، أي أنَّها مواقف تحكمها العواطف والعفوية وفِي فهم القضية والوعي بها، أم أنَّ الأسباب تعود إلى تلك المصالح المادية والنفعية الكبيرة والارتهان للخارج من سماسرة الحروب وبيع الأوطان، هي من توجه بوصلة القضية في التعاطي مع ما يحدث للشعب اليمني جنوبه وشماله وشرقه وغربه!!.
ما تمَّ سرده من بداية مقالنا هو في واقع الأمر معلوماتٍ مؤكَّدة، ووقائع حقيقية حدثت على الأرض، وانتشار مفردات من نوع الاحتلال السعودي–الإماراتي، الارتزاق مع العدو والخيانة للوطن، سماسرة الاحتلال، بيع الأرض والتمادي مع المُحتل.
ما يحدث في جزيرة ميون وسُقطرى والموانئ اليمنية والعمل المشترك مع الكيان الإسرائيلي الصهيوني، وغيرها العديد من المفردات التي أصبحت لدى مواطني مدينة عدن وبقية المناطق الواقعة تحت الاحتلال هي ضمن أجندة مفردات الاستخدام اللُغوي اليومي للأسر والعائلات المحترمة في منازلهم، وفي دواوين ومجالس القات، وفي صالات وردهات وقاعات المحاضرات بالمدارس والجامعات، واصبح شائعات أن يرددها ركاب (الباسنجر) في الحافلات، والتاكسيات، وعلى أرصفة المقاهي المنتشرة في العديد من الضواحي والحارات، هي معطيات اصبح يدركها ويلمسها المواطن البسيط في المناطق الواقعة تحت الاحتلال، لكن (عدد من القادة) الرابضين في منتجعات السعودية والإمارات لازال القليل منهم يردد ببلادة وسذاجة بأنَّهم يُحاربون الحُوثي وسيصلون (بجحافلهم) إلى صنعاء لإعادة السُلطة (الشرعية) إلى صنعاء العاصمة التاريخية لليمن، ولهذا تجدهم لازالوا حتى اليوم يبررون للعدو جرائمه ووحشيته وحصاره، نحن نقول لهم لا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم، متى ستعقلون؟!.
أراد المُحتلون تزيين جرائمهم تجاه الشعب اليمني بإنشاء (الجمعيات والمؤسسات الخيرية) في المحافظات الواقعة تحت احتلالهم، والهدف من إنشائها كما يقولون هو دعم المحتاجين من النازحين والمعوزين في اليمن، فقاموا ببناء عدد من المدارس، وطلاء البعض منها، ووفروا عدد من التجهيزات لعدد من المدارس والكليات، كما قاموا بترميم عدد من الجوامع والأسواق، وكذلك توزيع سلل غذائية لعددٍ من الأسر، هذا أمر يشاهده المواطنون اليمنيون ويشكرونهم عليه، لكن هذه العطايا والهدايا والمساعدات لا تُغني عن الحرية والاستقلال منهم، ومن جحافلهم ومرتزقتهم.
لو أنَّ الأمور تُقاس على هذا النحو، وأن الحُرية ليس لها قيمة أو ثمن، كان اليمانيون الأحرار أبقوا على الاحتلال الإمبراطوري لبريطانيا (العُظمى) لليمن الجنوبي كله.
ألم يبنوا ويؤسسوا أهم ميناء تجاري وعسكري في الجزيرة العربية، وربما في الشرق الأوسط برمته؟!، لكن لأنَّ الحُرية أثمن وأغلى من كل المغريات التي تقدمها الدول الاستعمارية الأوروبية.
لذلك جاءت حركات التحرر الوطني والعالمي بهدف تصفية الاستعمار من جميع بلدان العالم الثالث برمته، وطردت بريطانيا من عدن، كما طُرِد قبلها جميع الطامعين الاحتلاليين من اليمن، أي أنَّ الوعي الجمعي في التحرير من أي غازِ من الصعب تجريفه أو محوه بعدد من المغريات الرخيصة أو بالاتكال على حفنة من العُملاء والمرتزقة المأجورين.
هل كل ما يحدث من قلب للمفاهيم والمفردات يأتي في إطار وعيٍ زائف؟!، أم غياب الوعي ذاته، أم في عدم ادراك بأنَّ المجتمع اليمني لا يقبل إلاّ مُفردات من نوع الحرية والكرامة والأخلاق والالتزام بالقضية الوطنية والإنسانية والدينية، وأنَّ قاموس مفرداته أصبحت نقية من كل ذلك الإسفاف والسقوط الأخلاقي، والانهزام المعنوي تجاه الفكر والهيمنة الصهيونية الذي تمتلئ به عقول ونفسيات العُملاء والمرتزقة، ومن باعوا ذواتهم بمالٍ رخيص لا يساوي شيئاً أمام عظمة اليمن وقيمه وروحه السامية، والله أَعْلَمُ مِنَّا جَميعاً.
﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾
صنعاء

قد يعجبك ايضا