المولد النبوي الشريف يقظة أمة

علي الدرواني

لم يمر المولد النبوي الشريف هذا العام مروراً عابراً، سواء على المستوى العالمي أو على المستوى الإسلامي أو على مستوى اليمن بشكل خاص، لا سيما وأن الظروف المحيطة بالأمة تعتبر من أصعب الظروف التي تواجهها على عدة أصعدة.
صحيح أن الشعب اليمني قد دأب على إحياء هذه المناسبة على مر العصور ، إلا أن السنوات الأخيرة في العقدين الماضيين بداية الألفية الثالثة، قد اتسمت بصورة اكثر وضوحا في التعزير والتوقير والتعظيم لنبي الأمة الخاتم لكل الرسل بالندوات والفعاليات والتجمعات ورفع الاسم المبارك وإبراز الآيات الكريمات التي تتحدث عن شخصية الرسول ومنهجه والدالة على صفاته وحرصه ورأفته بأمته على اللافتات ، ناهيك عن إظهار الفرح والسرور بيوم مولده، وتعليق الزينة في الشوارع والمباني وعلى أسطح المنازل والمحلات التجارية والمؤسسات الحكومية والخاصة.
لا يمكن بحال من الأحوال فصل هذا الاهتمام الكبير من قبل أبناء الشعب اليمني عن الروابط الضاربة في الأعماق التاريخية والاجتماعية والإنسانية بين شعب الإيمان والحكمة ومحمد كرحمة وهداية ونور، كما لا يمكن فصلها عن طبيعة الشعب اليمني الموصوف برقة القلوب ولين الأفئدة، وما عرف عنه من سرعة الاستجابة لدعوات الأنبياء، وهنا يجب الالتفات إلى أن اليمنيين اتبعوا موسى ومن بعده عيسى وحين جاء النبي محمد لم يترددوا في اتباعه لأنه لا يختلف فيما يرون عن الأنبياء السابقين الذين امنوا بهم واتبعوهم، كما يجب الإشارة هنا أيضا، انه كما تعرضت تعاليم موسى للتحريف والتبديل ومن بعده تعاليم عيسى عليهم السلام، فإن اليمنيين ظلوا متمسكين بدين التوحيد بعنوانه العريض وإن شابت ذلك بعض الشوائب على مراحل مختلفة من التاريخ تعتبر استثناء يخرج عن القاعدة، فالدولة الحميرية كانت على دين موسى عليه السلام، حتى حصل بعض التحريف في أولها أو آخرها، وتسبب في حادثة الأخدود، وما حصل فيها من الفتك بالمؤمنين من اتباع عيسى سلام الله عليه، شمال اليمن، في نجران بالتحديد، وقد خلد الله تلك القصة في القرآن الكريم، كشاهد على سبق اليمنيين في اتباع دين التوحيد الواحد الذي دعا اليه الأنبياء كل الأنبياء والرسل.
يجدر القول بناء على هذا أن الذي سهل على اليمنيين قبول والإيمان بالنبي محمد صلوات الله عليه وعلى اله ورسوخه في قلوبهم، هو موافقة ما جاء به النبي الخاتم لما كان كامنا في عقولهم وقلوبهم من الحق، والهدى، فكان أن أزال اتباعهم للنبي محمد صلى الله عليه وسلم غبار الزمن الذي ربما غطى قليلا على نور الإيمان وضياء الحق، فعادت اليهم روحهم وأسبغ الله عليهم من فضله وتفرقوا في البلاد في جموع الفاتحين والموالين لرسول الله وأهل بيته الطاهرين الداعين إلى دينه والذابين عن حماه.
كذلك لا يمكن الفصل بين طريقة إقامة المناسبة والاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف بالرد على الهجمات المسيئة من قبل الغرب وتعمدها تشويه صورة الإسلام بعد أن نال اقبالا واسعا في أوروبا في أواخر القرن الماضي، وما نشرته الصحف الأوروبية بداية من الدنمارك والنرويج وألمانيا وفرنسا من مقالات ورسوم أججت المشاعر الإسلامية في العالم سنة2005، لم يكن هناك من رد رسمي قوي على الاساءات المتعجرفة لكن جاء الرد الشعبي وكان ابرز المظاهرات الغاضبة هي ما شهدته المدن اليمنية وعلى رأسها العاصمة صنعاء، للتنديد بالإهانات المتعمدة من قبل أدعياء الحرية والإنسانية الغربيين.
لا ننسى أيضا الهجمة التي تتعرض لها المبادئ الإسلامية والمحمدية كامتداد لمبادئ ودعوة الرسل السابقين من لدن آدم مرورا بنوح ثم إبراهيم والانبياء من ذريته المباركة، ومحاولات التفرقة بين الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم بتصوير تعدد المناهج والأديان التي جاءوا بها، وتشويه وحدة الحق ووحدة الخطاب المنزل من رب العزة لإصلاح البشرية وتقويم اعوجاجها وهدايتها إلى الدرب القويم والصراط المستقيم، والذي ختم وتم على يد النبي محمد صلوات الله عليه وآله.
ناهيك عن الخطوات الأخيرة التي خطتها أنظمة الخيانة والعمالة لأعداء محمد للتقرب من العدو الإسرائيلي المحتل للأرض والمغتصب للمقدسات الإسلامية في فلسطين الحبيبة، بالتزامن مع شنهم العدوان والخصومات وتحويل العدوات إلى الداخل الإسلامي بدلا عن مواجهة ومعاداة من يعادي أمتنا ويهيمن على ثرواتها ويسلب قرارها ويتحكم في مواردها، ويهدد أمنها الاستراتيجي ويعمل على تغيير ثقافتها ومنهجها وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية.
إن شعور اليمنيين والمسلمين بشكل عام بالهجمة على الإسلام والنبي الخاتم، والعمل على فصل وإبعاد المسلمين عن دينهم ورمز عزتهم متمثلا بالنبي محمد عليه وآله الصلاة والسلام، جعلهم في حالة استنفار وتصميم للعودة الجادة إلى محمد وما جاء به من الهدى والنور، والتمسك به، وتمثيله خير تمثيل، بداية من الاحتفال بيوم مولده وهجرته والتذكير بسيرته الدعوية والجهادية، وربط تحركاته وسكناته بالتشريع لكل مناحي الحياة باعتباره دينا شاملا كاملا مفصلا، عكس ما يروج له البعض انه دين لا علاقة له بالدنيا وشؤونها الثقافية والعلمية والأمنية والعسكرية والسياسية والاجتماعية ووو …إلخ .
كل هذا كان سببا وحافزا ودافعا لذلك المشهد الكبير والعظيم والصورة البهية والمعجزات التي تحصل من هذا الشعب المبارك الشعب الذي لا ينكسر ولا تهزه أعتى العواصف ولا تثنيه أقسى الظروف، ولا توهنه الخطوب، فكان ذلك الخروج المليوني الذي تعجز الكلمات عن وصفه، وتقف الحروف مشدوهة من البيان، ويكفي الدعوة والثناء الذي وجهه له السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي في خطابه أمام تلك الجماهير المحبة والعاشقة لمنبع الحب والعشق الأبدي محمد صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين.

 

قد يعجبك ايضا