قراءة تحليلية لمشهد الانتخابات الرئاسية الأمريكية

“الجمهوري”و”الديمقراطي”سجل حافل بالمفارقات والغاية واحدة

 

 

إسكندر المريسي

يبقى الترقب سيد الموقف، حيث تتجه أنظار العالم في الظرف الراهن نحو الجولة النهائية المقررة يوم الثالث من شهر نوفمبر الجاري وذلك لمارثون السباق الرئاسي المعتاد بالانتخابات الرئاسية الأمريكية لكل أربع سنوات شمسية دائما ما يحدث ذلك المارثون الذي يتابعه العالم أكان ذلك داخل أمريكا أو خارجها أشبه بلعبة السيرك حيث دائما ما يكون الفائز بتلك الانتخابات الحزب الجمهوري الديمقراطي وكلاهما كان إلى فترة قريبة ولا يزال حتى اللحظة الراهنة حزبا واحدا ، حيث ترجع أصول الحزب الشمولي الواحد إلى ما كان يسمى بالحزب الجمهوري الديمقراطي الذي تأسس عام ١٧٩٢م على يد توماس جيفرسون وذلك كحزب واحد تفرع فيما بعد إلى مسميين تابعين هما الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي مثل بطرس الناسك والناسك بطرس ،فكلاهما شكلا ومضمونا مسمى لحزب شمولي واحد نشأ عقب الحرب الأهلية الأمريكية بجهود وإمكانيات الرأسمالية اليهودية بشقيها التوراتي والمسيحي المحرف مما اظهر ذلك الحزب الموحد فكرا وسلوكا يتبادل الأدوار ضمن يسار اللوبي الصهيوني ويمينه لذلك لا فرق بين الجمهوريين والديمقراطيين لأنهما هامش ومركز ذلك اللوبي.
واذا كانت الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة بحسب ما هو مقرر لها لاختيار الرئيس السادس والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية يسودها نوع من المنافسة المغلفة بثنائية ذلك الحزب الواحد ، لكن تلك الانتخابات تضع بالتأكيد جملة من الاستفسارات الموضوعية حول اكتشاف الولايات المتحدة ونشأتها التاريخية والعوامل الذاتية والموضوعية التي كونت تجربتها السياسية وكذلك طبيعة نشأة الديمقراطية باعتبارها النموذج المتحضر الذي يصدر تلك الديمقراطية إلى معظم بلدان العالم فضلا عن نشأة الظاهرة الإسرائيلية في أمريكا قبل انتقالها على شكل الدولة المعلنة داخل فلسطين المحتلة بتاريخ ١٥ مايو ١٩٤٨م ، خاصة والموعد المقرر للانتخابات الرئاسية الأمريكية يتزامن من الناحية التاريخية مع إعلان وعد بلفور بتاريخ ٢ نوفمبر ١٩١٧م من قبل بريطانيا بأن تكون فلسطين وطنا قوميا لليهود وهو وعد من لا يملك لمن لا يستحق .
وما يؤكد حقيقة تلك النشأة بالتاريخ الأمريكي لإسرائيل طبيعة التحديد الزمني المسبق من قبل اللوبي الصهيوني أن تكون تلك المناسبة الخاصة بإعلان وعد بلفور تاريخ مجيد لإجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية وهو ما يعني أن اليهود ليسوا متحكمين بتلك الانتخابات فحسب ولكنهم من خلال اللوبي الصهيوني هم الذين يحكمون أمريكا وينفردون بإدارتها السياسية والاقتصادية .
وعلى خطى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسير المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأمريكية جو بايدن الذي ورث حب إسرائيل عن أبيه وهي السياسة الأمريكية المتبعة في كل الانتخابات الرئاسية إذ تحضر إسرائيل ومطالبها على رأس أولويات المرشحين وفي كل مرة تكون حقوق الشعب الفلسطيني قربان الفوز بالانتخابات الأمريكية وقد استخدم بايدن أولى دعاياته الانتخابية حين تعهد إذا ما انتخب رئيسا لأمريكا بإبقاء سفارة بلاده في إسرائيل وهو الموقع الذي أقره ترامب حين نقل السفارة من تل ابيب إلى القدس، وأضاف بايدن إنه إذا لم تكن إسرائيل موجودة فستضطر الولايات المتحدة إلى اختراع إسرائيل لحماية المصالح الأمريكية ثم توالت تلك التصريحات وكان أبرزها ما نقلته شبكة سي ان ان عن بايدن بقوله إذا كنت يهوديا فسأكون صهيونيا .
وبالتالي لا فرق بين أن يذهب ترامب أو يبقى لولاية رئاسية ثانية أو يفوز منافسه بايدن فكلاهما على نفس الشاكلة وهو ما يؤكد حقيقة ارتباط الإدارة الأمريكية بإسرائيل وهو ليس ارتباطاً قائماً على تحالف استراتيجي أو مرحلي ولكن في سياق العلاقة الجدلية بين المقدمة والنتيجة.
وقد سبق لعالم اللسانيات ناعومي تشومسكي وهو يهودي من أصول أمريكية أن قال إن أمريكا محتلة من قبل اللوبي الصهيوني ومع ذلك يصدق العالم أن فيها ديمقراطية وانتخابات نزيهة لا يديرها ولا يوجهها ذلك اللوبي الصهيوني وفقا لمصالحه بحفظ أمن واستقرار إسرائيل وإبقاء الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي ، قائلا: إن الديمقراطية مكيال واحد يخدم الصهيونية العالمية ، ويشير ذلك العالم في كتابه عن حفريات السياسة والإعلام والمخابرات ، إلا أن المخدوعين بتلك الديمقراطية يعيشون وهم الحقيقة نتيجة البريق الذي أوجدته الطفرة الصناعية عبر مراحل التراكم الرأسمالي للإمبريالية والهيمنة على مقدرات دول وشعوب العالم .
وعندما سُئل رئيس وزراء الكيان الصهيوني السابق إسحاق رابين أيهما يفضل الجمهوريون أم الديمقراطيون أجاب قائلا: أنا أفضل الديمقراطيين. وخلال الأيام الماضية تناقلت وسائل الإعلام الدولي عن رئيس وزراء إسرائيل الحالي قوله: أنا اتحدت بلغة الجمهوريين وهو ما يعني أن اللغة العبرية هي أداة التحكم الحقيقي في السياسة الداخلية والخارجية إزاء كيان موحد مركزه تل ابيب وفرعه واشنطن، وما يؤكد حقيقة ذلك حاضرا تقوية المركز بالفرع بدليل إعلان ترامب في وقت سابق ما سمي بصفقة القرن ومباركته بالتطبيع الإماراتي والبحريني مع دولة الكيان اللقيط الذي جرى توقيعه في واشنطن .
وبالتالي فإن من متطلبات الاستراتيجية الصهيونية تقتضي فوز ترامب لأن تلك الاستراتيجية قائمة على تقديرات وحسابات سياسية وتحديدا إزاء الأوضاع بالشرق الأوسط وليست قائمة على المعايير الديمقراطية وعدد الناخبين لذلك القول بتقارب حظوظ المرشحين ينطوي على جهل مركب إزاء الدور الفاعل للمجمع العسكري الأمريكي والذي يديره مئات الخبراء اليهود في تحديد النتيجة بعيدا عن تلك الحظوظ التي يتناقلها العرب عن واشنطن لحظة استقراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية .
وقد كان الأسبان بداية القرن الخامس عشر من هواة الاكتشافات عبر تنظيم رحلات بالبحار والمحيطات وكان المكتشف الأوروبي الأول لأرض الهنود الحمر أمريكا الجديدة كريستوفر كولمبوس وقد تلاه فيما بعد البحار الفرنسي أمريكو فسبوشي وذلك عام ١٤٩٢م ليعلن لأوروبا ما قد كان كولمبوس انه اكتشف عالما جديدا، لكن ذلك العالم بالتأكيد مملوك للسكان الأصليين أمة الهنود الحمر.
وخلال تلك الفترة بدأت أوروبا تنظم رحلات نحو الأراضي الجديدة وكان من الطبيعي أن تواجه بصعوبات أولئك السكان الأصليين الذين يعيشون حياة بدائية من ناحية ظروف نشأة وتكوين الولايات المتحدة الأمريكية وامتداداتها عبر جزر مختلفة جعل منها الأوروبيون أثناء ذلك الاكتشاف ما يمكن وصفه بالولايات المتحدة وسط تدفق واضح للهجرات الأوروبية نحو تلك الأرض الجديدة.
وقد كانت دوافع تلك الهجرات إما لأسباب الاضطهاد السياسي الموجود في بعض البلدان الأوروبية أو نتيجة الأزمات الاقتصادية المتعاقبة في أوروبا وما أسفرت عنه من حروب مختلفة أو بحث عن الثروة في الجزر المكتشفة وسط ما طرأ من تزايد السكان آخذين في التوسع سيما بالمناطق الغربية وكان من الطبيعي أن يعمل المهاجرون الجدد على انتزاع أراضي الهنود الجمر بالقوة، حيث تعرض معظمهم للطرد والإبادة الجماعية ، وليس ذلك فحسب ولكن ما يقارب ١٢٠ مليون هندي أحمر في ذمة التأريخ .
بل أن ذلك الرقم ظل يتزايد حيث شنت الآلة الرأسمالية حربا شعواء على أمة الهنود الحمر وأبادت منهم الملايين وحولت أراضيهم مع جثثهم إلى أرض محروقة كشرط أساسي لبناء الأرض الجديدة الموعودة خاصة بعد دخول مئات السفن البريطانية عبر البحار للسيطرة على أمريكا وسط ارتفاع مستوى الرحلات الأوروبية سيما من أسبانيا وفرنسا وهولندا وأنشأت بريطانيا ثلاث عشرة مستعمرة خاصة بين عامي ١٦٠٧م و١٧٣٢م ووسعت في نطاق هجرة المستوطنين البريطانيين إلى أمريكا.
حيث انقلب الأوروبيون من غير الجنسيات البريطانية على السياسة البريطانية واجتمع مندوبو المستعمرات سيما عام ١٧٧٦م واعلنوا استقلالهم عن التاج البريطاني ، فشنت أمريكا حربا على أولئك الذين اعلنوا استقلالهم عنها واستمرت تلك الحرب لفترة فعمدت بريطانيا لاحتواء نتائج تلك الحرب خاصة بعد معركة يورك تاون عمدت بريطانيا إلى تكثيف مواطنيها بتكرار الهجرات تلى ذلك اعترافها باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية رسميا عام ١٧٨٣م وتم اختيار جورج واشنطن على رأس ذلك الاستقلال والذي يعتبر أول رئيس لأمريكا تلا ذلك انسحاب بريطانيا واجتمع مندوبو الولايات بعد اعتراف بريطانيا باستقلال المستعمرات الثلاث عشرة في مؤتمر وطني عام ١٧٨٧م وشكلوا من خلال تلك الولايات نظام الحكم وأنشأ الدستور على اتحاد فيدرالي وإعلان الحكومة المركزية لذلك الاتحاد .
وبدأت تبرز مشاكل داخلية في مواجهة تلك الحكومة خاصة مع السكان الأصليين الذين تعرضوا كما أشرنا لإبادة جماعية وبدأ المهاجرون الجدد في إنشاء آلة الإنتاج داخل الأراضي الجديدة وتشييد المجتمعات الصناعية وما نتج عنها من صناعات للسلاح والسفن الحربية والتي اتجهت تحت دافع توسيع النشاط الصناعي والحصول على أياد عاملة ومواد خام لتفعيل تلك الصناعات وتطويرها نحو أفريقيا لتعود تلك السفن محملة بالآلاف من الأفارقة السود نقلت الرأسمالية الصناعية ما يقارب ٣٠ مليون أفريقي وصلوا أمريكا وبعضهم تعرضوا للغرق في البحار والمحيطات لرفضهم التوجه إلى أمريكا .
وكان من الطبيعي أن تلجأ الرأسمالية إلى التهجير الإنساني كبديل للسكان الأصليين الذين تم إبادتهم لأن الهجرة من أفريقيا إلى أمريكا كانت إجبارية ونتج عن ذلك مشكلة داخلية في الولايات المتحدة الأمريكية تمثلت بالتمييز العنصري بين السود والبيض وذلك نتيجة للهجرات المختلفة سواء أكانت من دول جنوب شرق آسيا أو أوروبا ويعرف ذلك بالبيض خلافا للمهجرين من أفريقيا المعروفين بالسود لأن الإبادة لم تستكملهم بشكل نهائي إلا فيما بعد عندما سن الكونجرس الأمريكي عام ١٨٣٠م قانونا قضى بترحيل الهنود الحمر قسرا.
وقد أدت مشكلة الرق والتمييز العنصري بين السكان المهاجرين من مختلف قارات العالم خاصة في الفترة من عام ١٨٦١ م إلى ١٨٦٥م إلى اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية على إثر إعلان إحدى عشر ولاية انفصالها عن الاتحاد الفيدرالي وتم إعادة تلك الولايات المنفصلة إلى الحكم المركزي على إثر الحرب التي جرت ، وبرغم إعلان الرئيس السادس عشر أبرهام لينكون إلغاء الرق والتمييز العنصري في أمريكا عام ١٨٦٣م إلا أن ذلك الإعلان لم يحل دون وقف الحرب الأهلية التي اندلعت حينذاك بل أثرت على إبقاء تلك المشكلة وان كانت الولايات المنفصلة قد عادت إلى الاتحاد إلا أن مشكلة الرق والتمييز العنصري ما تزال سمة بارزة في أمريكا حتى اللحظة الراهنة.
فالسود لهم أماكنهم الخاصة وتجمعاتهم السكنية والبيض كذلك وما تبقى من الهنود الحمر ممن لم يتم إبادتهم أو ترحيلهم بحسب قانون الترحيل وهم شريحة واسعة من السكان يسمونهم بحسب تمسكهم بعاداتهم وتقاليدهم البدائية رعاة البقر بحسب التوصيف السياسي الذي لا يعيب الديمقراطية الأمريكية لأنهم شريحة كبيرة من السكان أفادوا بحسب استطلاعات للرأي بأنهم سيصوتون في الانتخابات المرتقبة لأحد المرشحين .
وظلت أمريكا حلال العقود الثلاثة من القرن الثامن عشر منكفئة على ذاتها وعرضة للحروب الداخلية وتفاقم النزاعات والمشاكل الداخلية الأهلية وحتى اندلاع الحرب العالمية الأولى ١٩١٤-١٩١٨م لم يكن لأمريكا أي حضور في السياسة الدولية إلا بعد تلك الحرب بفترة تقدر بثلاثة عقود من الزمن كانت الرأسمالية خلالها قد استكملت سيطرتها على الأراضي الجديدة وعند اندلاع الحرب العالمية الثانية دخلت أمريكا مسرح السياسة الدولية عام ١٩٤٥م من جريمتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين عندما القت أمريكا قنابلها النووية على تلك المدينتين .
حيث جرى في وقت سابق صناعة السلاح النووي الأمريكي على يد الخبراء اليهود المهاجرين من أوروبا وتحديدا المانيا وكانت عملية الرأسمالية الصناعية تتماهى حذو النعل بالنعل مع الآلة الحربية مؤسسة بذلك التماهي الديمقراطية المعاصرة بدءاً من إبادة أمة الهنود الحمر وحتى غزو خليج الخنازير وقتل الآلاف من الصيادين الكوبيين فضلا عن ذلك غزو فيتنام حيث كانت الآلة الحربية الأمريكية تقتل من الفيتناميين يوميا ما يقارب ٤٠٠٠ مواطن فيتنامي مع إغفال غزو جرينادا ناهيك عن أفغانستان والعراق وما نتج عن ذلك الغزو الأمريكي من خسائر بشرية ومادية كانت قبلها أمريكا قد نفذت حربا مباشرة راح ضحيتها الآلاف من الغسلاف وما اليمن من تلك الجرائم الأمريكية ببعيد .
وهو ما يعني أن ذلك التاريخ سجل حافل بالمآسي الديمقراطية تزعم أنها كذلك ولا تدخر جهدا أو وسعا بأن تقيم الدنيا ولا تقعدها حيث أشبعتنا حديثا بلا كلل ولا ملل عن الحقوق والحريات العامة فيما يئن الشعب الفلسطيني تحت حراب الاحتلال الصهيوني ، ذلك الشعب الذي افتقد أرضه وقتل مواطنيه وشرد الملايين شاهد عيان على عصر الديمقراطية المضطرب .

قد يعجبك ايضا