المولد النبوي الشريف يوم عيد ورسالة حب ورحمة وسلام ..

الاحتفال بمولد الرسول الأعظم يأتي شكراً لله على نعمة الإسلام واستذكاراً لفضل خير نبي أرسل

احياء المولد النبوي إحياء للقيم والأخلاق النبوية التي تعكس صورة ناصعة عن الهوية الإيمانية لدى الشعب اليمني والتي يحملها المجاهدون لمواجهة مكامن الأعداء والوقوف أمام كل المنافقين والمرجفين، إنها سيرة عطرة ويوم عظيم خرجت فيه البشرية من مستنقع العبودية والوثنية إلى طريق الحق والنور والعزة.. حول هذا وأكثر ننقل لكم آراء وانطباعات عدد من الأكاديميين والمرشدين والخطباء عن هذه الذكرى العطرة.. فإلى الحصية:
الثورة /أمين العبيدي

في البداية يقول الدكتور خالد أحمد الحوباني -أستاذ علم التفسير وخطيب مسجد الأنوار- عن فضيلة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف:
نحتفل بمولد هذا النبي العظيم فهو من أتى يحمل النور للإنسانية التائهة الضالة الغارقة في الخرافات والضلالات والأزمات المتلاحقة والمصائب المتعاقبة والفتن في دينها ودنياها.. جاء ومعه الدواء لكل أمراض البشر.
وأشار الحوباني إلى أن ما يمارسه الفرنسيون اليوم من استهزاء بشخص الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليس إلا كمن يريد أن يحجب نور الشمس، فرسولنا قد كرمه الله وزكاه ورفع ذكره وأعلى شأنه وقال عنه تعالى ﴿إِنّا كَفَيناكَ المُستَهزِئينَ﴾ [الحجر: ٩٥]
ويؤكد الحوباني أن عظمة هذا اليوم تأتي من كونه مقترناً بمولد أعظم إنسان وحامل أعظم رسالة وقرآن عظيم من رب عظيم إلى أمة عظيمة، وما الاحتفال بمولده إلا شكر على هذه النعم واستذكار لفضل الله ورحمته وقد قال الله سبحانه وتعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ). آل عمران.
ونوه بقوله: لقد احتفل الكون بمولد نبينا نبي الرحمة المهداة وكان أمره كله معجزات.. منذ إرهاصات ميلاده وسيرته قبل بعثته ونشأته وهو الصادق الأمين قبل نبوته.. والأكثر إعجازا علمه مع أميته والأعجب من ذلك خلقه وخلقه ففي ميلاده ظهرت من الإرهاصات الغيبية الكثير والكثير فهو رحمة ونور لعالم والاحتفال بمولده يأتي شكراً لله على نعمة الإسلام.
وعن التربية بالرفق والعطف والحب والحنان في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، تقول الدكتورة وردة يحيى شيبان كلية التربية جامعة صنعاء: إننا بحاجة إلى أن نشيع الحب في تعاملنا مع أبنائنا ومع أزوجنا بل حتى في تعاملنا فيما بيننا وأن من مضامين الحب الرحمة والرفق.
وأضافت: سأذكر جملة من الشواهد التي تدل على تعامل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه وزوجاته بالرحمة والرفق والحب.
ونبدأ بهذا الحديث الذي يرسل فيه النبي علية الصلاة والسلام عبارات الحب الصريحة لأحد أصحابه وهو معاذ بن جبل واسمع لمعاذ وهو يحدث بهذا الحديث وكله غبطة وفرحة حيث يقول: إن رسول الله أخذ بيده وقال: (يا معاذ والله إني لأحبك والله إني لأحبك فقال أوصيك يا معاذ لا تدِعنِ في دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)، انظر كيف يقول النبي صلى الله عليه وآله لأحد أصحابه: إني لأحبك ثم يكرر هذه العبارة بالقسم بالله جل وعلا: والله إني لأحبك..
وتشير شيبان إلى أنه لم يكن هذا الخلق العظيم ألا وهو الرفق واللين والحب في النبي صلى الله عليه وسلم بعد البعثة، بل كان متأصلاً في قلبه الرحيم حتى قبل مبعثه، وقصة زيد بن حارثة أكبر دليل على ذلك، ففي القصة أن حكيم بن حزام اشترى زيد ابن حارثة لعمته خديجة بنت خويلد فلما تزوج رسول الله بخديجة وهبته له فتبناه رسول الله، فخرج أبو زيد وعمه لفدائه فلما وصلا مكة سألا عن النبي صلى الله عليه وسلم وذهبا إليه وخاطباه بلغة راقية جداٍ قالا: “يا ابن عبدالمطلب يا ابن سيد قومه، أنتم أهل حرم الله وجيرانه تفكون الأسير وتطعمون الجائع وتغيثون الملهوف وقد جئناك في ابن لنا عندك فامنْن علينا بفدائه فإنا سندفع لك في الفداء ما تشاء، قال رسول الله “ومن هو” فقالا: زيد بن حارثة. فقال عليه وعلى آله الصلاة والسلام “فهلا غير ذلك”، قالا: وما هو قال: “أدعوه فأخيِّره فإن اختاركم فهو لكم وإن اختارني فما أنا بالذي أختار على من يختارني أحداً” فقالا: قد زدتنا على النصف وأحسنت فدعوه وقال له هل تعرف هؤلاء قال: نعم. قال: من هذا قال: هذا أبي، ومن هذا قال: هذا عمي. فقال لزيد: فأنا من قد علمت فاخترني أو اخترهما قال زيد: ما أنا بالذي يختار عليك أحداً أنت مني مكان الأب والعم فهل تظنون لو أن النبي كان قاسيا مع زيد أيختاره”، إن زيداً كان يحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوق حبه لأهله لأن النبي أشعره بدفء الحب والحنان وقد تعلَّم الصحابة هذا الخلق ألا وهو “الحب” فنشروه بينهم، فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يصلي بالناس الفجر ثم يقول: أين معاذ فيقول معاذ: ها أنذا يا أمير المؤمنين فقال عمر: لقد تذكرتك البارحة فبقيت أتقلب على فراشي حباٍ وشوقاٍ إليك. فتعانقا وتباكيا.
وأضافت أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تعامل مع كل من رباهم بالحب بمختلف أنواعه، فمثلا الحب بالنظرة والحب باللمسة والحب ضمة، فعن الحب بالنظرة تقول شيبان: اجعل عينيك في عين ولدك مع ابتسامة خفيفة وقل له (أحبك يا فلان) وقد تجد استهجاناٍ واستغرابا من ابنك لأنه لأول مرة يسمع منك مثل هذه العبارة فلا تعجل عليه ولا تغضب منه.

“إن الحب لمسة”
ودعت شيبان الآباء والأمهات إلى أن يكثروا من لمس أيدي أبنائهم وليس من الحكمة إذا أتى الأب ليحدث ابنه أن يكون وهو على كرسيين متقابلين يْفضل أن يكون بجانبه وأن تكون يد الأب على كتف ابنه (اليد اليمنى على الكتف الأيمن)، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يلصق ركبتيه بركبة محدثه وكان يضع يديه على فخذي محدثه ويقبل عليه بكله، وقد ثبت علمياً أن مجرد اللمس يجعل الإحساس بالود وبدفء العلاقة يرتفع إلى أعلى الدرجات.

“الحب ضمة”
وأضاف مخاطبة الآباء والأمهات قائلة: كذلك الحب بالضمة: فلا تبخلوا على أولادكم بهذه الضمة فالحاجة إلى الضمة كالحاجة إلى الطعام والشراب والهواء كلما أخذتِ منه فستظلْ محتاجاٍ له وكم من حديث فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يضم أصحابه وكان أصحابه يسعدون بمثل هذه المعانقة.
فعن أنس أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهر بن حرام قال وكان النبي عليه الصلاة والسلام يحبه وكان دميما فأتاه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يوما وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره فقال أرسلني من هذا فالتفت فعرف أنه النبي فجعل لا يألو ما ألزق ظهره بصدره حين عرفه وجعل النبي يقول “من يشتري العبد” فقال يا رسول الله إذا والله تجدني كاسدا فقال الحبيب “لكن عند الله لست بكاسد أو قال لكن عند الله أنت غال”، فانظروا لهذه المعانقة وهذا المزاح وهذا الرفق من سيد الخلق أجمعين مع رجل دميم من عامة الناس ثم يشجعه بقوله: “لكن عند الله لست بكاسد”.

” الحب قبلة”
وتابعت شيبان: الحب قبلة فالقبلة الصافية رحمة وشفقة وحنان وقد قبل الرسول صلى الله علية وسلم أحد سبطيه إما الحسن أو الحسين فرآه الأقرع بن حابس فقال: أتقبلون صبيانكم ! والله إن لي عشرة من الولد ما قبلتْ واحداٍ منهم!! فقال له رسول الله أوِ أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك.
وخاطبت الآباء قائلة: أيها الآباء إن القبلة للابن هي واحد من تعابير الرحمة نعم الرحمة التي ركز عليها القرآن وقال تعالى (فَبِما رَحمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُم وَلَو كُنتَ فَظًّا غَليظَ القَلبِ لَانفَضّوا مِن حَولِكَ فَاعفُ عَنهُم وَاستَغفِر لَهُم وَشاوِرهُم فِي الأَمرِ فَإِذا عَزَمتَ فَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلينَ) وأنت أيها الأب لو أغلظت على أبنائك سينفضون من حولك.
هذه وسائل الحب من يمارسها فهو يقتدي بالمعلم الأول للبشرية.
أما الأستاذ/ محمد احمد الخطيب- خطيب مسجد الأنوار فيقول: يعجز الخطباء والشعراء وكل من عرف روعة الحروف العربية أن ينسجوا من هذه الأحرف كلمات تصف يوم الفرح والسرور الذي يخالط فؤادي الآن وأنا احدثك عن مولد أجل وأعظم إنسان لم ولن تستطيع البشرية أن تجزيه أجر ما عانى وجاهد في سبيل أن يصل إلينا هذا الدين فأجره لا يستطيع أن يعطيه إلا الله جل جلاله.. وإن الاحتفال بمولده يعد أقل ما يستطيع الإنسان أن يعبر به عن حبه لمحمد صلى الله عليه وآله..
وأشار الخطيب بقوله: إنه لا يَخْفى على مسلم المنزلة العالية الرفيعة التي حباها ربنا عز وجل نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقد اصطفاه على جميع البشر، وفضَّله على جميع الأنبياء والرسل، قال الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ}(البقرة: 253)، قال المفسرن : «فكل الأنبياء لو أدركوا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم لوجب عليهم الإيمان به واتباعه ونصرته، إنه نبينا صلى الله عليه وآله وسلم الذي سمَّاه الله عز وجل في القرآن الكريم بـ : «محمد»، و(أحمد)، وهما يشتملان على الحمد والثناء، قال حسان بن ثابت رضي الله عنه: «وشقَّ له من اسمه ليُجِلّه فذو العرش محمود وهذا مُحَمّد».
وعن شجاعته وجهاده وقوته صلى الله عليه وآله يقول الخطيب: كان أشجع الناس على الإطلاق وقد تجلَّت شجاعته في أروع صورها جهاداً في سبيل الله، وثباتاً عند الشدائد والنوازل، ودفاعاً عن الحق ونصرة للمظلومين، وقد شهد له بذلك أصحابه وأعداؤه، إذ كان صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله من الشجاعة بالمكان الذي لا يُجهل، حضر المواقف والمعارك الصعبة، وهو ثابت لا يتزحزح، قال الإمام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه : «كنا إذا حمي البأس (القتال)، واحْمرَّت الحَدَق، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه» وعن أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحسن الناس وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ليلة، فخرجوا نحو الصوت، فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد استبرأ الخبر وهو على فرس لأبى طلحة عُرْي (مجرد من السرج)، وفي عنقه السيف، وهو يقول: لم تراعوا، لم تراعوا (لا تخافوا ولا تفزعوا)) وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: «ما رأيتُ أشجع ولا أنْجد (أسرع في النجدة) من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم» والأمثلة الدالة على شجاعته وقوته صلى الله عليه وآله وسلم من سيرته وحياته كثيرة، ومنها شجاعته صلى الله عليه وآله وسلم في غزوتي بدر وأحد وغيرهما من غزوات قاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم المعارك والقتال فيها بنفسه، وخاض غمار الموت بروحه، وقد شُجَّ في وجهه، وكُسِرت رَباعيتُه كل هذا ليصل الينا الدين أفلا نحتفل بمولد من لولاه لكنا في غياهب الجهل والضلال..
وفي ختام حديثه يقول الخطيب: أهنئ نفسي وكل الأمة العربية والإسلامية بمولد خير البشر على الإطلاق محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأوصيهم بأن يجعلوا هذا اليوم يوم عبادة وذكر لسيرته واكثار من الصلاة والسلام عليه وعلى آله.

قد يعجبك ايضا