الاحتفاء بالمولد النبوي أمر مشروع

 

د / هشام محمد الجنيد

قال الله سبحانه وتعالى (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) سورة يونس، الآية (58)، الاحتفاء بمولد المصطفى رمزنا الأول وقدوتنا العظيمة محمد ابن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه وآله أمر مشرع، ومبعث ودافع هذا الاحتفاء يعلله حبنا الفطري لنبينا – القائد الأعظم في تاريخ البشرية – الكامن في روحيتنا وقلوبنا، هذا الحب الذي نعيشه هو بالفطرة أكبر من حبنا لأنفسنا وأكثر من حبنا لأمهاتنا وآبائنا.
فكيف لا نحتفي بهذه الشعيرة العظيمة ؟. كيف لا نفرح بمن أرسله الله بفضله وبرحمته لهدي عباده إلى صراطه المستقيم (القرآن الكريم) ؟. وفضل الله ورحمته يتجلى باتباع العباد خط القائد الحاكم لكتاب الله محمد ابن عبدالله عليه الصلاة والسلام لما فيه العزة والقوة والكرامة والإباء والحرية والنصر، ولما فيه الفلاح في الدنيا والنجاة من عذاب الله في الآخرة، لما فيه العدالة وإصلاح أحوال الأمة. هذا هو هي مكمن الفرحة التي تتطلب منا استمرارية الحركة الجهادية في سبيل الله على خط الكتاب.
فرحتنا بالمولد النبوي لا تعني أن نحتفل بمجرج الاحتفال فقط، بل نحن معنيون وجوبا بالحركة والسير على ضوء النهج المحمدي ومن منطلق الحب والإخلاص في العمل الجهادي في سبيل الله. الفرح هنا ليس ذلك الذي يترتب عليه الجمود، بل هو التكليف الذي يشدنا شوقا ويلزمنا طواعية للاقتداء برسول الله، والالتزام بمنهج الهدى لنفلح في الدنيا ونفوز بالأخرة، فهذه هي القيمة الحقيقية للفرحة بالمولد النبوي. الاحتفاء بمولد المصطفى عليه وآله الصلاة والسلام يدفعنا من واقع استشعارنا بمسؤولياتنا الإيمانية ما نحن بحاجة إليه في واقعنا مستلهمين من سير وقصص الأنبياء والرسل كعبر وعضات لها أثرها الكبير في توجيه وتحريك سلوكنا للعمل في الميادين الجهادية لنصرة دين الله، خصوصا في ظروف الحرب والعدوان على ديننا وبلادنا.
روح الله الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله أشار في محاضرة بعنوان الهوية الإيمانية التي ألقاها في محافظة صعدة بتاريخ 31/1/2002م أشار إلى أن سبب فرقتنا : “… لم يكن دين الله، لم يكن هدي الله، بل إن هدي الله استطاع أن يوحد ويخلق روحية واحدة لمجاميع من أنبيائه ورسله وأوليائه على اختلاف عصورهم، على اختلاف فئاتهم، على اختلاف مجتمعاتهم”. وأوضح الشهيد القائد رضوان الله عليه أن كتاب الله الكريم عرض علينا ليبين لنا بأن نفسيات الأنبياء وكذلك الأولياء واحدة عندما تتحرك في ميدان الجهاد في سبيل الله، وجميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام على مبدأ واحد يدعون بوحدة الرسالات ووحدة الهدي الإلهي لعباده. حيث أنار الشهيد القائد رضوان الله عليه:”… ليبين لنا نفسياتهم كيف هي وهم في ميدان الاهتداء بهدى الله والالتزام بدينه، والعمل في سبيله، تراهم كذلك نموذجا واحدا، تراهم كذلك نفسيات واحدة، ونظرة واحدة، ووعياً واحداً”.
يدعون إلى الوحدة لا التفرقة
وإحياء مولد النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله هي مناسبة جامعة تعبر عن وحدة الأمة الإسلامية، واحتفال الشعب اليمني بمولد المصطفى عليه الصلاة والسلام ينطلق من إيمانه بمشروعية هذا الاحتفال وبنفس الوقت لاستمرارية تأصيل حذونا لمسار أجدادنا الأنصار كشعب يحتل الريادة في تعظيم وإحياء شعيرة المولد النبوي في الماضي والحاضر وسنظل في صدارة الشعوب الإسلامية إلى يوم القيامة.
وما تعلمناه من الأخطاء الثقافية في ظل النظام السابق ووفق سياسة ممنهجة أن أسباب فرقتنا وتشتتنا لا تعزى إلى تخلينا عن استلهامنا نهج الأنبياء عليهم السلام ولا إلى تخلينا عن اتباع النهج المحمدي بتطبيق دين الله، وكذلك الأمر عن أسباب اختلال أوضاع المجتمع في بلدنا وغيره من البلدان الإسلامية. ظلت معرفة تلك الأسباب الجذرية والتقييمات الموضوعية لها غائبة نتيجة طمس مكانة وأهمية منهج الرسول الأعظم محمد صلوات الله عليه وآله وسلم والأئمة أهل البيت عليهم السلام، بل عمد اليهود وعملاؤهم الوهابيون والمنافقون في رأس السلطات إلى تجاهلهم بأهمية المولد النبوي واعتبروه بدعة.
إن احتفاءنا وفرحتنا بالمولد النبوي يحمل ضمن معانيه رسالة للأعداء وعملائهم المرتزقة والوهابيين المشرعين للاختلاف المؤصلين للفرقة باسم الله بين شعوب الأمة، يحمل رسالة بوجوب سيرنا على خط التوحيد وما يترتب على هذا التسليم الإيماني المطلق باتباع مبادئ الكتاب والاعتصام بقيادة ثورية إسلامية تنجينا من الغرق تحت وطأة أعداء الإسلام. أفراحنا بالمولد النبوي الشريف تعني لنا أن نجاهد على أساس الوعي والإيمان العملي بدين الله الواحد (منهج جميع الأنبياء، فلا يوجد في ثقافتنا الإسلامية ديانة يهودية وأخرى مسيحية). أفراحنا بالمولد النبوي تعني لنا الجهاد لحماية الإسلام، فهو الدين الذي ورثناه من خاتم الأنبياء والرسل، ورثناه من جميع الأنبياء والرسل عليهم السلام، والاحتفال يحمل ضمن أهدافه الوقوف ضد الفكر الوهابي الشيطاني وأهداف السياسة الوهابية المعادية للدين الإسلامي، فهي الوجه الآخر للصهيونية اليهودية.
وما يسمى بالاتفاقات الإبراهيمية والاعترافات بكيان الاحتلال الإسرائيلي، هي نماذج حية للخروج والتخلي عن منهج الهدى، هي نتاج لمن تخلى عن خط الله وسار عميلا منافقا على خط السياسة الوهابية اليهودية .. ولن يصل هذا الخط إلى غاياته الشيطانية بوجود قيادات ثورية في محور المقاومة الإسلامية تمضي في جهادها في الله على الخط المحمدي، فكلما انتشرت دائرة الوعي بأهمية تنظيم مجالات حياتنا على أساس اتباع القائد الحاكم لكتاب الله محمد ابن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه وآله بالتزامن مع الانتصارات الميدانية لقواتنا اليمنية الجيش واللجان الشعبية وتحت قيادة العلم القائد السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله كلما ازدادت مؤشرات تهاوي وسقوط نظامي الشر في الرياض وتل أبيب.. وهذه المؤشرات ستساعد على تنامي صحوة الشعوب في المنطقة بإعادة النظر في تحريك سلوكها وتوجهاتها على أساس الإيمان العملي بالمنهج المحمدي بوقوفها وسخطها ضد حكوماتها لتقويض الاعترافات بالكيان الصهيوني، ولسيرها على منهج محمد ابن عبدالله عليه الصلاة والسلام في تدبير شؤونها.
احتفالنا بمولد حبيبنا رسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم، لتعزيز معرفة الشعوب العالمية بمكانته وعظمته، وهو رد للمسيئين عديمي الأخلاق ذوي التصرفات الرعناء في إساءاتهم المتكررة للرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وللإسلام، والتي لن تمر مرور الكرام، فمن يسيء لرسول الله حتما سيذوق في حياته الذل والإهانة والرعب والخوف، أمثال رئيس فرنسا الأرعن ايمانويل ماكرون وغيره.
احتفاؤنا بإحياء المولد النبوي هي محطة تعبوية وتربوية لتعزيز الولاء والمحبة الخالصة لخاتم الأنبياء والرسل محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه وآله.. الاحتفال يعني لنا كأمة إسلامية أن نبني أنفسنا علميا واقتصاديا وعسكريا … إلخ لنبقى أحرارا أعزاء مستقلين في إدارة شؤوننا العامة بل لأن نكون في صدارة الأمم، فالاحتفال يعني لنا ضمن معانيه الاقتداء بحركة وسلوك وأخلاق نبينا عليه وآله الصلاة والسلام ودعوة شعوب الأمة الإسلامية في إطار تعليمات وتوجيهات منهج الله إلى كلمة واحدة وموقف واحد ضد العدو حتى الوصول إلى هذه المكانة المتسمة مع منطق المنهج الإلهي .. نسأل الله تعالى أن ينصرنا بنصره وأن ينصرنا ببركة رسوله محمد صلوات الله عليه وعلى آله.

قد يعجبك ايضا