في اليوم العالمي للطفولة

مديرة مدرسة الشهيد الراعي سابقاً: دماء طالبات المدرسة لن تذهب هدراً

 

 

كان العزاء في كل بيت يمني لكن عزائي على بناتي الطالبات كان أكبر

الثورة /مجدي عقبة
في الكلمة التي ألقتها – ضمن المؤتمر الصحفي الذي عقدته منظمة انتصاف لحقوق المرأة والطفل – الذي تناول الواقع المأساوي للطفولة والأمومة في اليمن خلال ست سنوات من العدوان والحصار الأمريكي السعودي أكدت مديرة مدرسة الشهيد الراعي الأستاذة فتحية الكحلاني ‏أن دماء طالبات مدرسة الراعي لن تذهب هدرا، مطالبة المنظمات الحقوقية بتكثيف دورها وصولا إلى ملاحقة المسؤولين عن جريمة مدرسة الراعي وغيرها ومحاكمتهم.
الكحلاني أوضحت أن العدوان تعَّمد استهداف المدارس بشكل مباشر وغير مباشر بهدف وقف التعليم، والسبب أن الطالبات يحملن حقائب تحتوي سلاحاً خطيراً جدا ، سلاح دمار شامل، إنه سلاح التعليم والعلم والمعرفة.
وإليكم نص الكلمة :
الطالبة عندما حضرت إلى المدرسة حضرت وهي تحمل الحقيبة والقلم والدفتر وهدفها أن تدرس وتحقق حلمها في هذا الوطن العزيز، لقد شاهدتهم الصور المرعبة في التوثيق وفي وسائل الإعلام عن حالة الخوف والرعب والهلع في صفوف الطالبات وحتى المعلمات، فالجميع كان في حالة صدمة نفسية سواء الطالبات أو المعلمات أو أهالي الطالبات الذين هرعوا إلى المدرسة فور علمهم بتعرض المدرسة للقصف.. أنا مازلت حتى اللحظة أعاني من صدمة نفسية كبيرة، فصور الطالبات لحظة هروبهن وتدافعهن في الدرج كانت أكثر الصور تعبيرا..
المدرسة التي كانت مكانا آمنا لم تعد كذلك ، حتى أن الطالبات قبل القصف كنَّ مع كل قصف يطال الأحياء السكنية يهربن إلى المدرسة للنجاة، وبعد تعرض المدرسة للقصف أصبحن يهربن إلى أماكن أخرى بحثا عن الأمان ، بعض الطالبات اللاتي يسكُّن جوار المدرسة فور حدوث القصف قمن بالهرب صوب منازلهن فوجدن منازلهن هي الأخرى قد تعرضت للتدمير، بينما بعضهن اتجهن للهروب صوب الشارع وهن يحملن الحقائب وبعضهن تركن حقائبهن في المدرسة ومنهن من هربت وهي تصرخ أين بيتي أين بيتي؟!
صور إسعاف الطالبات إلى المستشفيات كانت أكثر الصور المعبّرة والمؤلمة، وما زلت أتذكرها، فتلك المشاهد الدامية تلازم تفكيري وتنزف في خيالي بذهول الفاجعة..
ولكم الآن أن تتخيلوا.. لدينا ٢٤٧٧ طالبة جميعهن تم إسعافهن إلى مستشفيات الأمانة.. أنا كمديرة مدرسة لم أعد أعرف لحظتها إلى أي مستشفى أتجه للاطمئنان على طالباتي، ذهبت إلى أول مستشفى ، وأقرب مستشفى ، كنت أتمنى أن أحضن طالباتي ، كنت أفكر في وجعهن وخوفهن، لكني لم أكن أتوقع أبدا أن هنالك من طالباتي شهيدات، كنت أظن فقط أنهن جميعاً تعرضن لحالات إغماء وخوف شديد، لكني عندما وجدت بعضهن بلا حركة وقد انتقلت أرواحهن إلى الرفيق الأعلى ( شهيدات ) كانت صدمتي كبيرة لم أستطع لحظتها استيعاب ما حدث، كنت أتمنى لو أنني في حلم مرعب وأن أصحو منه، مشهد الطالبات الشهيدات في أول مستشفى زرته تكرر عند زيارتي مستشفيات أخرى، وقتها تذكرت شيئا واحدا هو أن هؤلاء الطالبات الشهيدات كن يقفن معي في طابور الصباح ونردد جميعا النشيد الوطني ( لن ترى الدنيا على أرضي وصيا ) كنا نردد دائما «سنتعلم رغم العدوان» لكنني لم أكن أتخيل أن هذا الأمر سيمر علينا في مدرسة الراعي وأصبحنا نشعر بنفس الألم والوجع ورغم ذلك تحدينا ووقفنا ضد العدوان الغاشم، حتى أنني أذكر موقفاً حصل في مستشفى «المتحدون» وجدت جثة طالبة يحاول شقيقها أن يخرجها من المستشفى، لكني منعته خوفا من ضياع جثة الطالبة، كنت أشعر في تلك الأثناء أنني مازلت مسؤولة عن الطالبة حتى وقد أصبحت شهيدة، فأمسكت بالسرير بقوة ومنعت شقيقها من إخراج جثتها مُصَّرة على أن لا يستلمها إلا والدها بعد اتخاذ الإجراءات اللازمة من تصريح رسمي وغيره، ولم أكن أعرف وقتها من هي الطالبة الشهيدة، من شدة الهول والرعب لم أعد أعرف هذه من تلك وقد تعاون رجال الأمن معنا في ذلك..
كان العزاء في كل بيت يمني، لكن عزائي على بناتي الطالبات كان أكبر، الوقت الذي كنا نسعى فيه لتجهيز حفل تكريم الأوائل والذي كان مقررا في عشرة أبريل أي بعد ثلاثة أيام من وقوع الجريمة كنا في نفس اليوم الذي حدث فيه قصف المدرسة واستهدافها نجهز لحفل تكريم الأوائل، فكانت التجهيزات جارية في المدرسة، وكانت بعض الشهيدات ضمن من سيشارك في حفل التكريم وبعضهن كن ضمن الأوائل وسيتم تكريمهن، الكل كان ينتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر حتى الشهيدة ريناد كانت قد استعدت بوضع الحناء في يديها على الرغم من أن الحناء مخالف للوائح المدرسة ،لكن انتظارها هذا اليوم جعلها تضع الحناء على يديها غير آبهة بلوائح المدرسة، وقد استشهدت والحناء لا يزال على يديها.. كثيرة هي الذكريات المؤلمة لكل الطالبات..
أتذكر لحظة وصول سيارة الإسعاف وهي تحمل جثامين الشهيدات إلى ساحة المدرسة، كانت سيارة الإسعاف تدور وأنا أدور معها، أحضروا الشهيدات إلى ساحة المدرسة كي يودعن مدرستهن الوداع الأخير، وبدلا من أن نحمل الهدايا والورود في نفس ذلك اليوم حملنا جثث الشهيدات، فتحولت دموع الفرح إلى دماء وتحولت الورود والفل إلى ريايحين في الجنة ، وتحولت زغاريد الفرح والسرور بالنجاح والتفوق إلى زغاريد الوداع الأخير، وبدلا من أن تفرح الأمهات ابتهاجا بتكريم وتفوق بناتهن صرخن ٲلماً ووجعا على صغيراتهن وفلذات أكبادهن، ولكن فرحهن باستشهاد بناتهن هون عليهن مصابهن..
وقفت في تحد أمام نفسي وأمام جثامين الطالبات، وتذكرت أحلامهن الصغيرة واسترجعت ذكرياتي معهن طوال ثلاث سنوات، فقد علَّمت طالباتي أننا صامدون رغم الألم ورغم الوجع ورغم الحصار، وكن يقفن معي في طابور الصباح وهن يرددن «سنتعلم رغم العدوان.. ولن ترى الدنيا على أرضي وصيا» ولا نامت أعين الجبناء.

قد يعجبك ايضا