إحياء الذكرى الرابعة لمجزرة القاعة الكبرى.. ما زالت جرائم أمريكا مستمرة

في ذكرى »أم المجازر« الضحايا يتحدثون لـ” الثورة “: جريمة أمريكية لا تنسى

 

تحيي العاصمة صنعاء اليوم الذكرى الرابعة لمجزرة القاعة الكبرى بفعالية رسمية في مكان المجزرة، التي تعدد من أبشع جرائم العدوان الأمريكي على اليمن، وتمثل مجزرة القاعة الكبرى أم الجرائم الأمريكية، ومن أبشع مجازر القرن الحديث، حيث بلغ عدد الشهداء الذين سقطوا فيها أكثر من 150 شخصا، وزاد عدد الجرحى عن 750 شخصا
في الثامن من أكتوبر عام 2016م، بين الساعة الثالثة والرابعة عصراً بتوقيت صنعاء، وبينما كانت القاعة الكبرى تكتظ بالآلاف من المُعزين، الذين حضروا لتقديم واجب العزاء في وفاة والد الأخ اللواء جلال الرويشان، حلقت الطائرات الأمريكية في سماء المكان، رصدت المكان المكتظ بالمعزين، فشنت الغارة الأولى وبعد 3 دقائق شنت الغارة الثانية لتقتل من بقي حيا بعد الغارة الأولى، لقد أرادت أمريكا قتل كل اليمنيين، ولو كان في القاعة الكبرى مليون يمني لما ترددت في قتلهم لحظة واحدة، فالسلاح المستخدم صمم خصيصا لإسقاط أكبر قدر من الضحايا، إنها أم القنابل الأمريكية، والمجزرة أم المجازر الأمريكية أيضا في اليمن.
الثورة / محمد الفائق

850 شخصاً استشهدوا وأصيبوا ممن حضروا العزاء، ما تزال الدماء طرية، صور الشهداء لا تزال معلقة على جدران العاصمة وشوارعها، مشاهد الجثث المتفحمة والأشلاء المتناثرة ما تزال ماثلة في أذهان أسر الضحايا وذويهم وكل يمني ينتمي لهذه الأرض ولأهلها الطيبين، ما يزال الجرحى يشيرون بأصابعهم نحو أمريكا التي ارتكبت المجزرة بسلاحها وبطائراتها وحربها العدوانية على اليمن، قصف العزاء كان مُخططا له ولم يتم في آخر لحظة، هذه الصواريخ الأمريكية لم تكن الأولى التي تسقط على المدنيين، فقد قُصِفَت قبل القاعة الكبرى مجالس عزاء وأعراس ومستشفيات ومدارس، لا فرق بين مجزرة قاعة العزاء عن المجازر الأخرى التي ارتكبتها أمريكا وتحالفها مع السعودية ودول عربية أخرى في اليمن، سوى في عدد الضحايا الكبير الذين سقطوا في ضربتين متتالتين، وفي أنها جريمة مشهودة وموثقة بكل التفاصيل، وفي ردة الفعل الكبيرة للمجتمع الدولي الذي فُضح وتعرى وكشف موقفه اللإانساني.
في الذكرى السنوية الرابعة يتحدث الضحايا لـ”الثورة” عن أم الجرائم الأمريكية، ويستذكرونها كأبشع جرائم القتل الوحشية التي تمارسها أمريكا:

النار الأمريكية التي أحرقت الأجساد بالجملة
البداية مع الشيخ عبدالناصر شايف الرعيني أحد جرحى مجزرة الصالة الكبرى حيث يقول : ذلك اليوم الذي لن ننساه ما حيينا وهو يوم السبت 8/ 10 /2016م، حينها كنت مستلماً في عملي وذهبت أنا ومجموعة من الزملاء لمواساة آل الرويشان في عزائهم وكنت أنا والعميد/ أمين الجائفي والعقيد/ محمد سريع قد وصلنا إلى باب الصالة والتقينا باللواء/ عبدالله الجريزع والعميد/ عبدالفتاح الديلمي ودخلنا سوياً سلمنا على اصحاب العزاء وجلسنا في مكان واحد خلف المستقبلين، استمررنا في حدود نصف ساعة واتفقنا على الخروج لنكمل المقيل خارج الصالة.
واضاف: “حينها وصل اللواء عبدالرزاق المروني ومعه عدد كبير من المرافقين الذين انتشروا داخل الصالة وكان في الجهة المقابلة لنا بعدها، وقفت أنا واللواء الجائفي واللواء الجريزع واللواء محمد الحاوري، ونحن واقفون في طريقنا للخروج تفاجأنا بسقوط الصاروخ الأول، وأنا على بعد 10 أو 15 متراً، شعرت حينها بحر النار في جسدي وتحت أقدامي ووشيش في آذاني حتى انفجرت طبلة الأذن، ولم أر إلا الظلام الدامس والدخان القاتل واشتعال بعض النيران”.
وتابع الشيخ الرعيني قائلاً: “حاولت الخروج جاهداً وتوقعت أن يعاود العدوان القصف على الصالة، لم أستطع الخروج لتراكم الجثث والمساند و”الطوب” متطاير أمامي واشتعال النار والظلام الدامس الذي لم أستطع رؤية شيء حينها سوى ضوء قليل من أمام بوابة الدخول وفتحة الصاروخ في أرض الصالة كوني اقتربت منها مع ضغط الانفجار، عزمت على الخروج من بوابة الدخول فكانت الأرض مليئة بالجثث وتراكم فراش الصالة والبلك “الطوب”، وبعد شق الأنفس وصلت إلى البوابة وخرجت بعد أن أخرجوا اللواء جلال الرويشان لازدحامنا في بوابة الدخول حيث كان البعض يريد الدخول لإنقاذ ذويهم، ونحن نريد الخروج وبعد أن خرجت من الصالة سقط الصاروخ الثاني انبطحنا من قوة الضغط وقوة سقوط جدار الصالة، قلت، يا الله احفظ من تبقى داخل الصالة، بعدها كان الدخان فوق الصالة كثيفاً جدا حجب عنا أشعة الشمس، استطعت أن أخرج إلى الشارع الرئيسي المقابل للصالة وحالتي يرثى لها، وثيابي ممزقة، سألني أحد الواقفين خارج الصالة سلامات أنت بخير، قلت الحمد لله وثيابي مقطعة وعليها دم ودخان وتراب وحروق في يديَّ وقدماي ورأسي، سألته كم الساعة؟! قال الثالثة والنصف، أخذت تلفونه واتصلت بوالدي اطمئن عليه لأنه أبلغني أنه سيحضر واجب العزاء في الصالة، رد على اتصالي وسألته أين هو؟! قال انه في الطريق متوجه إلى صالة العزاء، اخبرته بما حدث في الصالة وطلبت منه الرجوع، حينها شعر والدي انه أصابني مكروه فطلب مني الانتظار وسيأتي ليأخذني.
أخبرته أن أحد الخيرين قام بإسعافي ونحن في الطريق إلى المستشفى ومشينا من ميدان السبعين بسيارة أحد فاعلي الخير، وشاهدت حينها سيارات الاسعاف من كل شارع واعداد كبيرة تتجه نحو الصالة الكبرى، كنت أفكر حينها في من تبقى داخل الصالة ومن ذهبت معهم سلّم الله عليهم وجرحنا جميعاً جروحاً طفيفة وبعضها بليغة ما عدا الشهيد صادق عبدالله الجريزع، رحمه الله.
ووصلت إلى مستشفى الثورة وكنت أول جريح يصل إلى هناك، ووصلت الجثث والجرحى من بعدي، ووصل والدي إلى المستشفى، وكان المستشفى في حالة إرباك لم يستطع أن يعمل لنا شيئاً، أخذني والدي وإخواني إلى مستشفى الشرطة، وهناك تمت معالجة جروحي والحروق التي أصبت بها.
واعتبر الشيخ الرعيني هذه الجريمة من أبشع الجرائم على مر التاريخ، مؤكدا أن أمريكا ومن معها في تحالف الشيطان لن تجني سوى الخزي والعار ولا بد أن يحين وقت القصاص والعدالة.

مفقودون..خالي أمين لم يعد
رفض أبي أن يأخذني معه إلى قاعة العزاء .. قال إنني صغير والقاعة ستكون مزدحمة..
لست طفلاً .. سأذهب مع خالي أمين إن لم تأخذني معك .. قلت له ذلك وأنا أتراجع إلى الخلف خائفاً من ردة فعله على إصراري .. فوافق .. وصلنا إلى القاعة وهي ممتلئة.. أناس يدخلون وأناس يخرجون .. والقليل فقط يجدون أماكن للجلوس .. حرصت على أن أبقى بالقرب من خالي أمين .. أبي هناك بالقرب من بوابة القاعة أمام صف المستقبلين .. وفجأة صم آذاننا انفجار قوي ودفعتنا قوة ضغط هائلة وشاهدت كتلة كبيرة من النار واللهب وقطعاً كبيرة من الحديد والأخشاب والطوب تتطاير وصراخ وصيحات وأنين من كل اتجاه .. انتشر دخان أسود كثيف فلم أعد أميز ما حولي .. صرخت مرعوباً :
وكأن صرختي ذهبت أدراج الرياح بين هذا الركام الأسود من الدخان والنار .. أحسست بمن يمسكني من وسطي ويجري بي .. تعثرنا وسقطنا معاً على أجساد تئن وأجساد لم يعد بها حراك .. قمنا من جديد أنا ومن كان يمسك بي ورأيت بصيصاً من الضوء يسير منقذي نحوه .. هوة كبيرة نحو الأرض .. لم يتردد .. أمسك بي وسقطنا معاً فوق قطع من الركام .. أصبت بخدوش .. وصاح بي :
• انهض انهض بسرعة .. خالي أمين .. أمسك بيدي وجرني خلفه مسرعاً نحو البوابة الخارجية للقاعة .. وقبل عبورنا البوابة بعد الضربة الأولى
قال لي خالي أمين: انتظرني هنا أو أذهب بعيداً عن محيط الصالة..قلت لخالي أمين سوف أدخل معك إلى الصالة لكي أبحث عن والدي فوالدي لا زال بالداخل…نهرني خالي أمين ولوّح لي بيده بأن أبقى مكاني قائلاً لي: أنا سوف أبحث عن والدك كما أني سأذهب لإسعاف الجرحى الذين لا زالوا في القاعة .
.. وعاد خالي أمين إلى القاعة بعد أن لف الشال على رأسه ووجهه لاتقاء الدخان والغبار .. وحين غاب عن ناظري بين كتلة الغبار جاء الصاروخ الثاني من السماء وارتفعت كتلة ثانية من اللهب والنار والغبار في الهواء ..أنا في البوابة الخارجية للصالة منتظر لعودة خالي أمين مع والدي، حلق الطيران من جديد وقصف بالصاروخ الثاني، صعد الدخان من جديد…كنت أصيح
– يا خال أمين ..
-يا باباه
واندفعت نحو القاعة وأنا أصيح .. أمسكت بي يد قوية لأحد المسعفين ومنعتني من التقدم نحو القاعة .. وحاولت الإفلات من يده .. فصاح بي :
• أين ستذهب !؟
• خالي أمين !!
• أبي أبي !!
• سنبحث عنهم .
عدت إلى الساحة أمام البوابة الخارجية للقاعة أنتحب وأبكي بصوت غير مسموع وأطرافي ترتعش ..
بعد ضربة الصاروخ الثاني بأربع أو خمس دقائق تقريباً، شاهدت والدي ملقى على الأرض بقدم مقطوعة وهي ممزقة من تحت الركبة، أفلتّ يدي من قبضة من كان ماسكٌاً ومانعاً لي من الدخول إلى الصالة واحتضنت أبي وعدد من الرجال يحاولون إسعافه،
اختتم مازن قصته قائلاً: ” مات أبي.. ولا أعرف أين خالي أمين .. رفضت كل الأيدي التي امتدت لإخراجي من الساحة .. كانت ثيابي ممزقة وخدوش ودماء في أنحاء جسدي .. قررت المكوث حتى يخرج خالي أمين من القاعة .. قاومت طلبات إخراجي من الساحة بالبكاء والتشبث بمكاني الذي أنا فيه .. أكثر من حاولوا معي كانوا يقتنعون ويتركوني .. انتظرت وانتظرت أكثر من ساعة .. ساعتين .. ثلاث ساعات .. ولم يخرج خالي أمين .. ومضت الأيام والسنوات وحتى اليوم ولم يخرج خالي أمين من القاعة” .
ستظل مجزرة القاعة الكبرى، شاهدة على بشاعة الإجرام الأمريكي، وستظل حافزا لنا لمواجهة الطغيان الأمريكي مهما مرت الأعوام والسنون.

أبي الذي فقدته…أمريكا عدونا
من جانبه يقول الجريح ناجي بن يحيى بن حسن الرويشان: “انه في صباح ذلك اليوم ذهبت إلى مقر عمل والدي كالعادة وعند دخولي إلى مكتبه وجدت جميع الموظفين وبعض الضباط ووكلاء المحافظة متواجدين عنده ويقدمون له التعازي والمواساة في وفاة عمه المرحوم/علي بن علي الرويشان،
ولكنه كان الاجتماع الأخير وكأنهم يودعونه وعند خروجه من المكتب يؤكدون عليه أين سيكون العزاء؟ فرد عليهم: في الصالة الكبرى، فتوجهنا الى البيت لتناول وجبة الغداء، ولكن خروجنا من البيت سيكون بصعوبة، فأخي محمد الذي لا يتجاوز الخامسة من عمره لا يقدر يفارق أبي ولكنه ذلك اليوم كان مختلفاً كغير عادته وخاطب أبي قائلاً: ” يا به لا تسير الصالة، مريم با تقصفكم”، في إشارة إلى الطيارة الإماراتية مريم، فتعجب أبي من قوله ورد عليه لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا.
فتوجهنا إلى الصالة وخلال مسافة الطريق كنت أتلقى النصائح من أبي كما جرت العادة، ولكنها كانت النصائح الأخيرة وكان الكلام الأخير بيني وبينه، ولم أكن أعلم أنها نصائح الفراق .. لحظات موجعة تدمي القلب.
وعند وصولنا إلى أمام الصالة ودخولنا وجدنا بعض الأقارب في صالة الاستقبال منهم من يستقبل والآخر من يتفقد الضيوف.
فأراد أبي الجلوس في أحد المقاعد، ولم أتركه حتى حضر العقيد عادل نجاد وجلس بجواره وتوافد باقي رفاقهم وزملائهم، الذين لم يلتقوا منذ فترات طويلة، فازدحمت الصالة، ولاحظت أبي منشغلا مع أصدقائه، وتأكدت انه ليس بحاجتي، فذهبت لأتفقد بعض الضيوف والتقي بالأقارب والأصدقاء، وفي هذه اللحظات كان العدو الأشر يعد خطته ويتحين الفرصة ليرتكب أكبر مجزرة على مر التاريخ.
فتم استهداف الصالة بالصاروخ الأول حينها توقفت أمامي الحياة ودخلت في غيبوبة لدقائق، فتحت عيناي من جديد وأدركت أنني على قيد الحياة، وشاهدت إلى أعلى فوجدت سحباً سوداء، وتأكدت انه استهداف صاروخي من أعداء الدين والأمة آل سلول، فنهضت مسرعا للخروج ورغم إصابتي إلاّ أني استطعت الخروج والقفز إلى الجهة الشرقية للصالة، وكان جسدي متفحماً كليا والحروق أصابت جسدي كاملاً.
خرجت إلى الشارع الرئيسي المقابل للصالة الكبرى وتم نقلي إلى مستشفى القدس ونظرا لحالتي الصعبة وعجز المستشفى عن تقديم أي إسعافات لإنقاذ حالتي، تم نقلي إلى مستشفى آخر وأغمي عليّ وتم نقلي على متن طقم تابع لشرطة النجدة وكان على الطقم عدد من الجثث وكان العسكر يعتقدون أنني فارقت الحياة، ولكني نهضت وقفزت من الطقم فأرعبت المتواجدين.. وصرخ البعض إنه حيّ لا يزال حياً، وتم نقلي مع بعض الجرحى إلى المستشفى العسكري، كان البصر لديّ مفقوداً تماما والحركة ايضا ولم يبق لي سوى حاسة السمع وجزء من التنفس.
الغريب في الامر، أن شخصا لا أعرف اسمه كان برفقتي ولم يفارقن في كل لحظة وكان سنداً لي في كل حركة، منذ خروجي من باب الصالة حتى دخولي العناية المركزة في الخامسة فجراً، وغادرني عندما علم أن حالتي استقرت، إلى اليوم وأنا لا أعلم من هو ولا كيف أصل اليه من أجل أن أردّ إليه هذا المعروف.
وأقول سلام الله عليه وعلى الكادر الطبي في المستشفى العسكري وجميع طواقمه، لم أعلم أن أبي قد استشهد إلا بعد أسابيع وأنا لا أزال في المستشفى، فتضاعفت حالتي ألماً ووجعاً على فراق والدي.
واختتم ناجي حديثه قائلا: في الذكرى الرابعة للجريمة، ومع مرور ما يقارب ستة أعوام من العدوان، فإن النصر أصبح قريبا، وثقتي بالله كبيرة أن النصر يلوح في الأفق ولا يبعدنا عنه سوى أيام أو أشهر قليلة، والله على كل شيء قدير، ونقول لأمريكا إن جرائمكم لن تنسى وستظل في وعينا، وسنظل نواجهكم حتى قيام الساعة.

هكذا تفعل أمريكا بالعالم
الجريح عبدالله ثعبان بدوره يسرد لنا تفاصيل تلك الواقعة المؤلمة حيث يقول: ” تحركنا أنا ووالدي العميد علي صالح ثعبان مستشار وزير الداخلية، من منزلنا الكائن في بيت بوس لنكون من أول الواصلين إلى صالة العزاء في فقيد الوطن الشيخ علي بن علي الرويشان لما تربطنا به من علاقات اخوة وصداقة وزمالة، هو وأبنائه وبعد وصولنا وأدائنا واجب العزاء جلسنا من ضمن المعزين في منتصف الصالة من الجهة اليمنى ،وحولنا جموع كبيرة من المعزين وبعد تقريبا ساعة من وصولنا كانت الصالة ممتلئة وينادى للمعزين أن يفسحوا المجال للواصلين نحن لم نستطع المغادرة لأننا نعتبر من المضيفين.
وإذا بنا نفاجأ بقصف الطائرة الصاروخ الأول الذي استهدف منتصف الصالة من اليسار، توقف الزمن وانهارت الصالة فوق رؤوسنا وعند توقف ذلك نهضت مسرعا للبحث عن والدي، كنت أبحث بين الركام فإذا بي أشاهد رؤوساً مقطوعة وجثثاً متفحمة وأشلاءً متناثرة وأصوات الصراخ والنار تلتهب من جهة باب الصالة، لقيت والدي مصاباً لكنه يتحرك، توجهنا نبحث عن مخرج وهناك مئات الأشخاص بين جريح وشهيد، رأيت أقداماً مبتورة وأيادي مقطوعة وأشلاٍء متناثرة، وبعد تجريب المخرجين الأول والثاني وصلنا للمخرج الثالث والناس تتدافع، كل يبحث عن قريبه، هذا يحمل أخاه وهذا والده، إنها جريمة مروعة، أخرجت والدي وعند وصولنا إلى الباب الرسمي الحوش فإذا بالغارة الثانية تضرب الصالة التي كانت قد امتلأت بالباحثين عن أقاربهم والمسعفين والتي لم يتسن لأحد الخروج إلا القليل.
لقد رأيت ما يشيب له الرأس، رأيت جريمة لم يحصل لها مثيل، لقد كان في الصالة أكثر من ألفي شخص، لقد كانت الغارة الثانية من أجل تصفية من تبقى داخل الصالة وخارجها، لم تكن إلا جريمة عن سبق إصرار وترصد ،لقتل اكبر عدد من أبناء شعبنا اليمني، وأضاف: “عندما نتحدث عن هذه الجريمة لا يمكن أن نعبر عن حقائق جريمة تحالف العدوان الأمريكي السعودي، لكننا سنظل نشير إلى أمريكا باعتبارها مصدر الشر والقتل والإبادات الجماعية لشعوب العالم، وحتما فإن الشر إلى زوال.

أمُّ الجرائم الأمريكية
الجريح أحمد عبدالرحمن عبدالله الكهالي: ” ها نحن اليوم في الذكرى الرابعة لجريمة أمريكا بقصف الصالة الكبرى، تلك الجريمة التي نالت لقب أمّ الجرائم ،تلك الضربة الجوية التي استهدفت صالة عزاء مزدحمة بالمعزين، وأضاف: “اليوم نحن الضحايا نحمل أمريكا مسؤولية الجريمة، لن أنسى ما شاهدته من كارثة وما شاهدت ذلك اليوم لن أنسى أن قدمي بترت في ذلك اليوم، لن انسى آهات الجرحى والأشلاء الممزقة وأخرى ممددة موشومة بالجراح وبعضها مفقودة الأطراف في حزن ومعاناة بلغت الحلقوم والألم الذي يملأ الأفق دون أن يلتفت لهم أحد أو يحس بهم ضمير عالمي …لكنني سأعلّم أبنائي وأحفادي في يوم ما شيئاً وحداً وهو أن مقاومة الطغيان الأمريكي هي الحياة والثأر.. وأنا على ثقة بأن حق الثأر مكفول والقصاص ممن اعتدوا علينا محتوم، فلنكن الأشد بأساً والأقوى ردعاً وثأراً والحازمين في مقاضاة مرتكبي المجازر والجرائم بحق الأبرياء، والعازمين على أن لا تضيع دماء الشهداء والجرحى وحقوقهم المكفولة شرعاً وقانوناً هدراً، ولنكن من أولئك المترفعين عن الصغائر والمتضافرين وقت المحن والشدائد ولنكن كما يجب أن نكون، فنحن أهل الإيمان والحكمة”.

قد يعجبك ايضا