تركيا وتدخلاتها السافرة

 

عبدالفتاح علي البنوس

غريب عجيب حال السياسة التركية التي يدير بها الرئيس رجب طيب أردوغان بلاده، فهذا الرجل يحشر أنفه في كل صغيرة وكبيرة، ويقحم نفسه فيما لا يعنيه، يذهب للتدخل السافر في شؤون الدول والأنظمة انطلاقا من مصالح وولاءات حزبية ضيقة، ومطامع اقتصادية ومادية قذرة ، ودائما ما يضع بلاده وحكومته في مواقف محرجة لا علاقة لهم بها ، تجلب عليهم سخط الشعوب والأنظمة..
أقحم تركيا في الحرب على سوريا، وتورط في انتهاك السيادة السورية تحت ذريعة محاربة الأكراد وحماية الأمن القومي التركي، وأعطى لنفسه الحق في انتهاك سيادة دولة مستقلة وشن عدوان غاشم عليها، وما يزال يعربد هناك حتى اليوم ، في الوقت الذي سخر فيه الحدود التركية منطلقا لشن هجمات على سوريا ، ولتكون حاضنة للجماعات التكفيرية والإجرامية التابعة لتنظيمات داعش والنصرة وغيرها من التنظيمات الإجرامية ، غير مكترث بتحذيرات الكثير من الدول من مغبة حماقاته في سوريا..
وعلى ذات المسار يسير المغرور التركي في ليبيا طامعا في ثرواتها داعما لما تسمى بحكومة الوفاق التي يرى فيها مطية للحصول على النفط الليبي والظفر بكافة الفرص الاستثمارية في القطاعات الواعدة هناك ، حيث يعمل على إمداد حكومة السراج بالسلاح في مواجهة قوات خليفة حفتر المدعومة من روسيا والإمارات في سياق سباق الحصول على الغنائم والمكاسب الليبية التي يسيل لها لعابه ، والتي من أجلها يسير في تنفيذ مخططه التدميري الذي يتهدد ليبيا..
وفي سياق الأزمة الخليجية كان حاضرا إلى جانب قطر وسارع بإرسال قوات تركية وإقامة قاعدة عسكرية تركية فيها وهو في غنى عن ذلك ، لكن جنون العظمة الإخونجية دفعه إلى القيام بذلك ، ولذات السبب يقف أردوغان إلى جانب السعودية في عدوانها على اليمن ، من خلال احتضان قيادات الإصلاح وفتح الباب على مصراعيه لرؤوس الأموال الإصلاحية للاستثمار في تركيا ، وفتح المجال أمام الفضائيات الإخونجية للبث من تركيا وممارسة أنشطتهم السياسية والحزبية منها ، وجعل منها قاعدة جوية لنقل العناصر التكفيرية الإجرامية من سوريا عبر تركيا إلى عدن ومن ثم توزيعهم على الجبهات للقتال في صفوف مليشيات الإصلاح في إطار ذات المخطط الجهنمي ، صحيح أنه لم ينجر حتى اللحظة في مجريات المواجهات ولم ينسق خلف دعوات بعض المرتزقة الإصلاحيين المقيمين في تركيا الذين طالبوا بتدخل تركي في اليمن يضمن لهم العودة إلى سُدة الحكم ، فهو يدرك جيدا ما الذي يعنيه الذهاب للتدخل في الشؤون اليمنية ، وما الذي ينتظر جنوده في حال قيامه بارتكاب هذه الحماقة ، وله في تاريخ اليمن العظة والعبرة..
واليوم يقحم أردوغان نفسه وبلاده في الحرب الدائرة بين أذربيجان وأرمينيا ويبدي دعمه العسكري لأذربيجان ويذهب لتأجيج الفتنة وتوسيع دائرة المواجهات والتحالفات ، في الوقت الذي كان بإمكانه لعب دور الوسيط لتقريب وجهات النظر والعمل على وقف إطلاق النار بين الجانبين مراعاة لحق الجوار بمعزل عن أي شكل من أشكال التعصب والانحياز غير الأخلاقي واللا مسؤول ، والمتأمل هنا لهذه المواقف السلبية لتركيا ورئيسها يلحظ إصابة أردوغان بجنون العظمة ، هذا الداء الذي يجعله يعيش حالة من الانتشاء التي تشعره بأنه ( خليفة المسلمين ) كما يحلو لأبواق الإصلاح تسميته ، ويحاول من خلال هذه التدخلات السافرة ادعاء العظمة ، وهو الذي بدا صاغرا أمام اليونان في قضية نزاعهما الحدودي بعد أن أزبد وأرعد ، قبل أن يخنع ويوقف التنقيب عن النفط في المناطق البحرية المتنازع عليها..
بالمختصر المفيد، أردوغان بحاجة إلى إعادة ( فرمتة ) لجهازه الدماغي ليعود إلى رشده ووضعه الطبيعي العقلاني المنطقي الذي يحترم فيه نفسه وبلده وأبناء شعبه ، ويتخلى عن جنون العظمة الذي يعتريه ويسيطر على كل مواقفه وقراراته الانفعالية غير السوية التي تمثل انتهاكا صارخا للقوانين والمعاهدات الدولية، وتعتبر تدخلا سافرا في شؤون الدول ، وباليمني الصريح نقول له ( قِر يا حاج أردوغان ) في السابق كان الآباء يتداولون مقولة ( اترك الترك يتركوك ) بس أردوغان ( ما رضي يترك الناس في حالهم ) ، وله نقول : يكفي استعراض عضلات على الفاضي ، العقل زينة ، إلى هنا ويكفي ، بعدها ( من طلب الجن ركضوه ).
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله .

قد يعجبك ايضا