ثورة الـ 21 من سبتمبر وبقايا الطابور الخامس

الحسن علي الذاري

 

الثورة التي انطلقت من أوساط فئات الشعب اليمني المسحوقة بقيادة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، وتحركت بإمكاناتها المحلية البسيطة لإسقاط مراكز النفوذ التي حكمت اليمن عقودا من الزمن.
ثورة 21 سبتمبر الوطنية الخالصة المحققة لأهم هدف وطموح لأي شعب وهو الحرية والاستقلال والذي يعد أكبر إنجازات ومميزات لهذه الثورة الشعبية.
إن ثورة الحرية والاستقلال لا شك أنها تختلف كل الاختلاف عن ثورة 26سبتمبر التي سرعان ما انخرط قادتها في تنافس محموم لعرض أنفسهم في مزاد القوى الاقليمية الشمولية والرجعية، ليكون المزاد من نصيب مملكة القوى الرجعية السعودية التي اشترت الجميع بصفقة مع النظام المصري، قضت بانسحاب الأخير بالكامل من اليمن، ومنذ ذلك التاريخ والدولة اليمنية تحكمها القوى الرجعية عبر مراكز النفوذ التي سهرت اللجنة الخاصة على تربيتها وتسمينها، فكانت يدها الضاربة في اليمن، وسيفها البتار الذي به تم ضرب رأس مشروع الدولة اليمنية الرئيس إبراهيم الحمدي، واستبدال هذا النموذج الوطني بنموذج نفعي انتهازي عبارة عن أرجوزات تحمل مشروع دولة منزوعة السيادة والقرار استمرت من اكتوبر 1977م وحتى سبتمبر 2014م.
بعد اغتيال الرئيس الحمدي والحركة الناصرية التي يطلق عليها اليوم اسم التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري تدعي انتماء الحمدي لها، وتناصب العداء الشديد للنظام السعودي المسؤول عن اغتيال الحمدي ومشروع الدولة، وفي الجنوب فإن الاشتراكية هي الأخرى كانت تكن العداء للنظام السعودي بوصفه نظاما رجعيا متخلفا وأداة طيعة بيد النظام الرأسمالي لبسط سيطرته على المنطقة.
من المفارقات العجيبة أن نرى اليوم الناصري والاشتراكي بيادق في جيش النظام السعودي منذ انخراطهما مع قيادة التحالف بالعدوان على اليمن في مارس 2015م، متناسين عقوداً من العداء التاريخي مقابل الحصول على امتيازات قتال أبناء وطنهم في صفوف قوى العدوان الرجعية المتخلفة والتحول إلى بوابة لها لاستعادة السيطرة على اليمن، كما كانت السعودية وما زالت بوابة أمريكا لبسط السيطرة على المنطقة، وهكذا تبخرت عقود من التنظيرات والحروب الإعلامية والدعوات الزائفة، وظهرت الملامح الحقيقية للناصري والاشتراكي الذينِ أصبحنا نراهما بوضوح في جبهة النظام السعودي قائد الحرب العدوانية على اليمن.
هذا الفرز الدقيق يعتبر ثمرة من ثمار ثورة الـ 21 من سبتمبر المباركة التي احتضنت بعض قيادات الناصري والاشتراكي الذينِ اعتمدا سياسة توزيع الأدوار بين حكومة المرتزقة في الرياض وحكومة الثورة في صنعاء التي فتحت صدرها لسماع قائمة طويلة عريضة من الاتهامات التي اطلقها رئيس اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي الأخ/ يحيى منصور أبو أصبع في كلمة القاها باسم الحزب الاشتراكي والتنظيم الناصري بمناسبة مرور 2000 يوم من العدوان، متستراً وراء مفردة العدوان على اليمن التي وردت في كلمته كذا مرة، ظناً منه أن هذه الخدعة الكلامية يمكن أن تنطلي على صنعاء، في محاولة لاستنساخ سياسة عفاش الذي لم تغادر شفتيه مفردة العدوان، لكنها كانت نسخة رديئة جداً، وطافحة بكل عبارات التجني والافتئات، واعتساف الحقائق، وإصراره المستفز على المساواة بين حكومة الثورة وحكومة المرتزقة في تحمل مسؤولية ما يحدث لليمن دونما اعتبار حتى للمعطى المكاني كفارق جوهري بين منْ يمارس السلطة من صنعاء عاصمة اليمن الموحد، ومن يضع السلطة والسيادة تحت تصرف الديوان الملكي بالرياض، وبهذا كشفت أولاً لبقايا الطابور الخامس، وأبرزت ثانياً مدى تسامح ثورة 21 سبتمبر المباركة وصدرها الرحب المتقبل للآخر.
هذا الرجل الذي بدا وكأنه خرج للتو من القمقم، محملاً بأثقال التنظيرات العتيقة، والحلول الطوباوية، كان يعكس واحدة من أهم الاشكاليات التي تسببت بقيام ثورة الـ 21 من سبتمبر المجيدة ، فأحزاب المعارضة اليمنية شاخت وشاخ معها قادتها، وأصبح الجميع يعيش بمعزل عن متغيرات الواقع وتفاعلاته المتسارعة، فعلى امتداد عمر التعددية الحزبية في اليمن فشلت أحزاب المعارضة فشلاً ذريعاً في أحداث التغيير المنشود، ووصلت إلى مرحلة العجز عن وقف التمدد الكاسح لسلطة الحزب الحاكم آنذاك، وقد تحولت بفعل الفشل المتواصل إلى مجرد هياكل ديمقراطية ضعيفة الأثر تمنح الحزب الحاكم سلطة مطلقة، وتدعم حروبه العدوانية على الشعب اليمني في الجنوب والشمال، وتشرعن لسياسة تجويع الشعب والاستئثار بثروات البلاد، وتضفي طابعاً ديمقراطياً على الأدوات التي ظلت تعيد إنتاج ذات الأسرة ومراكز النفوذ الحاكمة التي أصبحت بمخالب وأنياب أقوى مما كانت عليه أيام الحكم الشمولي.
في هذه الأثناء أطلق عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي دعوة للحكومة والبرلمان لبحث جدي لفكرة حل الأحزاب التي تقف في صف العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، فهل آن الآوان لترجمة مثل هذه الدعوة التي تلبي إرادة الشعب المطالب بالقضاء على بقايا الطابور الخامس؟.

قد يعجبك ايضا