موقف الدين من المُنْبَطِحين المُطَبِّعين “علماء التطبيع” يوظفون التاريخ الإسلامي لخدمة سلاطين الجور

 

العلامة /عدنان الجنيد

قبل أن نناقش الأحاديث التي استدل بها ممهدو التطبيع لابد أن يعرف القارئ – ولو نبذة يسيرة – عن موقف اليهود من النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ ومن المسلمين، لاسيما الذين كانوا في عصر النبوة..
فأقول : إن اليهود هم أعداء الشعوب، ويرون أنفسهم أنهم الجنس السامي وشعب الله المختار، وأن الله قد اختصهم من بين الأمم بما لم يخص أحداً سواهم، ولم يرد الخير لغيرهم ولا الهداية لسواهم، وأن الله قضى بالفشل على كل من لا يكون لغير منهجهم، ولهذا تجدهم لا يرتبطون بأحد أو بجماعات أو بشعب إلا إذا وجدوا مصلحة ومنفعة تعود عليهم، أو لدفع مضرة عنهم، لهذا وقفوا ضد الإسلام حينما وجدوه يتعارض مع مصالحهم، مع أن الوثيقة التي وضعها النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – والموقعة معهم تضمن لهم حقوقهم وحرية معتقدهم، فمما جاء فيها :«أنهم مع المؤمنين أمة واحدة، ولكل فئة دينها، وحقها في إقامة شعائرها، وأن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وبينهم النصح والإرشاد، والنصر للمظلوم، واليهود متفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وبينهم النصر على كل من يداهم يثرب، وعدم حماية الظالم والآثم من الجانبين »(1).
في البداية رحّبَ اليهود بهذه المعاهدة ظناً منهم أنها تتفق مع منافعهم ومصالحهم، وأنها تحفظ لهم نفوذهم، ولكنهم لما عرفوا أن الإسلام جاء يحارب الجشع والاستغلال، ويُحرِّم الربا والفجور والغش والخداع والتسلط على الآخرين، بل ويُحرِّم كل المنافع التي تأتي عن طريق الحيلة والمكر والخداع، حينها تيقنوا بأن مصالحهم في خطر، سيما وأن المسلمين ما من يوم يمر عليهم إلا وهم يتوحدون ويتوسعون، والإسلام سيجعلهم أمةً واحدة ، وهذا بنظر اليهود يُعدُّ كارثةً عليهم ، ولن تقوم لهم قائمة في ظل الوحدة الإسلامية..
وعليه فقد سارعوا باللجوء إلى استخدام شتى ألوان مكرهم وحيلهم ودسائسهم ومؤامراتهم، وذلك للنيل من النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – والإسلام والمسلمين، فنقضوا جميع العهود والمواثيق، وتحالفوا مع المشركين لحرب المسلمين، وحاولوا اغتيال النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ودس السم له، وحاربوا الإسلام بالعمل على تشويهه وإلصاق الأكاذيب عليه، فما كان من النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – إلا أن حاربهم وأجلاهم من المدينة.. وبعد وفاة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – لم تتوقف عداوة اليهود للمسلمين، بل استخدموا كل وسائلهم الدنيئة في سبيل النيل من الإسلام وشخصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فسارعوا إلى وضع الأحاديث التي تسيء إلى النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ لغرض إزالة القداسة النبوية من عقول وقلوب المسلمين، حتى يصير النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – شخصاً مثل معاوية ويزيد ، والذي قام بهذه المهمة هو كعب الأحبار ووهب بن منبه وأمثالهما من اليهود ممن وضعوا مئات الأحاديث والقصص، فجاء بنو أمية فأضافوها – إضافة ما اختلقوه من أحاديث – إلى السيرة وإلى أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهكذا أصبح لتلكم الأحاديث الموضوعة رواة يروونها للناس جيلاً بعد جيل إلى يومنا هذا، حتى ظنّ الناس أنها من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ..
وبهذا وجدنا علماء التطبيع ينتقون مثل هذه الأحاديث التي تتوافق مع أهواء ورغبات سلاطين الجور ، فهذا أحد دعاة التطبيع _ إمام الحرمين _ المسمى (بالسديس) قام خطيباً على منبر المسجد الحرام ممهداً للتطبيع مع العدو الصهيوني، ومستدلاً بما هكذا نصه : «قد توضأ – صلى الله عليه وآله وسلم – من مزادة مشركة، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي، وعامل يهود خيبر على الشطر مما يخرج من زروعهم وثمارهم، وأحسن إلى جاره اليهودي مما كان سبباً في إسلامه »..
قلت : استدلاله بحديث «أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – توضأ من مزادة مشركة»
هذا الحديث مختصر من حديث طويل رواه البخاري ومسلم ، واستدلاله في تمهيده للتطبيع في غير محله، بل ويدل على جهله؛ لأن هذه المرأة المشركة لم تنصب العداء لرسول الله صلى الله وسلم عليه وعلى آله، ولم تشارك المشركين في حربهم عليه !!..
كل ما في الأمر «أن الرسول – صلى الله وسلم عليه وآله – كان هو وأصحابه في سفر، فعطشوا، فأرسل النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – من يطلب الماء، فجاؤوا بامرأة مشركة على بعير بين مزادتين من ماء، فدعا النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بإناء فأفرغ فيه منهما ثم قال فيه : ما شاء الله، ثم أعاده في المزادتين ، ونودي في الناس اسقوا واستقوا، فشربوا حتى رووا، ولم يدعوا إناء ولا سقاء إلا ماؤه، وأعطي رجل أصابته جنابة إناء من ذلك الماء وقال: أفرغه عليك، ثم امسك عن المزادتين(2) وكأنهما أشد امتلاءً مما كانتا، ثم أسلمت المرأة بعد ذلك هي وقومها»..هذا معنى الحديث مختصراً »(3) .
قلت : لاحظ هنا كيف أن المزادتين عادتا إلى المرأة مملئتين بالماء
، رغم أن الماء كان فيهما قليل، فبورك فيهما ببركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. وهذه المعجزة النبوية كانت سبباً في إسلام المرأة وقومها.
هذا مع أن الإمام النووي قال – معلقاً على هذا الحديث – : إنه لم ينص فيه صراحةً على أن النبي – عليه وآله الصلاة والسلام – توضأ منها – أي من المزادة -(4)..
الخلاصة : سواء صحَّ الحديث أم لم يصح ، فليس له علاقة البتة بما يريده السديس من التمهيد للتطبيع مع العدو الصهيوني ؛ لأن العدو الصهيوني قد ناصب عداءه للمسلمين، وجرائمه في حق الفلسطينيين ليست بخافية على أحد ، ناهيك عن اغتصابه لأرضهم ، وتشريده للملايين منهم!!..
فمن الجهل بمكان أن يقيس السديس تعامل النبي -صلوات الله عليه وآله- مع المرأة المشركة بمطبعي اليوم تبريراً لتطبيعهم !!
وكأنه يريد أن يقول لمن يرفضون التطبيع «هكذا يجب علينا أن نحسن إلى الصهاينة كما أحسن رسول الله إلى تلك المرأة المشركة» !!
وأما قوله: «إن النبي -صلى الله وسلم عليه وآله- مات ودرعه مرهونة عند يهودي» ، فسوف نرد عليه في الحلقة القادمة
…….الهامش……
(1) انظر تفصيل ذلك في « زاد المعاد» [ج2، ص 102، 103].
وانظر أي كتاب من كتب السيرة لاسيما التي تناولت معاهدات الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- مع يهود المدينة .
(2) المزادة : إناء من جلد يعني نحو القربة .
(3) « المجموع شرح المهذب « ٢٦٢/١ – ٢٦٣ ] للنووي .
(4) انظر المصدر السابق .

قد يعجبك ايضا