توجه واثق الخطى نحو نبذ العقل التبريري وتأصيل مبادئ التنسيق والتكامل المؤسسي

من وحي خطاب السيد القائد: الزراعة عمود فقري للاقتصاد ودعامة أساسية للصمود وتحقيق النهضة التنموية الشاملة

استنهاض الإرادة الوطنية يقطع الطريق أمام الانتهازية والابتزاز النفعي الرخيص

“أدعو شعبنا العزيز (يمن الحرية والإباء والكرامة، يمن الإيمان والحكمة) إلى الاستمرار وباهتمام وعناية أكبر بالنهضة الزراعية التي هي عمودٌ فقري للاقتصاد الوطني، ودعامة أساسية للصمود والتماسك الاقتصادي، والعناية بكل ما يساهم في تقوية وتطوير هذا المجال، وتحسين الجودة الإنتاجية، بالتنسيق مع الجهات الرسمية المعنية، ومنها اللجنة الزراعية، إضافةً إلى المبادرات الذاتية والمجتمعية.”
الثورة/ يحيى محمد الربيعي

بالتمعن في خطاب السيد القائد عبدالملك الحوثي حفظه الله بمناسبة العيد 6 لثورة الواحد والعشرين من سبتمبر الخالدة نستلهم حقيقة مفادها يؤكد بما لا يدع مجالاً فيه للشك أن الشخصيات البارزة تتمتع بقابليات تجعلها قادرة على تلبية الحاجات الاجتماعية الكبرى في عصرها، وهي تلعب دوراً بارزاً في حركة التاريخ بمستوى قدرتها على استنهاض الحركات الاجتماعية، وبقدر ما ترى أبعد مما يراه الآخرون، وتشعر برغبة أشد منهم لتغير النظام القائم.
إن الإيمان بدور الجماهير الشعبية واعتبارها القوى المحركة للتاريخ لا يعني نفي دور الشخصيات القيادية، بل نتناول هذا الدور ونقيمه بالارتباط مع نشاط الجماهير الشعبية وفي المجرى العام لنضالها من أجل التحرر والتقدم.
وإلى ذلك وبالربط المباشر بين مرمى التوجيه وبين ما اثبتته العديد من الدراسات الاقتصادية والجيولوجية نجد أن اليمن تمتلك مقومات اقتصادية متكاملة كفيلة بإحداث نهضة شاملة في ظل التحرر والاستقلال من الوصاية الخارجية، فهذا الوطن الذي استوطنه الفقر والبطالة طيلة عقود مضت وسادت فيه مظاهر التخلف التنموي والفساد الإداري والمالي يقف اليوم في ظل هذا العدوان الغاشم بعد ست سنوات من التدمير الممنهج للبنية التحتية على امتداد جبهات المواجهة أمام مرحلة تحررية تنطلق من رؤية يمانية دشنها قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في خطابه بمناسبة احتفالات شعبنا العظيم بالعيد 6 لثورة 21 سبتمبر مستنهضاً المسؤولية الوطنية وهمم الرجال الصادقين، واضعاً الجميع أمام مواجهة كافة التحديات المحتمل أن تضعف مسيرة اليمن اقتصادياً، داعيا الجميع إلى مواجهة كل ما يحيط بهم من مخاطر، والانتقال بخطى مدروسة ومخططة وثابتة لفرض معادلة اقتصادية جديدة تندرج في إطار معادلة الردع التي حققتها وحدة الصناعات العسكرية اليمنية وصولاً إلى تحقيق نهضة اقتصادية تحصن اليمن واليمنيين من الاختراقات الأجنبية وتعيد لليمن مكانته بين الدول وللشعب اليمني عزته وكرامته، ذلك التوجيه نحو تغيير المعادلة الاقتصادية من الضعف إلى القوة.. من الفوضى والاختلال إلى الأمن الاستقرار.. من الاعتماد على منتجات المانحين والمساعدات إلى الاعتماد على الذات.. فهدف النهوض لم يعد يحتمل التمني والتواكل ولكنه أصبح ميدان للتخطيط والعمل، بل بالثقة بالله والتوكل عليه سيتحول إلى حقيقة، فاليمن الفقير رزح عقوداً من الزمن تحت سياسات الإفقار الممنهجة في ظل ارتهان القرار والإرادة السياسية، وخضع لتنفيذ الأجندة الخارجية التي أوقفت عجلة التنمية على حساب مصالح الوطن العليا.
كل ذلك حدث ويريد له أن يستمر رغم أن كل الدراسات الاستكشافية تؤكد بكل وضوح أن أرض اليمن غنية بمواردها المختلفة؛ فهي ارض زراعية واعدة بالمحاصيل النقدية وبكميات تجارية وجودة عالية.. إنها فقط ممنوعة ليس بإرادة الخارج، وإنما بتغييب العقلين العلمي والعملي المحليين واستحضار العقلين التبريري والاتكالي الخادم لأهداف وأطماع القوى الاستعمارية.. محظورة بتغييب الإرادة الوطنية لتسود الانتهازية والابتزاز النفعي الرخيص.. والسيد القائد رضوان الله عليه دائم دوام وفي كل خطاب من خطاباته التوجيهية، ومن منطلق حرصه الشديد على إحداث تغيير حقيقي ملموس النتائج وله ثمار تراها العين المجردة وتنعم بخيراتها الأمة يدعو صراحة إلى نبذ العقل التبريري والتحلي بأخلاقيات الفعل قبل القول.. فكثير ما نجده يردد في خطاباته “نحن قوم أفعال لا أقوال”.. وهو في خطابه الأخير يدعو إلى التنسيق بين الخبرات والإمكانات وهو ما يعني بدلالة صريحة وإشارة واضحة وجوب تشييد وبناء صروح العمل المؤسسي والتخطيط العلمي الدقيق.. تخطيط تتبعه برامج تنفيذية مرنة وقابلة لنقد وتقويم المسارات نقدا خاليا من كل آلاعيب تسويق الأكاذيب وتلميع الشخوص.. ونجد ذلك واضحا بجلاء في قوله: “إنَّ التصدي لهذا العدوان بجدية ومصداقية وفي كل المجالات، هو مسؤولية إيمانية وإنسانية ووطنية على الجميع في هذا البلد، بحسب إمكاناتهم وقدراتهم، وبما يحقق التكامل والانسجام، وقوة الموقف في كل مجالٍ وميدان، وقد تجلى ولا يزال الأكثر مصداقيةً من أبناء هذا الشعب وعطاءً وتضحيةً وجدًّا وعملاً وفعلاً واهتماماً ووفاءً لأداء هذا الواجب”.

ثروة غير مستغلة
إن مقومات النهضة الاقتصادية في البلاد كبيرة وفرص تحقيقها أكبر، فالأرقام والوقائع والشواهد على الأرض تؤكد أن اليمن لم يستغل حتى الآن سوى 20 % من ثرواته النفطية والغازية طيلة العقود الماضية، ولاتزال 80 % من تلك الثروة غير مستغلة، وتصل احتياطات اليمن من الذهب إلى 31.6 مليون طن في عدد من المحافظات، كما تبلغ احتياطاته من الزنك والرصاص والفضة نحو 12.6 مليون طن، ويمتلك قرابة 40 مليون طن من احتياطات النحاس والكوبلت والبلاتينيوم، كما تقدر الدراسات احتياطي التيتانيوم ومعادن أخرى بـ 860 مليون طن، وتتجاوز احتياطاته من الحجر الجيري والدولومين 13.5 مليار متر مكعب ، كما يصل احتياطي اليمن من الملح الصخري إلى 365 مليون متر مكعب.
وتبلغ احتياطيات اليمن من مادة الزيوليت الطبيعي التي تستخدم في صناعة تكرير النفط كمادة وسيطة، وصناعة الورق والمنظفات والبلاستيك، وإنتاج الإسمنت وسوائل الحفر، وإنتاج محسنات التربة لرفع مردود المحاصيل الزراعية، بأكثر من 200 مليون متر مكعب، وتصل احتياطات المجنيزيت الذي يستخدم في العديد من الصناعات التي يتواجد بكميات تجارية ونوعيات متعددة في اليمن إلى حوالي 58 مليون متر مكعب، ويمتلك اليمن احتياطياً من مادة الدولوميت التي تستخدم في صناعة الكريمات ومعاجين الأسنان، وفي تحسين التربة، بالإضافة إلى استخدامه لإنتاج أحجار الزينة إلى 3.4 بليون متر مكعب، وفي مجال الحجر الجيري تقدر الدراسات احتياطي اليمن منه بحوالي 3.6 بليون متر مكعب، وتصل احتياطات الجبس التي تتميز بمواصفات عالية إلى 4.6 بليون متر مكعب.
ويصل احتياطي معدن البيوميس الذي يستخدم في مجال صناعة مواد الصقل والصنفرة في اليمن إلى حوالي بليون متر مكعب ، ويصل احتياطي الرمال السوداء الحاوية للمعادن الثقيلة في اليمن إلى حوالي 500 مليون طن، ويصل احتياطي الحجر الرملي النقي والكوارتز في اليمن إلى بليوني متر مكعب ، كما يقدر احتياطي خام الكوارتز بأكثر من 13 مليون متر مكعب ، ويصل خام الاسكوريا إلى 1.7 بليون متر مكعب.
وتفيد الدراسات الجيولوجية بأن احتياطي اليمن من الأطيان الصناعية يصل إلى 120 مليون متر مكعب، يضاف إلى ذلك أن الاحتياطي من الرخام يصل إلى أكثر من مليار متر مكعب، ويقدر احتياطي الجرانيت والجابر بحوالي 1.6 مليار متر مكعب، وتبلغ احتياطات اليمن من الصخور الكلسية قرابة 13.5 مليار متر مكعب، وكذلك تصل احتياطات اليمن من الحديد والتيتانيوم والفوسفات إلى860 مليون طن وإن كانت تلك الثروات قابلة للنضوب، فهناك ثروات مستدامة وتحتل المرتبة الثانية بعد النفط بأهميتها ودورها الاقتصادي.

ثروة مهدرة
ويمتلك اليمن ساحلاً طويلاً يقدر بحوالي 2500 كيلومتر ويطل على البحرين العربي والأحمر وعلى خليج عدن والمحيط الهندي، وتصنف بأنها واحدة من أغنى الدول الغنية بثرواتها البحرية، ونظراً لما يمتلك البحر من مقومات قد يكون بديلاً للنفط وربما يحتل المرتبة الأولى في الصادرات اليمنية للخارج ويتحول إلى مصدر من المصادر الرئيسية للدخل القومي من العملات الصعبة عوضاً عن النفط في حالة تقييم واقع هذا القطاع وإزالة المعوقات والتحديات، وتوظيفه التوظيف الأمثل، واستغلال هذا الثروة السمكية المتجددة أفضل استغلال، ووقف العبث بها ومنع الاصطياد السمكي للشركات التجارية التي تستنزف المخزون السمكي وتدمر الشعب المرجانية وتعيق نموها الطبيعي ، وكمثال بسيط على بقاء هذه الثروة مهدرة طيلة العقود الماضية لا يمتلك اليمن سوى مصنع لتعليب وتغليف التونة – مصنع واحد في المكلا – ويستورد البلد الذي يمتلك اكثر من 400 من أجود أنواع اسماك العالم، ويبلغ مخزونه السنوي 320 ألف طن من الأسماك أكثر من 50 نوعاً من أنواع الأسماك والتونة المعلبة بعشرات ملايين الدولارات.

95 % من الاحتياجات
من خلال ما استعرضناه نجد أن مقومات النهضة الاقتصادية في اليمن كبيرة ومتعددة تتيح – لصانعي السياسات الاقتصادية في ظل وجود إرادة سياسية قوية مجالاً واسعاً لوضع الأوليات والانطلاق من الأهم فالأهم وفق الاحتياجات الوطنية، فاليمن يعاني من تراجع حاد في إنتاج الحبوب وليس من الإنتاج الزراعي بشكل عام، فالحبوب تعد العمود الفقري للأمن الغذائي الوطني ويشكل انعدامها أو قلتها تهديداً مباشراً للأمن القومي نظراً لارتباط الحبوب بأنواعها ومنها القمح بأساسيات البقاء، وتشير الدراسات الاقتصادية إلى أن اليمن تستورد نحو 95 % من الاحتياجات الاستهلاكية المحلية من القمح من الأسواق الخارجية وهو ما جعلها عرضة للمتغيرات المناخية والسياسية الدولية ، فهذا البلد الذي حتى مطلع سبعينيات القرن الماضي كان يأكل مما يزرع ولم يكن يعتمد حتى بنسبة 5 % من احتياجاته على الأسواق الخارجية، أصبح اليوم يستورد قرابة 3 ملايين طن من مادتي القمح والدقيق بينما مساحة اليمن المستغلة زراعيا لا تتجاوز 2 % بعدما كانت خلال السنوات الماضية 3 %، وهو ما يتيح فرصاً متعددة للاستثمار الزراعي في مجال إنتاج الحبوب، وفي حال استثمر القطاع الخاص ورؤوس الأموال الوطنية في هذا المجال ستكون النتائج كبيرة وسترفع معدلات الاكتفاء الذاتي من الحبوب الذي تراجع من 6 % عام 2012م إلى 3 % عام 2018م إلى مستويات متقدمة، وسيكون للاستثمار في زراعة القمح أثر اقتصادي كبير فمن جانب سيقلل من اعتماد البلاد على الخارج وسيخفض أيضا فاتورة استيراد القمح وسيحقق استقراراً اقتصادياً في السوق.

كيس من البذور
وفي ظل الرؤية الاقتصادية الشاملة والحكيمة لقائد الثورة السيد عبدالملك يجب أن يكون هناك خطوات إيجابية تقوم بها المؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب والمؤسسات ذات الصلة بالتنسيق مع رأس المال الخاص في دعم وتنمية زراعة القمح في اتجاه تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح تدريجياً وصولاً إلى سد هذه الثغرة الكبيرة في أمننا الغذائي، وإن وجدت تحديات أمام هذا التوجه كارتفاع تكلفة الإنتاج، فإدخال التقنيات واستخدام الطرق الزراعية الحديثة لتخفيض تكاليف الإنتاج التي تفيد بعض الدراسات أنها كانت أحد العوائق التي تواجه منتجي القمح في اليمن وتحول دون وجود جدوى اقتصادية لزراعة القمح، ونظراً للجدوى الاقتصادية الكبيرة من إنتاج البذور المحسنة التي يغني إنتاج كيس واحد من البذور محلياً عن استيراد ثلاثة أطنان من القمح من الخارج، فالمؤشرات مبشرة وفي حال زراعة مساحات واسعة في محافظة الجوف بالقمح سيعم الخير وستتحرر اليمن من التبعية الاقتصادية للخارج في هذا الجانب الحيوي والهام عما قريب.
كما أن الفرص في قطاع الخدمات والسياحة والصناعة والنقل وغيرها من القطاعات كفيلة بأن تعيد لليمن سعادتها وأن تنهي معدلات الفقر والبطالة في ظرف سنين، في حال تم توظيفها التوظيف الأمثل واستغلال موارد البلاد وثرواتها المتعددة والمواد الأولية من المواد الخام والثروة البشرية الكبيرة والهامة القادرة على صنع المنجزات وتغيير المعادلات الاقتصادية، فاليمن كان ولايزال بلداً بكراً بالثروات ولذلك تكالب عليه الأعداء على مدى العقود الماضية ووقف تحالف دول العدوان السعودي الإماراتي حجرة عثرة أمام تنمية هذا البلد وتطلعات أبنائه، لإدراكها أن تحقيق اليمن للاكتفاء الذاتي من احتياجاته واستثمار ثرواته واستغلالها في صالح التنمية سيقودها إلى الاستقلال الكامل عن الوصاية الخارجية.
ولذلك وضع قائد الثورة السيد عبدالملك في خطابه السبتمبري الجهات المعنية وأصحاب رؤوس الأموال الوطنية وكافة اليمنيين أمام مسؤولية كبيرة في إعادة البناء الداخلي والتحرك الجاد بمعنوية وثقة وقوة وعزيمة من منطلق الهوية الإيمانية نحو مواجهة التحديات والأخطار الاقتصادية، فهناك العديد من البرامج الوطنية للإنعاش والتعافي الاقتصادي، وفقا للرؤية الوطنية الشاملة ستكون باكورة للانطلاق نحو بناء الاقتصاد من الداخل، وتحقيق الاكتفاء الذاتي وصولا إلى تحقيق النهضة التنموية الشاملة.

قد يعجبك ايضا