توقيع اتفاق التطبيع دون معرفة بنوده

المطبعون يشعلون شرارة الانتفاضة الثالثة.. والمقاومة تحوّل أعراسهم إلى مآتم

الأراضي المحتلة / وكالات
لم تكن القضيّة الفلسطينيّة يوماً قضية تطبيع، بل كانت على الدّوام قضيّة شعب انتزعت أرضه منه عنّوة، وتحت حدّ السّيف، وعلى هذا الأساس فإنّ اتفاقيات التطبيع المُذلّة التي يقوم سفهاء أبو ظبي والمنامة بتوقيعها لن تحمل في طيّاتها أيّ حلٍ للقضيّة الفلسطينيّة، كون جوهر هذا الصراع وكما قلنا لم يكن التطبيع، وبالتالي لا يمكن أن يكون التطبيع حلاً، بل على العكس كشفت تلك الاتفاقيات التي لم يستطع مُوقِّعوها كتمان سرِّها، مدى التآمر على القضيّة الفلسطينيّة في الوقت الذي كانوا فيه يُنادون بحل عادل، وكشف أيضاً أنّ أيّ قراراتٍ للجامعة العربيّة كالمبادرة العربية، لم تكن سوى حبرٍ على ورق.
يُخبرنا التاريخ أن كل اتفاقيات التطبيع السابقة شهدت وجود قادة الدول التي طبّعت ليُقرّوا تلك الاتفاقيات، حيث حضر الرئيس المصري السابق أنور السادات، مع ورئيس وزراء الكيان الإسرائيلي مناحم بيغن، والرئيس الأمريكي جيمي كارتر في واشنطن عام 1979م، للتوقيع على اتفاق كامب ديفيد، وفي اتفاق أوسلو حضر رئيس وزراء الكيان السابق إسحاق رابين، ورئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات، بالإضافة للرئيس الأمريكي حينها بيل كيلنتون عام 1993، وفي اتفاق وادي عربة مع الأردن عام 1994م بحضور الملك الأردني حينها الحسين بن طلال، بالإضافة إلى إسحاق رابين وبيل كلينتون.
أما اليوم؛ وفي أكثر اتفاق تطبيع إثارة للجدل؛ غاب عنه قادة الكيانات العربيّة المُطبعة “الإمارات والبحرين، ويكتفون بوزراء خارجيتهم للتوقيع على تلك الاتفاقيات، وذلك بهدف التخفيف من موجة الاستنكار الشعبي التي سببها إعلان التطبيع الكامل بين الكيان الإسرائيلي والمشايخ الخليجيّة، بالإضافة لامتصاص أي ضجة إعلامية قد تحدث لاحقاً في حال قرر ولي عهد أبو ظبي أو ملك البحرين زيارة عاصمة الكيان، وهي زيارة محتملة قد تحدث قريباً، كما قال مُراقبون للوضع في الشرق الأوسط.
أكثر من ذلك؛ فإنّه وفي خِضمِّ الرفض الشعبي الواسع لاتفاقيات التطبيع، قرر قادة تلك الدول البقاء بعيداً عن الأضواء حتى لا يتحملوا وزر التوقيع على تلك الاتفاقيات، خصوصاً مع الرفض الشعبي الواسع لتلك الاتفاقيات في دولهم، على الرّغم من التسويق الإعلامي الكبير والدعاية السياسيّة الفجّة التي روّجت لتلك الاتفاقيات.

تطبيع فارغ
الاتفاق الذي لم يُعلن عن تفاصيله حتى هذه اللحظة من غير الواضح ما إذا كان سيشمل بنوداً ملزمة أو تتطلب المزيد من الإجراءات من حكومات تلك المشايخ أو الكيان، وبما أنّ لا حدود مُشتركة بين الكيان المُطبّعة، فإنّ أيّ اتفاقٍ للتطبيع لن يُشكل أيّ اخترقٍ في القضيّة الفلسطينيّة.
اتفاقيات التطبيع المُسماة “اتفاقيات إبراهيم” رمزيّةٌ في مسارها التاريخي أكثر مما هي موضوعيّة، ولا يمُكن بحالٍ من الأحوال مُقارنة اتفاقيات التطبيع بين دول الطوق (مصر والأردن والسلطة الفلسطينية) وبين اتفاقيات مع دول أو كيانات بعيدة نسبياً عن مسار الصراع مع الكيان الإسرائيلي، وإذا لا يُمكن تبرير اتفاقيات التطبيع تحت أيٍّ ظرفٍ كان، غير أنّ مصر والأردن والسلطة الفلسطينيّة خاضت حروباً مع الكيان الإسرائيلي وأتت تلك الاتفاقيات في إطار إيقاف الحروب بينها، أما مشيخات الخليج فكانت آخر حروبهم هي التي خاضوها ضد المُسلمين في حروب الرّدة.
بالإضافة لما سبق؛ فإنّ أيّ تطبيعٍ تغيب عنه فلسطين؛ لن يُغيّر من المسار الطبيعي للقضيّة الفلسطينيّة؛ خصوصاً وأنّ الفلسطينيين بمجملهم يرفضون اليوم هذه الاتفاقيات، وكان أوّل ما نتج عنها هو وحدة الصف الفلسطيني بمواجهة الدول المُطبّعة من جهة وبوجه الكيان الإسرائيلي من جهةٍ أخرى، والذي بدأت آثاره تظهر مع مراسم التوقيع على تلك الاتفاقيات.

احتفالات التطبيع على الطريقة الفلسطينية
في الوقت الذي كان يحتفل به المُطبعون ويوقعون على تلك الاتفاقيات في البيت الأبيض؛ كان للفلسطينيين رأيٌ آخر، وطريقة أخرى للاحتفال “باتفاقيات إبراهيم”، حيث انهالت صواريخ المُقاومة على المُستوطنات الإسرائيلية في ذات الوقت الذي كان يحتفل به قادة الكيان بتلك الاتفاقيات.
تلك الصواريخ وعلى الرّغم من أنّها لم تقتل أحداً من اليهود؛ إلّا أنّها كانت رسالة واضحة جداً للكيان الإسرائيلي ومن خلفه الدّول التي طبّعت معه؛ حيث تقول المقاومة الفلسطينيّة: إنّ هذا الاتفاق لن يجلب معه أيّ أمنٍ للكيان الإسرائيلي، بل على العكس فتحت هذه الاتفاقيات باب جهنم على الكيان، وأشعلت شرارة انتفاضة ثالثة لم يكن يحسب لها الكيان أيّ حسابٍ قبل تلك الاتفاقيات.
من جهة أخرى، لم تمضِ بضعة أيام على تصريحات وزير الخارجيّة البحرينيّ، عبد اللطيف الزياني، على ما يسمى “اتفاق السلام”، الذي أبرمته مملكة آل خليفة مع العدو الغاصب، وادعائه أنّ الاتفاق يمثل خطوة لاستعادة حقوق الشعب الفلسطينيّ، ويعمل على تجسيد المبادرة العربيّة، لكن من سوء حظه، فضحت الصحافيّة الإسرائيليّة التي تواجدت في واشنطن لتغطية مراسم الجريمة التي ارتكبتها المنامة وأبو ظبي، أسلوب التعامل الأمريكيّ مع من يرضخ لإملاءاتها ويخنع لضغوطاتها، فماذا تركت تلك العواصم من كرامة لشعوبها، عندما وقعت على اتفاقات الذل والعار، دون أن تقرأ بنداً من بنودها، أو تُصيغْ سطراً من سطورها.
وفي الوقت ذاته، أكّدت فضيحة الوفد البحرينيّ كذب الادعاءات التي تحدثت عنها دولة الإمارات، بعد إعلانها تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيونيّ، في 13 اغسطس المنصرم، حيث أوضحت حينها أنّ “اتفاق الاستسلام” سيسهم في إيجاد حل لما أسمته “الصراع الفلسطينيّ – الصهيونيّ”، ما يشي بشكل واضح إلى قذارة الدور الذي تلعبه تلك الدول رغماً عن عروش حكامها في صفقة تصفيّة القضية الفلسطينيّة.
وفي هذا السياق، لم تختر مملكة البحرين بنفسها الإعلان عن اتفاق الاستسلام للعدو الغاشم في هذا التوقيت بالتحديد، بل مرغمة بسبب الضغوط التي مارسها الرئيس الأمريكيّ، دونالد ترامب، على ملوك الخليج من أجل الرضوخ لقراراته وإعلان “اتفاق العار” مع الصهاينة، حيث أكّدت الإذاعة العبريّة، في وقت سابق، أنّ ترامب يمارس ضغوطاً على المنامة، وسيعلن اليوم موافقتها على تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيونيّ، وهذا ما حصل في نفس اليوم الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكيّ عن الاتفاق بين المنامة وتل أبيب.
وما ينبغي ذكره، أنّ ما نقلته الصحافية الإسرائيليّة أثار سخرية واسعة من الوفد البحرينيّ، لأنه كان يجهل طابع الوثيقة التي سيوقع عليها في البيت الأبيض، وهذا ينطبق بكل تأكيد على الوفد الإماراتيّ، فيما أعد ترامب ونتنياهو الوثيقة مسبقاً بدون علمهم، لتصبح مهمتهم التوقيع على الاتفاق فقط، دون أدنى دراية على ماذا سيوقعون.
وعلى هذا الأساس، يستغل الرئيس الأمريكيّ، خنوع واستسلام المنامة وأبو ظبي، بالتوقيع على اتفاق العار مع العدو دون علمهم ببنوده، تحت عناوين “السلام”، كورقة رابحة لتحقيق الهدف المنشود وهو رفع أسهمه الهابطة أمام شعبه، خلال الانتخابات الرئاسيّة الأمريكيّة القادمة، والتي يحاول جاهداً أن يفوز بها بخلاف بعض التوقعات الصادرة عن بعض وسائل الإعلام العالميّة.
كذلك شكل هذا الاتفاق انتصاراً لرئيس وزراء العدو الصهيونيّ، بنيامين نتنياهو ومعتقداته السياسيّة، وهي وفق زعمه “السلام مقابل السلام”، بالإضافة إلى منطق العلاقات بين العدو الصهيونيّ وكلّ دولة عربية على حدة، دون أيّ ارتباط بإنهاء الاحتلال أو التوصل إلى حلّ للمأساة الفلسطينيّة، وهذا يفند بشكل كامل المزاعم الإماراتيّة والبحرينيّة التي أصدعوا رؤوسنا بها في الفترة الماضية.
علاوة على ذلك، أشار العديد من المستخدمين الصهاينة عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ، إلى أنّ” ترامب استخدم أسلوب الشركات العقاريّة لتوقيع هذه الاتفاقية، حيث أنّه حصل على الكثير من الأموال في نيويورك على مر السنين وبهذه الطريقة بالتحديد”، كما غرد آخرون، “عندما يكون نتنياهو هو خصمك، فيجب عليك أن تمسك عقد الاتفاق في يدك حتى لحظة التوقيع الأخيرة، ولا تتركها”، في إشارة إلى قذارته وخُبثه.
من ناحية أخرى، تتشابه تفاصيل هذه القضيّة مع ما حدث للرئيس الصربيّ، ألكسندر فوتشيتش، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكيّ في لقاء مشترك وقتها، نقل السفارة الصربيّة إلى القدس المحتلة، معتبراً ما حدث “إعلاناً كبيراً”، فيما أظهرت تعابير وجه الرئيس الصربيّ حينها، تفاجؤه مما قاله ترامب إذ سارع للنظر إلى أوراق الاتفاق التي أمامه، واضعاً يده على رأسه، ما يشي بقذارة الإدارة الأمريكيّة وكيانها الغاصب، وحماقة وجُبن من يتعامل معها ويسلمها رقبة شعبه ومستقبله.

قد يعجبك ايضا