بنايات مهدمة وأخرى على وشك السقوط في ظل الإهمال وانعدام مشاريع الترميم

الأمطار والسيول تدمِّر المباني التاريخية في صنعاء القديمة

نحو 160 منزلاً على وشك السقوط وسكانها مهددون بالتشرد
الوضع الاقتصادي للكثير من أصحاب المنازل التاريخية في المدينة مزرٍ
الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية قصَّرت كثيرا في صيانة صنعاء القديمة

قبل أكثر من شهر، نشرت “الثورة” تحقيقاً عن صنعاء القديمة، ينبه من يهمه الأمر بضرورة التدخل لوضع حل لمشكلة يمكن أن تتسبب بكارثة ضحاياها التاريخ والإنسان، وقتذاك كانت المدينة التاريخية الأولى لا تزال تعاني من جراء الأمطار التي أدت إلى تهدم بعض منازلها وتعرض بعضها الآخر لأضرار متوسطة، لكن التحقيق مرّ وكأن لم يكن.
الثورة /عبدالقادر عثمان

بات العديد من منازل صنعاء القديمة اليوم معرضة أكثر من أي وقت مضى للسقوط، خاصة مع تهدم عدد من المنازل من بينها بيت (عصدة) بجوار الجامع الكبير، ومنزل الشاعر الكبير عبدالله البردوني، الذي وجه المجلس السياسي الأعلى أمانة العاصمة أواخر العام الماضي بترميمه وتحويله إلى متحف يضم أعمال ومقتنيات الشاعر، لكن ذلك لم يحدث.

أساسات مخلخلة
تتمثل مشكلة صنعاء القديمة في عدة جوانب كما تم عرضه من قبل، فالأمطار التي لم تؤثر على المدينة خلال مئات السنين استطاعت أن تحيلها إلى حافة الانهيار خلال السنوات الأخيرة، بعد أن استهدفت طائرات تحالف العدوان ثلاثة أحياء سكنية داخل سور المدينة ما أدى إلى تخلخل بناياتها وتهدم بعضها، حسبما تقول الناشطة الثقافية دعاء الواسعي، رئيسة مؤسسة عرش بلقيس للثقافة والتراث، وتضيف في حديث لـ”الثورة”: “يمكن القول إن الأضرار التي وقعت في مدينة صنعاء التاريخية باتت لا تقبل التغاضي عنها أبدا، لأنها ضربت كل أساسات المدينة خاصة بعد خلخلتها من قبل العدوان الذي استهدف أحياء: القاسمي، الفليحي، الميدان وحارة المدرسة”.
وترى الواسعي أن الإحصائية الرسمية توثِّق نحو 160 أو أقل من المنازل على أنها متضررة لكن الواقع يقول إنها تزيد عن ذلك، ومنها منازل تهدمت على رؤوس ساكنيها، لافتة إلى “وجوب إيجاد حل للبيوت المهجورة بسبب خلافات الورثة، إما أن يشتريها أحدهم أو يتم بيعها لمن يحافظ عليها، لأن المنازل في المدينة القديمة ليست مجرد عقارات شخصية للمالك بل تمثل تراثاً إنسانيًا عالميًا، وهذا ما يجب أن يفهمه المواطن والحكومة”.
بينما يرى الصحافي منصور الجرادي في منشور على صفحته في فيسبوك، أن من الضروري “كتابة نص تشريعي يحق للحكومة فيه أن تصادر المباني المهجورة ورعايتها لأن مباني صنعاء ليست مجرد أملاك شخصية ولكنها مبانٍ وتاريخ يملكها أبناء اليمن جميعاً”.

وضع مزرٍ
ظلت المدينة تتآكل يوماً بعد آخر، بينما اقتصرت الجهود الرسمية العليا على التوجيه، وتكفلت الجهات المسؤولة بشكل مباشر بالإدانة والاستنكار فيما الكارثة تنهش جسد المدينة.
وبحسب الواسعي فإن “الوضع الاقتصادي للكثير من أصحاب المنازل التاريخية في المدينة مزرٍ؛ فالبعض لا يجد قيمة أتعاب العامل الذي سينزع أدواته المنزلية من تحت الأنقاض، وهؤلاء بعضهم انهارت منازلهم بفعل الأمطار، وينتظرون من الدولة أن تقوم بكل شيء عنهم، لكن المسؤولية مشتركة بين الحكومة والمواطن”.
الوضع الاقتصادي السيئ لسكان المدينة، خاصة بعد انقطاع مرتبات الموظفين نتيجة الحصار ونقل البنك المركزي إلى عدن وسيطرة الاحتلال على حقول ومنشآت النفط، أسهم في خلق مشكلة أخرى، تتمثل في ازدياد عدد سكان البيت الواحد، وهذا “يشكل ضغطاً نفسياً وضغطاً على المبنى الذي قد يضم خمس إلى ست أسر، وهؤلاء مهددون بالتشرد حال سقوط منازلهم التي باتت آيلة للسقوط وتتطلب التدخل العاجل لترميمها”، على حد قول الناشطة دعاء الواسعي.
ويقول سكان تلك المنازل إنهم غير قادرين على توقير بدائل سكنية وهم بحاجة لذلك حتى تستجيب المنظمات المانحة لنداءات المهتمين من خلال إيجاد مشاريع طارئة لترميم المدينة والكثير من المدن التاريخية اليمنية التي تشكو نفس المعاناة.

تقصير مسؤول
خلال الأسابيع الأخيرة التي شهدها اليمن، تدفقت السيول بشكل لم تشهده صنعاء منذ عقود، إذ فاضت السائلة بعد ارتفاع منسوب المياه إلى أعلى مستوياتها واستمرار هطول الأمطار بشكل يومي، ما أدى إلى تساقط المنازل وتهدم بعض البنايات التاريخية الآهلة بالسكان – كلياً وأجزاء من البعض الآخر – وغدت غالبية المنازل الواقعة بالقرب من السائلة مهددة بالسقوط من جراء التدفق اليومي الهائل للمياه، واستمرار الإهمال.
وتقول الواسعي أيضا إن “الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية قصرت كثيرا في صيانة صنعاء القديمة، لكن المواطن اشترك معها في هذا الجانب، لأنه أهمل منزله”.
حاولت “الثورة” الاتصال بمكتب الهيئة في صنعاء والحصول على إفادتها في هذا الجانب، لكن مدير عام المكتب المهندس فارس العديل، اكتفى بالقول: “إن الهيئة تعمل على جمع المعلومات وتضمينها في بيان يجيب على كافة التساؤلات خلال الأيام القادمة “كان ذلك قبل نحو أسبوع من نشر هذا التقرير”.
وبالعودة إلى حديث سابق مع صحيفة “الثورة”، يقول العديل: إنه من بين “ألفيّ منزل قامت الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية بمسحها في المدينة عام 2017م، تبيّن أن نحو 1965 بحاجة إلى ترميم: منها 1460 منزلاً متضرراً بشكل خفيف، و376 أضرارها متوسطة، بينما 86 منها أضرارها بالغة و43 مدمّرة بشكل كامل”، وأضاف: “غالبية أصحاب المساكن غير قادرين على إعادة تأهيل منازلهم، والهيئة أيضاً غير قادرة؛ فلا ميزانية لها في الظروف الحالية، والسلطة المحلية في صنعاء تتعمّد تجاهل هذه الكارثة، بينما المنظمات الدولية المهتمة بالتراث تتذرع بأنها لا تتعامل إلا مع ما تسميها “السلطة الشرعية” (حكومة المرتزقة) التي تقيم في الرياض عاصمة العدوان، وهذا كله تدفع ثمنه صنعاء وحدها”.

مسؤولية من؟
تعد صنعاء القديمة واحدة من اهم المدن التاريخية في العالم، وقد أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للثقافة والتعليم (يونيسكو) عام 1986م ضمن قائمة التراث العالمي، لكنها خلال الخمس السنوات الماضية وضعتها، أكثر من مرة، على قائمة التراث المهدد بالخطر، في الوقت الذي أوقفت مشاريع الترميم الممنوحة لصنعاء بدعوى أنها واقعة خارج نطاق شرعية الارتزاق.
وتحتاج المدينة التاريخية في الوقت الحالي إلى ترميم مبانيها وتبديل شبكتي تغذية المياه العذبة والصرف الصحي المتهالكتين وإصلاح الرصف الحجري داخل الأحياء وصيانة شبكتي الكهرباء والاتصالات السلكية، وهي إصلاحات تتحمل مسؤوليتها السلطة المحلية في أمانة العاصمة والجهة المختصة في حكومة الإنقاذ، وصندوق التراث ووزارة السياحة ووزارة الثقافة، فهل تستجيب؟ سؤال يتردد صداه ملء بساتين صنعاء وأزقتها وينتظر الإجابة.

تقرأون في الملف :

نائب وزير الثقافة محمد حيدرة لـ”الثورة”: عشرات المنازل سقطت وأخرى آيلة للسقوط ونعترف بوجود قصور في تدارك الكارثة

قد يعجبك ايضا