(المؤهلات-المسؤوليات)

الغدير يوم إسلامي لتقييم الحكم وتقويم الحاكم

 

 

خالد موسى

نتناول في هذا المقال زاوية من زوايا الدلالات المقصودة لمناسبة الغدير، هذه الزاوية من الحساسية بمكان لأنها تتكلم عن أبعاد وآفاق الغدير فيما يتعلق بمؤهلات ومسؤوليات الحاكم المسلم هذا الشخص الذي تتطلع للقياه النفوس ويحلم بمصافحته والسلام عليه والتقاط الصور معه كثير من الناس، هذا الشخص الذي تقلد منصبا أعلى وتبوأ منزلة كبرى حتى أوصلته تلك المنزلة إلى أن يعطى محاسن غيره وتغطى مساوئه نفسه حتى صارت النظرة للشخصية الحاكمة نظرة مقدسة وخطا أحمر لا يجوز النيل منها أو تقييم أداءها وتقويم مهامها ومسؤولياتها ومن خلال ذكرى يوم الغدير يمكن الحديث عن مقام الولاية كمقام تكليف لا تشريف وهذا ما عبر عنه الإمام علي عليه السلام بقوله: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَانٍ وَلَا الْتِمَاسَ شَيْ ءٍ مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ وَلَكِنْ لِنَرِدَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ وَنُظْهِرَ الْإِصْلَاحَ فِي بِلَادِكَ فَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ وَتُقَامَ الْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَنَابَ وَسَمِعَ وَأَجَابَ لَمْ يَسْبِقْنِي إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) بِالصَّلَاةِ وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَالِي عَلَى الْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ وَالْمَغَانِمِ وَالْأَحْكَامِ وَإِمَامَةِ الْمُسْلِمِينَ الْبَخِيلُ فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ وَلَا الْجَاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ وَلَا الْجَافِي فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ وَلَا الْحَائِفُ لِلدُّوَلِ فَيَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْمٍ وَلَا الْمُرْتَشِي فِي الْحُكْمِ فَيَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ وَيَقِفَ بِهَا دُونَ الْمَقَاطِعِ وَلَا الْمُعَطِّلُ لِلسُّنَّةِ فَيُهْلِكَ الْأُمَّةَ.
إن الولاية أو الإمارة أو الرئاسة لا قيمة لها ولا اعتبار إلا عندما تلتزم خط الولاية وتسير وفق المقاصد التي لأجلها أوجدت فإذا أفرغت من معناها الجوهري ودلالتها الإسلامية فإن قيمتها حينئذ لا تساوي نعلا وهذا ما أكد عليه الإمام علي عندما دخل عليه عبد الله بن عباس يوما فقال له وَهُوَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ فَقَالَ لِي مَا قِيمَةُ هَذَا النَّعْلِ فَقُلْتُ لَا قِيمَةَ لَهَا فَقَالَ ( عليه السلام ) وَاللَّهِ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلًا.
تأتي ذكرى يوم الغدير المباركة لهذه العام والأمة الإسلامية مازالت ترزح تحت وطأة حكام وملوك وأنظمة ديكتاتورية تحكم بالقوة ليس لها من الإسلام إلا الاسم فحسب، فكم من نظام ورئيس وحاكم يعتلي العرش ويجلس على الكرسي ويقوم بتأدية اليمين قائلا: أقسم بالله العظيم أن أكون متمسكا بكتاب الله وسنة رسوله وأن احترم الدستور والقانون وأن أراعي مصالح الشعب وحرياته رعاية كاملة وأن أحافظ على وحدة الوطن واستقلاله وسلامة أراضيه) هذا القسم كمثال للبروتوكول المعتاد لرئيس اليمن عندما يصير رئيسا والشعوب تدرك أن حكامها خانوا أو نكثوا أيمانهم وعهودهم .
يراد ليوم الغدير ألا يذكر في قاموس وقيم الحكم والسياسة الحاكمة في الدول الإسلامية والعربية لأنه سيكشف حقيقة ما هي عليه من بعد عن أصول التربية السياسية ومؤهلات الحكم وتبوأ الوظيفة الكبرى المتعلقة بمصالح وحقوق الأمة.
يوم الولاية يوم الغدير، يوم العدالة السماوية، يوم الإيمان والاصطفاء الرباني، يوم تجديد وتقويم التربية السياسية سموه ما شئتم وأطلقوا عليه التوصيف والمصطلح الذي يعجبكم لكن الأهم هو الجوهر والمقصد الذي لأجله كان الغدير الذي أريد له أن يكون يوما للوعي بحقوق ومسؤوليات الراعي والرعية واختيار الأكفأ والأصلح والأرشد والقوي الأمين فإذا اختير غير الأفضل فتلك خيانة كبرى لله ورسوله وللأمة كما قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم : وَمَنِ اسْتَعْمَلَ عَامِلاً وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ فِي الْمُسْلِمِينَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُ وَأَعْلَمُ بِكِتَابِ الله وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ فَقَدْ خَانَ الله وَرَسُولَهُ وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ تَوَلَّى شَيْئاً مِنْ حَوَائِجِ النَّاسِ لَمْ يَنْظُرِ الله فِي حَاجَتِهِ حَتَّى يَقْضِيَ حَوَائِجَهُمْ وَيُؤَدِّيَ حُقُوقَهُمْ)
فالنبي في الثامن عشر من ذي الحجة عندما جمع الصحابة بعد أن حجوا معه أراد أن يختار لهم الأكفأ والأصلح وصاحب الأهلية والقادر على حمل المسؤولية حق حملها وأراد كذلك أن يعطي الأمة درسا خالدا ويؤسس لها نهجا وضاء لمعرفة من هم المؤهلون لقيادتها والقيام بمسؤولياتها وحماية بيضتها واعتبار مسؤولية الحكم والإمارة من أخطر المسؤوليات روي أن أبا ذر سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإمارة فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ((إنك ضعيفٌ وإنها أمانةٌ، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها) ونجد التوعية والتثقيف للأمة من قبل الإمام علي عليه السلام بما لها وما عليها من الحقوق حيث يقول : فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً بِوِلَايَةِ أَمْرِكُمْ وَلَكُمْ عَلَيَّ مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِي لِي عَلَيْكُمْ فَالْحَقُّ أَوْسَعُ الْأَشْيَاءِ فِي التَّوَاصُفِ وَأَضْيَقُهَا فِي التَّنَاصُفِ لَا يَجْرِي لِأَحَدٍ إِلَّا جَرَى عَلَيْهِ وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ إِلَّا جَرَى لَهُ.
حق الوالي وحق الرعية
ثُمَّ جَعَلَ سُبْحَانَهُ مِنْ حُقُوقِهِ حُقُوقاً افْتَرَضَهَا لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ فَجَعَلَهَا تَتَكَافَأُ فِي وُجُوهِهَا وَيُوجِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً وَلَا يُسْتَوْجَبُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ. وَأَعْظَمُ مَا افْتَرَضَ سُبْحَانَهُ مِنْ تِلْكَ الْحُقُوقِ حَقُّ الْوَالِي عَلَى الرَّعِيَّةِ وَحَقُّ الرَّعِيَّةِ عَلَى الْوَالِي فَرِيضَةٌ فَرَضَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِكُلٍّ عَلَى كُلٍّ فَجَعَلَهَا نِظَاماً لِأُلْفَتِهِمْ وَعِزّاً لِدِينِهِمْ فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِصَلَاحِ الْوُلَاةِ وَلَا تَصْلُحُ الْوُلَاةُ إِلَّا بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ فَإِذَا أَدَّتْ الرَّعِيَّةُ إِلَى الْوَالِي حَقَّهُ وَأَدَّى الْوَالِي إِلَيْهَا حَقَّهَا عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُمْ وَقَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّينِ وَاعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ وَجَرَتْ عَلَى أَذْلَالِهَا السُّنَنُ فَصَلَحَ بِذَلِكَ الزَّمَانُ وَطُمِعَ فِي بَقَاءِ الدَّوْلَةِ وَيَئِسَتْ مَطَامِعُ الْأَعْدَاءِ. وَإِذَا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُ وَالِيَهَا أَوْ أَجْحَفَ الْوَالِي بِرَعِيَّتِهِ اخْتَلَفَتْ هُنَالِكَ الْكَلِمَةُ وَظَهَرَتْ مَعَالِمُ الْجَوْرِ وَكَثُرَ الْإِدْغَالُ فِي الدِّينِ وَتُرِكَتْ مَحَاجُّ السُّنَنِ فَعُمِلَ بِالْهَوَى وَعُطِّلَتِ الْأَحْكَامُ وَكَثُرَتْ عِلَلُ النُّفُوسِ فَلَا يُسْتَوْحَشُ لِعَظِيمِ حَقٍّ عُطِّلَ وَلَا لِعَظِيمِ بَاطِلٍ فُعِلَ فَهُنَالِكَ تَذِلُّ الْأَبْرَارُ وَتَعِزُّ الْأَشْرَارُ وَتَعْظُمُ تَبِعَاتُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عِنْدَ الْعِبَادِ.
فلو فُهم عمق الغدير أو درست أبعاده دراسة بعيدا عن الخلفيات المذهبية والطائفية الضيقة وبعيدا عن كل الموروثات أو المسلمات المعشعشة في عقول البعض ممن ينظرون إلى مناسبة الغدير نظرة قاصرة وسطحية وسلبية قاتلة جعلته يوم محنة لا منحة ونقمة لا نعمة وذكرى لتعميق الفرقة لا للوحدة والتلاقي والاجتماع على قضية هامة بل جوهرية لا تستقيم الحياة إلا بها ولن تستقر وتزدهر إلا من خلالها وعبرها كونها تتعلق بولاية الأمر وأولياء الأمــر الذين بسبب فسادهم وانحرافهم وعدم أهليتهم ذاقت الأمة الإسلامية الويلات ومازالت وتعرضت لكثير من المؤامرات وتماهت كثيرا مع تلك المشاريع والمخططات وتبلد كثير من السياسيين تبلدا مخزيا ومريبا أمام الأهداف والأطماع التي يسعى لتحقيقها الاستعمار الجديد.
يقول صاحب كتاب (الغدير والمنصب): إن العالم –اليوم بمدارات شعوبه المتعددة- بحاجة ملحة إلى التعرف على معايير المنصب عند صاحب ذكرى الغدير عليه السلام وما هي مقاييسه في التنصيب وضوابطه لقيادة المراكز العليا المدنية والعسكرية بمختلف مستوياتهما حتى يحتفظ المنصب برمزيته للمسؤولية عن التقويم والتصحيح مهما أمكن وأنه تكليف لا تشريف بل هو مقياس الكفاءة والنزاهة والأمانة أكثر من كونه امتيازا في السلطة والمال لأن المنصب عند أمير المؤمنين عليه السلام أمانة يختبر بأدائها المنصب-بكسر الصاد-والمنصب-بفتحها- وهما مسؤولان عنه.أ.هـ
ونجد الفلسفة والشواهد لما ذكر في كثير من حكم وأقوال الإمام علي المؤكدة على عظم أمانة ومسؤولية من تبوأ منصبا لا سيما المناصب المتعلقة بحقوق الأمة التي يعتبرها الإمام أمانة يجب أن تحمل بجدارة وتؤدى بكفاءة تحت رقابة ومتابعة وإشراف ولي أمر الأمة كما عبر عن ذلك الإمام علي وهو يخاطب موظفيه الذين يعتبرون في نظره شركاء معه في حمل الأمانة قائلا:(أشركتك في أمانتي)
وقوله عليه السلام لبعض عماله: أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ رَبَّكَ وَعَصَيْتَ إِمَامَكَ وَأَخْزَيْتَ أَمَانَتَكَ بَلَغَنِي أَنَّكَ جَرَّدْتَ الْأَرْضَ فَأَخَذْتَ مَا تَحْتَ قَدَمَيْكَ وَأَكَلْتَ مَا تَحْتَ يَدَيْكَ فَارْفَعْ إِلَيَّ حِسَابَكَ وَاعْلَمْ أَنَّ حِسَابَ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ حِسَابِ النَّاسِ وَالسَّلَامُ.
وقوله عليه السلام في كتاب له ( عليه السلام ) إلى أشعث بن قيس عامل أذربيجان :
وإِنَّ عَمَلَكَ لَيْسَ لَكَ بِطُعْمَةٍ وَلَكِنَّهُ فِي عُنُقِكَ أَمَانَةٌ وَأَنْتَ مُسْتَرْعًى لِمَنْ فَوْقَكَ.)
إن مناسبة الغدير فرصة تاريخية لأخذ الدروس والعبر من حياة ومواقف الإمام علي “ع” الذي تعامل مع القريب والبعيد بكل شدة وصرامة كما هو الحال في جوابه القولي والعملي لأخيه عقيل: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيلًا وَقَدْ أَمْلَقَ حَتَّى اسْتَمَاحَنِي مِنْ بُرِّكُمْ صَاعاً وَرَأَيْتُ صِبْيَانَهُ شُعْثَ الشُّعُورِ غُبْرَ الْأَلْوَانِ مِنْ فَقْرِهِمْ كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ وَعَاوَدَنِي مُؤَكِّداً وَكَرَّرَ عَلَيَّ الْقَوْلَ مُرَدِّداً فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ سَمْعِي فَظَنَّ أَنِّي أَبِيعُهُ دِينِي وَأَتَّبِعُ قِيَادَهُ مُفَارِقاً طَرِيقَتِي فَأَحْمَيْتُ لَهُ حَدِيدَةً ثُمَّ أَدْنَيْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَفٍ مِنْ أَلَمِهَا وَكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيسَمِهَا فَقُلْتُ لَهُ ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ يَا عَقِيلُ أَ تَئِنُّ مِنْ حَدِيدَةٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِهِ وَتَجُرُّنِي إِلَى نَارٍ سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِهِ أَ تَئِنُّ مِنَ الْأَذَى وَلَا أَئِنُّ مِنْ لَظَى .
لو تأمل كل مسلم في البعد المقاصدي والدلالة من فحوى ومحتوى حديث الغدير لوصل إلى دروس هامة تتعلق بمستقبل الأمة ومصيرها الذي له ارتباط وثيق بتدبير شؤون حياتها.
إن هذا اليوم المبارك منحة من الله تعالى ونعمة من نعمه التي تتعلق به مصالح الأمة الكبرى لا سيما فيما يخص ولاية أمرها التي تترتب عليها شؤون حياتها الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والقضائية والصناعية.
لكن ما نريد أن يفهمه كل المسلمين سنة وشيعة هو الدلالات والمضامين والدروس الإسلامية التي يجب أن تستفاد في واقع الأمة وحياتها ومدى الأهمية الكبرى التي يحملها هذا اليوم وكيف أن إحياءه وتذكره له بالغ الأثر في تقويم وتصحيح وضع الأمة على مستوى القيادة أو ولاية الأمر ليستوعب كل مسلم العلاقة بينه وبين الحاكم أو الراعي الذي يعطى صلاحيات كبيرة في إدارة شأن الأمة وله النفوذ الأوسع في جوانب حياتها.
إن يوم الغدير يوم إسلامي لتجديد الوعي وتقييم أداء الحكم وتذكير الأمة الإسلامية بالمهام والمسؤوليات المنوطة بالحاكم والوعي بخطورة المنصب الذي وصل إليه كل حاكم .
إن تقييم الحكم يعني تقييم الحاكم والتقييم يعني أن ثمة رقابة وصحوة ترقب سيرة ومسيرة الحاكم أو الرئيس هذا التقييم نجده منهجا جليا في حياة الرسول الأكرم وكذلك فيمن ولاه بعده وجعله واليا وإماما للأمة من بعده كونه صاحب الأهلية والكفاءة والذي يمتلك ما لم يمتلكه غيره من المؤهلات كما أشار إلى ذلك العلامة محمد بن إسماعيل الأمير عندما قال:
كلما للصحب من مكرمة
فله السبق تراه الأوليا
جمعت فيه وفيهم فرقت
فلهذا فوقهم صار عليا
نال ما قد نال كل منهمُ
والذي سابقه عاد بطيا
وكفاه كونه للمصطفى
ثانيا في كل ذكـر وصفيا
فالمؤهلات التي اختص بها الإمام علي بن طالب “ع” استثنائية بكل ما للكلمة من دلالة ومعنى والمواصفات التي امتاز بها الإمام هي التي جعلته محط الاختيار الإلهي الذي أمر النبي ببيانه وإبلاغه ولو كان ثمة رجل أكفأ وأقوى وأصلح للأمة غير الإمام علي لوقع عليه اختيار النبي المصطفى لأن القضية ليست شخصية أو عاطفية مزاجية قد تؤثر فيها الأهواء والعلاقات أو الانتماءات أو القرب الأسري وبما أن يوم الغدير كان يوم اختيار الشخصية المؤهلة فيمكن أن نضع بين يدي الأمة المؤهلات التي يجب أن تكون منطبقة على ولي الأمر وهي:
1- العلم بكتاب الله وسنة رسوله. كما نص الرسول بقوله (وَأَعْلَمُ بِكِتَابِ الله وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ)
2- الورع والزهد النزاهة والأمانة
3- العدل
4- الكرم
5- التواضع
6- قضاء حوائج الرعية وتعتبر هذه النقطة من المؤهلات والمسؤوليات في ذات الوقت ويمكن التعبير عنها بحسن الإدارة
7- الدعاء إلى الله
8- أخذ أموال الله في مواضعها وردها في سبلها التي جعلها الله لها وفيها
9- الرأفة والرحمة بالمؤمنين والشدة والغلظة على الفاسقين
10- الشجاعة عند البأس والمجاهدة للكافرين والمنافقين فهذا باب الاستحقاق للإمامة أو الرئاسة فمن توفرت فيه هذه المؤهلات كان الأجدر بالولاية وقيادة الأمة وصار القائد المفترضة طاعته ولا يجوز للرعية خذلانه ورفضه كائنا في النسب والحسب من كان فإن كان نسبه هاشميا من أهل بيت النبوة وكان الأكثر أهلية والأفضل كفاءة والأعظم شجاعة ووعيا ونزاهة وأمانة وعدلا فهذه نعمة من الله يسرها ومنحة منه هيأها، وشواهد التاريخ تشهد على طيب هذا المعدن ونزاهة أهله وما كانوا عليه من السعي لإقامة دين الله وإعلاء كلمته والتضحية من أجل المؤمنين المستضعفين والعمل بكتاب الله تعالى لا سيما وهم قرناؤه الذين لا يفارقونه وبهم يكون العدل كما قال الإمام علي عليه السلام: في خطبة له ( عليه السلام ) يذكر فيها آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) :هُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ وَمَوْتُ الْجَهْلِ يُخْبِرُكُمْ حِلْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ وَ ظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ وَصَمْتُهُمْ عَنْ حِكَمِ مَنْطِقِهِمْ لَا يُخَالِفُونَ الْحَقَّ وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَهُمْ دَعَائِمُ الْإِسْلَامِ وَوَلَائِجُ الِاعْتِصَامِ بِهِمْ عَادَ الْحَقُّ إِلَى نِصَابِهِ وَانْزَاحَ الْبَاطِلُ عَنْ مُقَامِهِ وَانْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ مَنْبِتِهِ عَقَلُوا الدِّينَ عَقْلَ وِعَايَةٍ وَرِعَايَةٍ لَا عَقْلَ سَمَاعٍ وَرِوَايَةٍ فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِيرٌ وَرُعَاتَهُ قَلِيلٌ.
لقد جمع هذا المقطع بصورة مختصرة كثيرا من المهام والمؤهلات والمسؤوليات التي يخاطب بها الإمام علي ذريته -وما أكثر من يكثر العتاب والنقد والشكوى إن كان الحاكم من هذا البيت الكريم ولا نجد نفس النقد والحدية والعتاب والتشهير والحساسية حتى لو كان الوالي أو القائد أكثر شراً وفساداً من إبليس نفسه أما إذا انعدمت المؤهلات وكانت في غير هذا النسب الزكي فالنسب في ذاته ليس ركنا ولا شرطا أساسيا تتوقف عليه مصالح الأمة الإسلامية فمن قام لله داعيا إليه آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر فإمامته صحيحة قَالَ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله: ((مَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَى عَن الْمُنْكَرِ من ذريتي فَهُوَ خَلِيفَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، وَخَلِيفَةُ كِتَابِهِ، وَخَلِيفَةُ رَسُولِهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم) :. فيثمر الولاء الحقيقي لله ورسوله والمؤمنين منابذة وعداء حقيقياً لليهود والنصارى والمنافقين وتقام به معالم العدل ويأخذ الضعيف حقه من القوي غير متعتع، ونرى من يجمع شمل الأمة ويسعى لتوحيد كلمتها ورص صفوفها لتحرير وتطهير المسجد الأقصى من دنس الصهاينة المحتلين ونرى ولاة أمر يحجون إلى البيت العتيق قائلين لبيك اللهم لبيك لا ولاة يحجون إلى البيت الأبيض يقولون لرئيسه لبيك وسعديك واقتصادنا وأموالنا ومصالحنا حاضرة بين يديك وكراسينا وعروشنا تستمد الشرعية والبقاء والديمومة بك ومنك وخيراتها إليك وولاؤها لك.

قد يعجبك ايضا