شذرات من فكر السيد الشهيد حسين بن بدرالدين الحوثي

شذرات من فكر السيد الشهيد حسين بن بدرالدين الحوثي الحلقة (1 – 2)

 

 

مضت سنوات على استشهاد قايد المسيرة القرآنية السيد الشهيد بن بدرالدين الحوثي سلام الله عليه غير أنني لم أر كتابا يدرس فكر السيد الشهيد ويتناول القضايا والمسائل التي أثارها في محاضراته، ومن المعروف أن السيد الشهيد ألقى محاضراته إلقاء (مشافهة) لا كتابة ، وأسلوب المحاضرة غير أسلوب الكتابة التي يعمد فيها الكاتب إلى أسلوب معتنى به من حيث ترتيب الألفاظ واستكمال العبارات وترتيب الأفكار ..
وكنت أرغب أن أدرس فكر السيد الشهيد أو أن يدرسه غيري دراسة تنهج منهاجاً من منهاجين :
أحدهما : أن يلم الدارس بالموضوع المراد من أشتاته ثم يستوعبه فهما ثم يذكر ملخص الموضوع مع ما يضيفه من فكره مبيناً لما قد يكون تبيانه مكملاً للموضوع الذي يعالجه .
ثانيهما: أن يأتي بالموضوع المراد بعد أن يجمع أشتاته وأن يحافظ على حكاية ألفاظ السيد الشهيد ما أمكنه وربما قدم في بعضها وأخَّر وربما زاد لفظة توضح المعنى وتكشفه ولا تغيره وربما نقَّص من ألفاظ السيد الشهيد ما يستغنى عن ذكره[1] …كل ذلك مختصرا من غير تكرار ، وهو في هذا المنهاج سيحتاج إلى أن يضيف ما يكمل الموضوع تبيانا له .
ولا بأس في نظرنا أن يوازن بين رأي السيد الشهيد في تلك الموضوعات وما جاء عن تلك الموضوعات نفسها لدى أهل البيت عليهم السلام خاصة القدماء منهم ليتبين للقارئ أن هذا الرجل سلام الله عليه إنما سار على ما سار عليه أجداده عليهم السلام وأنه لم يأت بشيء جديد بل من الجديد كان يشكو وأن آراءه التي لم ترد عند الأقدمين إنما رجع فيها إلى القرآن الكريم يقول: ” عندما أحدثكم لا آتي بجديد من كتاب الله سبحانه وتعالى الذي عرفه من هو أكبر مني سناً من الحاضرين ومن غيرهم، ومن أقوال أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم ومنهج أهل البيت كالإمام الهادي وغيره من قدماء العترة عليهم السلام، إنما نشكو من الجديد الذي هو دخيل على أهل البيت وعلى الزيدية” [2]، كل ذلك بإيجاز لا يخرج القارئ عن المقصد الأساس وهو معرفة فكر السيد الشهيد حسين بن بدر الدين الحوثي .
ذلك هو المنهاج الذي أرغب فيه لمن يريد دراسة فكر السيد الشهيد وهو ما كنت ارغب فيه بيد أنني تراجعت عن ذلك غير مرة حين كان ينمى إلي أن بعض الإخوة كانوا يعدون كتبا عن فكر السيد الشهيد – ومنهم من كان قريبا من السيد الشهيد – ، ورأيت أن ما سوف يكتبونه سيكون أوفى بالمراد من حيث إحاطتهم بأجواء المحاضرات ومعرفتهم بمقاصد السيد الشهيد .
ثم جاءت كتابات أولئك الإخوة فوجدتها قد غلب عليها الاقتباس دون الدراسة والتكرار وعدم الترتيب باستثناء دراسة عامة لعبدالملك العجري : “جماعة أنصار الله .. الخطاب والحركة، دراسة سوسيوثقافية”[3]، وهي دراسة جيدة سلك فيها مسلك المدارس النقدية الحديثة في قراءة النص فجاءت على غير ما يعتاده الفقهاء.
ومع هذا فإننا يمكن أن نعد تلك الكتابات الاقتباسية -غير دراسة العجري- خطوة أولى، تليها – فيما نأمل – خطوة تالية تتناول فكره – سلام الله عليه – بالدراسة والتحليل بعد هضم محاضراته والإحاطة بها .
على كل حال ..ما زلت أؤمل أن أرى من يأخذ على عاتقه مهمة القيام بتلك الدراسة .
لا يفوتني هنا أن أذكر أن الأخ محمد بن محمد الدار كان قد أخبرني أنه قد كتب كتابا يتناول الموضوعات التي أثارها السيد الشهيد وأنه قد وصل فيه إلى اللمسات الأخيرة وأنه سيصدر في غضون شهرين أو ثلاثة .. وها قد مضى ما يزيد عن السنة وما زلت أنتظر .
وإلى أن تصدر تلك الدراسة فقد رأيت أن أنشر هذه المحاولة اليسيرة التي عرضت فيها بعضا من آراء رائد المسيرة القرآنية وإن لم ألتزم فيها بالطريقة التي رغبت في أن تكون عليها دراسة من يدرس فكر السيد الشهيد وهي ورقات كنت قد كتبتها في أوقات متفرقة ورجعت فيها لبعض محاضرات السيد الشهيد ولكتاب الأخ الأستاذ يحيى قاسم أبو عواضة : ( صفحات مشرقة من حياة الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي ) ولكتاب الأخ الأستاذ محمد محمد يحيى الدار : ( القبسات : مقاطع قصيرة من كلام السيد الشهيد بدر الدين الحوثي ) وهو غير الكتاب المعد لدراسة فكر السيد الشهيد .

إهداء لـ»عبدالله هاشم السياني و يحيى قاسم أبوعواضه«

بقلم: عُباد بن علي الهَيّال


العلة وسبل معالجتها:
– قبل نهضة السيد الشهيد، وفي سبيل معرفة سبب ما أصاب الأمة المسلمة من ضعف وهوان، رجع السيد الشهيد الى تاريخ الأمة..يتأمله ويشخص الداء:
فرأى أن الأمة – منذ ألف وأربع مية سنة – وهي في هبوط، تتلقى الضربات الشديدة من الصليبيين والمغول والأوروبيين ومن أمريكا وإسرائيل.
ونفى السيد الشهيد أن يكون السبب في ذلك راجعا إلى الدين الإسلامي[4] لأن ” دين الله هو المنهج الكامل الذي يبني أفرادا، ويبني أمة على أعلى مستوى ممكن “، وما دام الأمر كذلك فما على الأمة إلا أن ” تفتش ” عن سر هذا الضعف وهذه الذلة في داخلها.. في واقعها..على أن يكون هذا البحث و” التفتيش ” موضوعيا بلا مجاملة وبلا تجن أعمى أو مغلوط ولترفض الأمة – في سبيل ذلك – كل من كان وراء هذا الفشل الذريع لها ” مهما كان كبيرا ” حتى وإن جلب ذلك غضب الآخرين وإثارتهم.
ولم ير السيد الشهيد أنه وحده المعني بهذه القضية المصيرية بل إن المسلمين ” الآخرين ” هم أيضا معنيون بالبحث في هذه القضية، وهو في معالجته لهذه المشكلة لا ينطلق من منطلق مذهبي وعلى الآخرين أن ينطلقوا بأذهانهم واهتمامهم لمعرفة سبب هذه الوضعية السيئة للأمة.
وقد انتهى السيد الشهيد إلى أن سبب هوان الأمة وذلها أنها كانت – وما زالت – ضحية ” عقائد باطلة وثقافات مغلوطة جاءتها من خارج الثقلين: كتاب الله وعترة رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) وعلى الأمة المسلمة لكي تخرج من حالة الضياع أن تعود إلى القرآن وإلى الرسول شريطة أن يقدما للأمة على أصلهما دونما نقص أو مسخ من أجل مراعاة الآخرين !، وحين يقدمان كما هما فإنهما سيعملان عملهما في إعلاء كلمة الله ونصر دينه وفي تمكين الأمة وإعادة مجدها “.
وعلى أساس هذا التقييم لحال الأمة نهض السيد الشهيد لبناء الأمة من خلال أمور:
* عمل على إحياء القرآن الكريم الكلمة السواء الباقية بين الأمة بوصفه كتاب هداية ونور وشفاء وبيان وبناء وعزة وبصائر تهب الناس البصيرة اللازمة تجاه الواقع كله، بوصفه كتابا شاملا في مجالات الحياة كلها، بوصفه مشروعا حضاريا، وأكد على أن هذا الزمن هو زمن القرآن بل افضل مرحلة لمن يتحركون في سبيل الله على أساس كتابه لتقديم كتاب الله للأمة بعد ان جربت الأمة كل شيء وفشلت، ألم يرو عن سول الله صلى الله عليه وعلى آله أنه قال: ” لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها”؟
ولم يكتف السيد الشهيد بتقديم القرآن تقديما نظريا في ثنايا محاضراته ودروسه بل جعل له حضورا في الواقع العملي، وجسد السيد الشهيد القرآن في قوله وعمله فقدم القرآن بكماله وجماله وجاذبيته حتى عرف أصحابه منه – رضوان الله عليه – شمولية القرآن وحكمته، عرفوا عظمة الحق وقوته، عرفوا عظمة الأنبياء لما رأوا صفات الكمال مجسدة في ولي من أولياء الله.
* انطلق – رحمه الله – يوضح في محاضراته الثقافات المغلوطة والعقائد الباطلة وبين آثارها السيئة في ضرب الأمة حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من تمزق وشقاء وخزي.
* كشف السيد الشهيد حقيقة العدو التاريخي للأمة المسلمة من أهل الكتاب وعلى رأسهم أمريكا وإسرائيل ” أئمة الكفر”، وقدم – من خلال القرآن – طبيعة الصراع معهم وكيفية مواجهتهم، وأكد – سلام الله عليه – أن المواجهة مع أعداء الأمة في هذه المرحلة صارت مواجهة حضارية شاملة غير مقصورة على الجانب العسكري وحسب، ولذا كان السيد الشهيد يتابع الأحداث والتصريحات والمواقف والمتغيرات في العالم ويقيمها تقييما قرآنيا ويقدمها للناس تبصيرا لهم وتحصينا في مواجهة الشبهات والتضليل.
أسس المسيرة القرآنية:
– العودة إلى القرآن الكريم من خلال مبدأ الوَلاية:” ومن يتولّ اللهَ ورسولَه والذين آمنوا فإن حزبَ الله هم الغالبون ”
– تناول الواقع بكل ما فيه برؤية قرآنية تستهدي بكتاب الله وتتضمن الأسس والتفاصيل والمواقف والرؤى.
– إن هذا المشروع القرآني سما فوق المؤثرات والرؤى العصبية والقومية والفلسفية والمذهبية ولا يستثني المشروع القرآني المذهب الزيدي فإن وجد فيه ما يخالف أيا من الأساسيات في كتاب الله تعالى فإن المشروع القرآني يعود إلى المبدأ الرئيس لأهل البيت ( عليهم السلام): القرآن الكريم حاكم مطلق الحاكمية على أية ثقافة وعلى أي رمز وعلى أية رؤية.
مصادر معرفة السيد الشهيد بن بدر الدين:
– القرآن المجيد
– الرسول الكريم (ما صح من سيرته وسنته)
– أعلام أهل البيت القدامى (ما صح مما نسب إليهم)
– التفهيم من الله (ففهمناها سليمان)[5]
يجعل السيد الشهيد مرجعية القرآن هي التي تحدد منهاجنا في التعاطي مع العلوم ؛ فالفقه يجب ان يكون مرجعه القرآن، والنحو يجب أن يكون قرآنيا، والتاريخ..
– منهاج السيد الشهيد في تناول القرآن الكريم:
– القرآن الكريم كتاب واسع بسعة الحياة بل أوسع، لا يخلو حدث من احداث الحياة إلا كانت للقرآن فيه نظرة وله منه موقف، بيد أن منهاج المفسرين في تناول النص القرآني على النحو الذي تناولوه به كان قاصرا لما يلي:
– انطلاق أكثر المفسرين في تفاسيرهم من قواعد معينة وقناعات مذهبية مما حدا بهم إلى ليّ دلالة النص القرآني ليتوافق مع مذاهبهم وانتماءاتهم الفكرية.
– إن أكثر المفسرين بحكم علاقتهم المحدودة بالواقع كانت نظرتهم ضيقة فكانت المساحة التي تناولوها من النص القرآني محدودة للغاية.
(قلت: فعلى سبيل المثال:حين قابل المفسرون كلمة (هدى) في القرآن فإنهم صرفوا معناه الى مجال العبادات البحتة كالصلاة والصيام، مع ان القرآن كتاب حياة شامل يهدي الناس في شئون الحياة لا إلى الشأن الإيماني العبادي الروحي وحسب، ولكن السيد الشهيد كان ينقل اقوال بعض المفسرين على جهة الموافقة).
لم يواكب المفسرون الزمن فتجاوزهم الزمن وتجاوزهم القرآن.
(قلت: زد على ذلك عدم رجوع المفسرين إلى أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) بوصفهم ورثة لكتاب الله اصطفاهم الله (يهدون بالقرآن): (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي) بل رجع بعض المفسرين إلى الإسرائيليات.
كل ذلك.. جعل الفائدة من القرآن الكريم قليلة جدا، لا ارتباط له بواقع الناس ولا أثر له في حياتهم.
قال السيد الشهيد في محاضرة (الثقافة القرآنية ):” لا تنطلق كمفسر.. من انطلقوا كمفسرين لم يقدموا القرآن بالشكل الصحيح”.
كان تناول السيد الشهيد لآيات لقرآن الكريم تناولا أشبه بالاستيحاء، بأسلوب سهل وبلغة واضحة وميسرة، وتناول السيد الشهيد القرآن الكريم بوصفه كتاب هداية يتناول الواقع المعيش والأحداث تناولا مباشرا وكيفية التعامل والموقف من ذلك وفق هدي القرآن الكريم “هدي الله ليس مجرد نظريات ولا حتى مجرد فتاوى، إنما هو ماذا؟ حركة حياة.. هدي عملي.. هدى حركة”[6].
وقال إن منهاج القرآن الكريم وأسلوبه يختلف عن منهاج الفلاسفة، فالفلاسفة يقيمون حواراتهم ومناظراتهم على أساس: مقدمات منطقية عقلية، حوار عقلي، من العقل للعقل، ولا يلحظون الجانب الوجداني للإنسان، وهذا أسلوب قاصر بينما يلحظ القرآن هذا الجانب الوجداني حتى في خلق قناعة الإنسان وإيمانه وهو الأسلوب الذي يصلح للإنسان، وهذا الأسلوب واسع في القرآن يأتي للإنسان من كل جهة منطق بشكل مقنع وترغيب وترهيب واستعطاف بكل الوسائل ولهذا نجح وانتشر الإسلام بشكل كبير في وقت قصير[7].
ومن سمات هذا المنهاج كما يقول العجري: “يلفت السيد إلى الطبيعة الخطابية في القرآن وانتقد ما يسمى في التراث الديني بعلوم الآلة كالنحو والصرف والمعاني والبيان وأصول الفقه، لأنها أفقدت اللغة العربية أساليب العرب في التخاطب، وأنهم بذلك على حد قول الحوثي: يضربون هم القرآن، لأنهم في الأخير طلعوه ظنيات، طلعوه حمال أوجه، يمكن تكييفه لما يريده كل طرف، وأكد أن المنهج الصحيح لفهم القرآن أن تعرف أساليب العرب في التخاطب باعتباره ضابطاً منهجياً ينفي عن الخطاب القرآن الغموض والإبهام وتعدد الاحتمالات (…) إن القرآن خطاب هداية وإرشاد… وكون القرآن خطاب هداية فإن من سماته الوضوح والبساطة، ولذلك سماه [ الله ] بينات وصراطاً مستقيماً، وينفي عنه أن يكون مصدراً للبس أو لسوء الفهم والاختلاف لأنها تتناقض مع وظيفته الأساسية كخطاب هداية موجه لعموم الأمة…” )[8]
لذلك كله جاءت محاضرات السيد الشهيد ودروسه لترسم الخطوط العريضة والأسس المهمة في المجالات المختلفة المعرفية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية…إلخ، فهي دروس شاملة بشمولية القرآن الكريم، عميقة بعمق آياته، حية بحيويته، مواكبة للحياة ومتغيراتها، مرتبطة بالواقع..
وبذلك فقد قدم للأمة ثقافة ورؤية استباقية بفضل ما استوحاه من آيات القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
الثقافة القرآنية:
– أكد السيد الشهيد أن القرآن الكريم أعظم نعم الله على الناس جميعا، وبغيره يضل الإنسان فيصير إلى الخزي في الدنيا: ذلة وقهر وعبودية لأولياء الشيطان وخضوع للفساد والباطل وبعد الممات: خلود في جهنم – وأن القرآن الكريم والثقافة القرآنية تهب الإنسان الحكمة التي تعني الرؤية الصحيحة، والوعي الراقي والنفس الزاكية والموقف السليم والقوة في مواقفه من اعداء الله والقيم التي ضيعتها الأمة فضاعت بضياعها.
وأن القرآن الكريم يمكِّننا من تقييم أنفسنا وتقييم الآخرين من حولنا وتمييز أصحاب المواقف المنسجمة مع القرآن من غيرهم ممن لا تنسجم مواقفهم مع القرآن كيفما كانت عبادتهم وما امتلكوه من كتب ويمكِّننا من تقييم الأحداث ومعرفة ما يدبره أعداؤنا والحل في مواجهتهم، وأن القرآن الكريم هو أعظم مصدر لمعرفة الله سبحانه ؛ تلك المعرفة التي تمنح صاحبها شعورا بعظمة الله وحبا بالله وثقة بالله تلك الثقة التي تجعل الإنسان ينطلق في سبيل الله حتى وهو يرى ان الظروف حوله ليست في اتجاهه..وهو يرى نفسه ضعيفا..وموقفه غريبا..ومنطقه ممقوتا.
– الثقافات – غير ثقافة القرآن – التي توجد في كثير من الكتب بها ضلال فلا تبقي الإنسان على فطرته، والمسلم الذي يحمل علما لا يتفق وثقافة القرآن سيخدم الباطل أكثر مما يخدم الحق خاصة اذا كان هذا الباطل وراءه يهود فإنهم يستطيعون أن يسيروا عبادا وعلماء لخدمتهم من حيث لا يشعرون لأنهم فقدوا الحكمة التي تتصف بها الثقافة القرآنية الصحيحة الجادة.
– ويؤكد على وجوب ان يقدم القرآن على أصله لا أن نعطفه على أنفسنا أو نصبغه ونخضعه لما فينا من مشاعر الضعف التي تسيطر علينا فنجعلها هي المقياس الذي – على أساسه – نقدمه للآخرين حينئذ سيقدم القرآن ميتا جيلا بعد جيل.
– ودعا السيد الشهيد أن يقدم القرآن للناس بأسلوب “التذكير” بالقرآن، والاكتفاء بظاهر القرآن لأنه حتى وهو في ظاهره يعطي أشياء كثيرة جدا مع أنه ” بحر لا يدرك قعره ” فيؤتى بمقدمات بسيطة (تعليقات) في الموضوع المراد ثم الإتيان بالآيات القرآنية لا أن يتعامل مع القرآن كما يتعامل المفسرون الذين غاصوا في أعماق القرآن فأخطأوا ولم يقدموا القرآن بالشكل الصحيح.
ثقافة الاتباع:
– كان نبي الله محمد صلى الله عليه وآله يتلقى الوحي من الله سبحانه مباشرة ليس بينه وبين ربه سوى جبريل عليه السلام ومع ذلك فقد أمر النبي محمد بالاقتداء بالأنبياء قبله فقال تعالى: ” أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ” أي عد نفسك واحدا من أولئك الأنبياء وسر وراءهم في الاتجاه نفسه وعلى الطريقة نفسها ولم يستنكف النبي من ذلك[9].
– إن ثقافة الاتباع مترتبة على معرفة المسلم لله المعرفة الصحيحة فإذا عرف المسلم أنه عبد لله الرحمن الرحيم الحكيم العليم، وليس عبدا لطاغية أو جبار من جبابرة الأرض يأمر وينهى ولا يفكر في من يأمرهم وينهاهم..، إذا عرف المسلم أن معنى العبودية: أن يعبد نفسه لله وأن يسلم نفسه له سبحانه..، إذا عرف المسلم ذلك فإنه لن يستنكف أن يكون عبدا لله.
قال تعالى: ” لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ”[10].
– إن ( الاتباع ) سنة الله في خلقه، وعلى المؤمن أن ينظر إلى الأشياء بهذا المنظار: ( الاتباع )، فهذا القرآن يخاطب النبي محمدا: ” اتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ”، والنبي يقول: “إن أتبع إلا ما يوحى إلي “، والناس في أيام النبي أمروا أن يطيعوا النبي وأن يتبعوه قال تعالى: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ”، والنبي يقول: ” إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي “.
– إن ثقافة الإسلام للناس أن يتبعوا كتب الله وأنبياءه وورثة أنبيائه ( أعلام الهدى ).
– لو كان ثمة ثقافة أخرى غير ( الاتباع ) لسمح بها رسول الله لأصحابه من بعده ولما ألزمهم أن يتبعوا أحدا
– إن ثقافة ( الاتباع ) لا تنتج إنسانا غبيا، لا يدري بشيء ولا يفهم شيئا، والتاريخ شاهد على ذلك ؛ فإن الذين اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وآله، وذابوا فيه كانوا عباقرة ؛ كالإمام علي بن أبي طالب وكعمار والمقداد وسلمان.
فالله سبحانه أمر، الناس أن يتبعوا نبيه صلى الله عليه وآله لكي يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم فـ ” الله” يقول لنبيه: دعوه يزكي أنفسكم، اتركوه يعلمكم. كيف نعمل ؟ اتبعوه وهو سيقوم بالمهمة وكل كلمة تنطلق من فمه، اجعلوا لها أهميتها، لتطلعوا علماء، لتطلعوا عباقرة، لتطلعوا عظماء، لتطلعوا بالشكل الذي لا يمكن لأي شخص منكم أن يصل إليه عندما ينطلق على أساس أنه يستطيع أن يبني نفسه “[11].
يقول السيد الشهيد: “أنت عندما تتبع علما من أعلام دين الله معناه أنه هو من سيقدم لك من المعارف ما لا يمكن أن تصل إليه بنفسك، هو من يمكن أن يبني نفسك بالشكل الذي لا يمكنك أن تصل إليه..”ويقول: “أنت إذا انفردت بنفسك أنت، أبعدت نفسك عن مصادر هداية الله فستضعف أمام الشيطان، أنت ضعيف، علومك محدودة، قدراتك محدودة، ستكون جاهلا “[12].
– إن ثقافة ( الاتباع ) لها أصل في الإسلام ؛ بدلالة حديث الثقلين الذي قال تمسكوا بالقرآن وبالعترة والتمسك يعني: اتباع بقوة”[13].
ورأى السيد الشهيد أن: “أهل البيت هم من يعطون اتباعهم بصيرة،..قناعة،… معرفة،.. فهما، يعملون على أن يكون [ أتباعهم ] علماء علومهم واسعة، ومداركهم واسعة، ومعارفهم واسعة”، وأن من يأنف من السير على منهاج أهل البيت، سيسير على منهج الآخرين: ” أئمة لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي ” أي منطق الحيوانية، البهيمية، الطغيان، القهر للإنسان والعبودية للإنسان.
– ورأي السيد الشهيد أن الرسول قد أمر بالتمسك بالقرآن وبالعترة ومن خرج عنهما لا بد أن يضل[14].
– ” كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ” يبين أن مهمة الرسل والكتب السماوية أن تحسم موضوع الاختلاف[15].

ولاية الأمر:


– مفهوم ولاية الأمر في الإسلام:
صاغ السيد الشهيد رؤيته لولاية الأمر على النحو التالي:
إن ولاية ولي الأمر هي امتداد لولاية الله وولاية رسوله محمد صلى الله عليه وآله وولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
ومن ثم فعلينا أن نعرف كيف هي ولاية الله وكيف كانت ولاية رسول الله وكيف كانت ولاية أمير المؤمنين.
فولاية الله نعرفها من آيات كثيرة في القرآن الكريم ومن خلق السماء والأرض وما بينهما وفي كل ذلك نجد ولايته سبحانه هي ولاية رحمه ورعاية وتربية وليست سلطة أمر ونهي وحسب، ليست سلطة قاسية.
وكذلك كانت ولاية رسول الله التي نعرفها من القرآن الكريم ومما نعلم من سيرة الرسول فقد كانت كما قال الله تعالى ( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)، وكذلك كانت ولاية أمير المؤمنين علي.
مهمة ولي الأمر:
أما عن مهمة ولي الأمر فقد رأى:أن لهذه الأمة مهمة هي أن توصل هذا الدين وهديه إلى الأمم الأخرى والأمة التي الفت القهر والإذلال الضعيفة نفوسها المنهارة معنوياتها لن تكون مؤهلة لهذه المهمة فلابد أن يتولى أمر الأمة من يبنيها بناء نفسيا عاليا ليصل بها إلى مستوى عال.. امة مستقيمة قوية نفوسها زاكية، رجالها حكماء، ومن ثم فيجب على من يتولي أمر الأمة أن يتعامل مع الناس بالشكل الذي يلمسه من خلال مظاهر ملك الله وولايته سبحانه على عباده أما إذا كان ولي أمر الأمة مفصولا عن الله فإنه سيترك آثارا سيئة في نفوس الناس وحياتهم.
لقد كرم الله الإنسان ( ولقد كرمنا بني آدم ) فيجب ان يكون الحكم للناس متناسبا مع تكريم الله لهم اي على النحو الذي يسمو بهم لا على نحو يذل نفوسهم ويحطهم ويقهرهم، ومن هذا التكريم ( التفضيل ) أن يصطفي الله ( يختار ) للإنسان من يهديه ويقدم له هذا الهدى على النحو الذي يليق بتكريمه.
ومن تكريم الله للناس ان اختار لهم رسوله محمدا ( ليعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ) وقد سخر الله للناس كل كمالات رسوله ومؤهلاته وأخلاقه ليرتقي بالناس إلى أعلى مستوى يمكن أن يصلوا إليه.
على أن على الأمة نفسها مسؤولية أن تعي وتعرف أن الأفضل لها أن تعيش في سلطة كسلطة الإمام علي بن أبي طالب سلطة تكرمها ولا تشعر معها بالقهر والإذلال أي أن على الأمة ألا تسلم قيادها لمن يسوقها بالعصا.
أهمية ولاية الأمر:
و أما عن أهمية هذه الولاية فقد رأى السيد الشهيد أن للإسلام رؤية في الحكم هي أن يحكم الإسلام البشر كلهم لا إقليما من الأقاليم وكفى.
كما إن ولاية الله ورسوله والذين آمنوا لها أهميتها في الاهتداء بالقرآن وإقامة الدين ومواجهة العدو لتكون في النهاية على مستوى عال تعد فيه ( حزب الله ) حقا.
ورأى أن فهم ولاية الأمر المستمد من القرآن ومن حديث الولاية وأحاديث أخرى متواترة عن رسول الله والتولي الصحيح للأعلام الذين رسمهم الله للأمة ونصبهم، هذا الفهم والتولي
سوف يعطي ثمرته وسيمكن الأمة من أن تحصن نفسها عن أن يلي أمرها أعداؤها ومنهم اليهود أما المفاهيم غير الصحيحة لولاية الأمر ك ” أطع الأمير وإن قصم ظهرك ” وإن كان لا يهتدي بهدي ولا يستن بسنة فإن هذا المفهوم مما يهيئ الأمة لأن يصنع لها الآخرون أعلاما وهمية تتولاها بل سوف ترتضي ولاية اليهود والنصارى “.
مَن يختارُ وليَّ أمر الأمة:
أن اختيار ولي امر الأمة _وفق رؤية السيد الشهيد في مهمة ولي الأمر التي تتمثل في إقامة الدين وتربية الأمة وقيادتها وأن ولاية أمر الأمة امتداد لولاية الله_ فإن هذا الاختيار مسألة بيد الله ضمانةً للأمة تبعدها عن الاختلاف والتزييف والادعاءات الكثيرة وتبعدهم عمن يمكن أن يقهرهم ويذلهم وهذه سنة الله: أنه هو الذي يصطفي ويختار ويؤهل للأمة ولي أمرها: ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ).
ويرى السيد الشهيد أن الإيمان بمبدأ الكمال – كمال الله سبحانه – وارتباطنا برسول الله الذي اختاره الله سبحانه فجعله كاملاً، إن هذا المبدأ هو الذي سيقدم لنا أعلاماً كاملين كما قدم أمير المؤمنين علياً ومن سيأتي بعده، إن الارتباط بمبدأ الكمال هذا هو الضمانة للأمة أن تبقى مسألة من يختار ولي أمرها بيد الله سبحانه وتعالى.
ويرى السيد الشهيد أن: الهداية والتدبير والتوجيه والأوامر والنواهي هي مسائل يختص بها الله سبحانه وتعالى وهي من مظاهر ملكه وحق من حقوقه التي يجب الإيمان بها لأن الله هو الإله وهو الخالق وهو الملك، قال تعالى: ” قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء” فهو وحده الذي يحق له أن يتصرف في شؤون عباده كلها.
ويتساءل السيد الشهيد كيف يجوز على الله سبحانه وتعالى الذي سمى نفسه بالحكيم، العليم، العدل،..الرحمن الرحيم أن ينظم شؤون الأسرة والمواريث ثم لا ينظم شأن الأمة ويهملها ويتركها لمن لا يدينون بدينه ولا يخشونه ولا يخشون اليوم الآخر..؟!.
إن الإنسان لا يمكنه أن يرسم هو لنفسه منهاجا للهداية وأن مقولة ” السلطة ملك للشعب ” مقولة خطيرة على الأمة ولا يجوز أن تدين الأمة بشرعية إنسان لا يكون حكمه امتداداً لشرعية الله سبحانه حتى لو كان باسم ” إمام “!
وقد جيء بالديمقراطية لتكون بديلا عن نظام الإسلام لتمسح من ذهنية الأمة نظام الاسلام ودولته وولاية الأمر فيه وهذه الديمقراطية نفسها غير قادرة على أن تحمي الأمة المسلمة من أن يفرض عليها أعداؤها (اليهود وأمريكا) من يلي أمرها لأن الديمقراطية صنيعتهم ولأنها نظام هش ليس له معايير ولا مقاييس مستمدة من ثقافة الأمة ودينها وقيمها إذ أن الديمقراطية تقوم على اعتبار المواطنة لا على أساس الدين ومن يحمل بطاقة شخصية يمكن أن يتولى الأمر وإن كان يهوديا.
إن في القرآن تشخيصا دقيقا لمن يتولى أمر الأمة.
أهل البيت:
أ – مسؤولية أهل البيت:
– يذكر السيد الشهيد أنه كلما وجدنا آيةً قرآنيةً أو حديثاً نبوياً فيه شرف لأهل البيت، فإن مسؤولية كبيرة تقع عليهم في هدي الناس ونصر دين الله والدفاع عن المستضعفين ومحاربة المفسدين في الأرض، لأن أهل البيت هداة ولأنهم قدوة فيجب أن يكونوا بالشكل الذي يشد الأمة إليهم، وبالشكل الذي يجعل أفئدة الناس تهوي إليهم.
– ويقول إن ما شد الناس لأهل البيت هو الحرص على هداية الناس والعدل والرأفة والرحمة والحرية والكرامة، وكظم الغيظ والعفو والتسامح ولين المنطق.
– وأن على أهل البيت أن يكونوا أحرص الناس على ترسم طريق الهداية وأن تكون ثقافتهم ثقافة قرآنية بعيدة عن كل دخيل مضل لأنهم هم من سينطلقون هداة للآخرين ولأنهم إذا ما فسدت ثقافتهم فلن يكونوا مؤهلين لهداية الله سبحانه وستنعكس الثقافة المغلوطة عليهم بشكل قعود وإهمال وتقصير، سيضلون ويتيهون،وأنهم إذا ما صلحوا وتحركوا فإن كثيراً من الأفئدة ستهوي إليهم.
– وفي ميدان المواجهة مع اليهود يرى السيد الشهيد أن الله قد نزع النبوة والحكمة من اليهود ليعطيها لمحمد وآل محمد، ومن العار أن يعيش آل محمد أغبياء أمام مكر اليهود وخبثهم وذكائهم وخططهم، وإن بقي أهل البيت أغبياء أمام هذا المكر فإنهم بذلك يسيئون إلى مقام الله سبحانه في حكمته حتى ليقال: ” لقد تُرِكَ أمْرُ هذا الدين إلى آل محمد وها هم ظهروا أغبياء لم يستطيعوا أن يقفوا في مواجهة خبث اليهود وحنكتهم ودهائهم ومكرهم..”.
– وفي ميدان المواجهة مع أهل الكتاب (واليهود خاصة) يستوحي السيد الشهيد من القرآن الكريم أن الأمة لا تنتصر إلا بتولي علي بن أبي طالب، وتحت قيادة أبناء محمد وعلي بن أبي طالب، وحين يقف آل محمد وشيعتهم في ميدان المواجهة سيحظون بتأييد الله ونصره. وهو –عليه السلام- يستقرئ الواقع ليؤكد أن اليهود يعرفون أن أخطر الأمة عليهم هم آل محمد وشيعتهم.
– ويرى أن كل أمر إلهي يتوجه تطبيقه إلى أهل البيت بالأولوية وبالأولية، وليس من الصحيح أن يكون هداة الناس وقادتهم مقصرين ومفرطين ومعرضين، ولا يجوز لأهل البيت أن يكونوا ممن يبحث عن مبررات عن القعود وعن التخلص من النهوض بمسؤوليتهم، إنها جريمة كبيرة، إن شرف أهل البيت ترتبط به مسؤولية كبيرة هي أن يكون أهل البيت رحماء بالأمة، أن يرشدوا الأمة وأن يهدوها وأن يجاهدوا ويقدموا أنفسهم من أجلها.
فعلى أهل البيت أنفسهم أن يكونوا على النحو الذي يشد الناس إليهم ولا يتوقعن أهل البيت أن يقوم الناس بما تقتضيه الأحاديث النبوية تجاههم وهم لا يقومون بواجبهم نحو الأمة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقدم أهل البيت في غزواته ومعاركه فيكونون أوائل الشهداء كما في معركة بدر ويروى أن قول الله تعالى “وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ” هو خطاب لأقارب النبي.
– ولا يتوقع السيد الشهيد من مبغضي أهل البيت أو ممن يتثقفون بثقافة غير ثقافة أهل البيت أن ينتصروا في ميدان المواجهة مع اليهود لأن النصر والفرج لا يكون إلا من قبل الله سبحانه وتعالى ولا يكون إلا على يد أعلام من عباده هم عظيمو الثقة به، قوية معرفتهم به سبحانه.
ولو أن هناك شيئاً آخر يمكن أن يتحقق للأمة النجاة به خارج إطار الثقلين لما كان هناك معنى لحديث الثقلين: ” ما إن تمسكتم به لن تضلوا “، فإذا لم تتمسكوا بالقرآن وبأهل البيت فستضيعون (ستضلون) في معتقداتكم، تتيهون في حياتكم، يتغلب عليكم أعداؤكم، تتفرق كلمتكم، تفسد نفسياتكم.
ب – اتباع أهل البيت[16]:
– أثير قول هو: إن المطلوب اتباع المنهاج (القرآن) بعيداً عن الأشخاص (أهل البيت)، وقد ناقشها السيد الشهيد كما يلي[17]:
– إن هذه القضية ناشئة عن مفهوم يرى:” أن الله أوكل الناس إلى أنفسهم ولا حاجة لهم بأحد”، ولو كان هذا المفهوم صحيحاً لما قال الرسول صلى الله عليه وآله: ” كتاب الله وعترتي”.
فهذا حديث صحيح يقول بصحته أيضا أصحاب المفهوم السابق، وهو يدل أو يومئ أو يشير إلى أن الأمة المسلمة ” مطلوب منها أو يجب عليها أن تسير متمسكة بأهل البيت، راكبة في سفينة أهل البيت “.
– إن النبي صلوات الله عليه أرحم بنا من غيره كما وصفه الله تعالى:” بالمؤمنين رؤوف رحيم ” فلو كان المطلوب من الأمة المسلمة كتاب الله وحسب لما أضاف عليهم النبي شيئا معينا ( أهل بيته ) من باب المحاباة لهم ليكون لأولاده وذريته مقام متميز في الأمة، إن هذا الفهم ” ليس أسلوبا مؤدبا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل جرح لشخصه.. ومقاصده “.
إن الحق (مثلما الباطل) يحتاج إلى أعلام وهداة تقتدي بهم الأمة وتسير على هديهم وتنهج منهاجهم.
– لقد أنزل الله القرآن الكريم ووصفه بأنه:” كتاب مبين “، ومع أنه مبين ( واضح ) إلا أنه تعالى ربطه بواحد من الناس (محمد صلى الله عليه وآله) وقال تعالى: ” من يطع الرسول فقد أطاع الله “.، إنها سنة إلهية: يأتي منهج وقدوة، كتاب وعلم من البشر.
– إن كانت هناك إمكانية الاستغناء عن بشر على قاعدة هؤلاء الذين يقولون:” لا حاجة للأشخاص ” فإن أول من يمكن أن يقال ويكون مصداقا لهذه إذاً فليستغن عن محمد من البداية، لماذا يأمرنا بطاعة واحد من البشر.
– يرى السيد الشهيد أن المفهوم الذي يقول: ” إنه لا حاجة للأشخاص ” ناشئ من تصور أن الإنسان يستطيع أن يعرف الحق وحده وليس بحاجة لأحد حتى لعلي بن أبي طالب.
وأيضا فإن ذلك التصور ناشئ عن جهل أولئك بالله وبمعرفة الله وأنه رحمن رحيم بالناس جميعا وأنه سبحانه لا يمكن أن يضيف على الإنسان شيئا ليس له به حاجة تتعلق بهدايته.
– إن أهل البيت للناس.. ليسوا حملا عليهم، بل هم للناس ومن أجل الناس، كما أن القرآن للناس، وكما أن الرسول محمدا للناس كما قال تعالى:” وأرسلناك للناس “.
فالقرآن والرسول والعترة من أجل الناس ومن مصلحتهم لتتحقق لهم الهداية، وليسوا عبئاً مضافا أو أشياء فخرية أو تقديرية.
– إن الله سبحانه لن يترك الأمة ولابد أن يكون فيها أعلام لدينه يتمسك بهم ويسير بسيرتهم ويقتفي آثارهم. هكذا كانت سنة الله في الأمم الماضية.
– ثم إن ثمة سؤالاً يفهم من بعض الأحاديث:” أن هناك جاهليتين أخراهما أشد من أولاهما ” أفيبعث الله رسولا في الجاهلية الصغرى قبل ألف وأربع مية سنة لمجموعة من البشر، ويتركنا نحن في هذه الجاهلية الكبرى لا ندري ما نعمل ولا أين نسير ؟
إن من حكمة الله وعدالته ورحمته ألا يترك الناس في زمن الجاهلية الكبرى بغير أعلام لدينه: أنبياء أو أئمة هداة، وهي سنة كانت سائرة في بني إسرائيل وهي سائرة في أمة رسول الله محمد ( صلى الله عليه وآله ).
ويضع السيد الشهيد يده على مسألة مهمة في هذه المسألة فقد ذهب إلى: أن المسلم إن لم تحصل له معرفة صحيحة بالله فإن قضية (أهل البيت) ستبدو ” قلقة ” دائماً، أما إن كان هناك فهم صحيح للدين ومعرفة صحيحة بالله وأن الإنسان عبد لله وأن هذه القضية (أهل البيت) من الدين فسيعدها المسلم من نعم الله عليه وأنها قضية متعلقة به وبمصلحته وبنجاته.
رؤيته للآخر:
الآخر عند السيد الشهيد هم أهل الكتاب (اليهود والنصارى) وقد أوحى القرآن الكريم أنهم هم الأعداء الرئيسون للمسلمين وأن عداءهم لنا سيستمر إلى نهاية التاريخ، وما مضى من أحداث التاريخ يؤكد هذا التوجه، ومع أن الله جل شأنه قد ضرب بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة إلا أنهم في مواجهة المسلمين يمكن أن يتشكلوا فريقاً واحداً، ونحن نراهم في زمننا يثقفون شعوبهم ثقافة عدائية تجاه العرب والمسلمين بل لا تكاد أعمالهم العدائية للمسلمين تقف عن حد.
– لكن السيد الشهيد يخص اليهود في محاضراته عن أهل الكتاب أكثر مما يخص النصارى لأن اليهود – مما عرضه القرآن علينا – هم أكثر خطراً لما عرفوا به من ذكاء ومكر وتصميم ودهاء، ويقرر السيد الشهيد إن اليهود هم المشكلة الكبرى في هذا العالم، والتاريخ يؤيد ذلك مما حدث بين المسلمين واليهود ومن تاريخ بني إسرائيل بل الواقع كذلك فإن اليهود اليوم وهم قلة استطاعوا أن يقهروا العرب عسكرياً واقتصادياً وإعلامياً،واستطاعوا أن يصنعوا ثقافة العرب وإعلامهم.
الهوامش
[1] حاكينا هنا منهاج الحافظ أبي عبيد الله محمد بن علي العلوي صاحب الجامع الكافي ، دراسة وتحقيق السيد العلامة عبدالله بن حمود العزي ،مؤسسة المصطفى الثقافية – صعدة ط / الأولى ، 1435 ه – 2014 م ، 1/ 52.
[2] (وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن، ص1)
[3] انظر: www.yecscs.com/article/85.
[4] مثلما يروج له المستشرقون ومن نحا نحوهم من أبناء الأمة.
[5] من نقاش مع الأخ يحيى قاسم أبو عواضة.
[6] (دروس رمضان –سورة البقرة ص8).
[7] مديح القرآن.. الدرس الرابع ص1.
[8] جماعة أنصار الله.. الخطاب والحركة، دراسة سوسيوثقافية، www.yecscs.com/article/85)
[9] الإسلام وثقافة الاتباع ، ص 10.
[10] الاسلام وثقافة الاتباع ، ص 11
[11] الإسلام وثقافة الاتباع ، ص 15.
[12] المصدر نفسه ص 14، 15.
[13] المصدر نفسه ص 15
[14] المصدر نفسه ص 18
[15] الإسلام وثقافة الاتباع ، ص 20
[16] انظر: الإسلام وثقافة الاتباع ص 20 – 24.
[17] بتصرف.

قد يعجبك ايضا