بين حصار العدوان ونهب المنظمات

أطفال اليمن.. شحة في الدواء والغذاء وتنامي أمراض سوء التغذية

 

 

أمهات يرضعن أطفالهن الماء مع الدقيق الأبيض ومسوخ بشرية يتلذذون بقتلهم

تقترن الطفولة بسوء التغذية في أغلب البلدان النامية، ويعد نقص التغذية سببًا رئيسيًا لوفيات الأطفال دون سن الخامسة، ولا يزال التقزّم والهزال يمثلان أحد التحديات الخطيرة في بلدان منكوبة أنهكت شعوبَها مجاعاتُ الحروب وكوارثُ الطبيعة، والفساد.. وتتجسد المأساة الإنسانية أيضًا في وطننا وبالأخص بعد أكثر من خمس سنوات من العدوان لكن ليس النقص فقراً في الفيتامينات والمعادن والأملاح (الجوع المستتر) فحسب بعد أن مات الصغار من جفاف الجوع أيضًا.

الثورة / سارة الصعفاني

والقضية إنسانية بحتة لا تخضع للسياسة ولا يجرؤ كرسي المسؤولية على إنكار تورطه منذ دهر ولكن لا مكان اللحظة إلا للتفكير بكيفية إنقاذ طفل بائس هزيل مكشوف العظام يصرخ من وجع الجوع.. وأم ترضعه الماء مع الدقيق الأبيض والألم.. تترقب لفتة إنسانية هنا أو هناك لتنقذ صغيرها (الرضيع) بعلبة حليب أو تغذية تكميلية تشبه ما حصلت عليه يومًا من جارٍ إنسان حين عرفت منه عن نقطة توزيع مجانية لـ (التغذية العلاجية)؛ تحاول إنقاذ حياة 2.5 مليون طفل في اليمن يعانون من سوء التغذية وتردي المعيشة في واقع فقر مدقع تحت أزيز طائرات حربية لمسوخ بشرية تتلذذ بقتل أطفال اليمن وسوريا وليبيا….
وتبقى المأساة كامنة مع تزايد أعداد الأطفال المحتاجين للتغذية العلاجية وسط ابتزاز على شكل تحذيرات بإيقاف المساعدات الإنسانية عن اليمن في ظل تدهور الأوضاع المعيشية ومرور السنوات دون أدنى تعافٍ اقتصادي في ظل العدوان والحصار فضلاً عن اتساع رقعة المجاعة عالميًا حيث تفيد التقارير بأن نحو 820 مليون إنسان يتضورون جوعاً، وبحسب منظمة الأمن الغذائي العالمي فإن 5600 شاحنة و20 باخرة و92 طائرة محملة بالغذاء تصل يومياً للمناطق الفقيرة أو المتأثرة بالصراعات حول العالم في 29 دولة (منخفضة الدخل)، وفي عام 2019م فقط بلغ عدد المتضررين غذائياً قرابة 40 مليون إنسان.
من هذه الأرقام المرعبة نجد الأطفال يتحملون عبئاً كبيراً إذ يقف نقص التغذية وراء 1.3 مليون حالة وفاة بين الأطفال كل عام في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل ويصيب سوء التغذية الحاد الوخيم نحو 19 مليون طفل دون سن الخامسة، وتشير التقديرات إلى أنه يؤدي سنوياً إلى وفاة أربعمائة ألف طفل.
التغذية أو زيادة الوزن
وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعاني 11 مليون طفل من سوء التغذية المزمن أو الحاد، منهم أكثر من سبعة ملايين طفل يعانون من التقزم، و3.7 مليون من سوء التغذية الحاد، وفي الوقت ذاته تتزايد نسبة فرط الوزن والسمنة بين الأطفال في هذه البلدان، إذ يؤدي سوء نوعية الغذاء في مرحلة الطفولة إلى السمنة في وقت لاحق من الحياة.
وتعد اليمن من بين ثماني دول سجلت ثلثي إجمالي عدد الأشخاص المعرضين لخطر المجاعة في العالم، وفق ما ذكرت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) في تقريرها العالمي حول أزمات الغذاء للعام 2019م، وتصنف المؤسسة المالية الدولية اليمن ضمن الدول الأشد احتياجاً للغذاء إلا أن 31 برنامجاً غذائياً للأمم المتحدة توقف من أصل 41، وكان برنامج الأغذية العالمي قد طالب المانحين بدفع مبلغ 870 مليون دولار لتقديم المساعدة الإنسانية لـ 12.5 مليون شخص من أصل 20 مليون يمني يعاني من انعدام الأمن الغذائي، وتوفير الدعم الغذائي لـ 1.1 مليون من النساء والأطفال.. وضع يستوجب العمل من أجل الاكتفاء الذاتي لا اللجوء للمساعدات الغذائية والدوائية الإغاثية من منظمات تنهب المانحين، كما أن أزمات اليمن المالية واحتياجاته أكبر من مساعدة إنسانية مُذلة.
ويحتل اليمن المركز قبل الأخير في مؤشر التنافسية العالمي للاقتصاد وفي مؤشر المجاعة العالمي الصادر عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية لسنة 2019 جاء اليمن في المركز 116 تليه أفريقيا الوسطى فقط، وفي مؤشر بلومبيرغ لرصد الدول الأكثر صحة لعام 2019 بتصنيف شمل 169 دولة حول العالم كانت اليمن ضمن الدول الـ 30 الأقل صحة، والمركز 140 بين 172 بلداً في مؤشر نهاية الطفولة الصادر عن منظمة انقذوا الأطفال في عام 2017م.
وفي تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي حذر من تدهور الوضع المعيشي متوقعًا الفقر المدقع لـ 78 % من اليمنيين بحلول عام 2030م، ومعاناة 95 % من سوء التغذية، و84 % من الأطفال في حالة تقزٌّم.
ويعاني مليونا طفل في اليمن من سوء التغذية الحاد من ضمنهم حوالي 360 ألفاً دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد جداً، وهم يصارعون من أجل البقاء على قيد الحياة.
ويشمل سوء التغذية في جميع أشكاله نقص التغذية (الهزال، والتقزّم، ونقص الوزن)، ونقص الفيتامينات أو المعادن، وفرط الوزن، والسمنة، والأمراض المرتبطة بالنظام الغذائي مثل أمراض القلب، والسكتة الدماغية، وداء السكري، وبعض السرطانات، وفي أبسط الحالات، التعب والإرهاق السريع، فقر الدم بعوز الحديد، ارتفاع معدلات الكسور العظمية وهشاشة العظام، نقص الكتلة العضلية (الهزال الشديد)، ونقص المناعة.
إذ يرتبط نقص التغذية بالهشاشة واعتلال الصحة، والإصابة بالأمراض المعدية والمزمنة، واضطراب النمو الجسدي والإدراكي.. ومعدلات الوفيات المرتفعة؛ وهذا ما يفسر ما يتعرض له الأطفال في الأسر المعدمة أو المحدودة الدخل من أمراض خطيرة ونادرة كضمور الدماغ حيث ينتشر العبء الثلاثي لسوء التغذية (نقص التغذية، والجوع المستتر، وزيادة الوزن) ابتداء من الأم للطفل الجنين ثم الرضيع خاصة بعد أن فقد 8.4 مليون مواطن سبل العيش ومصدر الدخل.
ممارسات غير ملائمة
وتؤدي الممارسات غير الملائمة لتغذية الرضع ونقص المغذيات والعدوى المتكررة إلى نقص الوزن والتقزم الذي يؤثر على نحو 30 % أي 159 مليون طفل دون الخامسة من العمر في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وتربط الأدلة بين نقص التغذية في فترة الحياة المبكرة وزيادة خطر الإصابة بالأمراض المزمنة غير المعدية في مرحلة البلوغ بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية والسكري والسرطان، ما يستوجب تنويع النظام الغذائي وتواتر التغذية المناسبة لعمر الطفل، فعند بلوغ الرضيع ستة أشهر تبدأ احتياجاته من الطاقة والعناصر المغذية تتجاوز ما يوفره لبن الأم، وبالتالي يجب توفير أغذية تكميلية مناسبة.
وتتضاعف المأساة بوجود مشكلات في الرضاعة الطبيعية حيث تتطلب صحة الأم تغذية علاجية ليحصل الرضيع على حليب طبيعي يحتوي على فيتامينات ومعادن وبروتين وأملاح تمنحه المناعة وتعزز نموه، هذا ما أكد عليه برنامج الغذاء العالمي في يونيو الماضي واصفًا معدلات سوء تغذية نساء وأطفال اليمن بالأسوأ عالميًا، ويعد اليمن ضمن لائحة أكثر الدول التي عانت من أسوأ أزمات الغذاء العام الماضي.
انعدام الثقافة الصحية
يزداد الوضع تعقيداً لانعدام الثقافة الصحية حول سوء التغذية فحتى عند عدد من الأسر المقتدرة ماديًا تجد تدني الوعي مثلاً بمخاطر تناول الأطفال السكريات في هيئة (البسكويت) كوجبة غذائية أو إعطاء الطفل الرضيع طعامًا لا يستطيع جهازه الهضمي بعد التعامل معه، وإدخال الطعام إلى جوف الطفل بعنف وهمجية لإرغامه على ابتلاع طعام معزز بالتوابل بل أن من الأطفال من يشرب حليب الحلويات المركز المتشبع بالدهون.. وفي أهون الممارسات الإفراط في إعطاء الطفل صنفاً محدداً من الغذاء فترة طويلة.
إلى ذلك، يشدد الأطباء على ضرورة إعطاء الطفل الحليب المخصص حسب المرحلة العمرية، وعدم اعتماد حليب الكبار للصغار في عمر الرضاعة؛ لاحتوائه نسب أعلى من البروتينات والمواد الدسمة متسببة بتأثيرات هضمية، وتشكل بعض أنواع الطعام خطراً على الكلى لدى الرضيع إن كانت تحتوي على سعرات حرارية عالية ونسبة عالية من البروتين، ويزيد إدخال الطعام إلى جوف الرضيع مبكراً قبل 4 – 6 أشهر من احتمالية إصابة الطفل بالسكري، والحساسية بهيئة إسهال، إمساك، مغص شديد، تقيؤ، كحة، تورم، وضيق تنفس، ويمثل ذلك خطراً صحياً لعدم اكتمال نمو جهازه الهضمي وعدم اكتمال تناسق عضلات البلع؛ ما يعرض حياته للموت شردقة (اختناقًا).
ويوصي خبراء التغذية بإعطاء الأطفال بين (12 – 24) شهراً من 1 – 3 أكواب من الحليب كامل الدسم المدعم بالفيتامينات يومياً، ويعد الحليب مصدراً للكالسيوم واليود والفيتامينات A,B12، والدهون التي تساعد الأطفال على تلبية احتياجاتهم من الطاقة.. في المقابل إعطاء الطفل مكملات غذائية دون إشراف طبي أو اختيار حليب سائل غير مدعم بالفيتامينات الضرورية لبناء العظام ونمو الطفل وتعزيز مناعته ترف غير صحي حسب توصيات خبراء التغذية، إذ يشددون على أهمية إدخال الطعام الصحي المدعم بالفيتامينات للرضيع بدلاً عن المكملات الغذائية، وبطريقة مدروسة وعلمية لنمو الطفل جسدياً وذهنياً وتقوية مناعته لمقاومة الأمراض بطريقة مناسبة.
في هذا الشأن يقول جوناثون ماجواير أستاذ طب الأطفال في جامعة تورونتو لـ CNN من المهم أن نفهم الآثار الصحية لما نقوم به مع أطفالنا، فالآباء يتخذون هذه القرارات على أساس يومي).
وللتركيز على نوعية الطعام (القيمة الغذائية) لا الكمية كان شعار اليوم العالمي للغذاءGHI لعام 2019 (مستقبلنا في سلوكياتنا.. نظم غذائية صحية من أجل القضاء على الجوع في العالم أمر ممكن).
ومع الحاجة الملحة لمعالجة مرض سوء التغذية المنتشر وجوع الصغار لأسباب ترتبط بالفقر والجهل يكاد يقتصر دور وزارة الصحة في رعاية الأطفال على الجانب الوقائي الدوائي حيث حملات التحصين من الأمراض بدرجة أساسية دونما تغذية صحية.. ولا قيمة متوقعة للقاحات في معدة خاوية.
وتبقى الرضاعة الطبيعية والتغذية التكميلية تحت إشراف طبي أساس تكوين الإنسان وبناء مستقبل وطن، يجب أن يتمتع أطفالنا بالصحة على الأقل بعيداً عن (مغص) الجوع والمرض ودموع الحزن في أبسط الحالات، ما يستوجب لجوء الحكومة لـ (الدعم الحكومي) وتجربته في ذروة الاحتياج لهذه الخطوة.. نعم في هكذا ظروف مأساوية.. بتخفيض ثمن منتجات الأطفال الغذائية باعتبارها أساسية إنسانية وطارئة حماية للصغار من الجوع.. المعاناة.. المرض.. الوفاة، والتفكير جديًا في إيجاد الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي، وفتح آفاق الانتعاش الاقتصادي، وصناعة محتوى ينقذ الأطفال.. مستقبل الوطن.

قد يعجبك ايضا