قانون الأحادية في الوجود

إن جوهر العبادة: هو مشاهدة قدرة الله عزوجل في كل شيء في الكون بكل مخلوقاته ( عبودية معرفة وشهود للخالق بأسمائه وصفاته ونعوته المختلفة) إن تصرفات المؤمن في الحياة ينبغي أن تكون عبادة¡ على اختلافها وتنوعها لتنسجم مع الاختلاف الواسع في صور العبادات ومظاهرها المتعددة – لكنها جميعا◌ٍ تصب في خانة التوحيد , وكما هو فعل بالمأمور عبادة الله وعدم القيام بالمحظور يعد عبادة لله فإن التأمل لمخلوقات الله والتعرف على أوصاف الله هو جوهر العبادة . وقد عرفت العبادة بتعريفات متعددة أهمها وأشملها.تعريف ابن تيمية رحمة الله عليه. حيث عرف العبادة بأنها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه في الأقوال والأفعال والصفات. وقد عرفها أيضا◌ٍ بأنها الذل والخضوع والانقياد والطاعة لله رب العالمين . ( فعل ما أمر واجتناب ما نهى ).. وعرف كذلك بأن الدين الحق: هو تحقيق العبودية لله بكل وجه وهو تحقيق محبة الله بكل درجة ¡ وبقدر تكميل العبودية تكمل محبة العبد لربه و إذا كان في القلب حب لغير الله كانت فيه عبودية لغير الله بقدر هذا الحب , وعرف المودودي العبودية بأنها: أن يذعن المرء العلو أحد وعليته ثم ينزل له عن حريته واستقلاله ويترك إزائه كل مقاومة وعصيان وينقاد إليه انقيادا◌ٍ كاملا◌ٍ من هذه التعاريف الجامعة الشاملة نجد أنها تنبثق من معنى أوسع وأشمل وتلتقي في توجه واحد إذا جاز التعبير…… فالعبادة هي شهود الله عزوجل في كل شيء شهودا◌ٍ لأسمائه وصفاته يتناول كل مظاهر الحياة المختلفة – شهود آيات الكون – والإنسان¡ والحياة بدقائق الحياة المختلفة وأزمنتها الصغيرة والممتدة لتصبح الحياة عابدة ساجدة – خاشعة لله الواحد القهار.
فالأنداد تحجب الرؤية يقول السيد قطب “إن هناك من لا ينظر ولا يتعقل ¡ فيحيد عن التوحيد الذي يوحي به تصميم الوجود والنظر في وحدة الناموس الكوني العجيب : { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله } كانوا على عهد المخاطبين بهذا القرآن أحجارا وأشجارا ¡ أو نجوما وكواكب ¡ أو ملائكة وشياطين ¡ وهم في كل عهد من عهود الجاهلية أشياء أو أشخاص أو شارات أو اعتبارات ¡ وكلها شرك خفي أو ظاهر ¡ إذا ذكرت إلى جانب اسم الله ¡ وإذا أشركها المرء في قلبه مع حب الله ¡ فكيف إذا نزع حب الله من قلبه وأفرد هذه الأنداد بالحب الذي لا يكون إلا لله ¿ .إن المؤمنين لا يحبون شيئا حبهم لله ¡ لا أنفسهم ولا سواهم ¡ لا أشخاصا ولا اعتبارات ولا شارات ولا قيما من قيم هذه الأرض التي يجري وراءها الناس: {والذين آمنوا أشد حبا لله} أشد حبا لله ¡ حبا مطلقا من كل موازنة ¡ ومن كل قيد ¡ أشد حبا لله من كل حب يتجهون به إلى سواه . والتعبير هنا بالحب تعبير جميل ¡ فوق أنه تعبير صادق ¡ فالصلة بين المؤمن الحق وبين الله هي صلة الحب ¡ صلة الوشيجة القلبية ¡ والتجاذب الروحي ¡ صلة المودة والقربى ¡ صلة الوجدان المشدود بعاطفة الحب المشرق الودود[1] يقول الشاعر معبرا◌ٍ عن حبه لله وأن هذا الحب نابع من التوحيد الذي وحده.

إني أحبك منذ الحب عانقــني
كأنما الحب من قبل السنا ولـدا
فاجعل حياتي يامولاي خالصــة
لا يعتور صفوها حض◌َ الغوى أبدا
أنىø◌ِ سريت◌ْ سرى ذكراك فاحتشدت
بخافقي همة تقتادني ونــدى
توحدت غايتي في الحق و اتصلت بالله
روحي وصار الكون متحــدا
قانون الوحدة في هذا الكون { و◌ِإöل◌ِه◌ْك◌ْمú إöل◌ِه◌َ و◌ِاحöد◌َ لا إöل◌ِه◌ِ إöلاø◌ِ ه◌ْو◌ِ الرø◌ِحúم◌ِن◌ْ الرø◌ِحöيم◌ْ} (163) يقول صاحب الظلال حول الآية “من وحدانية الألوهية التي يؤكدها هذا التأكيد ¡ شتى أساليب التوكيد¡ يتوحد المعبود الذي يتجه إليه الخلق بالعبودية والطاعة º وتتوحد الجهة التي يتلقى منها الخلق قواعد الأخلاق والسلوك º ويتوحد المصدر الذي يتلقى منه الخلق أصول الشرائع والقوانين º ويتوحد المنهج الذي يصرف حياة الخلق في كل طريق . وهنا والسياق يستهدف إعداد الأمة المسلمة لدورها العظيم في الأرض ¡ يعيد ذكر هذه الحقيقة التي تكرر ذكرها مرات ومرات في القرآن المكي ¡ والتي ظل القرآن يعمق جذورها ويمد في آفاقها حتى تشمل كل جوانب الحس والعقل¡ وكل جوانب الحياة والوجود . . . يعيد ذكر هذه الحقيقة ليقيم على أساسها سائر التشريعات والتكاليف ¡ ثم يذكر من صفات الله هنا : {الرحمن الرحيم} فمن رحمته السابغة العميقة الدائمة تنبثق كل لتشريعات والتكاليف. وهذا الكون كله شاهد بالوحدانية وبالرحمة في كل مجاليه :
[1] – الظلال ( 152– 154 ) سورة البقره : الجزء رقم (1) .

قد يعجبك ايضا