الحبيشي .. فنار الأحرار

 

تحل علينا اليوم الـ 12 من يوليو 2020 ، أربعينية الإعلامي والسياسي والكاتب والشاعر الأستاذ الراحل أحمد محمد الحبيشي الذي وافاه الأجل في الثالث من يونيو الماضي في صنعاء عن عمر ناهز التاسعة والستين عاما بعد حياة حافلة بالنضال من أجل اليمن الموحد المستقل . سيظل الحبيشي خالدا في وجدان اليمنيين الأحرار وعلما من أعلامه الأخيار ، وفناراً كرس حياته للتنوير بالمبادئ والقيم الوطنية والتحذير من المؤامرات وأعداء اليمن .

الثورة /..

ولد في عدن وتوفي ودفن في صنعاء ، والده هاجر من محافظة إب واستقر في عدن . ولذلك لا يرى الأستاذ الراحل أحمد الحبيشي نفسه جنوبيا أو شماليا ، عمل مع عبدالفتاح إسماعيل ، وعلي ناصر ، ومع حيدر العطاس ، ومع علي سالم البيض ، ومع علي صالح ، عرف الكثير من الأسرار وعاصر الكثير من الأحداث ، فكان مرجعا سياسيا ، يراه الكثيرون « هيكل اليمن « .
في حديثه لصحيفة لا قال :
أنا يمني عشت في اليمن، ولازلت أعيش في اليمن، وليس مهماً المنطقة التي أعيش فيها، سواءً في صنعاء أو في عدن أو في تعز أو غيرها.

الجنوبي الأصيل هو اليمني
في نظر الأستاذ الراحل ، الجنوبي الأصيل هو اليمني، والذي بنى المداميك الأساسية لعدن الحديثة في القرن التاسع عشر قبل 200 سنة، هم القوى العاملة التي نزحت من المناطق الشمالية إلى عدن، وكانت تشكل أقلية عربية..
الجنوبي الحقيقي هو ابن تعز وابن البيضاء وابن إب، هؤلاء الذين ذهبوا إلى عدن قبل 200 عام، وشيدوا الموانئ والمدن والأحياء، ودافعوا عن عروبة عدن والهوية اليمنية الوطنية لعدن، وشاركوا في تحديث عدن وتحرير عدن والجنوب، معظمهم من اليمن، والجنوبي الحقيقي هو اليمني .
وعن إنتمائه السياسي الذي أثار جدل العديد ممن كتبوا حوله ، ومن وصفوه بأنه متغير ومتقلب ، يشرح الحبيشي موقفه بقوله :
« السياسة ليست ثابتة، الذين يمارسون العمل السياسي عليهم أن يدركوا أن السياسة بحد ذاتها كائن متغير، وأنا أحدد موقفي من خلال مبادئ عامة، وعندما أرى حزباً من الأحزاب أو شخصية من الشخصيات أو دولة من الدول تقف مع مصالحي الوطنية بدرجة رئيسية، أقف معها» .
لم يكن الحبيشي ممن يبيعون مواقفهم أو ينتظرون مكاسب منها ، قال فيه الرئيس المشاط في برقية عزائه لأسرة الفقيد : « الفقيد أحمد الحبيشي كانت له إسهامات عظيمة وحضور دائم في المواقف الإعلامية والسياسية الوطنية الثابتة التي أنحاز خلالها لصف الوطن رافضا الانفصال والتقسيم ومناهضا للعدوان، لم ينجر أبدا خلف أطماع شخصية مثل غيره رغم الإغراءات والتهديدات التي واجهها من دول العدوان والمرتزقة وغيرهم، إلا أنه رفض الانصياع لها واختار الوطن وقدمه على كافة المصالح الدنيوية، مؤكدا أن رحيل الفقيد الحبيشي يعد خسارة فادحة على أسرته والإعلام اليمني والوطن بشكل عام» .

يرفض الجمود
قال عنه الأستاذ عبدالله علي صبري : « لم يكن الحبيشي ماهرا في لعبة الحبال السياسية على النحو الرخيص الذي رأيناه في أناس كانت مواقفهم تبعا لرياح المصلحة الشخصية لا أقل ولا أكثر.. صحيح أن الراحل تنقل من هذا الطرف السياسي إلى ذاك، بيد أن هذا التغير كان يدل في الأساس على شخصية ترفض الجمود أو التقيد بالقوالب الحزبية، ولكنه حيثما ارتحل كان هو نفسه أحمد الحبيشي المنحاز لفكره ومبادئه مهما كان الثمن.
أنتمي إلى أهداف سبتمبر وأكتوبر
وفي حوار مع صحيفة « لا » يقول الحبيشي : أنتمي إلى مبادئ الحركة الوطنية اليمنية.. هل نعتبر أهداف سبتمبر أهدافاً ومبادئ قديمة؟! هل نعتبر مبادئ الحركة اليمنية المعاصرة من قبل ثورة سبتمبر مبادئ قديمة؟! أنا أنتمي إلى الحركة الوطنية اليمنية المُعاصرة والأهداف التي صاغتها الحركة الوطنية اليمنية المعاصرة والثورة اليمنية المعاصرة ممثلة بثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر.
وأضاف : تطور المبادئ وتطور الخِطاب شيء موضوعي وطبيعي، لكن لا يجب التعاطي مع أي تطور للمبادئ والأهداف والخطاب بالانقطاع عن الأهداف الأساسية.. وأرفض أية قطيعة معرفية وتاريخية وطنية مع المبادئ والأهداف التي تربينا عليها.
لا شك قد يكون لدينا أهداف جديدة تطورت، ولكن ستكون امتداداً للمبادئ الأساسية.. أنا أرفض أية قطيعة تاريخية أو معرفية أو مبدئية مع تاريخنا، ولكنني ضد الجمود العقائدي، ضد الجمود السياسي، ومن بين المبادئ الأساسية للثورة اليمنية، هناك شهداء ماتوا، وهناك تضحيات قُدمت، فهل هذه أدبيات قديمة؟! يعني هؤلاء الشهداء والتضحيات التي قدمها الشعب في مراحل تاريخية سابقة، هل نعتبرها جزءاً من تاريخنا القديم؟
لم يكن الحبيشي يهادن في مبادئه الوطنية ، ولا يخشى في مواقفه أياً كان : وبحسب الأستاذ عبدالله صبري : « كان إذا اقتنع بقضية انخرط في الدفاع عنها بكل قوة وصلابة مشفوعتين بمنطق موضوعي وبقلم مطواع لم يخذله يوما، ومع أن مشواره الإعلامي كان على الدوام في كنف السلطات السياسية المتعاقبة، إلا أن الفقيد أحمد الحبيشي كان منحازا لل وطن وللمبادئ التي يؤمن بها قبل أي شيء آخر، وقد كان من الإعلاميين القلائل الذي يفرضون أفكارهم ويصبغون أي عمل إعلامي يتولونه برؤيتهم الشخصية وإن بدت في بعض الأحيان خارج النص المرسوم، كما هو المتعارف عليه في الصحف ووسائل الإعلام الرسمية..
وهكذا وصفه عبدالوهاب الروحاني : « كان احمد الحبيشي يرحمه الله يمارس المهنة بطريقته التي اعتمدت على الإثارة والمغامرة، لم يؤثر السلامة ويخلد للهدوء والراحة.. كما فعل كثيرون اثروا من وظائفهم واقلامهم بل فضل مواصلة اختراق الزوابع واللعب بين الادخنة والغبار . « ..
القيادي اليمني الجنوبي ، محمد علي أحمد ، قال عن الفقيد :
الاستاذ احمد محمد الحبيشي لمن لا يعرفه فهو احد القيادات التاريخية والمخلصة لدولة اليمن ، فقد كان عضوا في هيئة رئاسة مجلس الشعب الاعلى لدولة الجنوب ، وعلى طريق تاريخه الوطني كان رئيس لعدد من المنظمات الوطنية السياسية والمجتمعية والمهنية .
وعلى المستوى الوطني القومي اليمني العربي يكفيه انه احد اعمدة صياغة دستور دولة اليمن الموحد .
وقال في برقية العزاء لأسرة الفقيد : لا ينكر تاريخ الفقيد وموقفه الا جاحد أو مريض علينا ان نذكر بانه وخلال مراحل حياته لم يتخل عن اي طرف وثق به وكان يحافظ على موقفه حتى يتخلى عنه من وقف معهم .
وأضاف : « رحيل الحبيشي خساره فادحة على اليمن جنوبه وشماله وخصوصا في هذا الظرف الصعب الذي يحتاج لمثل هذة الشخصية القيادية الوطنية والقومية الصادقة.»
كان الحبيشي أمميا عروبيا لا يدخر وسعا للدفاع عن القضايا العربية وفي مقدمتها ، قضية فلسطين : وفي 27 مايو 2020 غرد الحبيشي على تويتر شاكيا استمرار حجب صفحته في فيسبوك ، وقال : « كان مقررا هذا اليوم فتح صفحتي على الفيسبوك بعد حظر دام ٤٥ يوما. ولكني تلقيت هذا الصباح رسالة تفيد بأنه تقرر حظري مجددا بسبب مخالفة محتوى ٣٥ من منشوراتي خلال الأعوام السابقة لمعايير مجتمع فيسبوك،ومن بينها منشور هاجمت فيه قرار ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس كعاصمة لإسرائيل.
رحمة الله تغشاك يا أبا فنار ، كنت فنارا للوطنية وستظل فنارا خالدا لكل اليمنيين الأحرار .
الراحل في سطور :
ولد الأستاذ الراحل أحمد محمد الحبيشي ، في 26 مارس عام 1951 في مدينة عدن ، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في المدينة نفسها ، ونال شهادة الباكالوريوس من جامعة بغداد عام 1978 بدرجة امتياز ، وشارك في الكفاح ضد الاستعمار البريطاني في جنوب اليمن ، وترأس منظمة الصحفيين اليمنيين في المحافظات الجنوبية من 1986 حتى 1990 ، وكان سكرتيراً لتحرير صحيفة الثوري من 1978 حتى 1980 ، ورئيساً لمجلس إدارة وكالة أنباء عدن 1986-1990,
يضاف إلى ذلك انتخب عضواً لمجلس الشعب الأعلى في 1987 (البرلمان). وأصبح عضواً في مجلس النواب اليمني “البرلمان” بعد قيام الوحدة ، وترأس تحرير صحيفة الوحدة (1990-1994) و عين مديراُ عاماً لمؤسسة الثورة للصحافة والطباعة والنشر – صنعاء، ثم رئيساً لتحرير وصحيفة 22 مايو، وكذلك صحيفة و مؤسسة 14 أكتوبر وعين ايضاً رئيس المركز الاعلامي لحزب الموتمر الشعبي العام ومستشارا اعلاميا للمجلس السياسي الأعلى بصنعاء خلال الفترة 2016م ـ 2020 م .
صدر للفقيد ديوان بعنوان “الرحلة إلى نقطة البداية”، وكتاب “الوحدة اليمنية وطوق الأيديولوجيا”.
توفي في صنعاء في الثالث من يونيو 2020 م ، عن عمر ناهز التاسعة والستين عاما .

قد يعجبك ايضا