مراقبون: التعليم عن بعد فرصة لتطوير المناهج وتعلم التقنية

تمديد إغلاق المدارس سيؤدي إلى تسرب المزيد من الطالبات من المدارس

 

 

في ظل جائحة كورونا اتجه العالم نحو التعليم الإلكتروني، وزاد استخدام تطبيقات محادثات الفيديو عبر الإنترنت، ويتوقع المراقبون أن تصل قيمة سوق التعليم عن بعد حول العالم إلى 325 مليار دولار أمريكي بحلول 2025م؛ لكن تدني سرعة الإنترنت وتكلفته في بعض البلدان يحول بينها وبين التعليم الإلكتروني.
تواجه الدول المتقدمة معرفيًا جائحة كورونا بمحاولات اكتشاف علاج فعّال ينقذ العالم، ولا تدخر جهداً ولا ميزانية لتقليص الخسائر البشرية والمادية، وابتكار تطبيقات ذكية كتطبيق يكشف الإنسان المصاب الحامل للفيروس من بعد مسافة لأخذ الإجراءات العلاجية والوقائية لحماية الآخرين، في حين تعجز الدول الغنية والقوية عسكريًا واقتصاديًا عن حماية الملايين من مواطنيها وصولاً لمشاهير السياسة والرياضة والفن؛ فالقوة في عصر الروبوت الذكي للاقتصاد المعرفي ويعد التعليم عن بعد ” التعلم عبر الإنترنت” ركنًا له ودونما مبالغة كجليد في فوهة بركان سيحدث الانهيار الشامل في بلدان نامية إن هي تخلت عن المدارس والجامعات .. فآخر ما يربطنا بالحاضر والمستقبل. أنه عصر ثورة تكنولوجيا المعلومات، وإنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي.

تقرير/ سارة الصعفاني

يعد دمج التكنولوجيا في العملية التعليمية عاملاً محفزاً للتعلم، ويعود استخدام الإنترنت في التعليم إلى ما قبل عام 2000م، وكانت بداية التعليم عن بعد عام 1892م عندما تأسست في جامعة شيكاغو أول إدارة مستقلة للتعليم بالمراسلة، وبذلك صارت الجامعة الأولى على مستوى العالم التي تعتمد التعليم عن بعد، ولم تصل التجربة إلينا حتى اللحظة وأبعد. وفي ظل جائحة كورونا اتجهت المؤسسات التعليمية نحو التعليم الإلكتروني، وزاد استخدام تطبيقات محادثات الفيديو عبر الإنترنت مثل زوم وغوغل وميتينغ وويب إكس ميت. وحسب موقع تيك كرانشtechcrunch فقد بلغت تحميل هذه البرامج 62 مليون مرة خلال فترة ما بين 14 – 21 مارس 2020م وتضاعف استخدام كثير من التطبيقات والبرامج التعليمية مثل حقيبة غوغل التعليمية، وأوفيس365، وتطبيقات أبل ومواقع خدمات التقييم والأنشطة التفاعلية.
تراجع التقنية في الدول النامية
ويعد تراجع مستوى مخرجات التعليم أزمة تعليمية عالمية وإن بتفاوت يضع دولاً مشاركة محط سخرية موثقة في منافسات التعليم النوعي، ويستبعد دولاً تحلم فقط بالتخلص من فقر التعلم وبناء فصول دراسية وما بينهما محاولات لا تتوقف للتمكين المعلوماتي لكن التملص من المسؤولية الإنسانية والأخلاقية والمعرفية والوطنية في مجال التعليم في ظل جائحة كونية لن تهزم إلا بالعلم يعد نذالة فكرية عابرة للقارات وتآمر على المجتمعات والمستقبل معاً، وتخلٍ للحكومات عن المسؤولية؛ بمعنى لن تجرؤ دولة في العالم على الاستمرار في إيقاف الدراسة بمعزل عن دول الكوكب تحت أي ظرف، وكأن الزمن توقف؛ فالمحاولة اللا نهائية عبر الفضاءات المفتوحة من شبكات تلفزيونية وشبكة عنكبوتية إلزامية ضمنًا – خاصة أن أغلب التطبيقات والمنصات التعليمية على الإنترنت مجانية – مع الأخذ بالاعتبار عدم جاهزية الدول النامية لخوض المنافسة المعرفية والتقنية والخدمية عبر ميزة التعليم عن بعد رغم أن التعلم الإلكتروني قديم والجدل حول ضرورة دمجه في العملية التعليمية منذ عقود إلا أن البنية التكنولوجية بدائية والأمية الإلكترونية متفشية في عصر التحول الرقمي في التعليم بل تشهد التقنية في البلدان النامية تراجعًا في ظل الكثافة السكانية والعجز في إدارة الثروات فضلاً عن الفساد الهرمي والأفقي.
فرص متفاوتة عالميا
ولأنه لا مناص من التعليم في كل زمان ومكان فُرِض التفكير في تعليم 1.5مليار طالب عن بعد في أكثر من 170 بلداً رغما عن تفشي الوباء حسب تقرير للبنك الدولي وبالطبع شتان ما بين دول متقدمة ألزمت كل المؤسسات التعليمية الخاضعة للدولة بتفعيل التعليم الإلكتروني واستكمال التعليم المدمج عبر الإنترنت فقط، والتخفيف من نقص التفاعلية وضعف الجوانب الإنسانية بالاعتماد على الفروض التشاركية وإضفاء المرح للدروس عن بعد، وبين مؤسسات تربوية في بلدان نامية تحاول تفعيل إدارة نظم المعلومات لإنشاء مواقع ومنصات رقمية لأول مرة لإتاحة المحتوى التعليمي عبر البث المباشر، وتضمين روابط إلكترونية ومشاركة الملفات صوتاً وصورة ونصوصاً دونما التفات حتى للبنية التحتية الرديئة لشبكة الاتصالات وسرعة الإنترنت والتكلفة المادية في ظل الفقر المدقع وفرص شراء الطالب لحاسوب أو هاتف ذكي أو لوح شمسي، وكأن كل وزارة تعمل بمعزل عن الأخرى.
ضعف التعليم الإلكتروني عربيا
وكمقارنة يخلص تقرير إلكتروني تقني صدر العام الماضي 2019م عن الأمم المتحدة إلى أن كمية النفايات الإلكترونية والكهربائية e-waste التي ينتجها البشر سنوياً تبلغ نحو 50 مليون طن، وتبلغ كمية النفايات الإلكترونية المتولدة سنوياً في العالم العربي ثلاثة ملايين طن حيث يقدر أن متوسط ما ينتجه المواطن العربي من النفايات سنوياً يصل إلى 6.8 كيلو جرام، تصدرت القائمة الجزائر والسعودية ونجت اليمن في الجانب الإيجابي وبلغت قيمة السوق العالمي للدراسة عبر الإنترنت والتعليم عن بعد 107 مليار دولار أمريكي عام 2015م، ويتوقع المراقبون أن تصل قيمة سوق التعليم عن بعد حول العالم إلى 325 مليار دولار أمريكي بحلول 2025م.
ويسجل نمو قطاع التعليم الإلكتروني 900 % منذ عام 2000م، وسيكون تركيز المؤتمر العالمي الثالث لليونيسكو حول التعليم العالي (2020) على الجامعات كمجتمعات للتعلم مدى الحياة في حين أن عدد مستخدمي الإنترنت في الدول العربية 51.6 % من إجمالي السكان في عام 2019م بحسب بيانات الاتحاد الدولي للاتصالات أي أن حوالي نصف سكان العالم العربي غير متصل بشبكة الإنترنت العالمية. وتقدر نسبة الأمية بين البالغين في العالم العربي بـ 45 %، وتعد أعلى من المتوسط العالمي، ومن متوسط البلدان النامية، كما تشير التقديرات أن 63 % من الأطفال في الشرق الأوسط لا يستطيعون قراءة وكتابة نص بسيط في سن العاشرة.
فجوة رقمية في زمن الجائحة
ولفت تقرير للبنك الدولي أن أكثر من 111 مليون فتاة من بين 743 مليون فتاة يعشن في أقل البلدان نموًا في العالم، حيث يعاني التعليم بالفعل من صعوبات، ويعني ذلك سياقات الفقر المدقع والضعف الاقتصادي والأزمات حيث تكون الفوارق بين الجنسين في التعليم أعلى.
ووفقاً لـ خايمي سافيدرا المدير العام لقطاع الممارسات العالمية للتعليم بمجموعة البنك الدولي فإن البلدان الأكثر ثراء تعد أفضل استعداداً في تطبيق استراتيجيات التعليم عبر الإنترنت لافتاً أن انعدام المساواة في النظم التعليمية الذي تعاني منه معظم البلدان سيطال الأطفال الفقراء أكثر من أي وقت مضى مفاقماً الآثار النفسية.
وتوقعت منظمة اليونسكو أن يزيد عدد الفتيات اللاتي سيغادرن مقاعد الدراسة بسبب أزمة كورونا.
وقالت إزي هاك عضو البنك الدولي إنه يمكن للمكاسب التي تحققت بشق الأنفس في توسيع نطاق الحصول على التعليم أن تتوقف بل وتنتهي مع تمديد إغلاق المدارس وكشف تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسف أن نحو ثلاثة ملايين طفل محرومون من المدرسة بفعل الأزمات ما قبل كورونا، وأن حوالي 9 آلاف مؤسسة تعليمية قد دمرت خلال السنوات الأخيرة في اليمن وسوريا والعراق وليبيا. وجاءت محاولات خوض تجربة التعليم عن بعد عربياً في وقت تسعى الدول لتطوير أنظمة تعليمية تقليدية وإصلاح ما أفسدته الحروب، ودون إعداد مسبق للمناهج وصناعة للمحتوى التعليمي حيث التلقين من الذاكرة آلية تعلم معتمدة منذ سنوات بإدارة مؤسسات لا تستند على سياسات تعليمية واضحة ومطبقة إلا أن مراقبين عرباً يرون أن التعليم عن بعد في زمن الجائحة ” تعليم الأزمات ” ضرورة لإعداد مقررات دراسية متطورة، وفرصة لتحديث المناهج وتعلم التقنية ولو في أضيق مستوى وبشكل فردي في أسوأ السيناريوهات، وخطوة في مسار التوجه نحو التعليم الإلكتروني والتعلم الذاتي مع التشديد على ضرورة بذل الحكومات كل الإمكانيات ليصل الإنترنت مجاناً كاستعدادات أساسية كما فعلت تركيا عبر ” شبكة معلومات التعليم” والتفعيل الجاد للمنظومة التعليمية وفق خارطة زمنية وإلا ما جدوى محاولات البدء في تنفيذ فكرة التعليم عن بعد في ظل “فجوة رقمية” يحدد بموجبها مدى قدرة وصول الأفراد إلى مصادر المعلومات لكنها لن تقود إلا إلى فجوة معرفية وتمايز بين الطبقات. ولا تشير “الفجوة الرقمية” إلى إمكانية الوصول للمعلومات الرقمية فحسب بل توضح جودة وصول الإنترنت بشكل عريض النطاق أو عالي السرعة ما يسمح بتجربة اتصال أفضل أو ليست سيئة كحد أدنى.

قد يعجبك ايضا