عن المقاومة ولعبة المتاجرة بالأوطان !

 

عبد العزيز البغدادي

في معركة استعادة السيادة والكرامة المسلوبة التي يحكمها ويتحكم بها شَرَه عالم المال والتسلط تحتاج الشعوب المضطهدة في الدول الفاقدة أو المنتقصة سيادتها إلى سلاح الوعي إلى جانب البندقية ، وسلاح الوعي لا يمتلكه سوى الأحرار ، والحرية إنما تنبع من نفوس حرة لا تستورد على عكس العمالة والعبودية التي يباع فيها الإنسان ويشترى من حيث يدري أو لا يدري ، وتُحَوِّل الأوطان إلى سلعة قابلة للاستيراد والتصدير ، ومن المؤسف أن الدول العربية هي أكثر دول العالم الباقية اليوم تحت الهيمنة إن بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، وغير المباشرة هي أكثر أنواع الهيمنة مهانة وابتذالاً !؛
ومع كل هذا نجد هنا وهناك ما يفتح أبواب الأمل والثقة بالمستقبل حيث ولدت مقاومة نموذجية في بلد بحجم لبنان يحتضن هذا التعدد السياسي والثقافي والديني والمذهبي في مساحة جغرافية من أصغر المساحات بين هذه الدول لا بل وتقود بقية المقاومات العربية والإسلامية بوعي وتواضع وبدون أدنى مظاهر للتعالي أو الادعاء ، وتقنع اللبنانيين بل والعالم بالفعل والسلوك وبتفاهة مقولة : (قوة لبنان في ضعفه ) وبأن قوة لبنان في مقاومته الواعية التي ولدت وترعرعت ونمت لتصبح بدون مبالغة بسلوكها الملموس على أرض الواقع قوة إقليمية توازي بل وتتغلب على كل دول وقوى العمالة والارتهان والتبعية في المنطقة مع أن حجمها بين مكونات الدولة الصغيرة محدود ، ولهذا اعتقده مدير المال الخليجي سهل الابتلاع بواسطة قوى الفساد التابعة له ، وحين عجز فقد صوابه ليستمر بدعم أدوات العمالة والارتزاق كخنجر مسموم يكرر محاولاته المكشوفة في إضعاف المقاومة من الداخل والسعي بكل المال والسلطان للقضاء عليها والحيلولة دون انتقال عدواها إلى بقية الأقطار العربية والإسلامية !؛
هل توجد أمة تقف بما لديها من ثروة ضد عناصر قوتها وتسعى لتسليم قيادها لعدوها بالمستوى الذي نراه في لبنان كما نراه في اليمن وسوريا والعراق وليبيا ؟!؛
النموذج اللبناني وما تتعرض له مقاومته من تآمر مستمر يتلون كل يوم ويتعدد بتعدد وتلون الطوائف والمذاهب والأدوات متنقلاً من العدوان العسكري إلى الجبهة السياسية إلى الاقتصادية وبكل وسيلة ممكنة ، ومع كل هذا التعدد والتلون وكل هذا الحجم من العملاء والمرتزقة إلا أن وعي ويقظة المقاومة وقائدها الإنسان السيد / حسن نصر الله وتعاون كل الشرفاء في لبنان قد أفشلت كل أشكال المؤامرات وتصدت لكل الاعتداءات ببسالة وبرؤية وبعد إنساني يستوعب الفسيفساء اللبنانية ويعي منطق التاريخ وضرورة البحث عن الخيارات التي تمكنها من فتح نوافذ وبدائل تساعد على الانعتاق من أسباب التبعية السياسية والاقتصادية التي أمسكت بلبنان منذ نشوء كيانه السياسي الحديث في ظل تقاسم المصالح غير المشروعة في المنطقة بين الدول الغربية التي توزعت ما عرف بتركة الرجل المريض وهو النعت الذي نُعتت به الدولة العثمانية التي حكمت البلدان العربية وأجزاء واسعة من العالم الإسلامي باسم الإسلام على مدى القرون الأخيرة التي تلاها هذا الشكل الممزق للجسد العربي متعدد الولاءات والانتماءات ؛
البعد الإنساني للمقاومة الإسلامية والرؤية الجامعة في اعتقادي هو سر هذا الصمود الأسطوري الذي تحققه سواءً في الجبهة العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية، أو القانونية أو الأخلاقية وبوعي عبّر عنه قائد المقاومة بحث اللبنانيين على البحث عن آلية للاتجاه شرقاً في إشارة واضحة إلى استحالة تحقيق الحرية والاستقلال في ظل الخضوع والارتهان للعدو فالمدخل لامتلاك الحرية هو في القدرة على إيجاد خيارات متعددة للشراكة الاقتصادية إذ لا يمكن أن يمتلك الحرية من يجعل لقمة عيشه في يد عدوه !،
هذه إشارة إلى جزء من حكاية النموذج اللبناني مع السيادة النائمة على بساط من حرير، أما النموذج اليمني فله مسرحية يطول شرحها ونكتفي هنا بالدعاء لمقاومتها بالعون والسداد فحجم العدوان الذي تقاومه أكبر من أي تصور !، وآخر فصول كنز ما يطلق عليه بالشرعية التي عثرت عليها الجار السعودي والزائدي! أو عثر لهما عليها في عقول جيش العملاء الذي تحتفظ به في فنادقها، وفي مشهد استدعاء السفير السعودي لرموز الشرعية البائسة في 28/يونيو/2020 من أعلى ذنب على هيئة رئيس إلى أدنى حشرة على شكل مستشارين أو وزراء ليُملي على الكومبارس كيف يقرأ الفصل الجديد من شرعية الصرف غير الصحي لمستقبلهم وبهذا المشهد المخزي يبدوا أن مسرحية الشرعية السمجة شارفت على نهايتها وسترمى قريباً، في مكب النفايات !؛
أمام هذا الحال الذي وصلت إليه اليمن فإن الشرفاء من أبنائه مطالبين أكثر من أي وقت مضى بتشكيل جبهة مقاومة عريضة موحدة لمواجهة كل هذا الاستهتار بوطنهم من قبل هؤلاء فمن العار بقاء اليمن بحضارتها وتأريخها ألعوبة بيد الدمى وشذاذ الآفاق، والنصر لليمن بعون الله ونضال الأحرار.

يا صاحبي : علمتني الحياةُ بأن النفوسَ الأبيةَ لا تُشترى أو تُباع.

قد يعجبك ايضا