الاضطرابات النفسية.. أوجاع طي الكتمان

 

1٫1 مليار شخص يعانون من اضطرابات نفسية و300 مليون مصابون بالأكتئاب حول العالم
اليمن.. 46 طبيب نفسي بواقع طبيب لكل 600 ألف نسمة وأقل من 500 سرير

كشفت جائحة كورونا عن عقود من الإهمال وضعف الاستثمار في معالجة احتياجات الصحة النفسية للناس على مستوى العالم في حين تزداد الحياة تعقيداً في أبسط السيناريوهات. .مطالب عديدة بتجاوز هذه الإشكالية، منها ما دعت إليه الأمم المتحدة بعد أن فقد الأشخاص السيطرة في الحفاظ على توازنهم النفسي ، وفقاً للجنة لا نسيت للصحة النفسية العالمية والتنمية المستدامة.

الثورة / سارة الصعفاني

يعاني نحو 1.1مليار شخص حول العالم من اضطرابات نفسية أو اضطرابات تعاطي المخدرات وسط نقص في عدد العاملين في مجال الصحة العقلية بنسبة 1.18 مليون شخص في 144 بلداً من البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، ما يتطلب سنوياً نحو 4.4 بليون دولار أمريكي حسب تقديرات منظمة الصحة 2011م.
وتُشكل الأمراض العصبية النفسية 14 % من العبء العالمي للأمراض، و28 % كمرض غير معدٍ، وتتجاوز هذه النسبة عدد المصابين بأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان، فيما تكلف أدوية الاضطرابات النفسية الاقتصاد العالمي، قبل جائحة كوفيد-19، أكثر من تريليون دولار سنوياً بحسب إحصائيات الأمم المتحدة.
وترى جمعية علم النفس الأمريكية (APA) أن الصحة النفسية تحظى باهتمامٍ عالمي متزايد خاصة بعد أن أصبح الاكتئاب مرض العصر.
وقدرت منظمة الصحة العالمية عدد المصابين بالاكتئاب المرضي بنحو 300 مليون إنسان من سكان العالم عام 2018م، وبلغت حصيلة سوق أدوية الاكتئاب العالمي بحسب مؤسسة أبحاث السوق TMR نحو 6.5 مليار دولار لعام 2017م بزيادة مليار دولار عن عام 2016م.
تفتقر بلدان عديدة إلى سياسة الصحة العقلية، ونقص الموارد المادية والبشرية، وقصور التشريعات القانونية؛ ما يفسر وجود فجوة علاجية تصل ما بين 76 % و85 % للبلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، و35 % إلى 50 % للبلدان ذات الدخل المرتفع.
“وما زالت مشكلات الصحة النفسية حول العالم ترتبط بشدة بالوصمة، وذلك يجعل من يعانون من اضطرابات الصحة النفسية يشعرون وكأن ذلك خطأ ارتكبوه”.
إذ يلقى ما يقارب 800 ألف شخص حتفهم كل عام بسبب الانتحار، 75% من حالات الانتحار العالمية في عام 2012م حدثت في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، حسب التقرير الصادر عن منظمة الصحة العالمية لعام 2018م.
في هذا الخصوص قالت ديفوار كيستيل، مدير إدارة الصحة العقلية وتعاطي المخدرات : “زادت الأزمات الاقتصادية السابقة عدد الذين يعانون من مشاكل الصحة العقلية مما أدى إلى ارتفاع معدلات الانتحار».
وقال المدير د/كريستوفر موراي في دراسة أجراها معهد القياسات الصحية والتقييم في جامعة واشنطن بمشاركة نحو 2500 شخصٍ ينحدرون من 130 دولةً : “على الرغم من انخفاض معدل الوفيات لأكثر الأمراض فتكًا، مثل: الملاريا، والوفيات لدى الأطفال الذين لم يتخطوا الخمسة أعوام إلا أننا نواجه (ثالوث المشكلات) المُتفشي بين الأمم، والمجتمعات.. السكري، والبدانة، والأمراض النفسية ”.
وبحسب الدليل التشخيصي والإحصائي (DSM-IV) فإن الاضطراب النفسي ينتج عن الشعور بالضيق أو العجز، ويعد الشك بشأن المستقبل مؤشراً لتدهور الصحة النفسية التي تنعكس على الصحة الجسمانية.
وفي دراسة علمية نشرت في مجلة Medical new العام الماضي أثبتت أن مخاطر الشعور بالضغط النفسي والمشاعر السلبية تضعف الذاكرة وجهاز المناعة، وتزيد نسبة الإصابة بالجلطات إذ يتسبب هرمون الكوروتيزول الذي يزداد مع التوتر في إضعاف خلايا الدم البيضاء.
وكان موقع «Sciencealert» قد نشر تقريرًا يتحدث عن دراسةٍ تربط ما بين الاكتئاب و20 مرضًا جسديًّا مختلفًا، وتبيّن احتمالية أن يكون الاكتئاب هو المسبّب لهذه الأمراض لا النتيجة.
ويوضح عالم الأوبئة في المركز الأسترالي للصحة الدقيقة، بجامعة جنوب أستراليا، أنور مولوغيتا أن «أن المصابين باعتلالاتٍ نفسية خطيرة – مثل الاكتئاب- يتعرضون لمعدلات أعلى بكثير فيما يخص الأمراض الجسدية من معدلات عامة الناس».
وربط بحث كندي بين التدين والاكتئاب بعد إجراء بحث على37 ألف شخص، أثبت أن الانتماء الديني يخفف الاضطرابات النفسية وحالات الجنون والاكتئاب والفوبيا من منطلق تفسير الإنسان للحياة.
ويعطي القانون الدولي الحماية والحقوق لكل إنسان على كوكب الأرض مؤكداً حق الإنسان في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والنفسية، داعياً الدول إلى احترام وحماية وتطوير نظام الصحة النفسية.
لكن الأزمات الناجمة عن الحروب بيئة خصبة للاختلالات النفسية، وتضاعف المجاعات والأوبئة عدد المتأزمين نفسياً، إذ يعاني إنسان من كل 14 شخصاً من مرض عقلي، ويحتل الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة صدارة الأمراض النفسية، ويبلغ متوسط ميزانية نظام الرعاية الصحية للصحة النفسية عالمياً 2 % فقط، وفقا لتقديرات منظمة الصحة العالمية.
ويضم الشرق الأوسط أعلى معدلات اكتئاب، ووفقاً لدليل برنامج رأب الفجوة في الصحة النفسية الصادر عن المنظمة فإن ” الضغط النفسي والخسائر الكبيرة الناجمة عن حالات الطوارئ الإنسانية قد تولد الحزن والخوف والذنب والعار واليأس، فترفع من خطر الإصابة باضطراب اكتئابي معتدل إلى حاد”.
وخلص مؤتمر حول الصحة النفسية، الدعم النفسي والاجتماعي في حالات الأزمات عقد في هولندا في أكتوبر 2019م إلى أن الاضطرابات النفسية تخلف آثاراً سلبية عميقة التأثير، وتظل على المدى البعيد، يكابدها الناس والمجتمعات في حالات الطوارئ الإنسانية.
في اليمن يزداد الوضع سوءاً بافتقار اليمن إلى موارد واحتياجات الصحة النفسية إذ لا يتجاوز عدد الأطباء النفسيين 40 طبيباً ما قبل 2015م، كما أن عدد الأسرّة المخصصة للمرضى المصابين بالاضطرابات النفسية أقل من 500 سرير.
وفي ديسمبر 2016م، قال مدير برنامج الصحة النفسية في وزارة الصحة إن العدد أصبح 36 فقط أي 0.17 طبيب نفسي لكل 100,000 مواطن.
ولا تختلف احصائيات منظمات المجتمع المدني عن التقديرات الرسمية فبحسب مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري عام 2017م فإن عدد الأطباء النفسيين لا يتجاوز 46، ما يعني طبيب لكل 600 ألف شخص، 155 كادراً طبياً من معالجين وأخصائيين نفسيين وممرضين لـ 5.5 مليون شخص مصاب بالاضطرابات.
وكشفت الدراسة أن نسبة وجود الأمراض النفسية في اليمن، بلغت 19.48 حيث في كل 1000 مواطن 195 حالة نفسية، وقدرت منظمة الصحة العالمية في يناير 2016م وجود 40 طبيباً نفسياً معظمهم يتواجدون في صنعاء.
وأجرى نظام رصد الموارد الصحية التابع للمنظمة (HeRAMS) مسحاً لعدد 3,507 منشأة صحية في 16 محافظة يمنية من أصل 22، وجدت الدراسة أن من بين 3,507 مرافق صحية، فإن 21 ٪ فقط منها تقدم بشكل كامل « الخدمات للأمراض غير المعدية والحالات الصحية النفسية ».
وتبلغ ميزانية الصحة في اليمن (753 مليون دولار)، في الموازنة العامة لعام 2014م، يخصص لقطاع الأمراض النفسية 2.8 % فقط من هذه الموازنة، ورغم انضمام اليمن إلى جميع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ، والمصادقة على اتفاقية جنيف الرئيسية إلا أن الصحة النفسية مجرد هامش محاكاة، إذ ترى الحكومات المتعاقبة المصاب باضطرابات نفسية فاقداً لإنسانيته .
لكن ماذا بعد أن ارتبط اليمن بـ ” أسوأ كارثة إنسانية، وموطن لأسوأ مجاعة في العالم خلال 100 عام” ؟ وسط تقديرات مأساوية بسبب العدوان حيث يحتاج 22.2 مليون شخص، أي ما يقرب من 80 ٪ من السكان، إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية والحماية (يناير /2018م)، وما يقدر بـ 17.8 مليون بدون أمن غذائي، ويفتقر 16 مليون شخص إلى المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي، أيضًا 16.4 مليون شخص إلى الرعاية الصحية الكافية، 10 ملايين شخص على بعد خطوة من المجاعة، و7 مليون شخص يعانون من سوء التغذية، ونحو ( 85 ألف طفل ) دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد، وفقاً للأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية.
وصنف تقرير السعادة العالمي لسنة 2019م، والصادر عن شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، (156) دولة وفقاً لدرجات حققتها بين 2016 و2018م، تتعلق بنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، والرعاية الاجتماعية، ومتوسط العمر، والحريات الاجتماعية، وغياب الفساد، وجودة الصحة والتعليم، وسوق العمل .. جاءت اليمن في المركز (151).
نخلص في هذه القضية الإنسانية الملحة إلى تساؤلات طرحت في تقرير لمجلس حقوق الإنسان في دورته الـ(32) حول الصحة النفسية في اليمن، وبدورنا نضعها على طاولة المسؤولية الإنسانية الدينية والوطنية بعد عن عجز واقع الحال عن الرد منها:
ما البيانات المتعلقة بكل من عدد، أماكن عمل، وتخصصات الأطباء الذين يعملون في مجال الصحة النفسية، مع الاخصائيين النفسيين وغيرهم من الممارسين الذين يؤدون أعمالاً تتعلق بالصحة النفسية؟ وما هي البرامج والمبادرات والخدمات المتوفرة للدعم النفسي – الاجتماعي في جميع أنحاء البلاد؟ وما هي الدراسات التي أجرتها الحكومة لتقييم الرفاء الاجتماعي واحتياجات الصحة النفسية للسكان؟
ما هي الخطوات التي تتخذها الحكومة لضمان أن تحترم الجهات الأمنية وأطراف الصراع الصحة النفسية والرفاه الاجتماعي لليمنيين؟ وما هي الخطوات التي يجري اتخاذها لوقف الانتهاكات مثل الاحتجاز غير القانوني اللاإنساني والتعذيب في السجون، وكوارث الغارات الجوية غير القانونية لتحالف العدوان؟

قد يعجبك ايضا