الفتنولوجيا

 

عيسى سليمان العجمي

عن مصطلح (الفتنولوجيا) نتحدث، وهو مصطلح مركّب تركيبا مزجيا ومزاجيا أيضا، على وزن (التكنولوجيا)، حيث تفوّقت الشعوب الغربية المتقدمة وأبدعت في مصطلح التكنولوجيا واستغلته أحسن استغلال في صناعة التقنيات الحديثة التي تدر عليها المليارات من الدولارات، وتقوم عليها صناعة الحواسيب (الكمبيوترات) والسيارات والطائرات بأنواعها العادية والمسيَّرة، والسفن الحربية، والمركبات الفضائية، وال
أسلحة والصواريخ الذكية، والسلاح النووي، وأكثر هذه التقنيات خطورة وتأثيراً في حياة المجتمعات المعاصرة هي صناعة الهواتف الذكية فائقة التطور مثل أيفون وسامسنوج جلاكسي وهواوي وغيرها من الهواتف شديدة التطور وما تتضمنه من برامج غاية في التعقيد والحداثة..
وهذ التكنولوجيات الحديثة قد أثرت تأثيراً كبيراً في الاقتصاد العالمي والتجارة والسياحة والحروب الحديثة، وجعلت تلك الدول المتقدمة تكنولوجيا تسيطر على العالم بطرق متعددة من خلال ما تصنّعه وتصدّره وتبيعه من تقنيات وبرمجيات وأجهزة ومنتوجات مادية وعلمية وثقافية غيّرت برمجة حياة المجتمعات في كل أرجاء المعمورة، لتصبح كل الأمم والشعوب متأثرة بهم ومعجبة بثقافتهم، وبذلك سيطر هؤلاء على العقول وكسبوا القلوب وسحروا الأعين والأفئدة، وخاصة جيل الشباب الأكثر قابلية للتأثير سلبا أو إيجابا..
كما تم استغلال تلك التكنولوجيا الحديثة في مجال التجسس وجمع المعلومات عن كل مسؤول أو سياسي أو رجل دين أو حتى رياضي أو إعلامي أو كاتب أو مفكّر أو فنان أو كل من يؤثر في المجتمعات أو يساهم في صناعة القرار في بلده بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو من يتوقع أنه سيصبح في يوم ما مسؤولا أو قياديا أو زعيما أو مؤثراً في صناعة القرار مثل أولاد المسؤولين والسياسيين والتجار والمتنفذين في مختلف المجالات، بل وحتى الأشخاص العاديين يتم التجسس عليهم من خلال مواقع معينة مثل الفيس بوك وجمع المعلومات السيئة منها والطيبة، وذلك بهدف استغلالها لاحقاً ضد هؤلاء الأشخاص من خلال التجنيد والتهديد والتشهير وحرق صور هؤلاء الأشخاص وتدميرهم عند اللزوم إذا خرجوا عن إطار الدور المرسوم لهم مسبقا..
بينما نحن على الطرف الآخر من العالم في الوطن العربي تحديداً، على العكس من ذلك فقد اخترعنا مصطلحا آخر موازياً، هو مصطلح (الفتنولوجيا) وطورنا هذا المصطلح وحققنا فيه إنجازات كبيرة واستطعنا باستعمال مصطلح “الفتنولوجيا” أن ننجز وننتج الكثير من الفتن والفرقة والشتات والكراهية والحقد والحسد والعنصرية والطائفية والقبلية وكل الأفكار السوداء..
ولكن للأسف لم نتمكّن من تصدير بضاعتنا من هذه المنتوجات “الفتنولوجية” إلى الغرب كما صدّروا هم لنا منتوجاتهم التكنولوجية، وعجزنا عن ذلك رغم محاولاتنا المستمرة، وبدلاً من ذلك صدّرناها إلى شعوبنا ومجتمعاتنا المحلية، فهي بعضاعتنا رُدت إلينا، بعد أن رفضتها المجتمعات المتقدمة، لأنها ببساطة كانت مشغولة بصناعة تاريخ ومجد لها وتحقيق الإنجازات والتنافس الشريف في مختلف المجالات التكنولوجية والرياضية والثقافية والاقتصادية، والهيمنة على الاقتصاد العالمي وأسواق المال والأسهم والبورصات وصناعة السيارات والأسلحة والسباق نحو الفضاء وغيرها من المجالات العلمية والتكنولوجية..
واستطعنا من خلال “الفتنولجيا” أن نصنع الكثير من الأحقاد والكراهية وننتج المزيد من البغضاء ونوزعها بالمجان على دولنا وشعوبنا ومجتمعاتنا العربية، بطريقة لم يسبق لها مثيل واستعملنا في ذلك التكنولوجيا الغربية الحديثة التي أتى بها الغرب وصدّرها إلينا وفاستخدمناها أسوأ استخدام واستغليناها أسوأ استغلال بما يضرّنا ولا ينفعنا، فنشرنا من خلالها الفرقة والشتات والتنافس غير الشريف بين الدول والشعوب والمجتمعات العربية، بل وبين ابناء البلد الواحد والمدينة الواحدة والقرية الواحدة والبيت الواحد، وبين الأخ وأخيه والأب وابنه، فأصبح الجميع يكره الجميع والكل يشتم الكل، وباستخدام وسائل التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة مثل الفيس بوك والواتساب والتلجرام والنستجرام وغيرها من المواقع والبرامج التي وفّرتها لنا التكنولوجيا الغربية المتقدمة والتي تأتي كل يوم بجديد..
لكننا كنا دائما نفعل ذلك من خلال التلاقح والتمازج بين التكنولوجيا الغربية وتقنية “الفتنولوجيا” المحلية الصنع التي اخترعناها نحن وأبدعنا فيها أيما إبداع، وحققنا فيها إنجازات كبيرة، ولا ينافسنا فيها منافس، لأنها بضاعتنا ومخترعاتنا وصناعتنا الوطنية المحلية بامتياز حتى غدت علامة تجارية تدل علينا ونعرف ونتميز بها عن سائر الشعوب والأمم..
وقد أنجزنا الكثير في هذا المضمار واستطعنا تفريق الشعوب العربية عن بعضها وجعلها تكره بعضها البعض وتحمل كما كبيرا من الحقد والفرقة والشتات وتناصب بعضها بعضا العداء المتأصل في النفوس والعقول ويتغلغل في الضمائر والأفئدة بسبب صناعة “الفتنولوجيا” حتى أصبح الجار يكره جاره والأخ يكره أخاه والابن يكره أبيه ويتمرد عليه والسبب ذلك الشحن المستمر ونشر الفتن التي يتم ضخها في نفوس المجتمعات واختلاق الصراعات، وبث الشائعات والأخبار الكاذبة والملفقة في أغلب الأحيان، فأصبح السياسي يكره السياسي الآخر والفنان يكره الفنان الآخر والرياضي يكره الرياضي الآخر ويبث عليه الشائعات والأكاذيب ويتتبع عوراته، وهو ما تعج به وسائل إعلامنا المقروءة والمكتوبة والمرئية ليلا ونهاراً.. فينشر أحدهم صورة عارية لفنانة أو مذيعة أو شخصية مشهورة ويكتب “انظروا صور الفنانة الفلانية” وشاهدوا “فيديو” للسياسي الفلاني، وحتى الأشخاص العاديين والمغمورين لم يسلموا من الإساءة والتشهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي..
والنتيجة القضاء على أي فرصة للتقارب والتعاون بين الدول والشعوب العربية وفتح الحدود فيما بينها وتغذية الحروب والصراعات التي لا تنتهي في مكان حتى تشتعل في مكان آخر، وهكذا دواليك إلى نهاية التاريخ.
مستشار محافظ أرخبيل سقطرى.

قد يعجبك ايضا