في ذكرى تأسيسه التاسعة والثلاثين: تصدع واستمرار الخلافات بين أعضاء دول مجلس التعاون الخليجي

 

تزامناً مع الذكرى التاسعة والثلاثين لتأسيس مجلس التعاون، شهدت هذه المنطقة نشاطاً دبلوماسياً كبيراً من قبل أعضائه. تدل على ذلك زيارة مسؤولي دول مجلس التعاون إلى عواصم بعضهم البعض، والمكالمات الهاتفية العديدة بين كبار المسؤولين في هذه الدول.
ويأتي هذا في حين أن الخلافات بين الأعضاء لا تزال قويةً، وحتى في الأشهر الأخيرة تشير بعض الدلائل إلى ظهور خلافات جديدة أيضاً.
الخلافات الجديدة
بينما تدخل العقوبات وقطع العلاقات الدبلوماسية بين الدول العربية الأربع وقطر عامها الرابع في غضون أيام قليلة، فلا يبدو أن هذا هو التحدي الوحيد الذي يواجه دول مجلس التعاون.
منذ البداية، كان مجلس التعاون يشهد خلافات محتملة بين أعضائه بالطبيعة، وأهمها النزاعات الحدودية. بالإضافة إلى ذلك، في الآونة الأخيرة وبسبب تحركات الإمارات والسعودية في اليمن، نشأ جزء آخر من الخلافات غير المرئية بين الأعضاء.
وفي هذا السياق، فإن مخاوف سلطنة عمان الجادة بشأن طبيعة تصرفات الإمارات في اليمن وتضارب مصالح البلدين في الأزمة اليمنية، هي جزء من الخلافات الجديدة في مجلس التعاون.
وإدعاءات بعض المصادر الإخبارية عن رغبة أبو ظبي في أن يصبح “أسعد بن طارق” سلطاناً بدلاً من سلطان عمان الحالي “هيثم بن طارق”، تكشف عن جزء آخر من التوترات السرية بين مسقط وأبو ظبي.
كما أن عدم مبادرة السلطان هيثم بالاتصال هاتفياً بالمسؤولين الإماراتيين في بداية شهر رمضان، يزيد من الشكوك بأن مستوى التوترات بين عمان والإمارات قد ازداد. وهذا يحدث في الوقت الذي حكمت فيه الإمارات مؤخراً على عدد من المواطنين العمانيين بالسجن لفترات طويلة بتهمة التجسس.
هذا في حين أنه على الرغم من مزاعم بعض المصادر بأن الرياض وأبوظبي على تنسيق كامل في القضية اليمنية، فقد شهدنا اشتباكات عنيفة بين الجماعات الوكيلة لهذين البلدين في اليمن، والأحداث الأخيرة في اليمن وخاصةً بعد إعلان الحكم الذاتي من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي، تزيد التكهنات حول إمكانية تصعيد أو تفاقم الخلافات بين السعودية والإمارات.
وبالتالي، يبدو أن ملف قطر ليس الأزمة الوحيدة التي تواجه دول مجلس التعاون، وهذا المجلس يواجه خلافات وأزمات جديدة أيضاً، وعلى الرغم من أنها قد لا تكون بحجم الأزمة مع قطر، إلا أنها ليست قليلة الأهمية والتأثير أيضاً.
الأهداف المختلفة لدول مجلس التعاون
على الرغم من أنه في بداية التفكير في أهداف المشاورات المستمرة الأخيرة بين المسؤولين في مجلس التعاون مع بعضهم البعض، يتبادر إلى الذهن أن هذه الجهود تهدف إلى حل أزمة قطر، وأن كل الجهود قد بذلت في هذا الاتجاه، ولكن يجب أن ننتبه إلى الأهداف التالية لهذه التحركات الدبلوماسية أيضاً.
بينما نشأت خلافات جديدة في دول مجلس التعاون أضيفت إلى المشاكل السابقة، إلى درجةٍ دفع وضع هذا المجلس البعض إلى التكهن بأنه قد ينهار، يبدو أن دول مجلس التعاون ما زالت ليس لديها بديل لنوع التعاون، وهي تحاول إعادة المجلس إلى الوضع العادي، للعمل في إطار نشاطات المجلس من أجل تحقيق الأهداف الأولية، والتحرك تدريجياً نحو نظام أمني مستقر في المنطقة.
وعلى الرغم من أن الهدف من جميع الجهود التي تبذلها بعض دول مجلس التعاون (عمان والكويت) لحل أزمة قطر، هو بلا شك إعادة مجلس التعاون إلى طبيعته، إلا أن وجهة النظر الأكثر تفاؤلاً أيضاً لا ترى إمكانيةً لعودة هذا المجلس إلى الأجواء التي سبقت الأزمة.
على سبيل المثال، ستسعى السعودية لإملاء سياساتها على المجلس أكثر من أي وقت مضى، وذلك من أجل إنشاء النظام الإقليمي الذي تريده، بينما قطر وبالنظر إلى الثقة بالنفس التي اكتسبتها في ملف العقوبات والحصار وبسبب إدارتها المناسبة للوضع وبمساعدة بعض دول المنطقة، فلا شك أنها ستحافظ على استقلالية سياساتها، وفي هذا الصدد فإن محاولة الإمارات زيادة دورها في مجلس التعاون مما سيضيق المجال بلا شك على السعودية، ستكون أيضاً من بين الأهداف المتضاربة الأخرى بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون، والتي ستتبعها هذه الدول إذا عاد هذا المجلس إلى طبيعته.
ومع ذلك، يُظهر نوع المواقف والتحركات الدبلوماسية لدول مجلس التعاون، أن هذه البلدان ليس لديها بديل لهذا المجلس، وهي تتطلع إلى إنشاء نظام جديد في المنطقة، باستخدام قدرات مجلس التعاون وإجراء بعض التغييرات فيه، وكل هذه الأهداف تسير في اتجاه واحد وهو إعادة مجلس التعاون إلى طبيعته، أي الظروف العادية نوعاً ما والتي تتطلب أيضاً تسوية قضية قطر، وبالطبع لا يوجد حتى الآن توافق في الآراء بين الأعضاء حول كيفية حل هذه القضية.
مستقبل مجلس التعاون
على الرغم من أن جزءًا كبيرًا من الجهود الدبلوماسية الحالية لدول مجلس التعاون يهدف إلى حل أزمة قطر، إلا أن وجود الخلافات بين الأعضاء، إلى جانب تعقيدات ملف قطر، والذي لا يبدو أنه يمكن حله بسهولة وعلى المدى القصير، يشير إلى أن دول مجلس التعاون لن تكون قادرةً على العودة إلى ظروفها الطبيعية على المدى القصير على الأقل.
هذا في حين أنه إذا حلت أزمة قطر وعادت الحياة الطبيعية إلى مجلس التعاون، بالنظر إلى وجود الخلافات بين الأعضاء، والتي ترجع بشكل رئيسي إلى أحداث السنوات القليلة الماضية في المنطقة، وجهود معظم الأعضاء لتغيير الوضع الراهن، فإن هذا المجلس لا يقدِّم مشهداً إيجابياً عن التعاون بين أعضائه.
وعلى الرغم من أن إمكانية تعزيز التعاون الاقتصادي، لا سيما مع جهود الأمين العام الحالي للمجلس، الذي له تاريخ طويل في مجال الاقتصاد، لا تبدو بعيدة المنال، والظروف الاقتصادية الحالية في دول مجلس التعاون المتأثرة بتداعيات فيروس کورونا ووجود مشاكل مماثلة فيها تعزز هذه التكهنات، ولكن من المؤكد أن التعاون السياسي والأمني ​​بين أعضاء مجلس التعاون، أمر لا يمكن تصوره في المدى القصير على الأقل.
في الختام، يمكننا القول إن ملف قطر ليس الأزمة الوحيدة التي تواجه مجلس التعاون، حيث يواجه هذا المجلس مشكلة تراكم الأزمات وزيادة الخلافات الخطيرة بين الأعضاء.
وبالنظر إلى طبيعة المواقف والتحركات السياسية لأعضاء مجلس التعاون، وهي علامة على عدم امتلاكهم بديلاً لهذا المجلس؛ فإنهم يحاولون إعادته إلى طبيعته وذلك عبر حل قضية قطر، ولا يبدو أن هذا هو الهدف الوحيد لدول المجلس، ونظراً لاستياء هذه الدول من الوضع الحالي، فتعتزم الدول الأعضاء في المجلس وبعد عودة الظروف الطبيعية إلى مجلس التعاون، السعي لتغيير الوضع الراهن والبنية الحالية، لتحقيق أهدافهم.

قد يعجبك ايضا