الأمن الغذائي

م/ وليد أحمد الحدي*
أحدثت الثورة الزراعية قبل 9500 سنة تغييراً جذرياً هاماً في حياة البشرية تمثل في الاستغناء عن الصيد والجمع والانتقال إلى حياة الزراعة وتدجين الحيوانات الصالحة للغذاء وتخزين الحبوب والمحاصيل الزراعية لمواجهة موجات الفيضانات والأوبئة والحروب، بدا ذلك أعقاب الثورة الذهنية حين كان العقل البشري لا يزال في قمة بساطته، وقد شكل القمح الذي بدأت زراعته وتكديسه في مخازن قبل 8500 سنه نقطة تحول هامة في تاريخ البشرية من ناحية الأمن الغذائي, حيث تمكن الإنسان حينها من حل الإشكاليات المتعلقة بنقص الغذاء ومواجهة ظروف الحروب والأوبئة والتي لا تقارن خطورتها بالظروف التي نواجهها اليوم, ما يستدعي الاستفادة وأخذ العبر من تلك التجارب القديمة.
ومن السذاجة بمكان أن نتعامل مع الأحداث كما لو أننا نعيش في كبسولة بمعزل عن العالم المنكوب، ونكتفي بالفرجة ومتابعة آخر أخبار الضحايا، وأن يتسلل إلينا الظن أننا نتمتع بمناعة عالية يمكن أن تقينا شر الأمراض التي كان لنا النصيب الأكبر منها إلى وقت قريب جداً على مستوى دول المنطقة والعالم، أو أن نتعامل مع الأحداث وكأننا نعيش في ظروف طبيعية.
الأمن الغذائي مسألة في غاية الحساسية تتجلى أهميتها في هكذا متغيرات، ومن الخطأ الفادح التعامل معها كقضية هامشية أو على مبدأ “ما بدا بدينا عليه”، وعلينا أن نعد العدة لعالم استمرأ الحروب القذرة، وأن نستلهم العظات والدروس من الأحداث السابقة، فها هو التاريخ يعيد نفسه في عالم متقدم تكنولوجياً متخلف أخلاقياً يكرر ذات الأحداث بصورة أقبح، ما يستوجب التكيف مع الظروف التي ستغير في معطيات شتى بأدوات لم تعهدها البشرية من قبل..!!
حتماً أن التغيير ما بعد كورونا سيطال الأنظمة الاقتصادية والصحية والسياسية في العالم والتي لن تستمر بذات الآلية، وحتى النظام الديمقراطي قد يكون في عداد الأموات خلال المرحلة القادمة، فحالة الطوارئ غير المعلنة التي فرضها هذا الفيروس في معظم بلدان العالم تمثلت في فرض حظر التجوال الجزئي وفي بعض الأحيان الكلي واتخاذ إجراءات إلزامية من قبل السلطات قلصت بشكل كبير من مساحات الديمقراطية خلال فترة المرض قد تثير شهيتها وقد تصبح إحدى الوسائل التي ستعتمد عليها مستقبلاً, وهذا يعد مثار قلق يمكن أن يُبنى عليه ما بعد كورونا، كما أن حالة الكساد العالمي التي تسبب بها هذا الفيروس من انهيار لأسعار النفط الخام قد يتسبب في إفلاس شركات وأنظمة خاصة تلك الأنظمة ذات الاقتصاد الريعي التي تفتقر إلى التنويع في مصادر الدخل, وهذا بدوره سيعيد تشكيل الاقتصاد العالمي ومكانة الأنظمة التي تستمد نفوذها من قوة اقتصادها.
اتفق مع وجهة النظر التي تزعم إن كورونا جنّب أو بالأحرى أخّر نشوب حرب عالمية ثالثة كانت على شفا أن تحرق الأخضر واليابس نتيجة وصول المديونية لدى بعض الدول الكبرى إلى حد لا يحتمل، وحاجة العالم إلى عملة يُتداول بها كبديل للدولار الأمريكي الذي قد يغادر عالمنا في المستقبل وبالتالي كان خيار الحرب واردا جدا.
هذه المتغيرات يفترض أن تقودنا إلى التفكير الواقعي للوصول إلى حلول تمكننا من التكيف مع الواقع الجديد, فمن خلال إعداد استراتيجية للأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي وتوفير بدائل للسلع الضرورية المستوردة التي نستهلكها، نضمن بذلك التقليص قدر المستطاع من الآثار السلبية لحالة الكساد التي ستصيب الاقتصاد العالمي أو خطر الحروب والمجاعات لا قدر الله، وتأتي الزراعة على رأس قائمة الحلول، لأنها الأكثر ضمان وتوفير لما نحتاجه من حبوب وفواكه وخضراوات ثم الصناعة بمدخلات إنتاج ومصادر وقود محلية تمكننا من الاستغناء عن كثير من السلع المستوردة.
بلا شك سينتهي هذا الوباء من العالم شأنه شأن الأوبئة السابقة التي فتكت بالبشرية ولكن ماذا بعد ؟
هل نضمن عدم تكراره بصورة أو بأخرى وما هي الإجراءات التي يمكن أن تحول دون ذلك؟
وماذا أعددنا لأنفسنا وبلدنا وشعبنا من خطط تؤمن غذاءنا ودواءنا وتقينا شر هذه الحروب ؟!!
الإجابة لدى صناع القرار ..
*رئيس الجمعية اليمنية لحماية وتشجيع الإنتاج المحلي

قد يعجبك ايضا