قضية للنقاش.. الإجازة القضائية في رمضان!!

 

الثورة / معاذ القرشي

يتمسك القضاة في اليمن بالإجازة في رمضان استنادا إلى حديث موضوع يقول: ” لا يقضي القاضي وهو جائع “.
اختزال الصوم بالجوع يسيء لشعيرة الصيام التي تعد أسمى العبادات التي يتقرب بها الناس إلى الله.. الصيام لا يعني الجوع، هذا تسطيح وسوء فهم لمعنى الصوم.
الاعتقاد بصحة هذا الحديث يرسخ صورة سلبية عن الصيام وحالة الصائم، وأن قرارات الصائم ومواقفه تكون خاطئة ومتهورة وغير صائبة، وهذا غير صحيح.
فنحن جميعا-عمال وموظفون أطباء ومهندسون….-نتخذ مواقف ونصدر قرارات خلال الصيام، وكثير من تلك القرارات والأعمال تكون أهم وأخطر من قرارات القاضي التي يتخذها بعد تحريات وجلسات مرافعات وشهود و مشاورات تستمر لأسابيع وأشهر وبعضها لسنوات، ولا تعتمد على لحظة إعلان الحكم، وحتى إن أخطأ القاضي، باقي طعن واستئناف… إلخ.
القاضي الصائم يفترض أن يكون أكثر عدلا وإنصافا، وأكثر زهدا، وأكثر بعدا عن الظلم والرشوة..
أيضاً المتخاصمون أو الغرماء يفترض أن يكونوا أكثر تسامحا وهم صائمون، قد يعمل الصوم على دفعهم إلى العفو والتصالح والتنازل والاعتراف بحق الغير وعدم الاحتيال والتدليس ..قد يمنع الصيام الشاهد من قول الزور.
يفترض بالصيام أن يجعل من شهر رمضان أكثر الفرص لتحقيق العدل والإنصاف والتصالح والتسامح، والقاضي الذي نخشى من ظلمه وهو صائم، سيكون أكثر ظلما وهو فاطر.
هل يمكن للقضاء اليمني والجهات المعنية مراجعة قانون الإجازة القضائية الذي استند إلى راو يتهمه معظم علماء الحديث بالكذب (( لا يقضي القاضي إلا وهو شبعان ريان )) حديث يخدش قدسية رمضان كشهر عبادة وتقوى ويسيء لعدالة القضاة ،فما مدى الحاجة لتعديل نص المادة (73) من قانون السلطة القضائية بما يجعل الإجازة القضائية في غير شهر رمضان.
رمضان شهر عبادة وتقوى ومحاسبة النفس ،يكون الإنسان أقرب فيه إلى ربه بالعبادات وبالشعور بالآخرين، ومع كل ذلك ووفقا لقانون السلطة القضائية رقم (27) لسنة 2013م في المادة(73) ما نصه ((للقضاة عطلة قضائية سنوية شهران يكون شهر رمضان المباردَ أحدها ويحدد الشهر الآخر بقرار من رئيس مجلس القضاء الأعلى بعد موافقة المجلس ولا تنظر خلال العطلة القضائية إلا القضايا المستعجلة ))
مستندا لحديث (لا يقضي القاضي إلا وهو شبعان ريان ) وهو الحديث الذي تبين أنه حديث موضوع -حسب ما جاء في متن رواة الحديث –إضافة إلى أنه يمثل خدشاً لقدسية ومكانة شهر رمضان الكريم في نفوس المسلمين كشهر تقوى وعبادة فإذا غضب القاضي أو ظلم في شهر رمضان بسبب الجوع كما جاء في الحديث فهو للظلم والغضب أكثر في رمضان.
الثورة ” ناقشت الإجازة القضائية في رمضان والحاجة لتغييرها لتكون في شهر آخر والحاجة لتعديل القانون مع بعض من أصحاب الاختصاص من المحامين والقضاة وخرجت بالحصيلة الآتية :-
كانت البداية مع المحامي عبد السلام العبسي الذي أوضح قائلاً:
شهر رمضان شهر اجتماعي يرقق القلوب ويخمد الضغائن ويرقي النفوس ويقارب بين الأرحام والجيران والخصوم ،والتقاضي أمام المحاكم فيه كذب وزور ولدادة في الخصومة تعارض الصيام والغاية منه.
مضيفا: هذه قناعتي الشخصية ،شهر رمضان من الأشهر الحرم وبالتالي فإن جعل شهر رمضان إجازة قضائية يتعارض مع ما سبق وذكرت من روحانية رمضان.
من جهته يرى المحامي عبد الحكيم أحمد علي عون أن هناك توافقاً بين الفقهاء على أنه لا يجوز للقاضي القضاء في رمضان لأن الجوع والعطش يجعل عقل القاضي مشتتاً كما انه عرضة للغضب والانفعال.
مضيفا -حسب قناعته الشخصية – إن هذا الرأي الفقهي الذي أخذ به القانون اليمني رأي صائب خاصة أن هناك قضاء مستعجلاً يعمل في شهر رمضان.
أما المحامي يسام أمين الشرام – محافظة إب- فله رأي مغاير لسابقيه فيقول:
قد يكون الحديث المروي عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله من جملة الأحاديث التي حشرت في كتب الحديث والسير وهي كثيرة وما صح منها لا يتجاوز 5400حديث ،لكن لا أظن أن العلة في اعتبار شهر رمضان إجازة قضائية هي ما ورد في متن هذا الأثر المنسوب للرسول الأعظم، إذ لو كانت تلك هي العلة لعمل بها في عامة الأمصار الإسلامية تنفيذا لهذا الأثر المنسوب لرسول صلى الله عليه وعلى آله ولما اقتصرت الإجازة القضائية في القضاء اليمني.
وأضاف : في اعتقادي أن جعل الإجازة القضائية في رمضان حسب ما قنن في القانون بسبب العادات والتقاليد اليمنية في شهر رمضان حيث اعتاد اليمنيون إحياء ليالي شهر رمضان الكريم إلى وقت الفجر ونوم ساعات النهار من هذا الشهر الكريم فضلا عما في شهر رمضان من روحانية وعبادة واستغفار يستحب فيه ابتعاد المؤمنين عن المشاحنات والخلافات الشخصية وجعل رمضان محطة للتزود الروحي وتقويم النفس.
وهذه الأجواء الروحانية والعادات والتقاليد هي التي جعلت المشرع اليمني بجدد الإجازة القضائية في شهر رمضان.
أما القول بأن القاضي لا يحكم وهو جائع كما ورد في الأثر فهذه علة لا تتفق مع منطق الإنسان حيث أن القاضي في حقيقة الأمر يكون أكثر تقوى وحرصاً في حكمه عندما يكون صائما تائباً إلى الله فأجواء الصيام الروحانية تجعله أكثر حشية لله وبالتالي اقرب إلى العدل.
وأشار الأستاذ المحامي بسام أمين الشرام :وإذا لم يكن القاضي عادلا وهو صائم فلن يكون كذلك في سائر شهور قضائه بين المتخاصمين.
لكن لا يمكن إهمال حقيقة أن هناك تأثيراً سلبياً على سير عمل المحاكم خصوصاً فيما يتعلق بالقضايا الجنائية المحبوس على ذمتها متهمون يقضون في السجن طيلة مدة الإجازة القضائية ومقدارها شهران منها شهر رمضان دون سير وموالاة نظر القضايا.
مؤكدا أن ما يخفف الضرر من الإجازة القضائية أن القانون قد شرع القضاء المستعجل لنظر القضايا التي تتوفر فيها شروط الاستعجال من قبل القاضي المناوب أو قاضي الأمور المستعجلة مدة الإجازة القضائية.
ويرى المحامي يسام الشرام من وجهة نظره الشخصية: إننا لا نحتاج لتعديل القانون فيمكن إلا تكون هناك إجازة قضائية لا في رمضان ولا في غيره ،على إن يأخذ القاضي هذه الإجازة بمدتها المحددة بشهرين في العام الواحد بتوزيع إجازات القضاة بشكل فردي لكل قاض في السنة بما لا يعطل عمل القضاء، فيفترض أن تجزأ إجازة القاضي على أيام متفاوتة طيلة العام حيث يمكن أن يأخذ إجازته على عشرة أيام أو أسبوعين مثلا كل ثلاثة أشهر يأخذ أسبوعين إجازة سيكون المجموع شهرين طيلة العام وفقا لقانون السلطة القضائية.
الثورة تواصلت مع أكثر من قاض لسماع وجهة نظره في موضوع هذا التحقيق إلا أن جميعهم أكدوا أنهم ليسوا مخولين بالحديث لوسائل الإعلام بشكل عام وليس في موضوع هذا التحقيق فقط ، فاحترمنا رغبتهم واكتفينا بما استطعنا جمعه في التحقيق، ونضيف إليه لمزيد من الفائدة متن رواية حديث (( لا يقضي القاضي إلا وهو شبعان ريان):
قال العلامة الألباني في الضعيفة 6209((لا يقضي القاضي إلا وهو شبعان ريان )) موضوع.
أخرج الدارقطني في (سننه (14/206/4)وابن عدي (35/6) والخطيب في التاريخ (277/6) والبيهقي (106//10) وأبو عثمان البحيري في الفوائد (ق1/29) من طريق القاسم بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي طواله عن أبيه عن أبي سعيد الخدري مرفوعا .. به.
أورده ابن عدي في ترجمة القاسم هذا وهو العدوي العمري وساق له أحاديث منكرة وقال في آخر الترجمة وله غير ما ذكرت وعامة رواياته مما لا يتابع عليه وقال البيهقي عقبة ((تفرد به القاسم العمري وهو ضعيف)).
كذا قال وهو تساهل منه فإن الرجل متفق على تركه بل قال الإمام أحمد كذاب كان يضع الحديث ,ترك الناس حديثه وكذلك تساهل الحافظ حين قال في ((الفتح )) (127/13) .
أخرجه البيهقي بسند ضعيف، وكيف لا وقد قال فيه في (التقريب )متروك رماه أحمد بالكذب ولذلك قال شيخه الهيثمي في ((المجمع ))،(195/4) رواه الطبراني في (الأوسط ) وفيه القاسم بن عبد الله بن عمر وهو متروك كذاب.

قد يعجبك ايضا