المسلمون في الصين..


>زيارة لمدينة شيآن أول مدينة دخلها الإسلام في الصين

• تشير السجلات التاريخية الصينية إلى أن الإسلام دخل الصين عام 651 للميلاد خلال عهد أسرتي تانغ وسونغ (618-1279) والفضل في ذلك يعود لله تعالى ثم لجهود الخيرين وللتبادلات التجارية عبر طريق الحرير التاريخي الشهير والعلاقات الناجمة عنها. لم يحمل التجار العرب بضائع يبيعونها أو يشترونها فحسب بل نقلوا أيضا ثقافات وفلسفات ومفاهيم ومعتقدات وتعرفوا على الصينيين وعاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم. ولحسن الحظ أن الثقافتين الصينية والعربية متشابهتان من حيث الجوهر ولهما مكانة هامة في الحضارة البشرية وتأثير ملموس عالميا. ولهذا كان التفاهم والتقبل بينهما إيجابيا وتكامليا حيث تعرف العرب أكثر على الصين وحضارتها وتقبل الصينيون بمناطق الشمال الغربي التي شهدت كثافة في تعاملات العرب المسلمين المفاهيمِ الإسلامية ومبادئ الدين الحنيف. وقبل الفترة ما بين القرن العاشر والقرن الثامن عشر وبعدها أخذت بعض القوميات الصينية بمناطق شمال غربي البلاد تعتنق الإسلام وهذه القوميات هي: هوي والويغور والقازاق والقرغيز والأوزبك والتتار والطاجيك ودونغشيانغ وسالار وباوآن. حاليا يصل عدد المسلمين في الصين لأكثر من 20 مليون نسمة ينتشرون في أرجاء البلاد ويفضلون أيضا السكن متجمعين بمناطق معينة. ولذلك ظهرت تجمعات مشهورة لهم منها على سبيل المثال لا الحصر منطقة نيوجيه ومسجدها التاريخي الشهير الذي بْني عام 996 ميلادي في بكين (نيوجيه تعني شارع البقر دلالة على اللحم الحلال). في الصين حاليا أكثر من 35 ألف مسجد بْنيت بفترات تاريخية متباينة بأحجام مختلفة وتنتشر في أماكن سكن المسلمين في أرجاء الصين وتتميز بالخصائص المعمارية العربية والفن المعماري لمختلف القوميات الصينية وتعتبر جزءا هاما من الفن المعماري الصيني. أهمها من الناحية التاريخية أربعة مساجد هي هوايشنغ (الحنين إلى النبي) في قوانغتشو جنوبي الصين ومسجد تشينغجينغ في تشيوانتشو (مدينة الزيتون) بفوجيان جنوب شرقي الصين ومسجد شيانخه (طائر الكركي) في يانغتشو بمقاطعة جيانغسو الساحلية شرقي الصين ومسجد فنغهوانغ (العنقاء) في هانغتشو بمقاطعة تشجيانغ جنوب شرقي الصين.
مكارم الأخلاق هي التي نشرت الإسلام
عندما توجه التجار العرب إلى الصين للبيع والشراء حملوا معهم أيضا تلك الأخلاق الحميدة التي أوصى بها الله سبحانه ورسوله الكريم وحرصوا على التعامل الصادق والنزيه مع المحليين الذين استقبلوهم بودُ كزوار قادمين من بعيد. لقد حرص التجار العرب على كل ما من شأنه عدم مضايقة المحليين خاصة الباعة والتجار حتى لا تكون هناك منافسة غير مرغوب فيها. حدثني رجل صيني مسلم كبير السن في مدينة شيآن قائلا: “عندما كان التجار العرب ينزلون إلى السوق كانوا يحرصون على عدم منافسة الباعة المحليين ويعطونهم الفرصة الكافية لبيع بضائعهم ثم يطرحون بضائعهم التي كانت تتميز بالجودة والندرة. ويتهافت عليها المشترون المحليون وتباع بوقت قصير. وكان المحليون يراقبون تلك التصرفات فأعجبوا بما لدى التجار العرب من أخلاق حميدة سواء في التعامل التجاري أو الإنساني وحرصهم على البيع والشراء في بيئة نزيهة تماما. وبالطبع حصلت تعاملات وتبادلات وتعارفات وتأكد المحليون أن الدافع الأساسي لهذه الأخلاق الحميدة هي عوامل مرتبطة أولا بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف ثم بالتقاليد الأصيلة. فتقرب الصينيون المحليون أكثر فأكثر من العرب وتطورت علاقات الجانبين كثيرا ووصلت إلى المصاهرة والإنجاب والعلاقات الاجتماعية الوثيقة الأخرى. ومما يتذكره هذا الشيخ الجليل أيضا عادات الطعام التي نقلها العرب إلى شيآن وخاصة أكلة مْحببة ومشهورة حاليا في المدينة وسائر مناطق الصين الأخرى ألا وهي طبق باومو. هذه الأكلة أو هذا الطبق تشبه الثريد أو الخبز المغموس بحساء اللحم. لقد كان من الطبيعي أن يحمل التجار العرب معهم خلال رحلاتهم الطويلة بعض الخبز الجاف الذي يتحمل الفترة الطويلة للرحلات. وبعدما يجف لا بد من غمسه بحساء حتى يمكن تناوله طريٍا. كان أبناء شيآن المحليون يراقبون العرب وهم يغمسون الخبز الجاف بالحساء المغلي ومن الطبيعي أن يتشاطروا الطعام مع بعضهم البعض فأعجبوا بنكهته وغنى الحساء بنكهة وطعم اللحم خاصة لحم الغنم والبقر فذاع صيت هذه الأكلة وانتشرت بين المحليين وفي سائر المنطقة ثم انتشرت في أرجاء الصين. وحساء اللحم المغلي هذا يسمى باللهجة الشيآنية المحلية: توتوما وهي مأخوذة من الكلمة العربية: طعامْ. يقول المحليون إن العرب كانوا يدعون أصدقاءهم لتشاطر الطعام فيقولون: تفضل طعامْ طعامْ. وهكذا اكتسبت الكلمة لهجة محلية فأضحت توتوما. الطبق(باومو) هو اليوم علامة مميزة لشيآن حاضرة مقاطعة شانشي إلى جانب تحفة تاريخية شهيرة عالميا تحتضنها هذه المقاطعة هي تماثيل الجنود والخيول الصلصالية(تماثيل التريكوتا) الموضوعة ضمن قائمة التراث الثقافي العالمي لليونيسكو.
شيآن.. أول مدينة دخلها الإسلام في الصين
شيآن لا أروع منها مدينة تاريخية يرتبط اسمها بدخول الإسلام إلى الصين! ولا أشهر منها كونها بداية طريق الحرير البري الذي ربط الصين بالعالم خاصة العالم العربي والإسلامي وهو أحد طريقين هامين إلى جانب البحري لدخول الإسلام إلى الصين قبل أكثر من 1350 سنة. هذه المدينة تتميز بموقع جغرافي هام وبيئة ممتازة أهلتها لتكون عاصمة لثلاث عشرة إمبراطورية في تاريخ الصين.
هي المدينة التي تحتضن عشرات المساجد المبنية بالطوب والخشب وبالأسلوب الكلاسيكي الصيني والمحتوية على المزايا الإسلامية الواضحة والمحفوظة جيدا حتى الآن رغم بناء بعضها قبل أكثر من 1300 سنة. هناك المسجد الكبير للمدينة ويا سبحان الله! رائع بكل معنى الكلمة! ومسجد شياو بييوان الذي شهد ولادة التعليم المسجدي في الصين على يد الشيخ الجليل هو دنغ تشو رحمه الله(1522-1597) علما أن للتعليم المسجدي دورا كبيرا في الحفاظ على الهوية الإسلامية وتطور الإسلام بخصائصه الصينية واستمراره إلى جانب التعليم الإسلامي بالمدارس والمعاهد الحديثة باللغتين العربية والصينية. وجامع زقاق داشيويه شي- الاسم يعني الزقاق الكبير لطلبْ العلم الذي يقال إنه بْني في نفس العام الذي وصل فيه مبعوث الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى الصين. وإمامْه الشيخ حسن ما كان مترجما للبحار المسلم الصيني الشهير تشنغ خه الذي أبحر بسفنه 7مرات بأمر من الإمبراطور تشنغ تسو لأسرة مينغ(1368-1644) للتعرف على مناطق غربي آسيا ووصل إلى مكة المكرمة ورسم خريطة لها.
هي مساجد أي ما يْقال عنها إنها تحفَ معمارية عريقة ما زالت مآذنها تردد اسم الله تعالى وتقام الصلاة في جنباتها وعلى جدرانها آيات مباركة من الذكر الحكيم كتبت بيد علماء مسلمين صينيين جليلين قبل مئات السنين. وفي قلب المدينة النابض بالحياة تتجلى الخصائص الإسلامية بأروع وأوضح صورة على وجوه المسلمين الصينيين وفي أزياء رجالهم النظيفة الأنيقة المتوجة بطاقية الرأس البيضاء وملابس نسائهم المحتشمة المزينة بغطاء الرأس الساتر لمعظم الجزء العلوي من الجسم. أما تحية الإسلام “السلام عليكم” فتسمع ويتردد صداها في أركان تلك الشوارع الحيوية المميزة بطابع العديد من أسواق مدننا العربية. مسلمو شيآن يتميزون بحيوية واضحة في الأعمال التجارية وفي ظل سياسة الانفتاح الحالية للصين يبدعون في أعمالهم ويتشاطرون ثمار التنمية مع إخوانهم من أبناء البلاد.
وبين العراقة التاريخية والرائحة العبقة المباركة لهذه المدينة ومساجدها التاريخية المتميزة بتراث معماري يجمع بين الطرازين الصيني والعربي الإسلامي تأخذك الخطوات الوئيدة الحذرة لتمر بين أسواق وأزقة تاريخية وملامح طيبة ثم تدلف لمساجد تتميز بمساحات واسعة تمتد لآلاف الأمتار فيها أشجار وارفة الخضرة والظلال وتضم قاعات التعليم المسجدي وأبراج مآذن وجواسق ومكتبات ومرافق وضوء وبعدها تأخذك الخطى إلى حرم الصلاة الآمن الهادئ المميز بقدسية خصها الله سبحانه لبيوته! ويا لها من قدسية رائعة تجعل المصلي خاشعا في حضرة الخالق البديع وقدسية المكان المضمخ برائحة التاريخ وقدسية الآيات القرآنية التي تحيط بكل ركن من أركان الحرم وأسماء الله الحسنى تنتشر في كل مكان!
في كل ركن من هذه المساجد المباركة بصمات لرجال أفذاذ صدقوا في دينهم ودنياهم فتركوا أثرا خالدا مباركا إلى يوم الدين!
أتمنى مخلصا أن تتاح الفرصة للجميع لزيارة هذه المدينة التاريخية العريقة المميزة بطابع إسلامي رائع! لا بد من زيارة المسجد الكبير للمدينة الذي بْني عام 742 ميلادي في عهد أسرة تانغ(618-907) أي أنه يتمتع بتاريخ يعود لأكثر من 1270 سنة ولكنه محفوظ بشكل ممتاز حتى الآن! يمتد هذا المجمع الديني الرائع على مساحة 13 ألف متر مربع ومساحة المباني تصل إلى 6000 متر مربع ومازال يحظى برعاية متميزة تجعله تحفة معمارية متجددة. ولكونه من بيوت الله وبفضل هذه المزايا فهو موضوع تحت الرعاية والحماية الوطنية والإقليمية. ويزوره الكثير من الناس من كل أرجاء الأرض مسلمون وغير مسلمين الأمر الذي يدفعني بقوة لأن أتمنى أن يكون العرب والمسلمون أول وأكثر زواره! وفي المدينة أيضا المسجد الجامع في زقاق داشيويه(الزقاق الكبير لطلب العلم) ويْسمى أيضا مسجد الزقاق الغربي. تشير السجلات التاريخية إلى أنه بني عام 705 للميلاد ولكن هناك من يشير إلى أن الحجر الأساس لبنائه يعود لعام 651 العام الذي زار فيه مبعوثو الخليفة الراشد عثمان بن عفان الصين. إنه الثاني بعد المسجد الكبير من حيث التاريخ والمكانة والمساحة. هناك العديد من الروائع المعمارية والهالات القدسية البديعة في هذا المسجد ولكن أبرزها حرمْ الصلاة الذي تبلغ مساحته 500 متر مربع والمفروش بالسجاد الجميل والمْزينة كافة جدرانه بآيات القرآن الكريم كاملا مكتوبة بخط رائع بيد مسلمين صينيين قبل مئات السنين. وعلى جانب المحراب هناك آيات قرآنية مكتوبة بشكل تحف فنية بارزة يعود تاريخها للسنوات الأولى لبناء هذا المسجد.
المسلمون الصينيون ركيزة للتضامن وبناء الوطن
مسجد شياو بييوان الذي ذكرناه أعلاه باعتباره مهد التعليم المسجدي بالصين شهد حادثة عززت المكانة الوطنية والدينية للإسلام والمسلمين ومساجدهم في الصين. فخلال الفترة الأولى للحرب الأهلية(1927-1937) بين الحزب الشيوعي الصيني وحزب الكومنتانغ كان القائد الشيوعي البارز حينذاك تشو إن لاي(1898-1976) الذي تبوأ منصب رئيس مجلس الدولة الصيني لاحقا(1949-1976) مطاردٍا في شيآن من قبل جواسيس تابعين للكومنتانغ وضاق ذرعا بتلك المطاردة اللصيقة له. فنصحه رفاقه بأن يلجأ لهذا المسجد على ضوء الروح الوطنية التي يتمتع بها القائمون على المسجد آنذاك خاصة رئيس لجنة الإشراف على شؤون المسجد الشيخ ما هو دان رحمه الله. وفعلا لجأ الزعيم الشيوعي للمسجد فاحتضنه أخوته المسلمون الصينيون وآووه ونصروه حتى تمكن من الإفلات من المطاردة وأكمل نضاله الثوري لتحرير الوطن. وأكد إمام المسجد الحالي أحمد ما أن الشيخ ما هو دان – رحمه الله أدرك خطورة الموقف في أحد أيام الملاحقة البوليسية فأعطى الزعيم الراحل تشو آن لاي قبعة بيضاء لبسها على رأسه مثل المصلين المسلمين ودخل حرم الصلاة واندمج مع المصلين ونجا من الملاحقة الخطيرة. تلك الحادثة ومئات مثلها تؤكد العلاقة الوثيقة بين أبناء الوطن الواحد وتعزز التلاحم الوطني وتوطد مساهمات المسلمين الصينيين في بناء وطنهم الجديد وتشاطرهم لثمار مسيرة الإصلاح والانفتاح والتنمية الاقتصادية في الصين الجديدة. جدير بالذكر هنا أنه خلال مسيرة تطور الإسلام في الصين ظهرت ثقافة إسلامية صينية الخصائص.
مسجد عصري حديث مميز
وفي وسط هذا التاريخ العريق لمساجد شيآن يبرز مسجد حديث بْني قبل عامين تقريبا وافتتح على بركة الله في مطلع صيف عام 2012 في منطقة تتميز بكونها منطقة التكنولوجيا العالية والجامعات والمعاهد العلمية ومعامل البحوث والاختبارات! ولكنها كانت تخلو من مسجد يلبي حاجة الكثير من المسلمين المحليين والزوار من أنحاء البلاد والمسلمين الأجانب الدارسين في جامعات ومعاهد المنطقة الجامعية وغيرهم. وعلى هذا الأساس وفي ظل هذه الحاجة هدى الله سبحانه بعض المسلمين القادرين لأخذ زمام المبادرة والعمل على بناء مسجد بهذه المنطقة التي يتزايد عدد السكان فيها مع تطورها وتزايد عوامل الجذب فيها. لقد بادر الحاج عبد الله شنغ والحاجة فاطمة ليو سي يان مديرا شركة فانغ شانغرين للأطعمة الحلال وصاحبا سلسلة مطاعم وفنادق فاخرة تحمل نفس الاسم بالمدينة لبناء هذا المسجد الذي كل ما فيه حديث مميز حقا! وبما أنه أسس على تقوى الله فهو يحمل الصفات الكريمة المعتادة لبيوت الله مثل الجلال والهيبة والهدوء والسكينة والنظافة وحسن الترتيب والتنظيم! ولأنه بْني لوجه الله فأسماء الله الحسنى وآيات كتابه الكريم تزينه في كل جانب! ولأنه يقع بمنطقة العلوم والتكنولوجيا فهو يستغل هذه الميزة ليتنافس مع المساجد التقليدية الأخرى حبٍا في الله ومن أجل الله في خدمة المصلين بطريقة عصرية علمية حديثة! إنه قدوة تحتذى في ظل تطور العصر وتزايد احتياجات الناس لكل ما هو حديث جديد. لقد بْني على مساحة واسعة تحتل الطابق الثاني من مبنى حديث وزْين حرمْ الصلاة وتمت زخرفته بشكل يسر العين ويشرح القلب حيث يتسامى أمام العين نورَ رباني يتزايد بهاءٍ على جدران طْليت باللون الأبيض الباهر اللامع وعليها آيات من الذكر الحكيم وأسماء الله الحسنى كْتبت بحروف ذهبية تجمع أنواع الخط العربي الأساسية الثلاثة(الكوفي والنسخ والثلث) وأسلوب كتابة الرموز الصينية وجْهز بكافة المرافق التي يحتاجها المصلون مثل مرافق الوضوء المتكاملة: حنفيات الماء الساخن والعادي والحمامات التي توفر خدمة الاغتسال الكامل وحتى المناشف التي تستخدم لمْصِلُ واحد ثم توضع في غسالة بركنُ من جناح الوضوء المقسم لجانبين منفصلين أحدهما للرجال والآخر للنساء. في الحقيقة ورغم هذه المرافق المتكاملة لكن ما يميز هذا المسجد ويجعله قدوة تحتذى هو الأسلوب العلمي العصري المْتبع فيه! القائمون على خدمته يؤكدون أنه أقيم خالصا ليْذكر فيه اسم الله تعالى في الغدو والآصال ورسالته الأسمى هي خدمة الإسلام والمسلمين وتسهيل الأمور على المصلين الذين كانوا يعانون فعلا للوصول لمساجد أخرى لأداء الصلاة خاصة صلاة الجمعة والعيدين الكبيرين. قال إمام المسجد يحيى مو يونغ تشينغ: “كان شيخ مسلم مسن من سكان هذه المنطقة يمضي أكثر من ست ساعات للذهاب لأقرب مسجد لأداء صلاة الجمعة والعودة لمسكنه. وبعد بناء هذا المسجد أصبحت الأمور سهلة جدا له حيث يأتي لهذا المسجد ويؤدي الصلاة ويقول بصراحة وصدق المؤمن إن صدره يجيش بالإيمان والعواطف كلما يتأمل هذا المكان المقدس الرائع.”
ولأن هذا المسجد يقع بمنطقة الجامعات بمدينة شيآن وبين مراكز البحث والتطوير العلمي فقد مِنِ الله تعالى على القائمين عليه بأن ينهلوا من موارد العلم والمعرفة ويستغلوا التكنولوجيا الحديثة لخدمة الإسلام والمسلمين. ومن بين العديد من النقاط المميزة لهذا المسجد أن إمامه يحيى مو يونغ تشينغ شاب درس علوم الفقه والدين من منابعها بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجيد استغلال العلوم الكومبيوترية الحديثة ولذلك رأيناه يستعين بشاشة عرض وجهاز كومبيوتر وهو يلقي محاضرة دينية قبل خطبة الجمعة. معظم الحضور كانوا شبابا من طلاب العلم يجعلون من يراهم سعيدا مطمئنا على أن الإسلام بأيدُ أمينة في الصين. هناك تقليد متبع بالمساجد الأخرى في الصين وهو أن مهمة الوعظ محصورة في الإمام المعين من قبل لجنة الشئون الإسلامية بمنطقة المسجد ولكن هذا المسجد وعملا بروحية التسامح والاعتدال فإنه يسمح لكل كفء مؤمن صادق بأن يلقي الوعظ خدمة للإسلام والمسلمين. في يوم الجمعة الذي زرنا فيه المسجد كان الخطيب الأول شاب اسمه عبد الله وانغ يونغ باو حاصل على شهادة دكتوراه بالفقه وأصول الدين من الجامعة الإسلامية بماليزيا وأعد بحوثا عديدة لدراسة ما بعد الدكتوراه أبرزها بحوث حول الفقه الإسلامي والحضارة الإسلامية والتكافل والتأمين في الإسلام والتعاملات المالية في الإسلام وهما بحثان احتضنهما البنك الدولي لأهميتهما وتأكيدا لجدارة النظام المالي في الإسلام. ووسط هذه الأجواء المعطرة بذكر الله ورائحة الإيمان وفي ظل وجود التكنولوجيا الحديثة جاءت خطبتا الوعظ مجسدتين لحالة الإسلام والمسلمين الصينيين في ظل سياسة دينية وطنية تتيح للناس حرية المعتقد والتمتع بالحقوق المتساوية بين مختلف قوميات البلاد. وطالما ذكرنا القوميات المختلفة بالصين فلزام علينا التأكيد على حقيقة واضحة جدا وهي أن المسلمين الصينيين يمثلون قدوة حسنة لكافة مواطني البلاد من مختلف القومياتº لأنهم يؤدون عباداتهم وأمور دينهم الحنيف في ظل حقيقة يؤمنون بها فعلا وهي أن حب الوطن من الإيمان وتجسيدهم للوحدة الوطنية والتناغم الاجتماعي الأمر الذي جعل الإسلام مقبولا ومرحبا به منذ دخوله الصين قبل أكثر من 1350 سنة. إنهم يطبقون آيات الله تعالى في كتابه الكريم خاصة ما يتعلق بتقوى الله والعمل الصالح والسعي للرزق الحلال والإسهام الاجتماعي وهي أمور رئيسية حفلت بها خطبتا الجمعة.
قال الإمام الزائر للمسجد الدكتور عبد الله وانغ يونغ باو: “حالنا مثل حال كافة المسلمين بالعالم نركز أولا على أداء التزاماتنا الدينية المفروضة علينا في القرآن والسْنة ولا ننسى إسهاماتنا الاجتماعية للمسلمين وغير المسلمين فديننا الحنيف يوصينا باحترام الجميع وأن نكون مثالا للمؤمن الصالح النافع.” وفي هذا الإطار يحرص هذا المسجد على إلقاء خطب وعظ إرشادية في أمور الدين للمسلمين من كلا الجنسين ودورات تدريبية علمية ومهنية مفيدة لثلاثة أيام بالأسبوع من بينها يوم الجمعة المبارك.
وقبيل الأذان لصلاة الجمعة توافد المصلون على المسجد معظمهم شباب وبينهم طلبة عرب ومسلمون آخرون وصلوا تحية المسجد ثم جلسوا خاشعين منهم من يقرأ القرآن ومنهم من ينتظر خطبة الوعظ. ولما أقام الإمام الصلاة اصطف العشرات خلفه يرددون اسم الله سبحانه الذي تعهد بحفظ القرآن والدين إلى أبد الآبدين. وسلام عليكم بما صبرتم فنعم أجر الدنيا ونعم ثواب الآخرة.

قد يعجبك ايضا