بشيء من الوجع.. وبقليل من الضوء

ليلى إلهان

أنا حامل بالوقت
أريد أن يكون ولداً ذكياً
أن لا يتخلى عن أحلامه بسهولة
‏أن يزرع كل ليلة زهرة على قبر جدته
‏وأن يكتب قصائد من دموع وخذلان
أن يصرخ خلف غبار الأمكنة
‏وأن يسرق تمتمات
جسد متعب أضناه الخوف من الشحاذين
والأصدقاء
‏ابني الوقت مازال صغيراً
‏كي يدرك نزوحه من داخل رحمي
‏وأن يتنفس دهشة الحياة القاتلة
‏لقد أثقل حظي بالسوء
‏لم يتعلم ترتيب أفكاره
تقشير ضحكته الممتلئة بالخجل
لم يتعلم كيف ‏يشرب الليمون المُر
والابتهاج بتخزين الزمن
‏ كي لا أكبر في السن أمامه
‏أن لا يتحرش بفراشة جميلة
‏ وقعت بين هواجسه
‏وأن يحصد غبار التيه وحده
‏ويلبس الأمل
‏أن لا يخلع قلبه أمام الطغاة
‏أن يسير كنادل أنيق
‏يقدم سعادته للناس
‏يزرع ابتسامات ضالة
على مجرة بعيدة
‏كي أشعر بالفرح
وتضيء عزلتي
أن يرسم ملامح وجعي
على شمس حزينة وكفيفة
تضيء بيتي العتيق
وتجفف ملاكاً صدئاً
لا يحميه بريق الأمنيات
ابني ‏لم يتعلم شيئاً
في هذا السوق الغائر بالمصائب
لم يتعلم ‏أن السماء عارية
‏أن ينفخ في رئتي دخاناً وحزناً
‏وأن لا يخسر خشوع الخيزران أمام الريح
‏لم يتعلم من الغزاة سرقة القلوب
‏وقبعات المهرجين الموتى
‏وأن الله لن يغفر لهم أخطاء الحرب
‏وخطايا الحب
‏وأن الحجر الوحيد الذي في يده
‏ لن يكسر السماء برمية واحدة
‏ونافذة الفتاة التي كان يحبها
وسط هذا الرماد الغفير من الهزائم
‏يقف بلا سيقان
‏يحصد ما تركت له من عبث
وشتائم
يحصد أناقة مفخخة
ترمي برأسه بعيداً
يهترئ يتدحرج
يفوح عطره
على جسد المرأة الغريبة
‏أنا حامل بالوقت
‏الوقت المعلق على صدري
‏كغزال شريد
‏يضرب بخطواته الأرض
‏لا يكترث للصيادين
‏يحاول أن يقتل دود الجنة
‏أن يبيع المتاهات لذاكرة
‏متهمة بالذكاء والجنون
‏متهمة بخرق لعبة الدمى الشقية
‏وبخرق حاجز الأشواق
‏الوقت المعلَّق على الحائط
‏يعيش في عزلة حقيقية
‏لا يتسع حزنه هذا العالم
‏وقلوبنا المجروحة
‏لا يتسع حزنه لقصائد الشعراء
‏عندما يشعلون أوجاعهم بالغياب
فلا يستطيعون الابتسامة
‏الوقت يصعد إلى أرواحنا
‏لا يعشق الأكاذيب
‏ولا يهتم بامرأة مغرورة
تقف خلف الشمس
بأوصافها الجميلة
تنفخ اليأس
وبالصدفة تهترئ أسرارها
‏أنا حامل بالوجع
‏بالوقت المهدور خلف أقدامي المتعبة
‏بالأرصفة التي ما عادت صالحة
‏ بضم خطواتي إليها
‏الوجع الذي ماتزال قاماته ترابًا ورماداً
‏ولا يستطيع ردم أحلامي
‏العاشقان اللذان سرقا مني دفتر الذكريات
‏ومازالت محاولاتهما أوسع من الماضي
‏بشيء من الوجع
‏وبقليل من الضوء
‏النصف الآخر من العالم يبتسم
لقدري الغائب المرتبك
لعصافير الأقفاص الحزينة
لضحكات من ورد
‏ تضمني المسافة
‏الشجن المحفور على غيمة ونجمة
‏لا يفيض عمراً جديداً
‏أو حبا مزركشا بالألوان
‏لا يفيض راحة وأغنيات
‏أو ظلالاً من العدم
‏الشجن المحفور أعلى السماء
‏يرتطم بضوء مثقوب
يتأرجح بملل عابر بخاصرتي
يتأبط مقاسات الفوضى والشجاعة
يصيبني بالشعر والتخمة
وصخب مصباح كسول
لا يضيء دروبنا.

قد يعجبك ايضا