“لا يجمع الله بين عسرين”

 

حسن الدبعي

في ذروة الهلع العالمي من خطورة فيروس كورونا الذي مزق أوصال الدول على مختلف مستوياتها وإمكانياتها، لابد أن نتذكر بأن الإنسان مهما قويت شوكته وتعاظم جبروته فهو أمام فيروس لا يرى بالعين المجردة ضعيف وتافه، وعليه أن يتقين أن هناك من هو أقوى منه وأشد تنكيلاً وما هذا الفيروس إلا جند من جنوده من أجل فرملة جموح الإنسان وطغيانه وفساده وظلمه «ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون» صحيح هناك فساد متعدد الأشكال والألوان، فساد سياسي ، فساد اقتصادي ، فساد صناعي، فساد أخلاقي، فساد قيمي، تمادى الناس دولاً وأفراداً في ممارسته وكان لابد من الوقوف لهم بالمرصاد ليتذكروا أن الله سبحانه وتعالى لا يرضى بهذه الممارسات التي تفتك بالإنسان وتهينه وهو مخلوق مكرم « ولقد كرمنا بني آدم».
لكنه في خضم الأطماع والاستقواء والاستئثار التي تقوم به الدول العظمى في حق المجتمعات الفقيرة وطحنها في الأزمات والمشاكل والحروب كان لابد لخالق الأقوياء والضعفاء أن يتدخل لتصحيح مسار البوصلة وينصف كل مظلوم على هذه الأرض.. وتدرك الدول التي ترى نفسها أنها فوق الناموس الإلهي أن رب الناس لا يقبل أن يُظلمَ مخلوق من مخلوقاته، وأنه قادر أن يفتك بالمجرمين والمتعالين أينما كانوا وبسلاح لا يتصوره هذا الإنسان الذي جعل من نفسه نداً لرب العالمين (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا)..
وسبحان الله نرى مجموعة العشرين وهي الدول التي تتسيد الاقتصاد العالمي وتنهب ثرواته تضخ في يوم واحد خمسة تريليون دولار لمواجهة وباء كورونا وتبعاته (فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)
في بلداننا العربية نشاهد اتساع الانسلاخ الأخلاقي حيث أصبحت بؤراً للقذارات والخروج عن المألوف من خلال انتشار المراقص وبدرومات الفجور وما الإمارات والسعودية منا ببعيد، ناهيك عن البلدان العربية التي اتخذت من العلمانية ديناً جديداً يبيح كل محظور، حتى ضاقت الصدور من هذه السفالات، ولكبح جماح هذه الظواهر لم يعاقبنا الله سبحانه وتعالى بالظواهر الكونية الناسفة لكل كائن حي وإنما بعث لنا جنوداً صغاراً من جنوده لا ترصدهم الأعين (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ).. نحن لا نلوم أمريكا والدول الأوروبية على فسادهم الأخلاقي والقيمي ولكن نلوم من يتذرع بالإسلام ويعرف ما قال الله ورسوله ثم يرمي بتعاليم دينه عرض الحائط تقليداً للمجتمعات المنفلتة التي لا تلقي بالاً للعفاف والفضيلة.
إننا أمام امتحان عسير وبلاءٍ مستطير يجب أن يراجع كل منا سلوكه تجاه نفسه وتجاه مجتمعه وتجاه محيطه، فالإسلام لا يعرف المداهنة والتعامل مع من لا يأمر به الله من منطلق مسايرة التطور الحضاري أو التعايش الإنساني، ولكنه قدم للبشرية ديناً قيماً مشبعاً بالأخلاق والتآلف والتراحم ونشر الفضيلة والقيم الرفيعة حتى يجنبنا مثل هذه المصائب التي تأتينا من فوقنا ومن تحت أرجلنا (أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)..
من جانبنا نحن اليمنيين، فنحن شعب مظلوم تخيم عليه أجواء حرب مستعرة منذ أكثر من خمس سنوات تسببت في مضاعفات سلبية على معيشة الناس وتدهور كبير في الخدمات الأساسية، ولا سمح الله لو وصل إلينا هذا الفيروس القاتل كيف سنتمكن من مواجهته في ظل هكذا ظروف لكننا رغم هذه المخاوف نغلِّب الرجاء والأمل في لطف الله وعنايته ورحمته بنا، كما أننا واثقون أكثر في أن الله سبحانه وتعالى لا يجمع بين عسرين فهو القائل: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) أكدها مرتين، فليست لدينا القدرة وهو أعلم بضعفنا على مواجهة عدوان عسكري ظالم ووباء يسحق الأجساد عجز الطب والهيلمان الدولي عن التصدي له، فربما تشفع لنا شهادة الرسول الأعظم محمد بن عبدالله أننا أبناء يمن الإيمان والحكمة.. وإننا أكثر الشعوب تقرباً إلى الله نسأل الله العلي القدير أن يشملنا برحمته وأن يجنبنا تبعات أعمال المفسدين لاسيما المحسوبين على الإسلام واللاهثين وراء أعداء الله.. إنه سميع مجيب.

قد يعجبك ايضا