الدفاعات الجوية.. بين التخريب والتدمير والبناء والتطوير

 

قوة أي بلد بعد الإيمان والثقة بالله تكمن في قوة الردع التي يمتلكها ، ولذلك نشاهد الكثير من الدول والأنظمة التي تعكف على بناء منظوماتها الدفاعية ، وتسخر كل طاقاتها وإمكانياتها من أجل الوصول إلى القوة المنشودة ، التي تواجه بها أي خطر يتهددها ، وفي بلادنا ورغم كل الظروف التي كانت مهيئة لتطوير وتحديث قوة الردع اليمنية ، والذهاب نحو التصنيع مستفيدة من العقول والكفاءات والخبرات اليمنية التي تمتلكها مختلف الوحدات العسكرية ، إلا أن مجال التصنيع الحربي العسكري ظل مغيبا تماما نزولا عند الرغبة الأمريكية وتماشيا مع السياسة السعودية التي كانت تدار بها اليمن ولا يمكن تجاوزها .

عبدالفتاح علي البنوس

النظام والعمالة والإرتهان للخارج
عمل النظام السابق على تقديم قرابين الولاء والطاعة للبيت الأبيض والرياض في سبيل الحفاظ على كرسي السلطة والبقاء أطول فترة ممكنة ، فكانت اليمن دولة خاضعة للوصاية السعودية وللسياسة الأمريكية ، وهو السبب الذي أطال بقاء هذا النظام لقرابة 33عاما ، فكانت اليمن مسرحا للتدخلات الخارجية في سياستها ، وظلت حديقة خلفية للسعودية تسرح وتمرح فيها معتمدة على أذنابها وأدواتها وظلت كذلك إلى أن نجحت ثورة 21سبتمبر 2014في إسقاط الوصاية السعودية وقطع أياديها الممتدة إلى الداخل اليمني ، وإسقاط أذنابها الذين مثلوا اليد السعودية الطولى داخل اليمن من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه.
أمريكا والشروع في تدمير الدفاعات الجوية اليمنية
كم هو مؤلم جدا عندما تشاهد بأم عينيك قيادات ومسؤولين أمريكيين وهم يقومون بتفجير الصواريخ والمنظومات الدفاعية لبلدك ، والإشراف المباشر على تدميرها والتي تم شراؤها منهم بمبالغ طائلة من أموال الشعب اليمني ، والأكثر وجعا ، والأشد إيلاما عندما تشاهد بجانبهم مجموعة من الضباط اليمنيين الذين طالما تغنوا بالوطنية وحب الوطن ورفعوا شعارات (اليمن أولا) و ( اليمن في قلوبنا) ، قيادات ظنناها مشبعة بالوطنية ، وهتفنا بالحياة لها ، وطبلنا وزمرنا لحضرة جنابها ، وملأنا الدنيا ضجيجا من أجلها ، وكتبنا فيها المقالات ، وصغنا في مدحها الكثير من الرسائل والمنشورات ، ونظمنا الكثير من القصائد والموشحات ، وتسابقنا على شراء صورها وتعليقها في المنازل والساحات ، ورفعنا من أجلها الأعلام والرايات ، وهتفنا بإسمها في المحافل والمهرجانات ، وتحملنا الجرع والأزمات ، وطوينا من أجلها الملفات ، وقلنا ما فات مات ، وإذا بها تتبدى في أقذع الصور والهيئات ، لتحدث عن نفسها بالعمالة للسعودية والإمارات ، وبأن وطنيتها كانت مجرد شعارات وشماعات ، وأن حقيقتها مرة تفوق كل التصورات ، وأن خيانتها فوق كل التقديرات ، بعد أن كنا نعتقد بأنها فوق مستوى الشبهات.
إرتهان النظام لأمريكا ومشروع الخيانة والعمالة
عمل النظام السابق على الإرتهان للأمريكان ، وتسليمهم اليمن على طبق من ذهب ، بالتزامن مع توجه مماثل مع السعودية بواسطة أدواتها الذين كانوا يمسكون بمفاصل الدولة من أجل البقاء على كرسي السلطة ، ولذلك شاهدنا السفراء الأمريكان الذين تعاقبوا على إدارة السفارة الأمريكية في صنعاء ، يسرحون ويمرحون في البلاد ويقومون بالزيارات وعقد اللقاءات مع القبائل والأحزاب ، ووصل بهم الحال إلى التدخل في تسمية بعض مسؤولي الدولة من خلال العلاقات الخاصة التي صنعوها معهم خارج دائرة الدولة ، وصارت السفارة الأمريكية أشبه بمصلحة شؤون القبائل ، لقاءات وتحركات مشبوهة ، جعلت من اليمن دولة خاضعة للهيمنة الأمريكية.
بداية المؤامرة الأمريكية العفاشية
في أغسطس من العام 2004م بدأ الأمريكان يحيكون خيوط المؤامرة على اليمن ومنظومتها الدفاعية الجوية بالتنسيق مع عفاش وحاشيته العسكرية المقربة منه يقيادة عمار محمد عبدالله صالح وكيل ما كان يسمى بجهاز الأمن القومي ، حيث بدأوا بجمع المعلومات حول هذه المنظومات بهدف تدميرها بذريعة الحيلولة دون حصول ما يسمى بتنظيم القاعدة عليها في استهداف الطائرات المدنية والمطارات وتنفيذ أعمال إرهابية حد زعمهم ، وهو مبرر واهن ، فيه إساءة للنظام السابق ، كونه يظهره غير قادر على حماية نفسه من مليشيات إجرامية هي في الحقيقة تابعة للنظام الأمريكي وممولة من ممالك النفط الخليجي ، ولكن انبطاح النظام وعمالته للأمريكان جعلته ينساق خلف المبرر الأمريكي طمعا في الحصول على الامتيازات التي عرضها الأمريكان عليه مقابل تدمير الدفاعات الجوية اليمنية ، حيث سارع البيت الأبيض إلى إرسال وفد عسكري إلى صنعاء يضم رئيس مكتب إزالة الأسلحة بوزارة الخارجية الأمريكية دينيس هادريك وضابط الارتباط سانتو بوليتزي والخبير التقني بالمكتب نيلز تالبوت ومسئول العلاقات الخارجية للمكتب بوزارة الخارجية لوري فريمان ، مع الملحق العسكري بسفارة واشنطن في صنعاء للترتيب لعملية تفجير الصوا
ريخ اليمنية بالتنسيق مع النظام السابق الذي أوكل المهمة للعميل عمار عفاش ، وقامت الولايات المتحدة عبر وزارة خارجيتها بتكليف شركة “رونكو” الأمريكية المتخصصة في التعامل مع المتفجرات لتنفيذ المهمة.
حصاد المؤامرة ما بين 2007-2014م
تفاصيل هذه المؤامرة كشفتها السلطات الأمنية التي قامت بنشر تفاصيلها ومشاهد عمليات التفجير ، حيث أشارت إلى أن ( الدفعة الأولى من صواريخ الدفاعات الجوية والتي تم تفجيرها بمنطقة الجدعان بمحافظة مأرب بتاريخ 28/2/2005م بعدد “1078” صاروخ سام 7 ستريلا و62 صاروخ سام 14 و20 صاروخ سام 16 بإجمالي “1161” صاروخ تم تدميرها فيما كانت عدد القبضات الخاصة بإطلاق صواريخ الدفاعات الجوية المحمولة على الكتف التي تم تدميرها 13 قبضة وعدد بطاريات الصواريخ والتي تم تدميرها 52 بطارية ) حيث تم توثيق ذلك بالصوت والصورة وتم عرضه في وسائل الإعلام ، أعقب ذلك ( عملية تدمير وإتلاف الدفعة الثانية من صواريخ الدفاعات الجوية بتاريخ 27 /7 /2009م في قاعدة عسكرية بوادي حلحلان بمحافظة مأرب بعدد 102 صاروخ دفاع جوي معظمها صواريخ سام 7 ستريلا وسام 14 وصاروخين سام 16 تم تدميرها، فيما كانت عدد القبضات الخاصة بإطلاق صواريخ الدفاعات الجوية المحمولة على الكتف التي تم تدميرها 40 قبضة وعدد بطاريات الصواريخ التي تم تدميرها 51 بطارية ) ولم تتوقف المؤامرة عند هذا الحد بل ذهبت إلى ما هو أكثر خطورة لاحقا.
مرحلة جديدة من التدمير الممنهج للدفاعات الجوية اليمنية
المؤامرة الخليجية التي حاولت من خلالها السعودية الحفاظ على النظام السابق عقب أحداث 2011، أوصلت الدنبوع عبدربه منصور هادي إلى السلطة رئيسا بعد توقيع عفاش على المبادرة الخليجية التي كانت في الحقيقة مؤامرة خليجية أمريكية مشتركة ، الدنبوع الذي وصفه عفاش (باليد الأمينة) تولى السلطة بعد تنصيبه رئيسا من خلال مسرحية الإنتخابات (أبو مرشح واحد) قوبلت حينها بمقاطعة القوى الثورية والتي رأت بأنها انقلاب على الثورة الشبابية السلمية ، وعلى الفور أعلن هادي قرابين الولاء والطاعة للبيت الأبيض والرياض وشرع في استكمال مؤامرة سلفه في تدمير المنظومة الدفاعية وتفكيك الجيش اليمني والعمل على تدمير الصواريخ البالستية اليمنية والتي كانت أمريكا ترى فيها مصدر خطر على مصالحها في المنطقة ومصدر تهديد للكيان الصهيوني وخصوصا في ظل تزايد القاعدة الجماهيرية لأنصار الله ، حيث شكلت عملية إعادة الهيكلة ضربة قاسية للقوات المسلحة اليمنية تمكن خلالها الأمريكان من الإطلاع على مقدرات الجيش اليمني وقوته الدفاعية وهي الخطوة الأولى التي سبقت العدوان على بلادنا الذي شنته أمريكا وإسرائيل عبر وكلائها السعوديين والإماراتيين حيث عملت أولى الغارات الجوية الغادرة في 26مارس 2015م على استهداف المنظومات الدفاعية في مختلف محافظات الجمهورية بعد أن تم تفكيك العديد منها وإخراجها عن الخدمة بتوجيهات من الدنبوع هادي لضمان عدم اعتراض الطائرات المعادية.
القيادة الثورية الوطنية ومشروع البناء والتطوير لقوة الردع اليمنية
سياسة التدمير الممنهج للدفاعات الجوية من قبل القيادات العميلة السابقة ، قابلتها القيادة الثورية الوطنية ممثلة بالسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بسياسة مغايرة ومضادة لها تماما ، سياسة شعارها التطوير والبناء والتحديث للمنظومة الدفاعية وقوة الردع اليمنية في ظل ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد ، حيث نجحت هذه السياسة ، بعقول وخبرات يمنية وبإمكانيات ذاتية محدودة من تطوير الكثير من المنظومات الدفاعية الصاروخية والجوية ، وصناعة العديد من الأسلحة والذخائر ، أسقطت رهانات الأعداء وفرضت معادلات جديدة للحرب ، انتقلنا معها من الدفاع إلى الهجوم ، وصارت صواريخنا البالستية وطائراتنا المسيرة تدك العمق الإستراتيجي لدول العدوان ، وصار لليمن منظومات عديدة من الدفاعات الجوية اليمنية القادرة على إسقاط أحدث الطائرات الأمريكية والبريطانية ، وصرنا نفاخر اليوم بمنظومات ثاقب وفاطر وغيرها من المنظومات التي تم تطويرها وتحديثها بخبرات وعقول يمنية ، ترجمة لتوجهات القيادة الوطنية التي ما فتئت تعمل في جانب تعزيز القدرات الدفاعية ، والرد على الإجرام والوحشية السعودية الإماراتية الأمريكية الإسرائيلية التي تمارس ضد وطننا وشعبنا منذ خمس سنوات على مرأى ومسمع العالم أجمع ، والفرق هنا واضح بين قيادة عملية خائنة مرتهنة للأعداء ، مستعدة لبيع كل شيئ من أجل البقاء على كرسي السلطة ، وبين قيادة وطنية وفية مستقلة القرار والإرادة ، قيادة حرة مستعدة لأن تضحي بنفسها في سبيل الله من أجل أن يعيش شعبها ووطنها في أمن وأمان واستقرار وطمأنينة وراحة بال ، و بين قيادة تموت وهي تقاتل في صف العدوان ، وبين قيادة تعانق الشهادة في سبيل الله وتسعى من أجلها دفاعا عن الأرض والعرض والسيادة والشرف والكرامة ، و بين قيادة تبني وتطور قدرات بلادها الدفاعية في شتى المجالات ، وقيادة عملت على تخريب وتدمير الدفاعات الجوية اليمنية والقوات المسلحة اليمنية ، وتخريب وتدمير اليمن ، وقتل أبناء الشعب اليمني ليرضى عنها الأمريكي والسعودي.

قد يعجبك ايضا