قطاع المياه يعاني من مشاكل بنيوية وإصلاحه ضرورة ملحة



, ينبغي مراجعة البنية التشريعية والقانونية ذات الصلة بقضايا المياه

, لا بد من إنتاج زراعي مستدام لمواجهة ندرة المياه

, إصلاح قطاع المياه يجب أن يرتقي إلى مستوى الأجندة السياسية والاقتصادية

لقاء/ عبدالناصر طربوش

> من المعلوم أن اليمن تواجه تحديات كبيرة فيما يتعلق بإدارة الموارد الطبيعية وخاصة قضية الأراضي والمياه حيث يعد التزود بهذه الموارد بطيئاٍ للغاية كما أنه مهدد بسبب الزيادة السكانية العالية والتدهور البيئي إلى جانب الآثار الناجمة عن التغيرات المناخية.. ولتسليط الضوء أكثر حول هذا الموضوع كان هذا الحوار مع المهندس توفيق عبدالواحد الشرجبي وكيل وزارة المياه والبيئة لشؤون المياه.

¶ ماذا عن مستقبل اليمن المائي¿
– اليمن إحدى أكثر الدول فقراٍ بالمياه وتأتي في مؤخرة الدول التي يقل نصيب الفرد فيها من المياه المتجددة إلى ما دون خط الفقر المائي بعدة أضعاف وأكثر من نصف احتياج السكان من المياه يتم تغطيته من موارد المياه الجوفية حيث يتجاوز حجم العجز في الموازنة المائية في اليمن إلى مليار ونصف متر مكعب ومعدل الهبوط السنوي لآبار المياه الجوفية يصل إلى حدود السبعة الأمتار مشيرا في الوقت ذاته إلى أنه لا يزال أكثر من نصف السكان لا يحصلون على خدمات مياه مأمونة.
مشاكل بنيوية
¶ ما أهم المشاكل التي يعاني منها قطاع المياه¿
– قطاع المياه يعاني من مشاكل بنيوية معقدة ليس أقلها ندرة المياه وسوء الإدارة وتدني القدرة الاستيعابية لمؤسسات القطاع وارتفاع حجم وعمر المديونيات والتضخم الوظيفي بكفاءة متدنية إلى جانب ضعف القدرة على تطبيق القانون عموما وضعف التنسيق والتواصل مع الجهات ذات العلاقة ومحدودية الموارد المالية المتاحة للاستثمار وارتفاع نفقات التشغيل والصيانة وعدم القدرة على تجنيب مخصصات إهلاك الأصول وتدني التعرفة والغياب التام لمراكز البحث العلمي وآلية اعتماد الموازنات الحكومية المنحازة كليا للإنفاق الرأسمالي إلى جانب مجانية مياه الري التي تستهلك أكثر من 90% من موارد المياه المتاحة وبكفاءة متدنية ما دون نسبة 35% تقريبا.
إن مدراء مرافق المياه يبذلون جهودا استثنائية ليتمكنوا من صرف مرتبات العاملين والاستمرار في التشغيل نهاية كل شهر والبعض لا يتمكن من ذلك دون دعم مباشر للموازنة التشغيلية من الحكومة ونشدد على ضرورة وضع معايير كمية للإنفاق على مختلف أوجه النشاط في مرافق المياه وتحديد حجم الدعم والاستثمار الحكومي بناء على مؤشرات الأداء والكفاءة الاقتصادية للمرافق كوحدات إنتاجية كما يجب أن تكون تدخلات السلطة المحلية إيجابية.
¶ ماذا عن دور الأجهزة المركزية كوزارة المياه والمالية والتخطيط¿
– فيما يتعلق بهذه الأجهزة ينبغي أن نشكل عوامل دفع للأمام لمساعدة هذه المرافق على أداء مهامها في ظل هذه الأوضاع الصعبة ونشدد على ضرورة أن تعمل المؤسسات والمرافق على المشاركة في أسواق المياه من خلال تخصيص نقاط بيع المياه للناقلات الأمر الذي سيساهم في ضبط الجودة والسعر أيضاٍ.
¶ ماذا عن خدمات المياه في المناطق الريفية¿
– قال أعتقد أن من الأهمية هو العمل على إعادة هيكلة قطاع مياه الريف على أسس لا مركزية تراعي مبدأ الاستدامة ومشاركة المجتمعات المحلية في مختلف عمليات الإعداد والتحضير والتنفيذ للمشاريع وكذلك الحال فيما يتعلق بمياه ري المزروعات المستخدم الأكبر للمياه في اليمن إذاٍ لا بد من إعادة النظر في العديد من الممارسات السلبية في هذا الجانب والعمل ضمن منظومة الإدارة المتكاملة للموارد المائية سواء في مجال المياه الجوفية والتوسع في شبكات الري الحديث وخطوط النقل أو في مجال تحسين الجريان السطحي للسيول لزيادة التغذية وتطوير منشآت الري في المواقع المدروسة بيئياٍ واجتماعياٍ لرفع معدل الافادة من المياه السطحية والجارية ويجب تحسين حجم الاستثمارات الحكومية لهذا القطاع نظرا للتحولات الكبيرة التي شهدتها اليمن في مجال استغلال المياه للأغراض الزراعية والانتقال من الزراعة المطرية إلى الزراعة المروية التي ارتفعت إلى مستويات عالية وبالمقابل انخفاض الزراعة المطرية إلى أقل من النصف خلال الثلاثة عقود الماضية.
¶ ما هي التدابير الأخرى التي تساعد على إدارة الطلب على المياه¿
– الحد من الفاقد في مراحل ما بعد الحصاد والحد من النفايات وتقليل الطلب على المحاصيل المروية من خلال استبدالها بالواردات وتقليل نصيب الفرد من الطلب على المياه الزراعية دون التأثير على الإنتاج المحصولي وغيرها من الاجراءات التي لا يمكن إلا أن تكون ضمن نهج متكامل للمرافق الزراعية بالشراكة مع المجتمعات المحلية ومراكز البحث والإرشاد ولجان الأحواض.
¶ وماذا عن إمكان تغذية المياه الجوفية من خلال عمل حفر امتصاصية كبيرة¿
– هذا العمل بغض النظر عن جدواه من عدمه يجب أن يمر من خلال لجنة الحوض حتى لا نعطي رسائل غير مدروسة أنه لدينا حلول ناجعة لتغذية المياه الجوفية ما يدفع الناس إلى مزيد من الاستنزاف للمياه الجوفية فالبئر والحاجز والحفرة أيضا يجب أن تأخذ ترخيصا من لجنة الحوض وفقا للقانون فهذه باعتقادي مسؤولية قانونية وأخلاقية كبيرة.
¶ هل ما زالت الإدارة التقليدية لموارد المياه قائمة¿
– الإدارة التقليدية لموارد المياه لم تعد قائمة اليوم والسياسات الراهنة ليست قادرة على الاستجابة لمتطلبات الواقع الأمر الذي يفرض بالضرورة تبني سياسات جديدة في مجال إدارة الموارد المائية تراعي مبدأ الاستدامة للموارد والأنشطة المنتفعة منه لمساعدة السكان على الاستقرار والإنتاج.
ويجب التركيز على الأدوات الاقتصادية المهمة مثل السعر والضريبة والغرامات وكذلك الحوافز لتشجيع الممارسات الإيجابية من المهم وضع سياسات اقتصادية ترفع كلفة الاستثمار في المياه الجوفية ووضع رسوم على الاستخدام لصالح تنمية المورد.
كما ينبغي مراجعة البنية التشريعية والقانونية ذات الصلة بقضايا المياه لناحية تنظيم سلوك المستثمرين ومستخدمي المياه وتنظيم الأسواق والرقابة عليها ورفع قضايا المياه إلى مستوى القضايا الجنائية وإنشاء ضابطة عدلية خاصة بالمياه.
¶ ذكرت في إحدى مقابلاتك كلمة النمو التعطيلي.. ما معنى هذا النمو وما هي آثاره¿
– النمو التعطيلي يقصد به الزيادة السكانية العالية وانهيار انماط الحياة التقليدية ونقص الاراضي الصالحة للزراعة مكننة الاعمال الزراعية ندرة المياه عدم وجود بدائل اقتصادية لمواجهة تفتت ملكية الأراضي بالنظر إلى نظام المواريث السائد.. تراجع دور الدولة والتداخل بين اصحاب النفوذ والتاثير الاقتصادي والمالي والمستويات العليا من الأجهزة السياسية والادارية وعبئية السياسات الإنمائية والخطط الخمسية التي كان يظن انها ستقوم بمعجزة زحزحة مجتمع بأسره في غضون سنوات قليلة باستخدام أدوات عاطلة وبناء مؤسسة غير شغالة وتعليم غير منتج إلى جانب المركزية الادارية وضعف القدرة المجتمعية على التكيف مع النمو السريع للمدن والاسواق وعوامل التقينة وانخفاض كلفة النقل والمواصلات.
وعن آثار النمو التعطيلي..
أنه أدى في نهاية المطاف إلى تكوين أحزمة من الفقر والتشرد حول المدن الرئيسية وعواصم المحافظات وشكل ضغطا كبيرا على الموارد والخدمات وراكم جبالاٍ من التعقيدات أمام الحلول بما يمتلكه هذا الوضع من سلطة تجميدية هائلة لمختلف الحلول البديلة الأقل كلفة خصوصا في ظل القيود العالية على الهجرة الخارجية التي ساهمت في الماضي في حل مشكلة الزيادة السكانية في مناطق أخرى من العالم.
¶ ما هي الحلول المطروحة من أجل الحفاظ على المياه¿ ودور الزراعة في ذلك¿
– يجب التركيز على السياسات والاستثمارات وأساليب العمل والممارسات اللازمة لتحقيق إنتاج زراعي مستدام في ظل ظروف ندرة المياه من خلال تحليل تكاليف الإنتاج للغذاء على المستوى الوطني وملاءمة وفرة المياه مع استخداماتها لتحديد المجالات ذات الأولوية لتحسين إنتاجية الموارد المائية عموما وإدارة المياه الموجهة للأغراض الزراعية خصوصاٍ بما في ذلك مختلف المحاصيل والثروة الحيوانية والغابات ومصائد الأسماك والمزارع المائية وغيرها.
وقال نحن نفهم أن الزراعة تقوم بدور كبير فيما يتعلق بتوفير الغذاء وتقليل معدلات الفقر والتنمية الاقتصادية وحماية البيئة بغض النظر عن مساهمة هذا النشاط في الناتج المحلي.. الامر الذي يوجب التركيز بصورة أكبر على التخطيط والإدارة المتكاملة للموارد المائية لرفع فعالية المياه والنهوض بالانتاجية بدلا من تحقيق الحد الأقصى من العوائد وتحسين الكفاءات التقنية والإدارية في مجال استخدام المصادر البديلة لمياه الري ورفع مستوى التنسيق والشراكة بين القطاعات المعنية بإدارة واستخدام المياه وتحسين الروابط ما بين البحوث والتوعية ومكافحة التلوث بمختلف انواعه وزيادة الاهتمام بإدارة الطلب على المياه بدلاٍ من العمل على زيادة الامدادات سواء من خلال رفع الكفاءة الاقتصادية لقيمة المياه كمورد طبيعي أو من خلال النهج التشاركي اللامركزي في إدارة الموارد والخدمات والعمل داخل وفيما بين القطاعات المعنية لإعادة تخصيص الموارد المائية بين القطاعات.
وفي الأخير يعتبر الوكيل الشرجبي أن ثمة أهمية بالغة اليوم للكف عن العمل كالمعتاد ومراجعة السياسات واساليب الاستثمار القائمة فقد ضخت معظم بلدان المنطقة استثمارات كبيرة في البنية التحتية لزيادة الإمداد بالمياه ويبدو أن الخيار قد وصل إلى أقصى حد له حتى الآن.
ولعل اعتماد موازنة البرامج والأداء بدلا عن نمط يمكنه أن يشكل الفارق ويساعد في تثمير الانفاق الحكومي على مختلف قطاعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويعطي رسالة واضحة أن ثمة اتجاها حقيقيا للتغيير في اليمن.
مؤكدا أن أي أجندة للاصلاح في قطاع المياه ينبغي أن يكون على مستوى الأجندة السياسية والاقتصادية للبلد برمته.

قد يعجبك ايضا