اليمن .. شعب يجوع ولا يُهزم

رشيد الحداد
بعد خمس سنوات من العدوان والحصار لايزال الشعب اليمني صامداً رغم جراحه، وشامخاً رغم تدهور أوضاعه الاقتصادية والإنسانية، جاع ولم ينكسر أو يذل ، واجه الحرب الاقتصادية والمالية التي فرضها العدوان ونفذ البعض منها أدواته بالمزيد من التضامن والتكافل الاجتماعي ، رغم تعرضه لعدوان غاشم وحصار ظالم وتشرد 3.4 مليون إنسان واجه التشرد بحكمة وفتحت منازل الريف أبوابها لمشردي المدن والعكس ليقدم نموذج فريد في التعامل مع الأزمات الداخلية ، هذا الشعب الذي دفع فاتورة إنسانية كبيرة لهذا العدوان ومع ذلك ظل يتقاسم لقمة العيش الكريم مع أبطال الجيش واللجان الشعبية في مختلف الجبهات مقدماً قوافل غذائية تعكس كرم اليمنيين وتأزرهم وقت الشدائد.
خمس سنوات من العدوان والحصار انهارت فيها الخدمات الأساسية والإنسانية واستهدفت البنية التحتية وضربت المصانع والمزارع والطرقات والجسور وشبكات الكهرباء والاتصالات وعزل اليمنيين عن العالم، عاش فيها الشعب اليمني تجربة قاسية ولكنهم تغلبوا فيها على كافة تداعيات الحرب العسكرية والاقتصادية وأسسوا لمرحلة جديدة من الإنتاج الاقتصادي بدأت من الصفر ومن منازل الآلاف من الأسر اليمنية انطلقت ماكنات الإنتاج كخطوات أولى نحو الاكتفاء الذاتي من الغذاء والكساء دون تدخل الدولة أو دعم القطاع الخاص.
تداعيات العدوان والحصار كانت كبيرة وليست هينة فالأرقام تتحدث عن أكثر من 28مليون إنسان يمني يحتاجون إلى المقومات الأساسية للبقاء، من غذاء ودواء ومياه وكهرباء وصحة وتعليم ، و24 مليوناً بحاجة إلى مساعدات إنسانية منهم 12 مليون بأمس الحاجة إلى تلك المساعدات ، ومعدلات الفقر ارتفعت إلى أكثر من 85 % ومعدلات البطالة تجاوزت 67 % ، بعدما فقد الملايين من اليمنيين فرص أعمالهم وانكمش الاقتصاد أكثر من 50 % وتدهورت بيئة الأعمال وتراجعت الاستثمارات المحلية والأجنبية إلى أدنى المستويات وتوقفت المصانع واستهدفت الأسواق العامة وتوقفت كافة مصادر الدخل من العملة الأجنبية بسبب القيود المالية التي فرضها العدوان على البلاد والتي أدت إلى تراجع حاد في الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي قبل وبعد نقله من صنعاء إلى عدن ، وتدهور سعر صرف العملة الوطنية بنسبة 186 % في خمس سنوات.
جراء ذلك ارتفع معدل التضخم إلى أكثر من 45 % وتراجع معدل الدخل الأسري بنسبة 55 % ، وأحرم 1.2 مليون موظف يمني يشكلون 22 % من القوى العاملة من رواتبهم بقرار من قبل حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي التي فرضت سياسة التجويع على 4.7 مليون شخص يمثلون أسر موظفي الدولة.
وقع العدوان والحصار كان شديداً على مختلف القطاعات الاقتصادية خلال العام الأول من العدوان والحصار فالناتج المحلي الإجمالي الحقيقي تراجع بنسبة 30,46 بالسالب خلال العام 2015م، لكنه تراجع العام الثاني للعدوان إلى 14.61 %ٌ بالسالب أيضا ، وفي العام 2017، تحسنت المؤشرات تدريجياً ليتقلص التراجع إلى 9.96 % ، وخلال العام الثالث للعدوان لم يتراجع الناتج المحلي الإجمالي سوى 0.78 % ، وفي العام الرابع سجل 9.0 %ٌ ، والعام الحالي سجل 4.0 % ، ذات الصدمة كانت في نسبة عجز الموازنة العامة الكلي إلى الناتج المحلي الإجمالي التي بلغت خلال العام الأول للعدوان 14.96 % وفي العام الثاني بلغت 14.52 % ، وخلال العام 2017م بلغت 7.89 % ، وسجلت 7.37 % عام 2018م ، وفي العام 2019م بلغت 9.3 % ، والعام الجاري يتوقع أن تصل 8.6 %.
وتشير التقارير الرسمية وتقارير منظمات المجتمع المدني إلى فداحة الجريمة التي ارتكبها العدوان ضد اليمن واقتصاده ، وتقدر الخسائر المباشرة للاقتصاد الوطني بـ 99,5 مليار دولار ، وتقدر خسائر تقديرية للاقتصاد القومي الأولية في مجال البنى التحتية والمنشآت الإنتاجية والخدمية بلع خلال الفترة 2015م 2019م ما يقارب 129 مليار دولار ، بينما تقدر خسائر موازنة الدولة العامة خلال الفترة ذاتها بأكثر من 40 مليار دولار ، وبلغت خسائر الإنتاج المحلي الإجمالي 71 مليار دولار ، وقدرت خسائر الناتج المحلي الإجمالي بـ 71 مليار دولار خلال الأربع السنوات الماضية ، كما قدرت وزارة التخطيط تكلفة الفرصة الضائعة في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة لعام 2010 بحوالي 49.8 مليار دولار خلال الفترة 2015م 2019، وازداد الوضع تعقيداً مع انقسام المؤسسات الاقتصادية وتعثر قطاع النفط والغاز وتفاقم ظاهرة الفقر وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية وتردي الخدمات الاجتماعية الأساسية.
وبموازاة ذلك اتجهت دول العدوان وحكومة هادي إلى تجفيف مصادر الدخل الوطني من كافة الإيرادات وإغلاق كافة القنوات المالية المتدفقة للبنك المركزي والتي تغذي الإنفاق العام، ومكن تحالف العدوان حكومة هادي من السطو على الإيرادات العامة للدولة في المحافظات الجنوبية والشرقية التي كانت تمثل 75 % من الإيرادات في البلاد ، والعبث بوظائف البنك المركزي من صنعاء إلى عدن ، والعبث بوظائف البنك ابتداء بطباعة تريليون و720 مليار دولار ، وكذلك تعويم الريال اليمني أمام العملات الأجنبية بقصد المضاربة بالعملة في السوق والتلاعب بها من أجل تمرير مخطط العدوان وتضييق خيارات العيش الكريم على كافة أبناء الشعب اليمني.
أضرار العدوان والحصار طالت القطاع النفطي المحرك الرئيسي لاقتصاد البلاد، ويمثل 70 % من موارد الموازنة، و63 % من الصادرات، و30 % من الناتج المحلي، وأكثر من 60 % من موارد النقد الأجنبي ، ووفقا لأخر تقديرات وزارة النفط بصنعاء فإن الخسائر وصلت 26 مليار دولار و56 مليار ريال يمني تمثل خسائر القطاعات النفطية للوزارة والوحدات التابعة لها والمعادن جراء العدوان.
ووفقا للإحصائيات تكبد القطاع السمكي أكثر من 5.6 مليارا دولار كخسائر في البنية التحتية للقطاع السمكي ، وتشير التوقعات إلى أن الإحصائية النهائية والمباشرة وغير المباشرة للخسائر والأضرار التي طالت هذا القطاع نتيجة العدوان والحصار قد تقارب 10 مليار دولار ، وانكمش قطاع البناء والتشييد 59,2 %، وقدرت وزارة التخطيط بصنعاء خسائره بـ 2,5مليون دولار، كما تكبد قطاع الجملة والتجزئة الذي يشكل 17 % من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 47 % خلال السنوات الماضية وقدرت الخسائر المباشرة بنحو 6.9 مليار دولار، كما انكمش قطاع الاتصالات بنسبة 53 % ،وقدرت الخسائر بـ 1.2 مليار دولار ، وانكماش قطاع النقل بـ64 % خلال السنوات الماضية وبخسائر تصل إلى 6 مليار دولار، ووفقا لإحصائيات وزارة الزراعة فقد بلغت الأضرار المباشرة وغير المباشرة التي تكبدها هذا القطاع خلال خمس سنوات من العدوان إلى 16 مليار دولار، وتفيد التقديرات الأولية إلى انحسار الإنتاج الزراعي بنسبة 40 % في البلاد خلال السنوات الماضية.
رغم ما سبق من أضرار مباشرة وغير مباشرة لم ينهر الاقتصاد اليمني وإن تراجعت مؤشرات نموه للأدنى وظل صامداً ومتماسكاً، بعكس حسابات تحالف العدوان السعودي الأمريكي التي اتخذت من ضرب الاقتصاد الوطني وسيلة لتركيع الشعب اليمني وإجباره على الاستسلام، إلا أن الواقع الاقتصادي اليمني بعد خمس سنوات من العدوان يؤكد أن الحسابات الاقتصادية للعدوان أخطأت، كما أخطأت الحسابات العسكرية في عدوانه على اليمن رغم تعاظم خسائر وتداعيات العدوان على الملف الإنساني.
اليمن اليوم وهو يستقبل العام السادس من العدوان والحصار يتجه نحو الاقتصاد المقاوم في شتى المجالات ولن تتوقف المواجهة الاقتصادية إلا بتحقيق التنمية الشاملة في ظل تحرر القرار السياسي اليمني من الهيمنة الأجنبية والوصاية السعودية.

قد يعجبك ايضا