«المسار التصاعدي» للصمود

 

وديع العبسي

لم يكن في ما طرحه السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في خطابه بمناسبة اليوم الوطني للصمود أي إنشاء حين اختزل المنجز خلال خمسة أعوم من العدوان في توصيفه له بـ(المسار التصاعدي)، المعطيات والشواهد التي بدأت باهتة لانهيار البنية التحتية العسكرية والاقتصادية مع الشهور الأولى من العدوان، ما لبثت أن كشفت عن حجم كبير للإرادة والثقة في تغيير معادلة المواجهة لتأخذ في تتابعها التطوري مسارا تصاعديا، فبعد السكون عند (تلقي) الضربات وحينها كانت المؤسسة العسكرية في البلد في ما يشبه حالة الانهيار التام؛ بل إن «كل شيءٍ في البلد في بداية العدوان وفي كل مجال: على المستوى الاقتصادي، وعلى المستوى العسكري كان على شفى الانهيار، وكانت الوضعية- بحد ذاتها- مطمعة للعدو» كما طرح السيد القائد، صار الأمر في مرحلة لاحقة إلى (دفاع) ومن ثم (هجوم) ضمن ما عُرف بـ(عمليات توازن الردع) الأولى والثانية والثالثة والتي فرضت معطيات جديدة لمعادلة المواجهة لصالح جبهة الجيش واللجان.
والأكيد في الأمر انه لم يكن ليأتي مصادفة وإنما هو المدعوم بحالة الصمود العجيبة التي تحلى بها اليمنيون طوال سنوات العدوان، فيما كان تحالف العدوان حسب السيد القائد «يراهن على طول الزمن، على الاستنزاف الكبير، على استمراريته في الحصار، على استمراريته في الضغط الكبير، على أنه سيستنزفنا في القدرات، على أنه سيضعفنا كشعبٍ يمني، على أنه سيكسر إرادتنا، على أنه سيضرب ويحطم الروح المعنوية لنا كشعبٍ يمني، لكنه فشل»..
(المسار التصاعدي) وهو أيضا الإنجاز الذي جاء وفق ترتيب كان قد حذر منه السيد القائد في خطاب سابق باعتماد (الخيارات الاستراتيجية) والتي عليها تأسست النجاحات التي جرى تحقيقها لاحقا على أكثر من صعيد، أفقيا وتصاعديا، حين كان العالم على موعد مع تحول جديد في تعامل جبهة الدفاع اليمني مع غطرسة العدوان وتماديه في استهداف كل شيء وارتكابه للمجازر على مرأى ومسمع من العالم.
كان السيد جزيلا في خطابه وهو يؤكد على هذا المسار التصاعدي الذي اتسم به وضع البلد في جبهاته المختلفة، فكان الأمر بحق تصاعدا لمساري الشق العسكري في مرحلة المواجهة: تمثل المسار الأفقي فيه بتحرير عديد المناطق من أيدي المحتلين، وما رافق ذلك من تطور في التخطيط للمعارك والتكتيكات التي كانت دائما تؤتي ثمارها، وتشهد بذلك بدءاً من معركة (ذات السلالم)، مرورا بتنفيذ عمليات نوعية في العمقين السعودي والإماراتي، وكذا تطهير جبهة نهم كاملة وانتهاء بتحرير محافظة الجوف بدءاً بعملية (نصر من الله)، مرورا بعملية (البنيان المرصوص)، وانتهاء بعملية (عملية فأمكن منهم).
فيما تمثل المسار الرأسي بالقفزة النوعية التي حققها التصنيع العسكري والذي كان يشهد تناميا مضطردا حتى صار بمقدور هذه الجبهة تصنيع متطلبات المواجهة من (الكلاشنكوف إلى الصواريخ الباليستية والطائرات المسيَّرة) وهو ما كان قد أشار إليه أيضا السيد القائد في خطابه.. وقد اثبت السلاح المنتج محليا وبأيد يمنية قدرته الفعلية على اختراق كل خطوط العدو الدفاعية والوصول إلى الهدف وتحقيقه دمارا في عمق أراضيه ترتب عليه الكثير من الخسائر، و(ضربة أرامكو) لا تزال شاهدا على ذلك، وزد على ذلك أن العدو خسر بهذا الاختراق المتكرر سمعته الدفاعية وهو الذي امتلك أعتى أنواع السلاح والمضادات والراصدات لكل حركة في أجوائها وانسحب هذا الفشل على قدرة المنتج الأمريكي في تشكيل الجدار المانع والحامي لحظيرة البقرة الحلوب من أية ضربات.
لم يكن توقف السيد عند نقطة المسار التصاعدي ملخصا إنشائياً لكنه كان حقيقة، وكما قال «أوصلنا إلى مربع أو إلى موقع مهم جدًّا، موقع الانتصارات موقع تثبيت معادلات، وفرض توازن الردع، وهذا موقع متقدِّم جدًّا في المعركة»، على إن الأمر لم يقتصر على تحقيق الإنجازات الملحوظة على الصعيد العسكري وحسب، فمختلف المجالات كانت تشهد تصاعداً موازيا يؤكد على قوة الإرادة تلك والثقة بالقدرات الذاتية على وضع حد لطموح العدو، فالمسار التصاعدي حسب السيد القائد «أوصلنا اليوم إلى موقع متقدِّم في القدرات العسكرية، في التماسك الداخلي، في الضربات النوعية، في العمليات الميدانية الواسعة، وأوصلنا إلى وضعٍ إيجابي على مستوى التماسك الاقتصادي، على مستوى مسارات بناء مؤسسات الدولة، على مستوى تعزيز الأخوّة في الداخل، والتكافل الاجتماعي في الداخل، على مستوى تحسين كل مسارات العمل، على مستوى تعزيز حالة الأمن والاستقرار في الداخل».
والأمر على النحو لا شك بأنه قد فرض حاجة لدى العدوان ومن خلفه أمريكا للوقوف والتأمل في هذا المارد اليمني الذي يأبى أن ينكسر، وفيما هم ينتظرون أن يُعمل القصف والحصار عمله في إخضاع هذه الأمة إذا بها تجعل من يوم الـ26 من مارس يوم انطلاق العمل العسكري ضد اليمن يوما وطنيا تحتفي فيه بثباتها وصمودها في وجه عدوان لم يعرف التاريخ له مثيل.. إنها الإرادة، وإنها الثقة بالله، الله الذي يُكثر السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي دائما وفي كل مرة من التأكيد على أن أي نصر إنما هو من عند الله، وان العمل بمتطلبات الثقة بالله وحسن التوكل عليه كما ينبغي حتما توصل إلى الانتصار باعتباره وعداً من الله للصادقين.. قال جلَّ شأنه: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}[الطلاق: الآية3]، هو -جلَّ شأنه- القائل: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}[الحج: الآية40].
يقول السيد «من ينطلق معتمداً على الله -سبحانه وتعالى- واثقاً به، في الموقف الحق، متمسكاً بقضيته العادلة؛ يحظى من الله بالنصر، يحظى من الله بالعون، يحظى من الله بالتأييد، وهذه عبرة مهمة، وهذا درسٌ مهمٌ للغاية، نعتمد عليه في مواجهة كل التحديات مهما بلغت، ومهما كان مستواها، ومهما كان حجمها؛ لأن الله أكبر من كل ذلك، وأعظم من كل ذلك.»

قد يعجبك ايضا