استهداف العدوان للأحياء السكنية بالصواريخ ترك آثاراً نفسية مدمرة على الأطفال والنساء

أطفال: صوت الطائرات مخيف لأنها تقوم بقتلنا في كل مكان
نساء: لم نستطع إبعاد الرعب عن أطفالنا رغم المغالطة والتمويه
علم النفس: الأطفال والنساء أكثر الفئات الاجتماعية تأثراً بما تخلفه الحروب من آثار نفسية

أثبتت القوانين والأعراف الدولية فيما يخص تجنب الأطفال والنساء ويلات الحروب بأنها حبر على ورق فلو كانت عكس ذلك لما صمتت وغضت الطرف عن كل تلك الجرائم التي ارتكبتها آلة القتل التابعة لقوى العدوان الغاشم في حق أطفال ونساء اليمن منذ خمسة أعوام واكتفت بإلقاء بعض التصاريح الهزيلة والتقارير التي تفتقد لكثير من الشفافية وليس أدلّ على ذلك من حادثة إخراج السعودية من القائمة السوداء لقتلة الأطفال بعد أن مارست ضغطاً على الأمم المتحدة.
وفي ظل هذا وذاك يبقيان الطفل والمرأة اليمنية ضحايا حرب همجية بربرية لم تراع أبسط القوانين والحقوق الإنسانية وهذا ما سبب لهم الكثير من الأذى النفسي والذي بدوره أدى إلى مشاكل وأمراض نفسية.. في السياق التالي سنتعرّف سوياً على حجم هذه المشكلات وغيرها من التفاصيل:
الثورة/ نجلاء علي


– كنت دائماً أقوم بخداع ابنتي بأن أصوات القصف الجوي لطائرات العدوان الغاشم هو عرس لأحد الجيران، وكانت الأمور تسير على ما يرام.. هكذا استهلت أم غدير ذات الثالثة والعشرون ربيعاً قصتها حول ما حصل لابنتها جراء قصف الطيران. وأضافت: واصلت خداع أطفالي لمدة طويلة حتى أتت طائرات العدوان وبدأت تقصف جبل نقم بشكل هستيري، حينها لم استطع إخفاء الخوف وبدأت بالصراخ والاتصال بزوجي، كان كل الجيران يصرخون ويهربون فأخذت أطفالي وهربت من المنزل، وقبل أن أصل إلى الشارع العام أنفجر الصاروخ وتحول لون السماء إلى الأحمر، أغمي عليّ وقتها ولم استيقظ إلا وأنا في المستشفى وبجواري ابنائي وجيراني.. كانت ابنتي شاحبة اللون ودخلت في صمت عميق طوال الوقت، ومنذ ذلك اليوم وأنا وابنتي نخاف جداً لمجرد سماع صوت الطائرة أو أصوات الألعاب النارية في الأعراس.
حالة أخرى
عام 2015 قصفت طائرات العدوان مخيم المزرق في حرض فاختفى الطفل علي لأيام قبل أن يعثر عليه أقاربه على بعد كيلومترات من المخيم، سألوه لماذا تركتنا ووصلت إلى هنا؟! فأجاب: “أم طائرة تبهزني” كان الطفل علي الذي لا يتجاوز السابعة من العمر هو الناجي الوحيد من أسرته في قصف سابق للعدوان قبل أن يلجأ مع أقارب لعائلته إلى مخيم المزرق.
أصوات الرعب
– أسماء أم لثلاثة أبناء نزحت من محافظة تعز، لهول ما كانت تسمعه من انفجارات أفقدتها السيطرة على نفسها، أوضحت ذلك بالقول: عندما كنت أسمع أصوات القصف هرولت لأحتضن أبنائي الذين كان صراخهم وبكاؤهم في ازدياد، حاولت مراراً السيطرة على الوضع وتهدئتهم ولكني فشلت في ذلك فقررت حينها الرحيل إلى صنعاء، وحين وصلت إلى صنعاء استأجرت منزلاً بالقرب من قاعدة الديلمي الجوية وتفاجأت بقصف جوي عنيف وأصوات مخيفة، حتى أني لم أعرف ماذا أفعل ولم أتذكر حينها إلا أني كنت أصرخ وأركض من غرفة إلى أخرى وأبنائي يركضون خلفي فاقدين أي أمل للنجاة، ومنذ ذلك اليوم أصبحت أخاف من كل شيء حتى الأصوات العالية وأطفالي الصغار كذلك حتى أن التبول اللا إرادي بات يلازمهم في نومهم ويصرخون أثناء نومهم ليلاً، وهكذا أصبح حالي وحال أبنائي.
– يحكي لنا الطفل محمد تجربته مع العدوان الغاشم قائلاً: “كنت العب أنا وإخواني وأبناء حارتي فسمعنا صوت طائرات تحلق في السماء فجأة إذا بصاروخ يسقط ما أدى إلى حدوث صوت انفجار مخيف، أدركت لحظتها أني ميت لا محالة، هربنا أنا وإخواني واصدقائي وتفرقنا في الأحياء المجاورة لمنزلنا هرباً من الموت المؤكد ومنذ تلك اللحظة المخيفة وأنا أخاف كثيراً وأشعر بالهلع الشديد حين اسمع صوت الطائرات وأهرب سريعاً للمنزل ولا أغادره مطلقاً لعدة أيام، فطائرات العدوان تحاول قتلنا اينما كنا.
فوبيا الحرب
كشفت دراسة حديثة صدرت عن منظمة يمن لإغاثة الأطفال (YCR) حول الآثار النفسية للحرب على الأطفال في اليمن، أن 58.2 % من الأطفال اليمنيين ممن شملتهم الدراسة ينتابهم الخوف الشديد، فيما 37 % يعانون من قلق دائم واضطراب نفسي، وأفادت الدراسة التي استهدفت عينة من الأطفال في محافظات (أمانة العاصمة ومحافظة عدن، تعز، أبين) أن أسر 36.4 % أفادت بأن أطفالهم لا يشعرون بالأمان و32.7 % أفادوا بأن أطفالهم يعانون من مشاكل النوم بسبب الخوف من أصوات الطائرات الحربية وانفجارات الصواريخ للغارات الجوية.
وتصاحب المشاكل النفسية السابقة أعراضاً جانبية مثل «التبول اللاإرادي و الصداع وألم في الصدر، وأكدت الأسر أنها تضطر إلى «إعطاء أبنائها أدوية تخفف عنهم القلق والاضطراب وتهدئ من روعهم وتساعدهم على النوم»، وفقاً لدراسة منظمة يمن لإغاثة الأطفال.
آثار وتداعيات
الآثار والتداعيات الخطيرة للعدوان على الأطفال لم تقف عند حد القتل الجماعي بهم وبأمهاتهم وعائلاتهم بل امتد ليحرم الملايين منهم من التعليم وتلقي الأدوية والرعاية الصحية اللازمة والتي انعدمت وأصبحت في أدنى مستوياتها بسبب العدوان والحصار الجائر منذ خمس سنوات متتاليه.
ناهيك عن أضرار نفسية خطيرة قد تلازم أطفال اليمن منذ الولادة إلى مراحل متقدمة من حياتهم جراء الممارسات الإجرامية التي اقترفها العدوان بنفس الوحشية التي فتكت بالنساء ومن ذلك حالات ولادة لأطفال مشوهين والتي حدثت في أكثر من محافظة يمنية.
ومن جانبها تؤكد الدكتورة فتحية الشهابي – طبيبة في مركز التوحيد الطبي بمنطقة نقم شرقي العاصمة صنعاء – أن «ولادة الكثير من النساء الحوامل لأطفال مشوهين إنما يعود لاستنشاقهن الغازات المنبعثة من صواريخ وقنابل العدوان السعودي ومختلف المتفجرات والأسلحة المحرمة دوليا التي أثبتت منظمات دولية استخدامها من قبل الطيران السعودي في قصف المدن والمناطق السكنية في اليمن».
كما أن الآثار الناجمة عن العدوان تأخذ أشكالاً متعددة ودرجات مختلفة لدى النساء من الشدة وبحسب أخصائيين فان تلك الآثار تبدأ من الإحساس بالإحباط والقلق إلى الاكتئاب وأشكال أخرى من الأعصاب وقد يصاب بعض الأشخاص بخلل في الوظائف العقلية كالذاكرة أو ضعف التركيز أو الإدراك.
آثار نفسية
يؤكد المختصون أن الأطفال والنساء يظلون أكثر الفئات الاجتماعية تأثراً بما تخلفه الحروب من آثارٍ نفسية.. وتظهر هذه الآثار في عدة صور يذكرون منها على سبيل المثال لا الحصر: الفزع الليلي ومعاناة القلق والشعور بعدم الراحة.
والإصابة بحالة «الفوبيا» أو الخوف المرضي من الأصوات والظلام وكذلك الانتكاسة في بعض المهارات التي تم اكتسابها، فيظهر التبول اللاإرادي أو زيادة في التبوول إلى جانب ظهور بعض الاضطرابات السلوكية مثل قضم الأظافر والكذب، وظهور مشكلات في الكلام، كالتلعثم أو الفقدان الوظيفي للكلام وكذا حدوث اضطرابات الأكل لدى الأطفال وغير ذلك من الآثار التي يسعى العدوان بتعمده استهداف الأطفال والنساء اليمنيين كما يقول سياسيون وأكاديميون من اجل خلق جيل مضطرب غير قادر على القيام بدوره في حياة البلد السياسية والاجتماعية».
ويشير أخصائيو الطب النفسي إلى أن هذه الآثار قد تتحول إلى مشاكل نفسية عميقة خاصة إذا لم يتمكن الأهل أو البيئة المحيطة بهم من احتواء هذه الحالات ومساعدة الطفل على تجاوزها».
آمال تتبدد
مع تواصل العدوان السعودي الذي أصبح يتعمد استهداف المناطق المدنية والمنازل السكنية ملحقا المزيد من أطفال ونساء اليمن إلى سجل الضحايا، فإن «مستقبل الطفولة والأمومة بات محفوفا بالأخطار» بحسب وصف منظمة رعاية الطفولة و الأمومة الأممية «يونيسف» فجرائم العدوان الكارثي للأطفال والنساء في اليمن لا تجد أي تفاعل أو اهتمام من قيادة العدوان ولأن تلك المنظمات لا تحمله مسؤولية ما يجري بصورة صريحة ومباشرة فإنه يستغل ذلك للإيغال في جرائمه بحق أطفال ونساء اليمن .
وتشير تقارير «اليونيسف» إلى أن الحرب على اليمن دمرت الخدمات الأساسية التي يعتمد عليها الأطفال والمرأة، وتحذر من أن «عدد القتلى قد يكون أعلى من الأرقام المعلنة».
ويوضح احد تقارير اليونيسف أن «أكثر من نصف مليون من النساء الحوامل موجودات في المناطق الأكثر تضررا وهن أكثر عرضة للولادة أو مضاعفات الحمل ولا يستطعن الوصول إلى المرافق الطبية».
تقرير المنظمة الأممية للأمومة والطفولة يشدد على أن الأطفال يتحملون العبء الأكبر للصراع في اليمن حيث يتعرضون إما للقتل وإما للإصابة إضافة إلى خطر تعرضهم للأمراض وسوء التغذية والتشريد.
ويقول مسؤولون دوليون بأن الأساليب الوحشية التي اتبعها تحالف العدوان في حربه على اليمن أدت إلى مقتل المئات من الأطفال الذين كانوا في المدرسة أو في الشارع أو في البيوت كما تسببت تلك الغارات الوحشية في حالات لا تحصى من قتل الأطفال وتشويههم.
دعم نفسي
في المقابل يؤكد الأخصائيون على «ضرورة التعامل السليم والرشيد مع ا ضحايا العدوان من الأطفال ونساء اليمن ومن دون ذلك فإن هذه الآثار ستتحول إلى عاهات مستديمة ومستعصية على العلاج مع مرور الوقت وأن التعامل يتطلّب الكثير من الحرص والدعم لإعادة الطمأنينة إلى الطفل والمرأة والثقة بالنفس ليتخطى الظروف التي عاشها.
ويرجح علماء النفس بأن الصدمة النفسية التي تتركها الحروب لدى الأطفال والنساء في اليمن تندرج ضمن باب الآثار المدمرة، وهو ما جعل مختصين يقومون بالدراسات المستفيضة وتحليلها للوصول إلى نتائج تساعد على بذل كل الجهود والعمل على مراعاة الأطفال والنساء في زمن الحروب وإيوائهم وتأهيلهم وإبعادهم قدر الإمكان عن الآثار النفسية والمعنوية التي يمكن أن تلحق بهم، فإن لم يستشهدوا فيها ويموتون دون ذنب؛ فإنهم سيتجرعون كأس مراراتها وأصنافا من ألوان الشقاء والعذاب وهم شاهدون عليها وعلى رعبها بصور تُحفر في ذاكرتهم ولن يستطيعوا نسيانها خاصة وهم يشاهدون صورا حية تمثل بشاعة القتل بأقسى صوره خاصة لو طال الموت عزيزا أو قريبا للطفل وإذا كان الكبار يستطيعون تحمل الصدمات مع ألمها ومعاناتها فإن الأطفال على العكس من ذلك وما يصاحب الحروب من أهوال ونكبات وصدمات كفيل بزعزعة نفس الطفل وأمنه مدى الحياة.
آفة نفسية
ويضيف المختصون النفسيون: قد لا يدرك الأهل والمجتمع هذا الأثر في وقته، ولكنه بمرور الزمن تتفاقم حالة الطفل ويتحول المشهد المرعب والمفزع الذي رآه قبل سنوات في غمرة الحرب، إلى آفة نفسية لا يستطيع التخلص منها إلا بعد علاج قد يطول زمنه.
ويؤكّد المختصون في علم النفس أن أخطر آثار الحروب هو ما يظهر لاحقاً من مشاكل وعقد نفسية لدى أجيال كاملة من الأطفال يتوقف مدى خطورتها على مدى استيعاب الأهل وكيفية مساعدة الطفل على تجاوز المشاهد التي مرّت به حيث تُعتبر الصدمات التي يتعرض لها الطفل بفعل الإنسان أقسى مما قد يتعرض له من جرّاء الكوارث الطبيعية وأكثر رسوخاً بالذاكرة ويزداد الأمر صعوبة إذا تكررت هذه الصدمات لتتراكم في فترات متقاربة. وتُعيق الكشف عن هذه الحالات لدى الأطفال صعوبة تعبيرهم عن شعورهم أو الحالة النفسية التي يمرون بها بينما يختزلها العقل ما يؤدي إلى مشاكل نفسية عميقة خاصة إذا لم يتمكّن الأهل أو البيئة المحيطة بهم من احتواء هذه الحالات ومساعدة الطفل على تجاوزها، ومن الآثار النفسية على المدى القريب للأطفال ما حدده مختصو علم النفس ويتمثل في :سوء التغذية، الأمراض المتعددة، التشرد، اليتم، الإرغام على ارتكاب أعمال العنف أو الاعتداءات الجنسية، الاضطراب في التربية والتعليم.
فيما تُحمل منظمات دولية ومحلية قوات التحالف السعودي الأمريكي كامل المسؤولية عن تفاقم الوضع الإنساني في اليمن، حيث يقول مسؤولون في الأمم المتحدة بأنها ستؤدي حتما إلى كارثة إنسانية غير محمودة العواقب.

قد يعجبك ايضا