أمريكا.. الوجه الآخر!

 

أنس القاضي

في الخامس والعشرين من شهر أكتوبر عام 1983م انقضت القوات الأمريكية على دولة “غرينادا” -وهي إحدى أصغر دول العالم الواقعة في جزر الهند الغربية في البحر الكاريبي- انتهك الأمريكيون سيادة هذه الدولة الصغيرة الواقعة في جزيرة على البحر، وحملوا الدمار والموت للسكان الآمنين الذين نهضوا للدفاع عن وطنهم.. احتلت القوات الأمريكية جزيرة غرينادا بدون أي مبرر، وقد أطلقت الإدارة الأمريكية كذبة تبرر غزوها الوحشي لهذه الدولة الصغيرة، فادعت آنذاك بأن الطلاب الأمريكيين تعرضوا للخطر! وكانت حقيقة الغزو هي إسقاط الاشتراكيين الحكومة الغرينادية العميلة للغرب، وتشكيل حكومة وطنية.
العدوانية التي تتعامل بها الولايات المتحدة الأمريكية مع دول العالم تعكس تعفن الوضع الداخلي الذي تعيشه.. تحاول الولايات المتحدة الأمريكية الظهور بصورة جنة الرفاهية البشرية، لكن واقعها الجحيمي لا يُمكن إخفاؤه.. أمريكا الدولة المبهرجة بادعاءات الديمقراطية مجتمعها عنصري من الداخل والفقر يتسكع في أحيائه العشوائية، كما أن هذا البلد المتنطع بالحُرية تحكمه رغبات المجمعات الصناعية العسكرية التي تُسيطر على كل شيء، وأبسط الحقوق الشخصية ينتهكها قانون “مكافحة الإرهاب”، أما المُعارضون للسياسة الأمريكية في الداخل كما هو الحال في الخارج مصيرهم الاغتيال بالرصاص والأمراض الجرثومية.
يتم تشكيل وعي ومزاج المواطن الأمريكي من قبل النخبة المالية الحاكمة التي تملك أضخم وكالات الدعاية والإعلان والإنتاج السينمائي والتلفزيوني ودور النشر، ومؤسسات قياس الرأي العام.. تعمل أجهزة الضخ الأيديلوجي الأمريكية على تزييف وعي المواطنين ونشر الدعاية المضادة للقوى الثورية العالمية، والمنافسين الدوليين، ووصمهم بالإرهاب، وتثبيط مشاعر التضامن الأممية مع الشعوب المُستضعفة.
في شهر أكتوبر من العام 2011م شهدت الولايات المتحدة الأمريكية احتجاجات شعبية مدنية كبيرة تطالب بالعدالة ومضادة للفقر والغلاء والأزمة المالية، سُميت بحركة احتلوا “ويل استريت” وهو شارع المال في قلب نيويورك.. كشفت أحداث “ويل استريت” تعفن النظام الاجتماعي الحاكم في أمريكا، فقد تعاملت الإدارة الأمريكية مع الاحتجاجات بالقمع الوحشي والاعتقالات، وهو الأمر الذي أدانته كثير من دول العالم من بينها: إيران والبرازيل والهند وكندا فنزويلا وبولندا والفاتيكان، وقد كشف القمع الأمريكي للاحتجاجات الشعبية زيف الحرية والديمقراطية التي يتغنى بها النظام الأمريكي ويوهم بها المواطن الأمريكي.
كأي دولة رأسمالية تتباهى الولايات المتحدة الأمريكية بسوق البورصة وناطحات السحاب، لكن هذه المظاهر المادية مملوكة لأسياد “ويل استريت” دون غيرهم من الشعب الأمريكي، أما اللهو والترف الذي يعيشه المقامرون في ولاية (لاس فيجاس)، فلا يجده جياع الولايات الجنوبية.. خمسون مليون مواطن أمريكي يعيشون تحت خط الفقر، وبقية المواطنين من دافعي الضرائب يعيشون من أجل سداد الأقساط بعد أن رهنوا حياتهم للبنوك.. وبيوت الدعارة مليئة بالنساء اللواتي يبعن أجسادهن من أجل البقاء على قيد الحياة الاستهلاكية!
في أواخر العام 2016م أصدرت كل من منظمة “هيومن رايتس ووتش” وَ”الاتحاد الأمريكي للحريات المدَنية” تقريرا مشتركا يبدون فيه تخوفهم من تنفيذ القوانين ضد مُدمني المُخدرات، بعد أن أصبح المدمنون يمثلون شريحة كبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يوجد 137 ألفَ مواطن ومواطنة من الأمريكيين في السجون بتهمة تعاطي المخدرات، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المُدانين الذين يُنقلون بين مراكز الاحتجاز والسجون وغالبًا ما تُثقل كواهلَهم الغرامات والرسوم.
تقول السيدة ((تيس بوردن)) كاتبة تقرير منظمة “هيومن رايتس وووتش”: “في كُلَّ 25 ثانية يتعرّض شخصٌ للاعتقال بتهمة حيازة المخدرات، وهذه الاعتقالات واسعة النطاق تسببت في تدمير حياة عددٍ لا يُحصى من الأشخاص، وليس لها أية قيمة في مساعدة الذين يعانون من الإدمان”.
لا تزال العنصرية قائمة في المجتمع الأمريكي بعد خمسة عقود من الاعتراف للسود بحقوق المواطنة، فحتى عصرنا الراهن تستمر بعض الكنائس في رفض تزويج السود، كما أن غالبية السجناء في الولايات المتحدة الأمريكية من أبناء البشرة السوداء، ويعاقب السود بفترة سجن أَكبر مما يعاقب بها المواطن الأبيض في نفس الجريمة، وعلى مستوى الحقوق الاقتصادية يتقاضى العُمال السود والنساء والآسيويون في أمريكا أجورًا أقل من نظرائهم البيض، ونسبة الحصول على الوظيفة من المتعلمين السود مقارنة بالبيض هي 25 %، كما أن أَكْثَـر من 70 % من عائلات السود تعيش تحت خط الفقر، ومعظمَ حالات الانتحار تقع في أوساطهم.

قد يعجبك ايضا